صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عذراء وفاطمة لالئ في عقد الألم

هيا الرشيد

 
بسم الله الرحمن الرحيم


اشتدَّ البرد في تلك المنطقة،وأساليب الوقود العصرية قد أُفتقدت منذ شهور،منذ أن وطأت الأقدام الأمريكية أرض قرية" نهر الأسود الكبير" في بلاد الرافدين،واحتاجت الأم لأداة تطهو بها الطعام،فأفراد الأسرة الكبيرة جياع،يريدون ما يسد رمقهم،والجميع يخشى الخروج تحت الرصاص العشوائي،وجدت بغيتها في صغيرتيها،ليس قسوة أو غلظة في قلبها،ولكن عجلة الحياة لا بد أن تدور،قليل من الحطب قد يفي بالغرض،وجنود الاحتلال لن يتعرضوا بأي حال لطفلتين بريئتين،أليسوا هم مَنْ يُحاربُ الإرهاب؟؟أليسوا هم مَنْ يطبق التوصيات الصادرة من حقوق الإنسان؟؟ألسنا نجدهم في مقدمة الدول الكبرى لخدمة الإنسانية والعمل على رفاهية الشعوب؟؟أجابت على تساؤلاتها بإيماءات متتالية،الحرب بين العسكريين من الرجال فقط،أما النساء والأطفال فلا.
أوعزت إلى صغيرتيها بالخروج،قليل من الحطب يكفي،والحرص كل الحرص أن تكون الغنيمة من مكان مجاور،تماسكت الصغيرتان،وخرجتا وهما يسترقان السمع والبصر هنا وهناك،خطوات قليلة وإذا بهما في المكان المحدد،أعواد قليلة ضئيلة ولكنها كافية،ولو ليوم واحد،تمسكان بها بين أيديهن الصغيرة وصدورهن،تهبّان للعودة،مركبة أمريكية كالجبل،تسقط الأعواد من هول الموقف،ترتعش الشفاه دون أن تنطق ببنت شفة،تريدان الفرار،تتمنيان العودة،أنفاس متسارعة،أصوات متحشرجة،نظرات زائغة،خوف ليس له حدود،لغط بالإنجليزية لعدة جنود،لا تفهمان منه شيئاً،كتفيهما الصغيرين التحما،والتصاقهما ازداد شيئاً فشيئاً،لم تجدا ذرة من جرأة للالتفات يمنة أو يسرة،دارت حدقات عينيهما في مكانها،وانتفاضة الرعب تسري في جسديهما الصغيرين،تسمّرتا وأحلام طفولية بالخلاص،لعل هناك من يهبُّ لنجدتهما،قد يكون في المكان من يرحم ضعفهما،أين الأب العطوف؟؟أين الأخ الوفي؟؟لا أحد،نظرات حقد دفينة من جنود لا صوت للضمير لديهم.
عذراء وفاطمة،لؤلؤتان صغيرتان،انضمّت براءتهما لعقد الألم العراقي،ثلاثون طلقة قاتلة عاجلت جسديهما الطاهرين،وأنفاسهما الزكية،وطفولتهما البريئة،تخرُّ إحداهما ضحية الغدر على الفور،وتسقط الأخرى بجانبها تصارع الموت،صراخ الأم يستجدي غلظة جنود بلد الحرية،فتذهب توسلاتها أدراج الرياح،وتتردد الأنفاس بين جنبات الصدر الصغير بقوة،تنظر إلى شقيقتها الملقاة بجانبها،جسد بلا روح،تصعد روحها الطاهرة بعد دقائق معدودة،ويستدير الجنود بمركبتهم دونما اكتراث.
أجساد صغيرة في العراء،وأم مكلومة قد تعالت صرخاتها في البيت المتواضع،والمركبة المتجبرة تعود للتهديد والوعيد،لا صوت ، لا تذمّر، وإلا فمزيد من التنكيل،توسلات أخرى لجلب الأجساد فقط،أخذ ورد لست ساعات كأنها ستة عقود من الزمان،إشارة من الجنود لخمس عشرة دقيقة،آلام بحجم الجبال،وسرعة قصوى لإنهاء كل شيء،تعود عذراء وفاطمة بعد جهد جهيد إلى بيتهما أجساداً بلا أروح،تحكي جراحهما الغائرة عن غدر أبناء الديمقراطية،وتتحدّث دماؤهما التي نزفت عن زيف المواثيق والعقود الدولية المبرمة.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
هيا الرشيد
  • الأسرة والمجتمع
  • الفكر والثقافة
  • القصص
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط