اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/lubna/106.htm?print_it=1

رجال كرام وذكور أنذال لئام

 لبنى شرف


خطبها ووعد أن يتزوجها، وأن يقاتل من أجلها، وأن يمسح الأسى عن قلبها، وأمّلها آمالًا عريضة ما كانت إلا سرابًا في سراب، وزعم أنه لن يتركها أبدًا، ومضت أشهر وهو يتمادى في وعوده تلك موهمًا إياها أنه صاحب مروءة، همُّه أن يخلصها من الكرب الذي تعيش، وهو في حقيقة الأمر ما كان يبحث إلا عن مصلحتِه، فلما رأى أن لا مصلحة له في هذا الزواج، خذلها وتناسى وُعودَه ولم يفِ بشيء منها، وبدل أن يشعر بالصَّغار أمام نفسه وأمامها، أخذ ـ بعد أن عاتَبَتْهُ ـ يُجرِّحُ فيها، ويَمُنُّ عليها، ويحتال ليبرر نذالَتَه، ويتبجَّحُ ويدَّعي أنه لم يُجْرِمْ في حقها وأنها هي المُلامة، مع أنها لم توافق على الزواج به إلا بعد إلحاحِه الشديد، ولم تطلب منه أن يَعِدَها بشيء، وتنازلت له عن حقها في المهر تقديرًا لوضعه المادي، ولكن تبين لها أنه شخص لا يستحق الاحترام.. نذالة وأية نذالة! ولؤم وأي لؤم!


إِن الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ *** واللؤمُ مقرونٌ بذي الإِخلافِ


أخذ يقنع والدَه الثري بِعَضْلِ أختَيه وحرمانهما من الزواج؛ خوفًا على الثروة من أن يؤولَ مآلُها إلى الغرباء، فوافق على فكرته الخبيثة، وبعد وفاة الأب الذي لم تعرف معاني الأبوة الطريقَ إلى قلبِه، استولى الأخ على حصةِ أختيه من الميراث تحت تأثير التهديد بالإيذاء. خسة ودناءة نفس من الأب وابنه، وأما الأختان؛ فما كان ينبغي لهما السكوت عن حقهما في الزواج والميراث، ولا قبول الظلم، والحُرُّ لا يَقبلُ أن يُضام.


كفاك ذلًّا باقي الدهور *** ظلمُك أهلَ الضعفِ في الأمور


في مجلس طُرح فيه موضوع النساء والزواج، قال أحدهم: «المرأة كالحذاء؛ تستطيع أن تُغيِّرَ وتُبَدِّلَ إلى أن تجدَ المقاسَ المناسبَ لك». فسأل الحاضرون حكيمًا كان يجلس بينهم: «ما رأيك فيما يقول؟». قال: «ما قاله الأخ صحيح تمامًا؛ فالمرأة كالحذاء في نظر من يرى نفسه قدمًا، وهي كالتاج في نظر من يرى نفسه رأسًا، فلا تلوموا المتحدث؛ بل اعرفوا كيف ينظر إلى نفسه».. ردٌّ حكيم في الصميم على كل نذل لئيم.


بعضُ النفوسِ من الأنامِ بهائم *** لبِسَتْ جُلودَ الناسِ للتمْويه
كم آدميٌّ لا يُعدُّ مِنَ الوَرى *** إلاّ بِشَكْلِ الجِسْمِ والتَّشْبيه


نماذج شائهة ـ وغيرها الكثير الكثير في زمان يَعجُّ بالنذالة والأنذال ـ لذكور لم يعرفوا طريقَ الرجولة؛ فما الرجولة إلا وصفٌ للكرام لا اللئام، لذوي المروءة لا الأنذال، للطيبين لا الخبثاء؛ الرجولة مواقف نبيلة، لا وعودٌ تُخلفها أو تتبجح بنكرانها إن لم تستطع الوفاء بها؛ الرجولة صدق ووفاء، وعزة وإباء، وشجاعة في مواجهة الصعاب، وللشدائد تُدَّخَرُ الرجالُ.


الحرُّ حرٌّ وإن تعدَّت *** عليه يوماً يدُ الزَّمانِ
والنَّذل نذلٌ وإن تَكنّى *** وصار ذا منطقٍ وشانِ


لن يظهر قبح هذه الصور إلا بذكر بعض صور الرقي عند بعض الكرام النبلاء، وبضدها تتبين الأشياء..

زوج لا يذكر زوجتَه إلا وقال: «هي تاج رأسي». وهبته مهرها، وآزرته بمالها لضيق ذات يده في بداية حياتهما الزوجية، وصبرت معه على مرارة تلك الأيام، هذا ـ كما ذكر ـ بعض أفضالها عليه. عرف ليس فقط حقَّها عليه؛ بل وأيضًا فضلَها عليه، والكريمُ يعرفُ الفضلَ لأهلِه. رُقِيٌّ أيَّما رُقِيّ! مقابل نكران وجحود كثير من الأزواج فضل زوجاتهم عليهم.


رأيتُ الحقَّ يعرفُه الكريمُ *** لصاحبِه وينكرُه اللَّئيمُ


أخ يسأل: «هل من الأفضل أن يُؤخِّر الشابُ زواجَه إلى أن تتزوج أخواتُه الإناث إن كنَّ في سن الزواج؛ حرصًا على مشاعرهن، خصوصًا إن كُنَّ قد تخرجن من كلياتهن؟». لله دَرُّكَ أيها الأخ ما أنبلك! تفكر في أخواتك وتراعي مشاعرهن، وتقدم مصلحتهن على مصلحتك، مقابل إهمال إخوة لؤماء أخواتهم؛ فلا رعاية، ولا تفقد أحوال، ولا قضاء حاجات، فضلًا عن الإهانة والإيذاء.


وزادَني رغبةً في العيْشِ معرِفَتي *** ذلَّ اليتيمةِ يجفوها ذوو الرحمِ
أخشى فظاظةَ عمٍّ أو جفاءَ أخٍ *** وكنتُ أخشى عليها من أذى الكَلِمِ


أوصاه عند عقد قرانه، فقال: «إن هذه الزوجة خرجت من بيت أبيها مكرمة معززة هانئة، فلتجد عندك مزيدًا من الكرم ومزيدًا من العزة ومزيدًا من الهناء، لا يكن بيتك جحيمًا لها بعد أن كانت تعيش في حضن دافئ وأمن وأمان في بيت أبيها». وصيةٌ تَقْطُرُ مروءةً ونُبلًا، لا يفهمُها ولا يعملُ بها إلا من تقطرُ نفسُه مروءةً ونبلًا.

 

لبنى شرف
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط