اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/ekram/30.htm?print_it=1

التدمرية "جولة في رحابها!"

إكرام الزيد

 
رائع هذا المكان!
تمتمت بهذه العبارة وأنا أجيل ناظري في أرجاء (التُّدمرية)، عَلَم المكتباتِ ومهوى الأفئدة..التي ذاع صيتها واشتهر بين محبي القراءة (الفكرية والشرعية بالذات)، خاصة مع ما تميزت بهِ من أسعار مخفضة، يظهر البون الشاسع فيها عند زيارة المكتبات الأخرى (الكبيرة)!
والاسم الحقيقي لهذه المكتبة العامرة هو (دار التُّدمرية)، لكنها اشتهرت بهذا الاسم التاريخي الرامز لحضارة (تُدمر) في لفتة لطيفة تدلّ على اتصال المكتبة بالتاريخ، وربط وشيجتها به فخراً محموداً لا تقطع علائقه، وتبدو كلمة (التُّدمرية) مخطوطة بخطّ جميلٍ واضحٍ على لوحة صفراء فاقعة تسرُّ الناظرين، على شارعٍ رئيسٍ صاخبٍ في شرق مدينة الرياض!
والتُّدمرية مكتبةٌ كبيرةٌ صغيرةٌ، فهي كبيرة في تنوع كتبها، وكثرة عناوينها، وذيوع شهرتها، وصغيرة في مساحتها وممراتها، وذلك مما كدّر زيارتي إليها حتى اختصرتُ الوقت الذي نويتُ قضاءه فيها إلى النصف، فاكتضاضها بالرجال – رغم الأدب الجم في المرتادين – يجعل الحركة غير مريحة للنساء، وليستْ هذه شكواي وحدي، فقد سمعت شيئاً من هذه الشكاية من بعض صواحبي، بل وقد علمتُ – ممن أثق به- أنّ المكتبة لا يمكن لامرأة دخولها بعد صلاة العصر من يوم الخميس، إذ يصلّي الناس في مسجد الراجحي الكبير (وهو يقع أمامها مباشرة)، ثم يثنّونَ بها ليقضوا فيها العصر قارئين ومتبضّعين ومسلِّمين..
ويزيد احترامي لهذه المكتبة، أنّها نجحت في استقطاب القارئين، باحترام عقولهم في انتقاء عناوينها، وقربها من كافة الطبقات بثبات أسعارها، وبعيداً عن المقارنة لاختلاف التوجّه، إلاّ أنّ الإنصاف يجعلني أذكر اسم المكتبة (التراثية) في نجاحها في استقطاب المرتادين - رغم أنّ الأسعار عند التراثية أكثر ارتفاعاً - والمفارقة أنّ المكتبتين – مع اختلاف توجهاتهما - تحملان اسماً مرتبطاً بالقدمِ، فهل يدلّ نجاح الاستقطاب هذا على عودة جيل الشباب القارئ نحو تراثه؟!
ورحم الله د. محمود الطناحي (توفي عام 1419هـ) الذي كان يتحسّر على تراث ضخم ليس له قراء، وكان يقول: (أعود إلى مكتبتي وأطيل النظر، وأكرر سؤالاً أعرف ألاّ جواب له: من يقرأ هذه الكتب،كبارها وأوساطها وصغارها؟ بدءاً بالمفضليات والأصمعيات، وانتهاء بالكشكول والمخلاة للعاملي، وقروناً بين ذلك كثيراً...) [مقالات محمود الطناحي ج1 ص262]، ورغم أنّي لم أقرأ هذه الكتب التي يتحدثُ عنها، إلاّ أنّ حديثه يشعل جذوة الهمّة للعودة إلى كتبِ السابقين والنظر فيها، فلو لم يكن منها إلا حدة الذهن وعمق التجربة وتبحر اللغة، لكفى، فكيف وهي المورد العذب الذي لا ينقطع؟
ولقد ظلّ في جلّ مقالاته – عليه من الله الرحمة والمغفرة - يدعو إلى ربط الطلاب والشباب بكتبِ الأقدمين وحضّهم على قراءتها والدربةِ عليها، والدكتور محمود الطناحي – لمن لا يعرفه - علاّمة موسوعي أفنى عمره في إحياء التراث وتحقيق المخطوطات إبان عمله في معهد المخطوطات في مصر، وإني لأقرأ هذه الأيام كتاباً يجمع مقالاته النفيسة صار سميري في الليالي!
وعودة نحو التدمرية، فإني قد نزلتُ أرضها أيام التخفيضات السنوية، وهي عرس ثقافي يحضره محبو الكتب، ومرتع خصب لطالب وطالبة العلم، بل إن شئت فسمها ملتقى المثقفين، وكم تناهى إلى سمعي في الساعة التي قضيتها سلامات حارة، وتحايا واحتفاء بين الرواد بعضهم ببعض، رغم أنّ الوقت الذي جئتها فيه لم يكن وقتَ ذروة أو عصر خميس!
وكم تمنيتُ وأنا أسمع هذه التحايا لو كان للنساء مثل هذه المكتبة خالصة لهنّ من دون المؤمنين، تكون لبيع الكتب وتبادلها، ويتطور أمرها لتصبح كالملتقى الثقافي للنساء، ورغم أنّ مكتبة الملك عبد العزيز العامة لها دور رائع وأنشطة فاعلة، إلاّ أنّ مجالها ينحصر في الإعارة –وفق ضوابط محددة- دون البيع، أما مركز الأمير سلمان ودور التحفيظ والنوادي والمراكز التدريبية والتعليمية، فما زال دورها قاصراً عن الوصول إلى نشاط مكتبي مؤثر..
وما دام الأمر هذه حاله بالنسبة للنساء، فسنصطبر إلى أن ينظر في أمرنا، لكني أقترح على إدارة المكتبة أموراً بالنسبة لمرتاديها، أرجو أن تقع منها موقع القبول والنظر..

أولاً، لو أن المكتبة استغلتْ اجتماع المثقفين فيها وانصرافهم إليها بأن تقيم على هامش نشاطها التجاري ندوة ثقافية بشكلٍ دوري – على غرار مقاهي المثقفين في مصر، لكن بشكل تنظيمي أكبر - تطرح فيها عناوين الكتب الجديدة وتعرّف بها، أو تقدم عروضاً معينةً باستضافة طلاب الكليات الشرعية واللغوية –والمكتبة مليئة بمراجع تخصصاتهم-، أو يُناقش فيه كتابٌ من مبيعات المكتبة في ندوة حوارية، ويكون ذلك النشاط تحت إشراف من له خبرة في مثل هذا، كمركز حمد الجاسر الثقافي، أو مؤسسة البابطين الخيرية، إذ أسمع أنّ لهم احتفاء بمثل هذه الأنشطة..بل لو توسعنا بالخيال قليلاً، فما الذي يمنع أن تقوم إدارة المكتبة بافتتاح مقهى ملاصق لها؟ وكأني أراه قد أصبح مرتعاً خصباً للقاءات ثقافية عامرة من الرواد!

ثانياً.. لو وسّعت المساحة لتكون أكثر انشراحاً ومريحة لحركة الجميع، فالنساء – كما تقدم – يواجهنَ صعوبة في زيارة المكتبة والتجول فيها بحرية، وحتى للرجال فهي صغيرة بالنسبة لشهرتها وكثرة مرتاديها.

ثالثاً.. أقترح لو خصص يوم للنساء، فإن لم يكن فساعة من نهار كلّ يوم، بشرط الإعلان عن ذلك ليُعلم عنه، ولا يُحتجّ علينا أنّ اليوم وضع - أو الساعة – فلم يأتِ أحد..!

رابعاً.. ماذا لو وُضعت أماكن للقراءة والتصفح، فالقارئ النابه لا يأخذ الكتاب من عنوانه، إنما ينظر في مقدمته وفهارسه، خاصة إذا كثرت أجزاءه، أو صار القارئ باحثاً له موضوع معين يريده – وما أكثرهم في مرتادي المكتبة -.

خامساً..لم أفهم آلية التصنيف عند المكتبة. الترتيب للكتب على الأرض ظريف ويشبه ما نسمعه عن كتب الرصيف..لكنها غير سلسة في الأخذ والإرجاع.

سادساً.. كم أسعدني أن للمكتبة فرعاً في منطقة القصيم، ولو أثمر هذا التوسع عن فرعين آخرين في جدة والدمام لكان خيراً، فالذي نسمعه من إقامة مخيمات دعوية ودورات علمية في المنطقتين يبشر بصحوة علمية وثقافية، ويجعل مثل التدمرية - إن حلّت بواديهم - قبلة للطالبين والباحثين..
هذا ولله الأمر من قبلُ ومن بعد ..

رجب – 1426 هـ

 

إكرام الزيد
  • مـقـالات
  • قصص
  • قصائد
  • أفكار دعوية
  • ردود وتعقيبات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط