اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/lubna/46.htm?print_it=1

قد آن أوان العمل

 لبنى شرف / الأردن


مواقف كثيرة نمر بها في حياتنا العمل فيها يكون أبلغ من الكلام، ولكننا مع الأسف نكتفي بالكلام إما عجزاً عن الفعل، أو سوء تقدير للموقف، أو سلبية! فنحن في كثير من الأحيان نتكلم أكثر مما نعمل. فمثلاً، قد يشتكي قريب لك أو أخ ضيق حاله وديناً قد ركبه، أملاً في أن تساعده، فإن لم تكن قادراً على مساعدته بمالك، فلا تكتفِ بالاعتذار وتطييب خاطره ببضع كلمات، ولا تكتفِ بالمشاعر والنوايا الطيبة، وإن كان لها مكانها، ولكن حولها إلى حركة واقعية..قم معه وحاول أن تجد له حلاً تنفس بها عنه كربته، فأنت بهذا الفعل سترفع من معنوياته، وستشعره بأن له أرحاماً وإخواناً يقفون بجانبه في الشدائد والأزمات والمحن، ويتراحمون فيما بينهم، فالرحم رحمة، والمؤمنون إخوة.

قال أبو عثمان (شيخ البخاري) يرحمه الله: (ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تم وإلا قمت له بمالي، فإن تم وإلا استعنا له بالإخوان، فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان). وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ (أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس، فقال له ابن عباس: يا فلان، أراك مكتئباً حزيناً، قال نعم يا ابن عم رسول الله، لفلان علي حق ولاء.. قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك؟ فقال: إن أحببت، قال: فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد، فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟ قال: لا، ولكني سمعت صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم والعهد به قريب فدمعت عيناه وهو يقول من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين) [الترغيب والترهيب:2/156]. هذا فقه عزَّ أن نجده في زماننا!!

والأرقى من هذا، أن تتفقد أرحامك وإخوانك، وتسأل عن أحوالهم وحاجاتهم المادية والمعنوية قبل أن يسألوك، وخاصة الفقراء منهم، فبهذا تقوى الأواصر والروابط، وتشيع المحبة، وتصفى القلوب.


وأفضل الناس ما بين الورى *** رجل تقضى على يده للناس حاجات
لا تمنعن يد المعروف عن أحد *** ما دمت مقتدراً والعيش جنات


حدثت مرة سرقة في أحد المراكز، فطلبت من الأخوات العضوات في لجنة المركز أن يخبرنني بالواقعة، فقلن بأن المديرة كانت تسجل أسماء المشتركات في النادي الصيفي وتقبض النقود، ثم تضعها في حافظة الأشياء الخاصة بها وتتركها على الطاولة دون احتراز من فقدان النقود! وقد نبهنها على ذلك، ولكنها لم تستجب، ثم خرجت لتتفق مع سائق الباص، وعادت بعد دقائق معدودة. وفي نهاية اليوم، وبعد انتهاء التسجيل، فتحت الحافظة فلم تجد النقود!.. طبعاً للقصة تتمة، ولكن الشاهد هنا، أن الأخوات اكتفين بالكلام، ووقفن موقف المتفرج فقط. فقلت لهن: لم لم تقم واحدة منكن بحمل الحافظة إلى أن تنتهي عملية التسجيل؟ فلم يحِرْنَ جواباً!

إن المديرة كانت مشغولة ومنهمكة في العمل، وربما هذا الذي شوش عليها إدراك خطورة ترك الحافظة هكذا دون اكتراث! ولكن هذا ليس عذراً، فالمديرة مقصرة، وكذلك باقي الأخوات المتواجدات في المكان، فقد كان موقفهن سلبياً، لأن الموقف كان يستدعي حركة وفعلاً وليس كلاماً وانتقاداً، ولكن يبدو أننا تعودنا على الكلام أكثر من الأفعال!! وأنا لا أريد أن أتحدث هنا عن فردية العمل، وعدم توزيع الأدوار وتحمل المسؤولية، فهذه قضية أخرى لا يتسع المقام لذكرها الآن!

إننا لو تأملنا ونظرنا نظرة فاحصة في المواقف التي نعيشها يومياً، لوجدنا أن كثيراً منا في حقيقة الأمر يتصرف في كثير منها بنفس السلبية التي تصرف بها الأخوات في حادثة السرقة آنفة الذكر، وحتى عندما نرى ما لا يعجبنا نكتفي فقط بالانتقاد والتوجيهات.. كان يجب فعل كذا، وما كان ينبغي فعل كذا..، مع أن الأجدى من هذا أن نغير بأيدينا إن أمكن، أو أن نفكر بأفكار بديلة أكثر نفعاً وجدوى، فهذه طريقة للتغيير العملي، وأنا متاكدة من أن هناك فعلاً من يستطيع هذا إلا أنه لا يتحرك لسبب أو لآخر!!

فلنكف عن الكلام، ولنبدأ بالتحرك، فقد آن أوان العمل، وليقم كل واحد بدوره، وبالحركة التي يستطيع، وليؤد ما عليه، وليعن كل واحد منا الآخر، ويكفينا هذا التأخر وهذا التخلف.. يا أمة تربو على المليار!!

 

لبنى شرف
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط