اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/186.htm?print_it=1

عبير نورة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
فتاتنا تقول إن أمها الكتاب المفتوح الذي تستسقى منه العلم والمثابرة، وإنها مهما فعلت أو قدمت فلن يكون ذلك في مقام قطرة من بحر عطائها وحبها، وأن وقوف والدها وأسرتها وتقديمهم الدعم لها، كان له أكبر الأثر في نجاحها بعد الله

كانت ليلة استنشقت فيها عبير نورة في وقت كنت في أمس الحاجة لعبير ونور يسعدان القلب والعقل معا، هذه كانت الليلة التي تشرفت فيها بالتواجد على أرض "الأربعائيات" المنتدى الثقافي النسائي في المنطقة الشرقية، نهاية الأسبوع المنصرم، حنين لا أخفيه لروح هذا المنتدى ولصاحبته "سارة بنت محمد الخثلان" التي ما فتئت توجه أنظارها لدعم الكوادر النسائية الوطنية وحتى العربية، سيدة أدركت أن الثروة الباقية لهذه الأرض الطيبة، وللأمة العربية بكاملها هي أبناؤها وبناتها، سيدة أدركت أن دعم الشباب واجب لا مناص منه، وأن دعمها للكوادر النسائية الوطنية والعربية، لا يتعارض مطلقا مع خصوصيتنا كمجتمع اعتمد الإسلام دستورا، مجتمع تتحرك النساء فيه بحرية متناهية في نطاقهن الخاص، حيث لا تقبل النساء والبنات فيه.. اقتحامه من قبل الرجال، ففيه ننصت ونعلق ونضحك دون حرج أو تردد.. خصوصية أعتقد يقينا أن الرجال تهفو نفوسهم إليها، ولذا نجدهم دوما يحتالون في البحث عن مبررات لمجالسة بعضهم بعضا.
أما "عبير نورة " فكان نابعاً من ضيفتين رئيستين لتلك الليلة، المتحدثة الأولى الدكتورة "عبير بنت حسام الدين اللحام" إحدى أعضاء هيئة التدريس بكلية العمارة والتخطيط، بجامعة الملك فيصل في الدمام، التي أقبلت إلينا في ثوب رائع استمد خطوطه وتصميمه من التراث الأردني، أقبلت حاملة باقة من رحيق الماضي الذي أبى أن يندثر، إذ اختارت أن تتحدث عن "ماهية العمارة الإسلامية" فكان العشق لسانها والعلم بيانها.

تابعت - كغيري - حديثها القيم في مضامينه، البسيط في مفرداته ومعانيه، ولأجل أننا مجحفون تجاه عمارة أعطتنا الكثير فقابلنا عطاءها بما لا يليق، فلن نجد بيننا على الأغلب إلا معمارياً أو ممولاً غيوراً نقل الماضي دون مراعاة منه لمستجدات ومتطلبات الحاضر، وإما معماري أو ممول ناكر ومنكر لجمال عمارة فاض به تاريخنا الإسلامي.. في تلك الليلة كنا كحضور نتابع على شاشة العرض صورة من عمارة الماضي الرائعة، لتوقفنا الدكتورة "عبير" موضحة الجوانب المميزة في كل منها، مؤكدة أن هناك تبايناً في كثير من التفاصيل فما تم بناؤه في الشرق مختلف عما أنشئ في الغرب، وأن هذا الاختلاف المعماري لا يلامس البتة أساسيات حرصت عليها العمارة الإسلامية منذ البداية، أساسيات استمدتها من تعاليم إسلامية تصر على مراعاة حق الجوار.. فلا ضرر ولا ضرار، عمارة تأثر بها سكانها كما تأثرت هي بهم في المقام الأول.

وفي تلك الليلة شاهدنا عمارة حديثة نقلت وبشكل يكاد يكون مطابقا لعمارة لا شك أنها مميزة، خلفتها لنا الحضارة الإسلامية، إلا أن بعضاً منها كما بينت الدكتورة "عبير" لم تراع فيها متطلبات العصر، وبالتالي كانت الفائدة المرجوة منها قاصرة نوعا ما، ولتنتهي المتحدثة إلى أن حنيننا إلى الماضي لا يبرر هذا التوجه، فالعمارة الإسلامية غنية، ومتشعبة، ورائعة الجمال، وبالإمكان تواجدها واستحداث بعض جوانبها لتتماشى مع عصرنا وغيره من العصور، عمارة تتعامل مع البيئة التي تظهر على أرضها، وتراعي طبيعة كل منها على حدة، فهي تتوقف بعظيم الاهتمام أمام البيئة الحارة، والبيئة الجبلية وسهلية الإطراف.. أما وصيتها الختامية للحاضرات، فكانت ألا ننسى الماضي ولا نتجاهل الحاضر، ولنستمتع نحن والأجيال القادمة بعبير الماضي الممزوج بمتطلبات ومستجدات الحاضر.. هذه المهندسة الأكاديمية الآتية إلينا من المملكة الهاشمية الأردنية، حصلت على جائزة الملك حسين للطلبة المتفوقين في الأردن، وهي بحق جديرة بها.

أما ذاك النور الذي اكتسى قاعة "الأربعائيات" فكان لشابة من بلادي، شابة سعودية لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها، ظهرت لتمثل مزيجاً رائعاً من الخجل والثقة، فتاة حددت أهدافها وتطلعاتها، ومع ذلك لم يكن ليخطر على بالي أنها المعنية بحديث دار بيني وبين صاحبة المنتدى الأخت سارة، والذي جاء فيه على لسانها: (ستجدين ما يسرك ويثلج صدرك، ستجدين شابة سعودية تملك موهبة، تستحق التقدير..).
هذه هي ابنة هذه الأرض الطيبة "نورة بنت علي العجمي" التي اضطرت للتوجه لمملكة البحرين ولـ"الجامعة الخليجية" "لإكمال دراستها الجامعية في مجال الهندسة المعمارية، وهناك وجدت الرعاية والدعم وعلى أعلى المستويات، لقد استطاعت هذه الجامعة استثمار قدرات ابنتنا نورة، وبعثتها لتمثل الجامعة و"مملكة البحرين" في "المؤتمر الأول لشباب الجامعات العربية" عام 2006هـ، الذي انعقد على أرض الكنانة، والذي انعقد بدعم "جامعة المنصورة"، وشارك فيه (38) جامعة تنتمي إلى (14) دولة عربية.
لقد حصلت "نورة بنت علي العجمي" التي لم تتجاوز آنذاك السابعة عشرة من عمرها، والتي كانت الأصغر سنا من بين المشاركين والمشاركات، وبعد عديد من الاستفسارات وجهت لها من قبل اللجنة المحكمة، على المرتبة الثالثة "الميدالية البرونزية" في مجال الابتكارات العلمية، كما حصلت على المرتبة السابعة، في نظم وإلقاء الشعر.. بالله عليكم أليست رائعة ابنتنا نورة؟.
أما ابتكارها فكان بطبيعة الحال فريداً من نوعه، وله علاقة بتخصصها المعماري.. لقد استطاعت "نورة" صناعة الزجاج من مواد نباتية، معلنة أن هذا النوع من الزجاج يتمتع بالصلابة، والجمال، وأن استخدامه كبديل للزجاج - في بعض استخداماته - ممكن ومتحقق، وأن التجارب مستمرة حول إمكانية استخدامه بشكل أوسع.
لقد كرمتنا مملكة البحرين باختيارها لابنتنا لتمثلها في مؤتمر إقليمي، كما كرمنا ملك البحرين "الملك حمد بن عيسى آل خليفة" بنفسه بتكريمه لابنتنا "نورة" والاحتفاء بها وبنبوغها، بارك الله فيه، وفي البحرين، وأدام الود بيننا.
أما الغالية "نورة" فكرمت المملكة العربية السعودية بإعلانها المتكرر انتمائها لبلادها، وبالتزامها بالحجاب الشرعي، الذي ظهر على كل أرض وقفت عليها سواء في البحرين أوفي مصر، وسواء على منصة التكريم في جامعة المنصورة، أو في قاعة المحاضرات في الجامعة الخليجية، فالتزامها بالحجاب، وغطاء الوجه لم يكن ليعيقها على الإبداع والتميز.
وجدير بالإشارة هنا ما سمعته منها من أبيات شعرية ألقتها أمامنا في منتدى "الأربعائيات" تلك الليلة، وهي من قصيدة نالت إعجاب وتقدير لجنة التحكيم في المؤتمر المصري الذي نوهت عنه سابقا، ونالت عليها جائزة المرتبة السابعة في مجال اللغة العربية والشعر، وإليكم بعض من أبياتها:

بكيت دجلة والفرات بكاني ***  والنيل في وضح النهار شفاني

كما قالت:

مادامت الخرطوم تشكو حالها *** والقدس تذرف دمعه وتعاني
ستظل عيني في السماء رقيبة *** ويظـل قـلبي ثابـت الـبنيان

كما أزف للقارئ الفاضل أن ابنتنا "نورة" أكملت دراستها النظامية ابتدائي ومتوسط وثانوي، في وطنها المملكة العربية السعودية، وحصلت عام 1425- 1426هـ، على شهادة وشكر من إدارة الإشراف التربوي لمشاركتها في معرض (أنشطتي ترعى موهبتي) كما فازت في مسابقة (انطلاقة في عالم الفيزياء) المعدة من قبل شؤون الطالبات والاختبارات على مستوى محافظة الخبر.
فتاتنا هذه تقول إن أمها الكتاب المفتوح الذي تستسقى منه العلم والمثابرة، وأنها مهما فعلت أو قدمت فلن يكون ذلك في مقام قطرة من بحر عطائها وحبها، وإن وقوف والدها وأسرتها وتقديمهم الدعم لها، كان له أكبر الأثر في نجاحها بعد الله، كما تؤكد انتماءها لمدرساتها اللآتي ما زلن على اتصال دائم بها، على سبيل المثال ذكرت المرشدة الطلابية الأستاذة "هدى الشويل" بعظيم الامتنان، وكذا تحدثت بحب عن الأستاذة المفكرة "عصمت المهندس" التي تعدت علاقتها بها علاقة المدرسة بطالبتها، فهي وبشهادة نورة في مقام الأم بعطائها، كما لم تخنها الذاكرة فوجهت عظيم التقدير لمديرة جامعة البحرين الدكتورة "منى بنت راشد الزياني"، التي قدرت إمكانياتها وشجعتها، وما زال هذا حالها معها...
لقد كنت أتابع حديث نورة.. وأتخيل كم كنت سأكون محظوظة لو شرفت بتدريسها، بارك الله فيها، وفي أم أنجبتها ورعتها، وفي أسرة ساندتها، وفي مجتمع يفتخر بها ويدعمها..
ولا أدري هل من الممكن أن تنال ابنتنا "نورة بنت على العجمي" الطالبة في السنة الثانية، بالجامعة الخليجية، تقدير وزير التعليم العالي معالي الدكتور "خالد بن محمد العنقري" فيوجه بحسه الأكاديمي بتمكينها من الحصول على منحة دراسية، هل من الممكن أن تتكفل الوزارة بتكاليف دراستها؟. يقينا أؤكد ذلك.. فمن عرف معالي الدكتور خالد، يدرك أن ذلك ممكن بحول الله وقوته.
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط