صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مجتمعنا... دائم البحث عن العيوب!!

نُـور مؤيد الجندلي


ليس لأن من في المجتمع أعداء نجاح، فقد يكونون من الناجحين، وليس لكونهم يقبعون في ظلمات الجهل والتّخلف، فأغلبهم من الفئة المتعلمة، وليس لأنهم لا يستطيعون التمييز بين الحق والباطل، والصّواب والخطأ، فثلّة كبيرة منهم ينتقدون ذات السّلوك، ويعبّرون عن ضجرهم وتبرمهم منه...
ما المشكلة إذا؟ ولماذا لا تخلو جلسة أصدقاء من بحثٍ جادّ وتنقيب عن عيوب الآخرين؟
لماذا لا يُشفى غليل النفوس إلا أن عُثر على عشرة عيوب على الأقل في الضّحية التي تلوكها الألسنة؟!
ولماذا يتلاشى الصّخب، ويعمّ الهدوء فجأة، تتركز الأبصار وتتأهب الرادارات السمعية لالتقاط أية موجة كلامية تتحدث عن مشكلة لدى شخص، أو أزمة يمرّ بها إنسان، خطأ اقتُرف، انتقاد وُجّه، ولا يتم الاكتفاء بالاستماع، بل تتوالى التعقيبات بأنه يستحق ما حصل له، إن كان ما حصل مكروهاً، أو يتلفظون بالدعاء عليه إن كان في حالة جيدة، وكأنهم سُكّان المدينة الفاضلة، قدموا منها دون عيوب، لا مشكلات لديهم، لا أخطاء اقترفوها في حياتهم، لا زلّات قدم!
يدّعون المثالية وهم أبعد الناس عنها، ويقنعون أنفسهم بأنهم أفضل خلق الله، ولو علموا أن الإنسان حين يعتقد الكمال لنفسه فإن لحظات سقوطه قد اقتربت، وبأن من يعتقد نفسه هو خير من الناس، فقد عمي عن رؤية مشكلاته، وهذه كارثة كبيرة، فمن لا يرى عيوبه لا يستطيع إصلاحها، وبالتالي سيصيبه جنون العظمة، ويرافقه الوباء مدى الحياة.
أتذكر إحدى الأخوات حين كانت تتحدث عن الذنوب وكثرتها، وتدعو للتأمل والتفكر في الأخطاء للمبادرة بإصلاحها، قامت إحدى الحاضرات وقالت بكل ثقة: لكن أنا ليس لديّ ذنوب!!
حاولت المتحدثة الأولى أن تستعلم أكثر، قالت لها ابحثي، فتشي، نقّبي بينك وبين نفسك، لكن الأخيرة أكدت بأن حياتها خالية تماماً من أي ذنب، فما كان من الجميع إلا أن دعوا لها أن تكون حياتها حقاً بلا ذنوب!
إنها مشكلة كبيرة تتفاقم في المجتمع، تتوارثها الأجيال، هناك من ينسب لنفسه الفضل والبعد عن الأخطاء، فيما يعتقد أن الناس كلهم يغوصون في أوحال الخطايا، هل أمسك هذا المنتقد لغيره نفسه عن الخطأ، هل عصمها عن الفتنة، هل تسلّم صكاً ما يخبره بأنه لن يقع في ذات الذنب الذي ابتُلي فيه من كان ينتقده على الملأ، ويروج عيوبه بين الأصدقاء؟!!
لا أعتقد أن هذا ممكن إلا في الأحلام...
المشكلة في تداول هذه الأحاديث ما يضاف إليها من أكاذيب، وما يحصل عبر تناقلها من مزايدات، فهذا يضخّم، وذاك يُهوّل، وثالث يزيد أكذوبة صغيرة، لا تضير من أجل التشويق، وإضفاء شيء من الجاذبية على الحديث المُتناقل، ولكي تبدو المعلومة العادية خبراً لامعاً يستحق المجتمع أن يتداوله، لينتشر في أرجائه كالفيروس...
من المروّع أن ننصب أنفسنا جلادين لغيرنا، ومن المؤسف أن نُطلق الأحكام جزافاً لمجرد خبر سمعناه، ولم نتحرى عن حقيقته، ومن الكارثيّ أن ننشر ما نظنه في الناس عيباً، ففي الأمر غيبة محرّمة، وفي الأمر فتنة ذائعة، وفي الأمر فضح لمسلم أو مسلمة، فمن كانت نواياه الخير والإصلاح، فبإمكانه أن ينصح في السّر...
إن تنظيف مجتمعنا من أمراض وأوبئة كهذه من مهمتنا نحن الشباب، بدلاً من أن نروج سراً علينا أن نجعله يتوقف عندنا، وواجبنا أن ندفنه في أعماقنا، وبدلاً من أن ننقب عن عيوب الناس وأخطائهم فلننشغل بعيوبنا، ولننصح باللين وبالقول الحسن دون تسليط الضوء على خصوصيات الآخرين...
دعونا نحيي النخوة فيما بيننا، وننتشل المروءة المُغيّبة، دعونا نغدو أرقى مما تعودنا عليه، دعونا نثبت أن في جيلنا خير وأخلاق وفضائل وسمو...
وأخيراً، فلننفض الغبار عن الخير في مجتمعنا، وننزع عنه هذه الصفة المقيتة التي لازمته دهوراً...
الخير باقٍ، يسكن قلب كل واحد منّا...
قليل من المحبّة فقط، قليل من مغالبة النفس، وقليل من عزيمة تكفي لمغالبة الشيطان الذي تكبر مستعمراته بيننا كلما رحبنا به بيننا أكثر، كلما قبلنا مشروعاته التدميرية، وكلما أضعنا الوازع الإيماني الذي ينير لنا سبيل الحق، وكم آمل ألا يضيع...

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
نُورٌ ومِسك
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط