صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الحقيقة الكامنة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
ما الذي حرك الترسانة الغربية بأقلامها وجنودها ومؤسساتها السياسية والاقتصادية باتجاه العالم الإسلامي؟، وإن لم تكن الحرب المزعومة على الإرهاب، فهل الموقع الإستراتيجي الذي يتمتع به العالم الإسلامي؟...

(المد الإسلامي هو اتجاه عام وليس اتجاها متطرفا، هو دين منفتح وليس معزولا) هذه العبارة جاءت على لسان صامويل هنتنجتون، فالصحوة الإسلامية في نظره ترى نفسها على أنها يقظة شاملة في كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية.
أعداد هائلة من المسلمين عادت إلى دينها لأنها أيقنت أنه مصدر هويتها وماهيتها واستقرارها وشرعيتها ونموها وقوتها، لقد قرر المسلمون أن يجدوا الحل لا في الأيديولوجيات الغربية التي ثبت فشلها، بل في الإسلام، ففي حين قبلوا بالمعطيات الحضارية الغربية وأقبلوا على فهم أبجدياتها، رفضوا التعاطي مع ثقافتها وقيمها في حال تعارض مفرداتها مع معطيات الدين الإسلامي، لقد أرادوا أن يتطوروا ولكن ليس بالضرورة أن يستغربوا.

لقد أكدت كارين آرمسترونج هذا التوجه الإسلامي في كتابها المعنون بـ(الإسلام) حيث قالت: (في الغرب المعاصر، قمنا بوضع حدود فاصلة بين الدين وبين السياسة، أما في الإسلام، فإن المسلمين، فقد أوكل لهم كتابهم المقدس، القرآن، مهمة تتمثل في إيجاد مجتمع عادل متساو في كل أركانه، بحيث يعامل الضعفاء بكل احترام، وسيعمل بناؤهم لمجتمع كهذا واستقرارهم فيه على منحهم صلة حميمة بكل ما هو مقدس في حياتهم لأنهم سيعيشون وفقا لوصيته وإرادته، بالتالي فالدولة الإسلامية لم تكن معزولة عن الروحانيات ولكنها كانت تمثل العقيدة نفسها).

إن الاختلاف بين الثقافة الرأسمالية والاشتراكية كان مثار اهتمام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فقد جاء في دراسة لها عن الرؤية الإسلامية للاقتصاد: (تختلف المفاهيم الإسلامية عن الرأسمالية في أنها تعارض كنز الثروات، وعن الاشتراكية من حيث إنها تنكر حقوق الملكية، بما فيها ملكية وسائل الإنتاج، فالمجتمع الإسلامي الصحيح ليس بأي حال من الأحوال حلبة تتصارع فيها المصالح المختلفة وتتناحر، بل إنه مكان تسوده العلاقات المنسجمة التي يمكن تحقيقها والوصول إليها من خلال الإحساس بالمسؤوليات المشتركة، ولا بد لحقوق الأفراد أن تكون متوازنة مع مصالح المجتمع بأكمله على نحو متساو..).

إن استهداف القوى الغربية للإسلام كطريقة بديلة للحياة الغربية صريح ومكشوف منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وقبل أحداث 11 سبتمبر، ووفقا لما ذكره صامويل هنتنجتون: (فإن واحدا من أكبر مسؤولي إدارة كلينتون أشار إلى الإسلام على أنه المنافس العالمي للغرب) كما أكد هنتنجتون نفسه: (أن الصراع بين الغرب والإسلام أمر مفروغ منه، فطالما بقي الإسلام هو الإسلام، والغرب هو الغرب فإن الصراع الرئيسي بين حضارتين عظيمتين وطريقتين مختلفتين في الحياة سيبقى يميز علاقتهما في المستقبل) كما قال: (إنه بصرف النظر عن آراء المسلمين السياسية فإن المسلمين يؤمنون بوجود اختلافات أساسية بين ثقافاتهم والثقافة الغربية).. إنه يرى أن المسلمين سواء كانوا ملتزمين بتعاليم دينهم أم لا، فهم مختلفون والصراع معهم أمر مفروغ منه!.

الحقيقة أن العداء الغربي للإسلام لا يجد مبرراته في قيم هذا الدين وأهدافه، ولا من التطرف الذي ألصق به دون غيره، فالتطرف سمة عامة شملت معظم الأديان، وكان التطرف الإسلامي آخر الداخلين في دائرته، وهذا ما أكدته آرمسترونج بقولها: (إن الإعلام الغربي يثير انطباعات بأن التشدد والتزمت الديني الذي يتسم بالعنف ويسمى التعصب، هو ظاهرة إسلامية بحتة،لكن الحقيقة هي أن التعصب ظاهرة عالمية طفت على السطح في كل الأديان الرئيسية، فهناك تعصب يهودي، وتعصب مسيحي، وتعصب هندوسي، وتعصب بوذي بل وتعصب كونفوشي) وتضيف أنه (من بين الديانات الثلاث - اليهودية والمسيحية والإسلام - كان الإسلام آخر الأديان التي ظهر فيها التيار المتعصب أواخر الستينات والسبعينات، وفي ذلك الوقت، كان التعصب قد أخذ من المسيحيين واليهود كل مأخذ..).
إذا كان الحال كما تقول آرمسترونج وهو كذلك، فالتعصب، أو الحرب على الإرهاب ليس السبب الرئيسي وراء التدخل السافر للحكومة الأمريكية،وحلفائها، في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي!.

يقينا يؤمن المسلمون أن الاختلاف بين المفاهيم الثقافية للأمم أمر وارد، وهم لا يعتقدون أن هذا الاختلاف كان سببا في حد ذاته لنشوب النزاع والحروب على الأقل في المفهوم الإسلامي، فدينهم نظم علاقتهم بالآخر تنظيما لا يجوز لهم الخروج عنه لغيره، وإلا عد ذلك خروجا عن السياق الإسلامي يستوجب العقوبة، لقد وصل الأمر بسمو هذا الدين أن أوجب على الأبناء بر الوالدين، مهما كانت أديانهم، ولو كانا يجاهدان أبناءهم لإخراجهم من الإسلام، قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا، واتبع سبيل من أناب إلي) لقمان / 15.

إذاً ما الذي حرك الترسانة الغربية بأقلامها وجنودها ومؤسساتها السياسية والاقتصادية باتجاه العالم الإسلامي؟، وإن لم تكن الحرب المزعومة على الإرهاب، فهل الموقع الإستراتيجي الذي يتمتع به العالم الإسلامي في قلب العالم هو السبب؟ هل سيطرته على الممرات المائية الهامة، هي المحرك الأساسي لأطماعها؟ أم هل هي الموارد الطبيعية التي تزخر بها تلك الأراضي؟ أم إن ما تتمتع به هذه الشعوب من خصوبة، تعد في المفهوم الغربي خصوبة مفرطة يجب كبح جماحها؟.

لقد أكدت دراسات غربية للتركيب السكاني للعالم خلال العقود الماضية الخطورة الكامنة خلف تكاثر العالم الإسلامي مقارنة بانخفاض المواليد في العالم الغربي، وإليكم بعض هذه النتائج، ففي عام 1990م، شكل المسلمون 12.4%، من سكان العالم، استمرت هذه الزيادة لتصل إلى 15.3%،عام 1970م، و16.5% عام 1980م، و17.1%عام 1985م، و19.2% عام 2000م، ومن المتوقع أن يصل تعدادهم عام 2025م إلى ما نسبته 30% من سكان العالم !! في حين نصت هذه الدراسة إلى أن العالم الغربي المسيحي في تناقص مستمر، ففي عام 1900 م، وصل تعدادهم إلى ما نسبته 29.7% عام 1984م، و29.3% عام 2000م، ومن المتوقع أن يتقلص تعداد سكان العالم المسيحي الغربي في عام 2025م ليصل إلى 25%، أي إنه في 2025م وفقا لهذه الإحصاءات فإن سكان العالم المسلمين سيفوق عددهم سكان العالم المسيحيين.

يكفي للاستدلال على أن تكاثر المسلمين بمفهومهم المختلف للحياة يدخل في نطاق اهتماماتهم، الإشارة إلى أن إجازة الأمومة في بعض الدول الغربية تعتمد على عدد الأطفال فتزيد بزيادة عدد الأطفال، وهي فيها مدفوعة الأجر 100%، بل إن بعض تلك الدول منحت الآباء إجازة أبوة ليتمكن الآباء من تقديم العون المادي والمعنوي للأم ووليدها، في حين نسمعهم بين الحين والآخر يعملون على نشر فلسفة تحديد النسل في الأوساط الإسلامية، ويسخرون في سبيل ذلك كل الطاقات البشرية والمادية، بل وقد تفرض بكل وسائل الضغط على بعض سياسات العالم الإسلامي!.

أعتقد أننا نعلم يقينا أن ما وجه للمملكة العربية السعودية مؤخراً من قبل وزارة خارجية أمريكا في التقرير السادس حول وضع الحرية الدينية في العالم، من اتهامات بزعم انتهاكها للحريات الدينية، القصد الحقيقي من ورائه ينصب في صراع الحضارات الذي أشار إليه هنتنجتون، ولا علاقة له البتة بعناوينه الرئيسية المعلنة.

وأختم حديثي اليوم بقول هنتنجتون الذي جاء فيه: (إن المشكلة بالنسبة للغرب ليست في التطرف الإسلامي، بل في الإسلام كطريقة مختلفة للحياة اقتنع المسلمون بسموها وتفوقها على غيرها)!.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط