صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الوقفات التدبرية لسورة ق

فوزية بنت محمد العقيل
‎@g_fawaed‏


بسم الله الرحمن الرحيم


أسماء سورة ق :
-----------------
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (سمّيت في عصر الصّحابة سورة ق (ينطق بحروف: قافٍ، بقافٍ، وألفٍ، وفاءٍ). ..
ويقال لها الباسقات ..
روى مسلمٌ عن قطبة بن مالكٍ «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ في صلاة الصّبح سورة {ق والقرآن المجيد} [ق: 1]. وربّما قال: ق يعني في الرّكعة الأولى.
وروى مسلمٌ عن أمّ هشامٍ بنت حارثة بن النّعمان «ما أخذت ق والقرآن المجيد إلّا عن لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرؤها كلّ يومٍ على المنبر إذ خطب النّاس».
وروى مسلمٌ عن جابر بن سمرة «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في الفجر بـ {ق والقرآن المجيد}، هكذا رسم قاف ثلاث أحرفٍ، وقوله: في الفجر يعني به صلاة الصّبح لأنّها الّتي يصلّيها في المسجد في الجماعة فأمّا نافلة الفجر فكان يصلّيها في بيته. وفي «الموطّأ» ومسلمٍ «أنّ عمر بن الخطّاب سأل أبا واقدٍ اللّيثيّ: ما كان يقرأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ «قاف» هكذا رسم قاف ثلاثة أحرفٍ مثل ما رسم حديث جابر بن سمرة {والقرآن المجيد} و{اقتربت السّاعة وانشقّ القمر} [القمر: 1].
وهي من السّور الّتي سمّيت بأسماء الحروف الواقعة في ابتدائها مثل طه وص وق ويس لانفراد كلّ سورةٍ منها بعدد الحروف الواقعة في أوائلها بحيث إذا دعيت بها لا تلتبس بسورةٍ أخرى.
وفي «الإتقان» أنّها تسمّى سورة الباسقات هكذا بلام التّعريف، ولم يعزه لقائلٍ والوجه أن تكون تسميتها هذه على اعتبار وصفٍ لموصوفٍ محذوفٍ، أي سورة النّخل الباسقات إشارةً إلى قوله: {النّخل باسقاتٍ لها طلعٌ نضيدٌ} [ق: 10] ). [التحرير والتنوير:26/273-274]

----------------------------------------------
سوره ق سورة مكية النزول طالما قرأها وتلاها وبين أسرارها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة جمعته على منبره حتى حفظ بعض الصحابة هذه السورة من فيه الرطب صلوات الله وسلامه عليه .
------------------------------------
سبب نزول السّورة :
---------------------
ورد أنَّ اليهود كانت تقول: إنَّ الله خلق الخَلق في ستَّة أيامٍ، ثمَّ استراح في اليوم السَّابع وهو يوم السّبت يوم الرَّاحة عندهم، فأنزل الله تعالى قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ)
فقد روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أَنَّ الْيَهُودَ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَتْ عن خلق السموات وَالْأَرْضِ فَقَالَ: "خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الشَّجَرَ وَالْمَاءَ وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ"، قَالَتِ الْيَهُودُ: ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"، قَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ لَوْ تَمَّمْتَ ثُمَّ اسْتَرَاحَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَضَبًا شَدِيدًا، فَنَزَلَتْ: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)). أسباب نزول القرآن للواحدي

----------------------------------
فضل السّورة :
---------------
تُعتبر سورة (ق) كما في الرّاجح عند المُفسّرين أنَّها أوَّل المُفصَّل في القرآن الكريم، ويُقصَد بالمُفصَّل سور القرآن القصيرة التي كَثُر الفصل بينها بالبسملة، فسورة (ق) هي حدُّ بداية المُفصَّل وأوَّله على الصّحيح من أقوال المُفسّرين.
وذكر ابن كثير أنَّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام كان يقرأ سورة ق في المجامع الكبيرة كالعيد وصلاة الجمعة؛ لاشتمالها على الخلق والبعث والنّشور والحساب، وحديثها عن الثّواب والعقاب، وتناول آياتها للتّرغيب والتّرهيب على السّواء.
كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يقرأ سورة (ق) ويردِّدها في الصّلاة،
وقد ورد أنَّه عليه الصّلاة والسّلام كان يُكثر من قرأتها في صلاة الفجر، حتى حفظها عنه بعض الصّحابة من ترديده لها، كما رُوي عن أمِّ هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها أنَّها قالت: (مَا حَفِظْتُ (ق) إِلاَّ مِنْ فِيّ رَسُولِ اللَّهِ -عليه الصّلاة والسّلام- يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، قَالَتْ وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ -عليه الصّلاة والسّلام- وَاحِدًا).
كان النّبي عليه الصّلاة والسّلام يُردّدها في صلاة عيدَي الفطر والأضحى، فقد روى عبيد الله بن عبد الله رضي الله عنهما: (أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أبا واقدٍ الليثي -رضي الله عنه- عمَّا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -عليه الصّلاة والسّلام- فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وَ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)) رواه مسلم

-------------------------------------------------------
موضوعات السورة :
---------------------
تتكلّم السّورة عن عدة مواضيع تخصّ العقيدة الإسلاميّة، وهو الطّابع الغالب على السّورة، والمِحور الرّئيس الذي دارت حوله الآيات هو البعث والنّشور؛ لإنكار الكافرين له،
وجاءت سورة (ق) بالبراهين القاطعة، والحجج الدّامغة الدَّالة على صدق البعث والنّشور، وأنَّهما حقيقة واقعةٌ بعد الموت،
كما شملت السّورة في آياتها أساليب التّرغيب للمؤمنين ولمن يقترب منه، والتّرهيب للكافرين المُنكرين .

-----------------------------------------------
تناسب خواتيم سورة ق مع مفتتحها :
------------------------------------
من برنامج لمسات بيانية - د. فاضل السامرائي
خمسون سورة متتابعة فيها تناسب وتناغم بين البدايات والنهايات.
أولها (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1)) وآخرها (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)) يذكر القرآن في البداية والنهاية. (وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ) هذا قَسَم.
في البداية قال (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)) رجع بعيد يعني رجعهم إلى الدنيا بعيد لا يقتنعون بالحياة أن يرجعهم إلى الحياة وقالوا (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (10) السجدة). (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) رجع أي أن يرجعهم إلى الحياة هذا أمر بعيد بالنسبة لهم. وقال (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)) يوم تشقق الأرض عنهم معناها البعث، الآية (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)) وهم قالوا (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)، (ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)) وهذه مقابل (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) هذه مرتبطة وكأنها تكذبهم فيما ذهبوا إليه من مزاعم.
قال في البداية (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)) وقال في النهاية (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)) ما مسنا من لغوب لا كلل ولا فتور، لغوب أي كلل وفتور وفعلها لَغَب. أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وما مسنا من لغوب، هذا ارتباط وثيق القرآن .

---------------------------------------------

= { سورة ق}
هذه السورة قد تضمنت من أصول الإيمان ما أوجبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في المجامع العظام؛ فيقرأ بها في خطبة الجمعة، وفي صلاة العيد، وكان من كثرة قراءته لها يقرأ بها في صلاة الصبح.
(ابن تيمية:6/83.)
= سورة ق سورة قوة وقدرة وعظمة من بدايتها. ذُكر فيها القرآن وذُكر العذاب والإهلاك. والقوة في شرعنا ليست قوة في الإهلاك والبطش وإنما أعظم قوة هي قوة البرهان والحُجة وبيان طريق الحق والهدى للناس، تعبّد الطريق للناس ليصلوا إلى ربهم فهذه أعظم نعمة وأجلّ قدرة. وقوة البرهان هذه أنزلها الله تعالى في هذا القرآن الذي بُدئت السورة بذكره (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)) وخُتمت بالحديث عنه (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (45)) وفي هذه دليل على أن هذا القرآن فيه بيان الحُجّة التي بها نقوى ومنها تسمد قوتنا بالحق وفي الحق.
د/ عصام العويد
= سورة ( ق ) ما من أحد يرددها، فيفتح مسامع قلبه لها إلا فتحت كل السدود التي تراكمت بسبب الذنوب . إن الآمر بقوله : ( ألقيا في جهنم ) ق: ٢٤ ، هو نفسه القائل ( ادخلوها بسلام ءامنين ) الحجر : ٤٦ ، هو أيضا الآمر :( نحن أعلم بما يقولون ومآ أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) ق : ٤٥ ، فيا قارئ ( ق ) ، قد لا تنجو من الأولى وتظفر بالثانية إلا بالثالثة .
د . عصام العويد
= (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) ولعل السرّ في افتتاح هذه السورة بهذا الحرف (ق) أن هذا الحرف هو الذي يدور في معظم كلمات السورة فهو أكثر حرف ورد فيها والعجيب أن الكلمات التي تكررت فيها تؤكد مقصدها وهي إيقاظ القلوب لأمر البعث والجزاء. لاحظوا أن كلمة القلب تكررت فيها مرتين أو ثلاث وكلمة القرآن تكررت فيها مرتين وكلمة الحق تكررت فيها مرتين ليؤكد أن هذه السورة فيها إيقاظ للقلوب وإيصال لها بالقرآن إلى الحق المبين في أمر البعث والجزاء.
د/ محمد الربيعة

--------------------------------
= ( ق والقرءان المجيد )
قسم بالقرآن، والقسم به دلالة على التنويه بشأنه ؛ لأن القسم لا يكون إلا بعظيم عند المقسم، فكان التعظيم من لوازم القسم .
ابن عاشور، التحرير والتنوير (٢٧٦/٢٦)
= { قٓ ۚ وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْمَجِيدِ}
(المجيد): سعة الأوصاف وعظمتها، وأحق كلام يوصف بهذا هذا القرآن... وهذا موجب لكمال اتباعه، وسرعة الانقياد له، وشكر الله على المنة به.
(السعدي:803.)
فافتتاح السورة بذكر القرآن الكريم وختمها به لأن القرآن هو المصدر الأصيل لتلقي هذه البراهين ووصف القرآن بالمجيد دون غيرها من الأوصاف لأن المجيد يعني السعة في الكرم والجلال لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية.

----------------------------------
= (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ) اختيار لفظ المنذر وهو المخبِر بالشرّ الذي سيقع، الحديث في السورة عن البعث وعن الكفار فتناسب أن يأتي وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالمنذر لكن في آيات أخرى يأتي بوصف البشير أو البشير والنذير معاً. فإتيان المنذر واضح جداً أنه متناسب مع سياق البعث والتحذير من البعث ولذلك قال (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ). وأيضاً وصفه بأنه منهم هذا موضوع تعجب منهم كما نعلم أنهم كانوا ينكرون أن يكون الرسول بشرياً فبيّن الله سبحانه وتعالى وجه عجبهم (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) أن يرسل رسول أو منذر من البشر. وفي قوله (فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) دون "فقالوا هذا شيء عجيب" إبراز لكلمة "الكافرون" فيه دلالة على أن سبب تكذيبهم وتعجبهم هو الكفر هذه الصفة ولذلك أبرزها.
د/ عصام العويد
= ( بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب )
عندما تخضع العقول تفكيرها: للإلف، والعادة، والتقليد، والهوى، دون تجرد لاتباع الحق ، فإنها ستنكر البدهيات، وتعارض المُسلّمات .
أ . د . ناصر العمر

-------------------------------------
= ( قد علمنا ماتنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ )
عبر بالانتقاص دون التعبير بالإعدام والإفناء؛ لأن للأجساد درجات من الاضمحلال تدخل تحت معنى النقص، فقد يفنى بعض أجزاء الجسد ويبقى بعضه، وقد يأتي الفناء على عامة أجزائه، وقد صح أن عجب الذنب لا يفنى، فكان فناء الأجساد نقصا لا انعداما .
ابن عاشور ، التحرير والتنوير(٢٨٣/٢٦)

------------------------------------
= { بَلْ كَذَّبُوا۟ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِىٓ أَمْرٍ مَّرِيجٍ }
قال قتادة في هذه الآية: مَنْ تَرَكَ الحقَّ مرج عليه أمره والتبسَ عليه دينُهُ. وقال الحسن: ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرُهُم.
(القرطبي:21/316.)
= ( بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج )
١) ( بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ) هكذا كل إنسان يرد الحق أول مرة، فليعلم أنه سيبتلى بالشك والريب في قبول الحق في المستقبل؛ ولهذا يجب علينا من حين نسمع أن هذا الشيء حق أن نقول : سمعنا وأطعنا .
العلامة ابن عثيمين، تفسير سورة ق(٧٦/٧٥)
٢) في هذه الآية : أن مما يفتح الله به على العبد في معرفة الأحكام الشرعية أن يكون مصدقا موقنا، فكلما كنت مصدقا موقنا، فاعلم أن الله سيفتح لك ما لا يفتحه لغيرك، وعليه: فالواجب على المرء أن يقبل الحق فور علمه به ؛ لئلا يقع في أمر مريج .
العلامة ابن عثيمين، اللقاء الشهري(١/٥)
٣) في وصف رأي الكفار فيما جاء به النبي بأنه ( مريج ) دلالة على أن رأيهم باطل ليس بصحيح؛ لأن الجزم الصحيح لا يتغير ولا يتبدل أما هم فكان أمرهم مضطربا فهم كما قال الله( إنكم لفي قول مختلف) الذاريات: ٨
الرازي ، مفاتيح الغيب (١٣٣/٢٨)
٤) إذا رأيت الرجل يتناقض في مواقفه وآرائه، فاعلم أنه لا ينطلق من قاعدة صلبه، أو رؤية واضحة، وإنما يعيش لحظته، وتتحكم به الظروف المحيطة؛ تأمل قوله سبحانه: ( فهم في أمر مريج ) ، ثم تدبر ما بعدها من آيات تجد عجبا !.
د/ ناصر العمر

----------------------------
= { أَفَلَمْ يَنظُرُوٓا۟ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ}
أي: لا يحتاج ذلك النظر إلى كلفة وشد رحل، بل هو في غاية السهولة، فينظرون (كَيْفَ بَنَيْنَاهَا) قبة مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، مزينة بالنجوم الخنس، والجوار الكنس، التي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة، لا ترى فيها عيبًا، ولا فروجًا، ولا خلالا ولا إخلالا. قد جعلها الله سقفًا لأهل الأرض، وأودع فيها من مصالحهم الضرورية ما أودع.
(السعدي:804.)

------------------
= ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها ومالها من فروج )
قد يقول قائل : إن كلمة ( فوقهم ) لا فائدة منها، لأن السماء معروفة أنها فوق، والحكمة في التنصيص عليها هنا؛ إشارة إلى عظمة هذه السماء ، وأنها مع علوها وارتفاعها وسعتها وعظمتها تدل على كمال خلقه وقدرته جل وعلا .
العلامة ابن عثيمين، تفسير سورة ق (٧٧)

= {أفلم ينظروا إلى السماء} استدل بالآيات الكونية على صحة الآيات الشرعية.
والاستفهام هنا للتوبيخ، يوبخهم - عز وجل - لماذا لم ينظروا إلى هذا؟ لماذا لم ينظروا إلى السماء وما فيها من عجائب القدرة الدالة على أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى الذي أنكره هؤلاء المكذبون، وقوله: {أفلم ينظروا إلى السماء} يشمل نظر البصر، ونظر البصيرة، نظر البصر يكون بالعين، ونظر البصيرة يكون بالقلب، أي: التفكر ..
العلامة العثيمين رحمه الله

= النظر والتفكر في مخلوقاته عز وجل فإن ذلك يؤدي إلى معرفته ومعرفة عظيم سلطانه وتمام قدرته ، وحكمته ، ورحمته قال الله تعالى: )أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ )(لأعراف:الآية185)
وقال عز وجل: )قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)(سـبأ:الآية46)
وقال تعالى: )إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (آل عمران:190)
وقال عز وجل: ) وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)(يونس:الآية6)
وقال سبحانه وتعالى : )إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164)
ومن أسباب زيادة الإيمان :
النظر في آيات الله الكونية، والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات ازداد إيماناً، قال تعالى: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (سورة الذاريات الآيتان :20، 21) والآيات الدالة على هذا كثيرة، أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيمانه .
ومن أسباب نقصان الإيمان :
الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده وعدم نموه .
العلامة العثيمين رحمه الله .

= قال عامر بن عبدقيس: "سمعت غيرَ واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكُّر" (انظر: "الدرر المنثور" (2/409)).

------------------------------------
= ( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب )
١) شرط الله الإنابة في الفهم والتذكير؛ فقال تعالى:( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) وقال :( وما يتذكر إلا من ينيب ) وقال:( إنما يتذكر أولوا الألباب) فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة، فليس من ذوي الألباب؛ ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب .
أبو حامد الغزالي، الإحياء(٥٢/٢)
٢) قيد الله التبصرة والذكرى للعبد بوصفه ( منيب) وهو-الراجع إلى مولاه-؛ لأنه هو المنتفع بالذكرى، وفي قوله تعالى بعدها:( رزقا للعباد) ق:١١ ، أطلق الوصف بغير تقييد؛ لأن الرزق حاصل لكل أحد، غير أن المنيب يأكل ذاكرا شاكرا للإنعام، وغيره يأكل كما تأكل الأنعام !.
الرازي، مفاتيح الغيب(١٣٦/٢٨)
٣) ذكر الله تعالى بعض آياته في الأرض ، ثم قال:( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) أي: قدرنا الأرض، وألقينا فيها الرواسي، وأنبتنا فيها أصناف النبات الحسنة؛ لأجل أن نبصر عبادنا كمال قدرتنا على البعث وعلى كل شيء ، وعلى استحقاقنا للعبادة دون غيرنا .
الشنقيطي، أضواء البيان(٤٢٤/٧)

--------------------------------------
= { تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }
خُص العبد المنيب بالتبصرة والذكرى وإن كان فيما ذكر من أحوال الأرض إفادة التبصرة والذكرى لكل أحد لأن العبد المنيب هو الذي ينتفع بذلك؛ فكأنه هو المقصود من حكمة تلك الأفعال. وهذا تشريف للمؤمنين وتعريض بإهمال الكافرين التبصر والتذكر.
(ابن عاشور:26/291.)

-------------------------
= { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكًا فَأَنۢبَتْنَا بِهِۦ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ ﴿٩﴾ وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَٰتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ﴿١٠﴾ رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِۦ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ }
تنبيه على أن اللائق بالعبد أن يكون انتفاعه بذلك من حيث التذكر والاستبصار أقدم وأهم من تمتعه به من حيث الرزق.
(الألوسي:13/327.)

---------------------
= {والنخل باسقات لها طلع نضيد} خص الله النخل لأنها أشرف الأشجار، ولهذا شبه بها المؤمن حيث قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن من الشجر شجراً مثلها مثل المؤمن» قال ابن عمر - رضي الله عنهما - فذهب الناس يخوضون في شجر البوادي، كل يقول: هي الشجرة الفلانية، يقول ابن عمر: فوقع في قلبي أنها النخلة، لكني كنت أصغر القوم - يعني فاستحيا أن يتكلم وهو أصغرهم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» أخرجه البخاري ومسلم
العلامة العثيمين رحمه الله

= { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ ﴿١٢﴾ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَٰنُ لُوطٍ ﴿١٣﴾ وَأَصْحَٰبُ ٱلْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ }
في هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأنه قيل له: لا تحزن ولا تكثر غمك لتكذيب هؤلاء لك، فهذا شأن من تقدمك من الأنبياء؛ فإن قومهم كذبوهم ولم يصدقهم إلا القليل منهم.
(الشوكاني:5/73.)

= ( أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد)
( أفعيينا بالخلق الأول) ؟ هذه من براهين البعث؛ لأن من لم يعي بخلق الناس ، ولم يعجز عن إيجادهم الأول لا شك في قدرته على إعادتهم وخلقهم مرة أخرى؛ لأن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من البدء .
الشنقيطي، أضواء البيان(٤٢٥/٧)

--------------------------------
= (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ) وذكر الخلق باستخدام ضمير العظمة (نا) للدلالة على عظيم قدرته سبحانه وتعالى .. ثم جاء الحديث عن العلم في قوله (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) فكل هذه مرتبطة بقضية سعة علم الله سبحانه وتعالى وقدرته على إعادة الأجساد. وهذه الآية (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) تكفي لنعرف قدرة الله سبحانه وتعالى وواسع علمه وإحاطته فلا نعصيه في سر ولا نظلم أحداً. لو عرضنا أنفسنا على هذه الآية: ربنا أقرب إلينا من حبل الوريد وأقرب إلينا من كل الناس، أقرب إلينا بعلمه واطلاعه وإحاطته بخلقه وقدرته على الناس! أليس هذا رادعاً كافياً لكل إنسان فيرتدع إن كان عاصياً مذنباً؟! الله سبحانه وتعالى يعلم سرّك أيها الإنسان حتى قبل أن تفكّر فيه فأين تحاول أن تختبئ بذنوبك وسيئات أعمالك وأقوالك؟! ألم يئن أن تتوقف مع نفسك وتراقب الله تعالى في سرّك وعلانيتك وتوقن أنه أقرب إليك من حبل الوريد وبيده حياتك وموتك فإن لم تتب الآن اِخشَ على نفسك أن يقبض روحك وأنت على معصية!.
د/ عصام العويد
= ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )
فإياك أن تضمر في قلبك شيئا يحاسبك الله عليه، أما الوساوس التي تطرأ على القلب، ولا يميل الإنسان إليها- بل يحاول دفعها- فلا تضره بل هي دليل إيمانه، فالشيطان إنما يلقي الوساوس على القلب السليم، أما غير السليم، فالشيطان لا يوسوس له؛ لأنه قد انتهى .
العلامة ابن عثيمين

.............................
= { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }
يخبر تعالى ... أنه أقرب إليه من حبل الوريد، الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان، وهو العرق المكتنف لثغرة النحر، وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه المطلع على ضميره وباطنه، القريب منه في جميع أحواله، فيستحيي منه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره.
(السعدي: 805.)

------------------
= { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }
يخبر تعالى ... أنه أقرب إليه من حبل الوريد، الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان، وهو العرق المكتنف لثغرة النحر، وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه المطلع على ضميره وباطنه، القريب منه في جميع أحواله، فيستحيي منه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره.
(السعدي: 805.)

----------------
= { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }
والمراد أن الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد في وقت كتابة الحفظة أعماله لا حاجة له لكتب الأعمال؛ لأنه عالم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وإنما أمر بكتابة الحفظة للأعمال لحِكم أخرى؛ كإقامة الحجة على العبد يوم القيامة.
(الشنقيطي: 7/426.)

-----------------------
= (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد) أي: الملكين الذين يكتبان الحسنات والسيئات ، وفي بعض الآثار: أنت تجري في معصية الله وفيما لا يعنيك، ألا تستحي من الله ولا منهما ؟!
ابن عجيبة الفاسي، البحر المديد(٢٦٩/٧)

----------------------------
= تستمر الآيات واعظة منذرة لكل من لم يتفكر ولكل من لا يؤمن بالبعث ولا بقدرة الله تعالى (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴿١٧﴾ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿١٨﴾) الحديث عن اللسان !!..
لعل الواحد منا يراجع كلامه من ساعة ما يستيقظ إلى ساعة ينام: هل كل ما قاله مباحٌ؟ هل كله حلال؟ كم سُجّل علينا من كلام؟! فلنعرض أنفسنا على هذه الآية العظيمة ونستحضر عظمة الحساب على ما ذكرناه بألسنتنا ليس في يوم واحد وإنما طيلة أعمارنا من ساعة ما جرى علينا القلم! لننظر إلى عظيم سجلاتنا عند ربنا سبحانه وتعالى وما أحصاه علينا ونسيناه! كم اغتبنا؟! كم بهتنا؟! كم كذبنا؟! كم شهدنا زورا؟! كم قلنا فجورا؟! تخيّل نفسك في موقف الحساب وأنت بين يدي ربك وتؤتى كتابك وتتيقن أنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها عليك مكتوبة موثّقة لا مجال لانكارها، يوم تؤتى بالصحف فتُنشَر وفيها كل ما قلتَ بلسانك أحصيت عليك بالكلمة والحرف! حاسِب نفسك من الآن وضع نصب عينيك هذه الآية (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) قبل أن تتلفظ بكلمة اعرضها على الآية واسأل نفسك هل ستُكتب لي أم عليّ؟ واختر لنفسك ما تريد أن يكون مدوّناً في صحيفتك يوم القيامة! وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما أخذ بلسان معاذ فسأله معاذ: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم.
د/ عصام العويد

-------------------------------
= (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
١) في اللسان آفتان عظيمتان، إن خلص العبد من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام، وآفة السكوت، وقد يكون كل منهما أعظم إثما من الأخرى في وقتها .
ابن القيم، الجواب الكافي (١٦١)
٢) فإذا كانت الأقوال تكتب، فالأفعال من باب أولى؛ فعليك أن تتقي الله عز وجل ، ولا تخالفه، إذا سمعت الله يقول خبرا، فقل: آمنت به وصدقت، وإذا سمعت الله يأمر بأمر، فقل: آمنت به وسمعا وطاعة، أو نهيا فقل: آمنت به وسمعا وطاعة .
العلامة ابن عثيمين، تفسير سورة القمر(٢٩٧)
= (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ) لماذا خص القول؟ أين العمل؟ لأنه في وقت الاحتضار يقف عمل الإنسان إلا من قوله ولسانه ليس عنده حراك في عمل إلا قوله ولهذا قال (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) .
د/ محمد الربيعة

-------------------------------------
= {ما يلفظ من قول} نكرة في سياق النفي فهي للعموم، أي قول، وظاهر الآية الكريمة أن القول مهما كان يكتب، سواء كان خيراً أم شرًّا، أم لغواً يكتب، لكن يحاسب على ما كان خيراً أو شرًّا، ولا يلزم من الكتابة أن يحاسب الإنسان عليها، وهذا ظاهر اللفظ، وهو أحد القولين لأهل العلم.
‎ومن العلماء من يقول: إنه لا يكتب إلا الحسنات والسيئات فقط، أما اللغو فلا يكتب.
والقول الأول أولى .. وهو العموم .
العلامة العثيمين رحمه الله

= { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ ٱلْمَوْتِ بِٱلْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}
وإنما قال: جاءت بالماضي لتحقق الأمر وقربه.
(ابن جزي:2/365.)

= = {وجاءت سكرة الموت بالحق ( ذلك ) ما كنت منه تحيد} نزل الموت منزلة المشاهد ( ذلك ) للدلالة على قرب حصوله. ابن_عاشور/ فوائد القرآن

= (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) هذا الموت الذي يوقن للإنسان حياته الأخرى ولهذا قال (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) وسماها سكرة لأنها ذهول عن حقيقة الحياة والإنسان في تلك الفترة يغيب باله ويبهر عقله يغيب عن الدنيا وما فيها من فجأة ذلك الموقف الذي أصابه وهو الموت. (ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) وما معنى تحيد؟ تهرب وتحاول التخلص منه والهروب منه (ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) وهو مظهر أيها الإخوة لو تصوّره الانسان لكفى به موعظة “كفى بالموت واعظاً” كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “تذكروا هادم اللذّات” لحظة سكرات الموت لحظة فراق ولحظة انتقال من حياة إلى أخرى فلو تذكّرها الإنسان وأنه في تلك اللحظة سينتقل إلى حياة أخرى لا شك أنه سيرهب منها ويتذكر مصيره وما بعده من الجزاء فيوقظ قلبه إذن السورة فيها إيقاظ للقلب ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها في مجامع الناس.
د/ محمد الربيعة

= ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد )
1) لما احتضر أبو بكر، تمثلت عائشة ببيت من الشعر، فكشف أبو بكر عن وجهه، وقال: ليس كذا، ولكن قولي :( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد ) .
الإمام أحمد، الزهد (١٠٩)
والقصة هي : واجه الصديق رضي الله عنه سكرة الموت وهو مضطجع في بيته فقالت الصديقة رضي الله عنها ابنته عائشة لما رأت أباها يواجه سكرت الموت تردد قولاً قديماً لحاتم طي :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ***إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فكشف الصديق وهو في سكرة الموت عن غطاءه وقال : " يا بنيه لا تقولي هذا ولكن قولي كما قال الله : { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }" .
٢) وصف الله تعالى شدة الموت في أربع آيات :
١_( وجاءت سكرة الموت بالحق ).
٢_( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت) الأنعام:(٩٣).
٣_( فلولا إذا بلغت الحلقوم ) الواقعة :(٨٣) .
٤_( كلا إذا بلغت التراقي ) القيامة :( ٢٦ ) .
فرحم الله عبدا أعد لذلك المصرع !.
القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة(١٨/١)

-------------------------------------------------
= وقفة : كيف نستعد للموت ؟!!..
==================
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
ولهذا نقول : أنت لا تسأل متى تموت ، ولا أين تموت ؟.. لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال ، أمر مفروغ منه ، ولابد أن يكون ، ومهما طالت بك الدنيا ، فكأنما بقيت يوماً واحداً ، بل كما قال تعالى هنا :
( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) النازعات/ 46 ، ولكن السؤال الذي يجب أن يرِد على النفس ، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو : على أي حال تموت ؟! ولست أريد على أي حال تموت هل أنت غني أو فقير ، أو قوي أو ضعيف ، أو ذو عيال أو عقيم ، بل على أي حال تموت في العمل ، فإذا كنت تسائل نفسك هذا السؤال ، فلابد أن تستعد ؛ لأنك لا تدري متى يفجَؤُك الموت ، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورجع به محمولاً على الأكتاف ، وكم من إنسان خرج من أهله يقول هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولكن لم يأكله ، وكم من إنسان لبس قيمصه وزر أزرته ولم يفكها إلا الغاسل يغسله ، هذا أمر مشاهد بحوادث بغتة ، فانظر الآن وفكِّر على أي حال تموت ، ولهذا ينبغي لك أن تكثر من الاستغفار ما استطعت ، فإن الاستغفار فيه من كل همٍّ فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً .
" لقاءات الباب المفتوح " ( اللقاء رقم 17 ) .

----------------------------------------
= ﴿ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ﴾ ؛ عن ابن عباس : "السائق من الملائكة ، والشهيد : شاهد عليه من نفسه".
فرائد قرآنية

---------------------------------------
= يبدأ الشهودُ من الملائكة بإلقاء شهاداتهم، كلُّ عبدٍ يشهد عليه قرينه بعمله، فالمعرضُ والمكذب ليس له إلا جهنم؛ حيث شهدت عليه الشهود بالجحود فيأمر الله به إلى جهنم: ﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي العَذَابِ الشَّدِيدِ ﴾ [ق: 23 - 26]. فيُلقي العبدُ باللائمةِ على قرينه الشيطان الذي أغواه؛ لكن قرينه يتبرأُ منه ويخبر عن تأصل الضلال فيه؛ فيوقفُ اللهُ تلك المجادلة التي لا فائدة منها، ويتوعدُهم على ما اقترفوا من غير زيادة ولا ظلم؛ بل في غاية العدل والقسطاس المستقيم: ﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ .
د/ إبراهيم الحقيل

-----------------------------------
= {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ }
لا ذنب يُلقى الله جل وعلا به أعظم من الشرك وهذا لا يغفره الله أبداً أما المؤمنون فإن أول ما يُنظر فيما فعلوه ما بينهم وبين الله هو الصلاة فمن حافظ عليها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو إلى ما سواها أضيع .
وأول ما ينظر إليه بين الناس والآخرين مسألة الدماء فأول ما يقضي به بين الخلائق الدماء . في الدماء أول ما يقضي به بين العباد لما يتعلق بحال بعضهم ببعض والصلاة أول ما ينظر فيه ما بين العبد وبين ربه , والشرك ذنب لا يغفره الله حرم الله جل وعلا على أهله الجنة .
ش/ صالح المغامسي

---------------------------------
= قال القرطبي في أحكام القرآن : ( {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر العنيد تبرأ منه وكذبه )) ا.هـ
قال ابن كثير (({ قَالَ قَرِينُهُ } : قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم: هو الشيطان الذي وكل به )) ا.هـ
قال ابن جرير الطبري : يقول تعالى ذكره: قال قرين هذا الإنسان الكفار المناع للخير، وهو شيطانه الذي كان موكلا به في الدنيا.

-----------------------------------
= { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ}
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (تحاجت الجنة والنار, فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. فقال اللّه تعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي, ولكل واحدة منكما ملؤها, فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط, فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض, ولا يظلم اللّه من خلقه أحدا, وأما الجنة فإن اللّه تعالى ينشئ لها خلقا).
(الألوسي:26/471.)

= يقول الله -تعالى- لجهنم: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) [ق:30]، وذلك أن الله -تعالى- قد وعد بملء جهنم، ووعد بملء الجنة وعد بملئهما من الجِنّة والناس أجمعين.
عن أنس -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "يُلقَى في النَّار أهلُها وتقولُ هَل مِن مزيدٍ، قال: ويُلقَى فيها تقولُ هَل مِن مَزيدٍ حتَّى يضَعَ رِجْلَهُ أو قدَمَهُ فتقولُ قَطْ قَطْ" أي: حسبي حسبي. (متفق على صحته).

--------------------
= { هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}
(أواب) أي: رجاع إلى الله عن المعاصي ؛ يذنب ثم يرجع ، هكذا قاله الضحاك وغيره. وقال ابن عباس وعطاء : الأواب المسبح؛ من قوله: (يا جبال أو بي معه والطير) [سبأ: 10] ، وقال الحكم بن عتيبة: هو الذاكر لله تعالى في الخلوة. وقال الشعبي ومجاهد: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها. وهو قول ابن مسعود. وقال عبيد بن عمير: هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله تعالى فيه. وعنه قال: كنا نحدث أن الأواب: الحفيظ الذي إذا قام من مجلسه قال سبحان الله وبحمده، اللهم إني أستغفرك مما أصبت في مجلسي هذا.
(البغوي:19/454.)

-----------------------
= { مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ }
وإيثار اسمه (الرحمن) في قوله : (من خشي الرحمن بالغيب) دون اسم الجلالة للإشارة إلى أن هذا المتقي يخشى الله وهو يعلم أنه رحمن، ولقصد التعريض بالمشركين الذين أنكروا اسمه الرحمن؛ (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) [الفرقان: 60].
(ابن عاشور:26/320.)

------------------------------
= { مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَٰنَ بِٱلْغَيْبِ}
أي: مغيبة عن أعين الناس، وهذه هي الخشية الحقيقية، وأما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم فقد تكون رياء وسمعة، فلا تدل على الخشية، وإنما الخشية النافعة خشية الله في الغيب والشهادة.
(السعدي:806-807.)
= عبادة الخفاء مطهرة للقلوب، لأن من عبد ربه وحده طهّر قلبه من الالتفات إلى الخلق فلن يلتفت إلا لمن يراه (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) .
ش/ عبد العزيز الطريفي

= ﴿ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ﴾ لا يظهر صدق التقوى والخشية إﻻ حين تكون في الخلوة‪ !.
تأملات قرآنية

= (من خشي الرحمن بالغيب وجآء بقلب منيب)
١) ( من خشي الرحمان بالغيب) قال الفضيل بن عياض: هو الرجل يذكر ذنوبه في الخلاء، فيستغفر الله منها .
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٤٠٦/٧)
ومما يدخل في هذا المعنى أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله:( ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) أي: من تذكره لعظمة الله ولقائه، ونحو ذلك من المعاني التي ترد على القلب .
٢) من رجع عن المخالفات خوفا من عذاب الله فهو تائب، ومن رجع حياء فهو منيب، ومن رجع تعظيما لجلال الله سبحانه فهو أواب .
ابن علان ، دليل الفالحين(٩٠/١)
= (وجاء بقلب منيب) تكرر لفظ الإنابة في السورة ففي آية سابقة ورد قوله تعالى (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ) وهنا (وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) فإذا كان العبد منيباً لربه في الدنيا يتبصر ويتذكر قدرة الله سبحانه وتعالى يأتي يوم القيامة وقد خشيه عز وجل في الدنيا واستحضر يوم البعث في كل أمره يأتيه وقلبه منيب لربه فيلقى الجزاء الأوفى جنات الخلود يدخلها بسلام وله فيها ما يشاء وزيادة من رب كريم.
د/ عصام العويد

----------------------------------
= {ولدينا مزيد} يعني نعطيهم فوق ما يشتهون ويتمنون. ومن الزيادة النظر إلى وجه الله - عز وجل - ولهذا استدل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وغيره من أهل العلم بهذه الآية على إثبات رؤية الله - عز وجل - وقال: إن هذه الآية: {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد} . كقوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، وأن يرزقنا النظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم.
العلامة العثيمين رحمه الله

------------------------------------
= ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص(٣٦) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)
١) من أوضح ما يكون لذوي الفهم : قصص الأولين والآخرين، قصص من أطاع الله وما فعل بهم، وقصص من عصاه وما فعل بهم، فمن لم يفهم ذلك ولم ينتفع به، فلا حيلة فيه. كما قال تعالى:( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص)؛ ولهذا قال بعدها:( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
محمد بن عبدالوهاب، مختصر سيرة الرسول(٨)
٢) من يؤتى الحكمة وينتفع بالعلم على منزلتين: إما رجل رأى الحق بنفسه فقبله واتبعه؛ فذلك صاحب القلب ، أو رجل لم يعقله بنفسه ، بل هو محتاج إلى من يعلمه ويبينه له ويعظه ويؤدبه؛ فهذا أصغى فألقى السمع وهو شهيد، أي: حاضر القلب .
ابن تيمية، مجموع الفتاوى(٣١١/٩)
٣) ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع) ولم يقل:( استمع)؛ لأن إلقاء السمع، أي: يرسل سمعه ولا يمسكه وإن لم يقصد السماع، أي: تحصل الذكرى لمن له سمع، وهو تعريض بتمثيل المشركين بمن ليس له قلب وبمن لا يلقي سمعه .
ابن عاشور، التحرير والتنوير(٢٧٠/٢٦)
٤) وفي قوله:( وهو شهيد ) إشارة إلى أن مجرد الإصغاء لا يفيد، ما لم يكن المصغي حاضرا بفطنته وذهنه. وفي الآية ترتيب حسن؛ لأنه إن كان ذا قلب ذكي يستخرج المعاني بتدبره وفكره؛ فذاك وإلا فلا بد أن يكون مستمعا مصغيا إلى كلام المنذر؛ ليحصل له التذكير .
النيسابوري، غرائب القرآن(١٧٩/٦)

...................................
= { إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }
من ألقى سمعه إلى آيات الله، واستمعها استماعاً يسترشد به، وقلبه شهيد، أي: حاضر، فهذا له أيضاً ذكرى وموعظة، وشفاء وهدى، وأما المعرض الذي لم يلق سمعه إلى الآيات، فهذا لا تفيده شيئاً؛ لأنه لا قبول عنده، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته.
(السعدي: 807.)

-------------------------------
= { إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }
سر الإتيان بأو دون الواو؛ لأن المنتفع بالآيات من الناس نوعان:
أحدهما: ذو القلب الواعي الذكي الذي يكتفي بهدايته بأدنى تنبيه، ولا يحتاج إلى أن يستجلب قلبه ويحضره ويجمعه من مواضع شتاته، بل قلبه واعٍ زكي قابل للهدى غير معرض عنه، فهذا لا يحتاج إلا إلى وصول الهدى إليه فقط؛ لكمال استعداده ...
والنوع الثاني: من ليس له هذا الاستعداد والقبول، فإذا ورد عليه الهدى أصغى إليه بسمعه وأحضر قلبه، وجمع فكرته عليه، وعلم صحته وحسنه بنظره واستدلاله.
(ابن القيم:3/16.)
= اقتران السمع بالقلب في الآية (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴿٣٧﴾) دليل على أن السمع إن لم ينفذ إلى القلب فلن ينتفع والسمع إنما هو أداة الاستقبال النافذة إلى القلب مباشرة ليحصل الاتعاظ بالتذكرة فمن يستمع بحقّ يُعمل عقله بما سمعه ويحكّمه وتهديه فطرته إلى الحق فيستقر ذلك في قلبه فيكون قلبًا منيبًا لربه عز وجل موقنًا بما عنده عاملًا ليوم يلقاه.
إسلاميات / السامرائي

----------------------------
= ( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب(٣٨) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب )
فتأمل قوله تعالى:( فاصبر على ما يقولون ) فإن أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم نسبوه إلى ما لا يليق به، وقالوا فيه ما هو منزه عنه ، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يصبر على قولهم، ويكون له أسوة بربه سبحانه، حيث قال أعداؤه فيه ما لا يليق .
ابن القيم، إغاثة اللهفان(٣٤٠/٢)

= { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ }
أمره بما يستعين به على الصبر؛ وهو التسبيح بحمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وبالليل وأدبار السجود.
(ابن القيم:3/26.)

----------------------------
= { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ ﴿٣٩﴾ وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَٰرَ ٱلسُّجُودِ }
(فاصبر على ما يقولون) من الذم لك، والتكذيب بما جئت به، واشتغل عنهم واله بطاعة ربك وتسبيحه أول النهار وآخره، وفي أوقات الليل، وأدبار الصلوات؛ فإن ذكر الله تعالى مُسَلٍّ للنفس، مؤنس لها، مُهَوِّنٌ للصبر.
(السعدي:807.)

----------------------------------
= { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ}
قال الرازي: واعلم أن ثواب الكلمات بقدرة صدورها عن جنان المعرفة والحكمة، وأن تكون عين قلبه تدور دوران لسانه، ويلاحظ حقائقها ومعانيها؛ فالتسبيح تنزيه من كل ما يتصور في الوهم أو يرتسم في الخيال أو ينطبع في الحواس أو يدور في الهواجس، والحمد يكشف عن المنة وصنع الصنائع وأنه المتفرد بالنعم.
(البقاعي:18/439.)
= (وسبح بحمد ربك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) ما الصلوات التي قبل طلوع الشمس الفجر والعشاء والمغرب قبل طلوع الشمس كلها في الليل (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) الظهر والعصر وقيل أن المقصود هنا صلاة الفجر وصلاة العصر فقط. ولهذا قال بعدها (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) وهذا يدخل فيه صلاة المغرب والعشاء فشملت الآية الصلاة كلها ..
والآيات التي دلت على الصلوات كلها ثلاث آيات ما هي؟ آية الروم (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)) وآية الاسراء (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78))
قال الله سبحانه وتعالى (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) ما المقصود بأدبار السجود؟ قيل أن المقصود بهذا التمس فيه ابن عباس رضي الله تعالى عنه كما التمس في قوله (وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) الطور) صلاتان ما الذي استنبطه هنا وما الذي استنبطه هناك وهذا دقة ابن عباس؟ قوله (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) وقوله (وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)). أخذ من أدبار النجوم مشروعية صلاة الضحى وأخذ من قوله (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) مشروعية النوافل بعد الصلوات لأن السجود إذا أطلق أريد به الصلاة فاستنبط من قوله (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) يعني النوافل ولعلها السنن الرواتب وغيرها.
د/ محمد الربيعة

---------------------------------
= = {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيب}.
هذا نداء لكل من يقرأ القرآن والمنادي هو إسرافيل عليه السلام والمكان القريب بيت المقدس سمي قريباً لأنه قريب من مكة وهذه السورة نزلت في مكة وليست بيت المقدس عن مكة ببعيد.
ينادي أيتها العظام البالية أيتها الأوصال المتقطعة إن الله يدعكن لفصل القضاء فتجتمع الأجساد وتدب فيها الأرواح بعد أن تخرج من مستقرها ويخرج الناس لرب العالمين .
ش/ صالح المغامسي

-----------------------------------
= (يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج)
من السنة قراءة سورة(ق) في صلاة العيد، ومناسبة ذلك قوله تعالى فيها:( ذلك يوم الخروج)، وقوله:( كذلك الخروج) ق:١١ ، وقوله:( ذلك حشر علينا يسير) ق:٤٤ ، فخروج المرء للعيد يوم الزينة ينبغي أن لا ينسيه خروجه إلى عرصات الحساب، ولا يكون في ذلك اليوم بطرا فخورا، ولا يرتكب فسقا ولا فجورا .
الرازي، مفاتيح الغيب(١٢٥/٢٨)

---------------------------------------
= ( يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير)
جعل الله لهذا المنظر مثلا مقربا- مع بعد ما بين المثلين-، فالحج مظهر مصغر ليوم الحشر، يعيشه المرء، فيدفعه للعمل الصالح، وينشطه في مجال الخير، و يهزم باعث المعصية في نفسه، ويبقى ذكر الموت وما بعده بين عينيه، وفي هذا من الآثار العظيمة ما يلمسه كل حاج مع نفسه .
د . ناصر الأحمد

---------------------------------
= { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ }
قوله: (وما أنت عليهم بجبار) أي: ولست بالذي تجبر هؤلاء على الهدى، وليس ذلك ما كلفت به..... وما أنت بمجبرهم على الإيمان، إنما أنت مبلغ.
(ابن كثير:7/412.)
= لم يُبنَ الإسلام على الإكراه (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) القرآن يسوق البراهين والأدلة لكل من كان له قلب وبصيرة وعقل فمن آمن فله الجنة ومن كفر فله العقاب وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه ومن تمام عدله عز وجل.
إسلاميات

-------------------------------
= ( نحن أعلم بما يقولون ومآ أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )
( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) دعاء القنوت لا ينبغي الإطالة فيه، وجعله موعظة في سجع متكلف، وترنيم وتطريب، يستثير به عواطف الناس، و يستدعي بكاءهم، بما لا تجد معشاره أثناء قراءة القرآن، والقرآن أعظم واعظ .
علوي السقاف، مآخذ على بعض الأئمة( مقال على الشبكة)


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فوزية العقيل
  • مع القرآن
  • كتب وبحوث
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط