اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/102.htm?print_it=1

تناقضات على لسان الكاهن

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
مع إيمان بوش بأن تأييد الله للدعوة الإسلامية كان وراء انتشارها ونجاحها، إلا أنه لم يقف ليسأل نفسه عن المبررات الحقيقية والمنطقية التي كانت وراء هذا الدعم الإلهي

إكمالا لما سبق عرضه في الأسبوع الماضي حول محتويات كتاب جورج بوش ( محمد مؤسس الدين الإسلامي ) والذي قام بترجمته وتحقيقه الدكتور عبد الرحمن عبد الله الشيخ، سأعمد هنا لطرح مبررات بوش الكامنة وراء تسميتنا كعرب بالجراد.

على أن أكمل حديثي لنهايته في الأسبوع المقبل متوقفة عند المحتويات والدلالات المتعلقة بتسميته للأكراد والإيرانيين والأتراك بالثعابين والعقارب، ولرؤيته لنقاط القوة الإسلامية، التي من شأن القضاء عليها إنهاء الوجود الإسلامي، حتى بين أهله..!!
لن يخلو حديثي إليكم هنا وهناك من عرض تناقضات تتعلق بتفسيرات جرت على لسان هذا الكاهن ، كانت في جملتها ومضامينها حجة عليه ، وإن كنت أقر أني مع كل ما بذلت وسأبذل من جهد في هذا الشأن، لن أصل بالقارئ للحقيقة التي وصلتني من خلال قلم جورج بوش، والمتعلقة بامتداد جذور كراهية الإسلام كدين وأهله كمنتسبين، عند فئة من صفوة الشعب الأمريكي، والحقيقة أن هذا الكره لم يكن مرتبطا بأحداث 11 سبتمبر الإرهابية كما يحلو للبعض الادعاء.. بل نبت من تفوق وسمو هذا الدين، واكتساحه للعقول والقلوب..!!

لقد تطرق الكاهن جورج بوش في كتابه لفقرات من الكتاب المقدس المسيحي مؤكدا أنها تشير بوضوح لظهور نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وانتشار دعوته ومن ثم انحسارها في آخر الأمر !! فسفر دانيال يشير بحسب تفسير بوش إلى أن انتشار الإسلام تم بإرادة الله وقضائه، وسيستمر لفترة ، تعود بعدها الكنيسة لجادة الحق، مع بداية ( عودة عيسى عليه السلام - بحسب الإيمان المسيحي - ليحكم ألف عام، وفي خلال هذه الفترة سيترك المسلمون دينهم ليدخلوا في العقيدة الحقة ( المسيحية ) وهكذا ستنكسر دولة الإسلام.. وسينزاح - عن الأمة المسيحية - هذا العذاب المتمثل في دين محمد - عليه الصلاة والسلام - والذي أرسله الله لفترة محددة ليبلو به المسيحية والعالم المتحضر !!)

فمع إيمان بوش في أن تأييد الله للدعوة الإسلامية كان وراء انتشارها ونجاحها، إلا أنه لم يقف ليسأل نفسه عن المبررات الحقيقية والمنطقية التي كانت وراء هذا الدعم الإلهي، فعلى سبيل المثال نجده يقول : ( إذا كان ما يذكر بشأن ظهور الإسلام وتقدمه غير كاف، وإذا كانت الأسباب الدنيوية التي عادة ما يجري إيرادها لشرح النجاح المذهل الذي حققه الادعاء الإسلامي ما زالت غير كافية، وإذا كانت أعظم - أو أكبر - ثورة على الإطلاق واجهت الكنيسة المسيحية تبدو معضلة لا حل لها، فلم نتردد في أن نعزو هذا مباشرة إلى الله ومشيئته، وبذا نجد الحل الذي يفسر كل هذه الأسرار.. ثم لماذا نحن تواقون للهرب من الاعتراف بالتدخل الإلهي في قيام هذه الهرطقة- الإسلام - التي هي رأس الهرطقة؟)..!!

أعجب من عقل هذا الرجل.. فهو من ناحية لا ينكر أن النجاح الذي حالف الدعوة الإسلامية والذي وصفه بالمذهل لا يمكن أن يتحقق بالأسباب الدنيوية، كما لا ينكر أن الرعاية والتدخل الإلهي كان لهما دورا مباشرا في نجاحها وانتشارها كدين ، نجده من ناحية أخرى ينكر صدق هذه الديانة ويصفها بالهرطقة بل برأس الهرطقات..
إن الحسد والحقد الذي اعترى نفس الكاتب جورج بوش واضح وجلي، فقد أبى الاعتراف بأن النور لا يمكن أن يفسر بالظلام وأن الحق لا يمكن أن يؤول بالضلال.!!، وأنى له ذلك وهو الذي ما فتئ يؤول الحق باطلا والباطل حقا،رافضا الاعتراف بصدق هذه الرسالة التي أعلن هو نفسه، أن كتابه المقدس تنبأ بظهوره وانتشاره وسماحة تعاليمه وأن ذلك ما كان ليحدث لولا الرعاية الإلهية التي كسته.
وإذا ما أردنا الحديث عن تفسير بوش لسفر الرؤيا، لا يمكن أن نتجاوز حديثه المتعلق بالتوجيهات الإسلامية للجنود قبيل خروجهم للجهاد ، إذ إن بوش يؤكد أن النبوءات الواردة في هذا السفر تشير بوضوح إلى مضامين الإنسانية لهذه الوصايا الإسلامية.

رؤية بوش هذه ستتضح لمن توقف عند تفسيره لنصوص وردت في سفر الرؤيا - يوحنا - والتي جاء فيها : ( ومن الدخان خرج جراد على الأرض.. وقيل له ألا يضر عشب الأرض ولا شيئاً أخضر ولا شجراً ما، إلا فقط الذين ختم الله على جباههم ) لقد فسر جورج بوش هذا النص ببيان أن الجزيرة العربية بلاد تتوالد فيها أسراب هائلة من الجراد، وغالبا ما كانت تنتشر لتلحق الخراب في البلاد المجاورة لها، ثم أكد أن الجراد يعد شعارا وطنيا للإسماعيليين- العرب -، وبالتالي فالجراد الذي ينطلق من الدخان بحسب قول بوش: ( هم جيوش العرب المنحطين، أتباع العسكريين للنبي محمد - عليه الصلاة والسلام - الذين خرجوا في رحاب الروائح المنبعثة من دينه - وانطلقوا - بناء على أوامره ليفتحوا العالم ويهدوه) كما يؤكد في الوقت نفسه أن الأوامر التي وجهت للجراد بحسب سفر الرؤيا تؤكد انطباق النص على الجيوش المحمدية، فالنص المسيحي لسفر الرؤيا ينص على أن الجراد أمر ألا يلحق الضرر بالعشب الأخضر ولا أي نبات أخضر ولا شجر، ولا يضر إلا الرجال.. فالجراد هنا- وكما فسر - مجرد رمز، فالجراد بطبيعته لا يأكل إلا الأخضر من العشب ) وليصل من هذا كله إلى أن هناك توجيها إلهيا لهؤلاء المرموز لهم بالجراد - العرب - وذلك بقوله : ( يمكننا أن نفهم من هم المقصودون بهذه الأوامر، والذين نفذوا الأوامر الإلهية بإخلاص، عندما نقرأ وصية أبي بكر إلى زيد - يقصد أسامة بن زيد - وهي وصية جديرة بالملاحظة، فقد أوصاه بها عند خروجه، لغزو الشام ،وهي أول بلاد غزاها العرب ( الساراسين ) خارج نطاق شبه الجزيرة العربية، بل لا نكاد نشك - والكلام هنا لجورج بوش - أن هذه التعليمات (الوصايا )التي قال بها أبو بكر قد حفظها الله لتكون وسيلتنا لتوضيح هذا النص النبوئي (رؤيا يوحنا ) لقد تضمنت وصية أبي بكر لزيد أن يتذكر دائما أنه في حضرة الله، وأن الموت أقرب له من الحياة وسيلاقي يوم الحساب، وانه يأمل في الفردوس، فعليه إذا خاض الحرب في سبيل الله أن يبلي بلاء حسنا وألا يولي الأدبار، وأن يتحاشى قتل النساء والأطفال وألا يدمر نخيلا ولا يحرق حقلا وألا يقطع شجرا مثمرا وألا يؤذي دابة، فيكفيك ما تذبحه لتأكله، وإذا أبرمت عهدا فكن عند عهدك، وستلاقي بعض الرهبان ورجال الدين معتكفين في أديرتهم وهبوا أنفسهم للعبادة، دعهم وشأنهم لا تقتلهم ولا تدمر أديرتهم وستجد نوعا آخر من الناس تابعين لمعابد الشيطان قد حلقوا رؤوسهم، فهؤلاء ليس أمامهم إلا التحول للإسلام أو دفع الجزية، فإن أبوا فقطع رؤوسهم )

لن تصدقوا أن بوش لم يتوقف عند سماحة هذا الدين وجمال تعاليمه، وأنه لم ير في هذه الصورة الرائعة لخليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو يحرص رضي الله عنه على تذكير جيش المسلمين أن القوة لله الواحد الأحد، الذي لا يرضى سبحانه من المسلم إلا الخير والعدالة في كل أحواله، في يسره وعسره في هزيمته وانتصاره.. فكل ما يعني بوش هنا بيان أن كتابه المقدس أشار لحقيقة إنسانية أثبتها التاريخ الإنساني للمسلمين..مشيرا إلى أن هذه النصوص المسيحية أثبتت أن المقصود بالجراد الذي لا يؤذي العشب الأخضر، عرب شبه الجزيرة العربية، وأن قوتهم تتكون في الأساس من عدد كبير من الفرسان فهم يركبون خيولا عربية سريعة، سرعة لا تجارى ،كما تعمد لوصف الشكل العام للجنود العرب ولأسلحتهم مستنبطا هذا الوصف من خلال تفسيره لسفر الرؤيا ،كان الهدف من وراء هذا التوجه تأكيد هيمنة دينه المسيحي ونصوصه الذي استشرق الغيب.. هذا الهدف دفعه لعدم التوقف مطلقا عند إمكانية كون أمثال هذه النصوص ما وجدت إلا لتكون بشارة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته..

من السهل على الناظر في كلمات جورج بوش التي تعمد تدوينها، أن يدرك أن بوش لو اضطر في كتابه التوقف عند مزايا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أو عند مزايا هذا الدين الحنيف، فهو إما يتجاهل هذا التميز عن عمد وإصرار، كما فعل مع وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه المشار إليها آنفا، أو يحاول تشويه الظاهر والمعايش مفترضا سوء النية، حتى تجاه السيرة العطرة التي رافقت حياة رسولنا الكريم، فالغاية عنده تبرر الوسيلة، والحل لمواجهة تفوق الدين الإسلامي وقومه، يدعوه لتدليس حقائقه وتعاليمه وقلبها.

ختام هذا الموضوع سيتم بمشيئة الله سبحانه في الأسبوع المقبل، وإن كنت مدركة أنها ستكون ناقصة، لو لم نعقد العزم كمسلمين على إظهار سمو الإسلام كعقيدة ونظام سياسي اقتصادي واجتماعي، في كل محفل نقف على أرضه ونستنشق هواءه.
 



نشيدهم: "الله يخلق أما نحن فنحرق الجثث"!

واقع نعيشه بكل أبعاده

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط