اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/150.htm?print_it=1

تجربة كهذه نحسد الرياض عليها

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
ما نخشاه هو احتمال خروج التطبيق عن جوهر ومضامين وأهداف القرار الذي أراد لنا نحن معشر النساء أن نتعامل مع مستلزماتنا الخاصة دون حرج، نخشى أن يزيدنا تطبيقه حرجاً على حرج...

افتتح حديثا في تل أبيب مركز يبدو للوهلة الأولى كغيره من المراكز، يحوي بين جنباته متاجر لبيع أدوات التجميل، الملابس النسائية على اختلاف أنواعها، بما فيها الخاصة، كما يحوي محلات متخصصة ببيع الأدوات المنزلية. هذا المجمع الذي يحظر على الذكور فوق العاشرة الدخول إليه، يعد أول متجر يخصص للنساء في إسرائيل المحتلة.
هذا السوق نال رضا اليهوديات الأصوليات، لحرصه على المحافظة على الأسلوب العصري مع تخصيصه للنساء، وهو تخصيص متناسب مع تعاليم التلمود التي تشير إلى أنه يجب على النساء الاحتشام في الملابس والجوارب والشعر، وعدم اختلاطهن بالرجال.
أما المالك، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 33 عاماً، فيقول عن أسباب توجهه لهذه السياسة: "يمكن للنساء تفحص الملابس والثياب الداخلية دون أن يقلقوا من نظرات الشباب"، في حين أبدت مديرة المركز سعادتها بهذا التخصيص بقولها: "أرى السعادة على وجوه النساء والبريق في عيونهن، النساء هن النساء أينما كن...، فالتسوق في طبيعتهن". هذه السعادة أعلنتها إحدى النساء اليهوديات بقولها: "سأوصي به... بالتأكيد لكل صديقاتي"!.

عندما وصلني خبر هذا المركز الصهيوني الموجود في تل أبيب، استحضرت على الفور قرار مجلس الوزراء رقم (120) بتاريخ 12/4/ 1425هـ، والقاضي بقصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية - الخاصة - على المرأة السعودية، ذلك القرار الذي كان حلما طال انتظاره، حلماً أجزم أن الغالبية العظمى من النساء السعوديات تتطلع لتطبيقه على أرض الواقع، قرار يخدم العنصر النسائي بشكل عام، إلاّ أن ما نخشاه هو احتمال خروج التطبيق عن جوهر ومضامين وأهداف القرار، الذي أراد لنا نحن معشر النساء أن نتعامل مع مستلزماتنا الخاصة دون حرج، نخشى أن يزيدنا تطبيقه حرجاً على حرج.

إن من المفارقات العجيبة أن تبذل وزارة العمل في المملكة العربية السعودية جهداً لا يستهان به في البحث عن كيفية تطبيق هذا القرار، في حين استطاع تاجر صهيوني البت في تطبيق ناجح لمضامينه، تاجر أدرك بحسه التجاري أن تخصيص هذا المتجر العصري للنساء عنصر جاذب للكثيرات.

والعجيب أن هناك من يرى أن الحل الاقتصادي لتطبيق القرار يكمن في عدم إجبار أصحاب المحلات المعنية بالقرار على نقل نشاطهم إلى أقسام تخصص في المجمعات التجارية بالكامل لبيع المستلزمات النسائية، مبرراً رأيه هذا بأن قرار مجلس الوزراء لم ينص على هذا التخصيص، وبالتالي فلا ضير من وجهة نظري أن تحمل تلك المحلات صبغة المعتقلات من حيث الحراسة المشددة الملازمة لكل واحد منها على حدة، حراسة تشعر المار أمامها بأنه في موضع شبه، فهذه المحلات النسائية لن تتمتع بخصوصية إلاّ من خلال مساحتها المحدودة جداّ.
كما أني لا أدري كيف ستتصرف البائعة تجاه من تسول له نفسه من ضعاف النفوس فيقتحم أمثال هذه المحلات بغرض السطو - هذا على سبيل المثال -، وقد يقال: وكيف يتحقق ذلك؟!.

وهنا أؤكد أن ذلك مع صعوبته ممكن عقلاً، فترخيص العبور إلى داخل حدود هذه المحلات النسائية المتفرقة والمتباعدة، لا يلزم التحقق من نوع جنس الداخل إليها، فالحارس لن يمنع من وقف أمامه مرتدياً العباءة من الدخول، وهذا هو حال البائعة التي قد تتابع المارة عبر شاشة داخلية تنصب لالتقاط التحركات المحيطة بحدودها الإقليمية، والباقي أتركه لمخيلة القارئ!.

أما الكآبة العامة التي ستحيط بشكل هذه المحلات من الخارج فحدث ولا حرج، إذ يسعى الاقتراح لإلزام أصحاب المحلات بإغلاق كل المنافذ الأمامية بالكامل، لتكتمل بهذا التوجه صورة المعتقل محكم الإغلاق، بل إن معتقل (جوانتانامو) قد يتمتع بشفافية أكثر بكثير من أمثال هذه المحلات!.

ثم لا أعرف كيف سيكون حال من عزمت على مغادرة تلك المحلات وهي تنتظر الإذن بالخروج، فالباب قد أحكم إغلاقه بعد دخولها مباشرة، والموظفة لا يعنيها بطبيعة الحال خدمة الزبونة المغادرة بقدر ما يعنيها أمر المقبلة منهن إليها.

ومن ناحية أخرى كيف أغفل هذا التطبيق المقترح خطورة نشر بنات لنا بعمر الزهور قليلات التجربة في محلات قابعة بين محلات تدار أغلبها بأيدي رجال، سواء كانوا شباباً من أبنائنا قليلي التجربة، أو من عمالة خارجية أوكل إليها إدارة بعض تلك المتاجر، عمالة تختلف رؤيتها عنا، عمالة قد لا ترى في صداقة الرجال بالنساء أية غضاضة.

ثم لا أفهم كيف استطاع تاجر صهيوني عمل ما عجزنا نحن عن عمله، وكيف تغافلنا عن تجربة أجمل بكثير من تجربة الكيان الصهيوني، تجربة أسواق المملكة في العاصمة الرياض، والتي خصص القائمون عليها دوراً كاملاً لرعاية وخدمة النساء المتبضعات، واشترط على أصحاب المحلات أن تكون جميع الباعة فيه من النساء، قسم تتحرك النساء فيه من محل لآخر متمتعات بخصوصية كاملة، فهذه لا تخجل من تفحص الثياب الخاصة، وتلك لا تخجل من طلب المساعدة من البائعة، في حين تتوجه الأخرى لتتناول الطعام مع بناتها وقريباتها، كل هذا وغيره يحدث على أرض المملكة، في جو يستوجب توجيه الشكر للقائمين عليه الذين أظهروا للنساء كل الاحترام والتقدير والرعاية.

تجربة كهذه حبذا لو تعمم على المملكة استناداً لقرار مجلس الوزراء المشار إليه آنفا والماضي في تنفيذه، القرار الذي لم يهدف بأي حال من الأحوال إلى تعريض البائعات ولا المتبضعات لأي مضايقة.

وحبذا لو توجه القائمون على تجربة القسم النسائي في المملكة لتقديم هذه التجربة مدعمة بإحصائيات ربحية للإعلام أو للراغبين الاطلاع عليها من أصحاب المجمعات والمراكز، والتي أعتقد يقيناً أنها أرباح فاقت التصور.

إن جمال سياسة أسواق المملكة لا تكمن في ذلك فقط، بل في كونها لم تباعد بين أفراد الأسرة الواحدة، فبإمكان الرجال التبضع في الأقسام العامة، في حين تتوجه النساء للقسم الخاص بهن. تجربة كهذه تستحق التعميم، تجربة كهذه نحسد الرياض عليها!.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط