اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/ekram/29.htm?print_it=1

البلوتوث كشف الوجه الآخر لشبابنا..!

إكرام الزيد

 
تحصل لي فرصة من بعض أقاربي أن يطلعوني على آخر ما تفتقت عنه عقول شباننا من مقاطع فيديو ظريفة - زعموا! - ينشرونها في البلوتوث متنافسين أيهم أشد بأسا وأشد تنكيلا، وسأكتب عن بعض ما رأيتُ - أو سمعتُ - تعليقاً عابراً حتى نصل وإياهم إلى كلمة سواء، وإليكم!
أما في المدارس (محاضن التربية) فمقطع يظهر فيه الطالب وهو يري معلمه دفتره-ويبدو أنه في الصفوف الابتدائية الدنيا-وكان قد نقل الدرس دون ضبط الحروف، فيسأله المعلم: وين الحركات؟ ثم يبدأ بترديد كلمة (وين الحركات) بشكل غنائي تهريجي يرقص معه الطلاب ويلوحون لكاميرا معلمهم الظريف، وفي المقابل مقطع لمعلم يضرب تلميذه بوحشية منقطعة النظير والطالب يتوسل للمعلم بأن يتركه في حال سبيله!
ومقطع آخر لطلاب ثانوية كما يبدو وهم يمثلون دور عروسين وضيوف، بل أبدعوا في الزفة حتى بلغ من طربهم أن تبرع بعضهم ليقوم بدور ضاربات الدفوف والبعض الآخر يرقص رقص نساء ببراعة، هذا عدا عن مقاطع إتلاف العهدة المدرسية من أثاث وكراسي، وعبث لا نتصور حدوثه في صروح تربوية، ومقاطع المعلمين والطلبة أكثر من أن أبسطها كل البسط!

أما بالنسبة لمقاطع الموظفين في الشركات والوزارات..فشيء مخجل من رقص سامج وغناء نشاز وحركات تهريجية لا تليق برجال قاموا مقام المسؤولية، وبلغوا من العمر رشدا، والعجيب أنهم يتلثمون بشمغهم إذ يدركون شناعة فعلهم لو عرفوا به! مع أن بعضهم يكتب اسم الوزارة أو المكان الذي حصل فيه هذا الإنجاز العظيم، لكن ربما أن الحسنة الوحيدة للبلوتوث بالنسبة للمدراء أن بعضهم يصور بعضا وهم نيام أثناء الدوام، وأظن أن المقطع لو وصل المدير لحاسب النائمين حسابا عسيرا!

ولا يقف الأمر عند عبثهم فيما بينهم، بل يتجاوز بالتعدي والإيذاء، فإنهم يأتون بالعمالة الأجنبية ليهرجوا لهم فيرضوا عنهم..مع سخرية بالناس ولهجاتهم ولغاتهم وعاداتهم، بل ربما جعلوا عامل محطة البنزين يرقص بطريقة يشتهونها وربما -وتلك الطامة- ضربوهم ضربا مبرحا كما في مقطع ضرب عامل النظافة أو حمل الخادمة والتلويح بها وهي تصرخ بذلة بطريقة ليس فيها إضحاك أو متعة أو أي إبداع سوى بدعة الدناءة وعدم المروءة!
أما البلوتوث والحيوان..فقد كانت مقاطع الفيديو أبلغ ناطق عن إزدواجية نعيشها في حياتنا..فمع حفظنا لأحاديث الرفق بالحيوان ومنهج ديننا السمح في ذلك، إلا أن تطبيق فتياننا قد قتل الروح في تيك النصوص المقدسة من تعذيب للقطط أو الكلاب أو الضب أو الطيور..وكأن قلوبهم في أكنة مما تدعوهم إليه وفي آذانهم وقر ومن بينها وبينهم حجاب!
والقول نفسه أقوله في التعامل مع الصغار بالضرب الوحشي أو الإجبار على سلوكيات مرفوضة؛ فقط ليضحك بعضهم بعضا، وأما البلوتوث ونشر صور النساء..فتلك إذن قسمة ضيزى، تهتك فيها الستر..وتكشف دونها الحجب..ونستعيذ منها بقيوم السماوات والأرض!
وحين ننظر للأصل والمنبت في هذا القضايا، نتعجب أن بدت السوءات المخفاة فيما كنا نظنه مجتمعاً فاضلاً، فما الذي يحدث؟ وأي جيل هش كشفه لنا البلوتوث وأظهر عواره وهتك أستاره؟ وكم هي مستفزة تيك الضحكات السامجة المفتعلة التي تطل من وراء الكاميرا، والترويع والمزاح المبالغ فيه، فهل نلومهم؟ أم اللوم متعد لمن تصدروا للتربية وهم بحاجة لإعادة تأهيل وتربية!
كنا ننادي بالتقدم العلمي والصناعي، وفتح باب الجهاد الشرعي المنضبط والسعي نحو تميزنا الفريد الذي يجمع بين الحضارة والهوية..فإذ بالتكنولوجيا تظهر لنا وجها لأبنائنا..لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى! لقد رأيناهم وقد افتقدوا أبسط أبجديات الحضارة فكيف السبيل إلى لبها؟
إن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها..ليسوا بحاجة إلى تبجحنا بهوية جوفاء..ولدت لنا جيلا كان أملا لنا بأن يأتي بما لم تستطعه الأوائل..وقد أتوا والله بما لم يستطعه الأوائل لكن بطريقة يبكي لها القلب والعين معا!
ولعجيب أن التعليم في زمن آبائنا كان أقل حظا منه الآن، ومع ذلك فهم قد تألقوا بالخلق الكريم والشهامة والعفة والنبل والكرم بشكل أكثر من جيلنا الذي نال كفايته من تعليم "متطور"..!
حسنا..! ليس الخطأ في البلوتوث، فهو وسيلة فقط ليعكس صورة المجتمع..وقد فعل!
لكن من الذي يقوم بإعداد هذه المقاطع..ومن ينشرها..ومن يطلبها؟ أليسوا أبناءنا؟ بلى..ولا مراء! ولا أدري..هل سنحتاج وقتا طويلا لإزالة ترسبات الترف والازدواجية في سلوكهم؟! تكفي نظرة في الأسماء التي يتخذونها لأنفسهم في القوائم..لنعرف إلى أي مدى قصرت الهمم وتصاغرت!
العلاج والحل يحتاج مقالة أخرى..فانظروني إلى حين، هذا وسلام عليكم ورحمة.

 

إكرام الزيد
  • مـقـالات
  • قصص
  • قصائد
  • أفكار دعوية
  • ردود وتعقيبات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط