اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/24.htm?print_it=1

استراتيجية عفا عليها الزمان...

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
المماطلة أو المراوغة هي الاستراتيجية الوحيدة التي اتخذها الكيان الصهيوني وما زال تجاه حل قضية لشرق الأوسط، استراتيجية بالية عفا عليها الزمان، أقترح مخلصة تغييرها، والقبول بواقع يؤكد أننا أمة لا نعرف لغة الاستسلام

لم يكن مستغرباً أن تواجه مبادرة قمة بيروت للسلام، منذ يومها الأول رفضا إسرائيليا ولكن العجيب أن نرى من يعتقد أن الكيان الصهيوني يملك القدرة على التفاوض... أو الوفاء بالعهود، ممن يعتقد أنها تسعى للسلام بمفهومه العادل...
لقد بَرمج الكيان الصهيوني التاريخ، بحيث ما إن يتطرق للحديث عن موقفه من عملية السلام، حتى يخط دون تردد بل حتى دون الرجوع للحقائق. غدر، وكذب، ومماطلة، وافتراء الصهاينة.
ولكن أعجب من ذلك كله وقاحة تلك الأمة التي لا تعرف الحدود، أعجب من رد المتبجح الظالم، أمام سماحة وعفو المظلوم، ففي فجر اليوم الأول بعد إعلان مبادرة قمة بيروت للسلام رأينا كما رأى العالم بأسره الكيان الصهيوني يقوم باجتياح واسع لعدد من المدن والقرى العربية المحتلة، اقتحموا مقر الرئيس عرفات وحاصروه بالدبابات، وأمطروه بوابل من النيران...! هكذا انتهى اليوم الأول بعد إعلان هذه المبادرة...
رفض الكيان المحتل لمبادرة قمة بيروت للسلام، لم يكن مستبعداً لدى كثير من المراقبين، ولكنها كانت في الوقت نفسه بداية لخيبة أمل جديدة، أصابت الساعين إلى السلام، أولئك الذي أضناهم ما يصيب الشعب الفلسطيني الأعزل على مدار الساعة، من سفك الدماء... وهتك الأعراض، وهدم البيوت، جوع... تشريد... وموت بطيء...
رفض هذه المبادرة لم تكن الأولى من نوعها، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة، فالتاريخ الحديث يؤكد لنا وقائع مروعة لساسة ذلك الكيان تجاه عملية السلام، ويقدم الدلائل على أن السلام الذي يسعى إليه ذلك الكيان المحتل هو استسلامنا المطلق لكل مطالب صهيون، فقضية الأرض مقابل السلام... قضية عادلة لا يمكن أن تعرف طريقها للحياة، على أرض يقف عليها أمثال هؤلاء... وما نهاية رابين على يد (إيجال عامير) الصهيوني الأصولي بعد تطبيق معاهدة (كامب ديفيد) إلا دليل على فكر هذا الشعب الدموي الرافض لأية عملية للسلام...

. ففي عام 1954م عرض جمال عبد الناصر، خطة للسلام طالب فيها التزام الكيان الصهيوني بقرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة عام 1947م... والنتيجة رَفَضَ الكيان الصهيوني بتعنت هذه الخطة رفضاً لم يكن الأخير من نوعه...
في عام 1981م، طرح ولي العهد الأمير فهد بن عبد العزيز آل سعود، أو ل خطة شاملة تقدمها المملكة العربية السعودية للسلام، دعت فيها إلى انسحاب الكيان الصهيوني من كل الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967م، وإلى إزالة المستوطنات التي أقيمت في المناطق المحتلة منذ عام 1967م، وإنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

فما هو موقف الكيان الصهيوني أمام هذا العرض سخي الذي جاء من حكومة المملكة العربية السعودية، حكومة تتمتع بمكانة مميزة إسلاميا وسياسيا واقتصاديا وبمصداقية فريدة في زمن الشعارات، لقد أعلن وزير خارجية إسرائيل المحتلة (إسحاق شامير) على الفور إن هذا العرض يمثل: (خنجراً مسموماً يطعن إسرائيل في الصميم)...! في حين بادرت حكومة الكيان الصهيوني على الفور ببيان أنها تعتزم ببناء وإنشاء مزيد من المستوطنات في الضفة الغربية!
وفي عام 1982م تبنى زعماء الدول العربية في مؤتمر القمة في فاس، خطة ولي العهد السعودي الأمير فهد للسلام، لتنتهي كمثيلاتها بالرفض، إذ قال إسحاق شامير إثرها إنها (إعلان حرب مجدداً على إسرائيل... ولا وزن لها، ولا قيمة.ز. وتتضمن الكراهية نفسها والحرب على السلام).

وفي عام 1988م كان ميلاد خطة منظمة التحرير الفلسطينية للسلام، أعلن من خلالها المجلس الوطني لمنظمة التحرير، نبذه للإرهاب، وقبوله بقرارات مجلس الأمن الدولي، و الأمم المتحدة والقمم العربية، كما أكد تصميم منظمة التحرير على التوصل لحل سلمي شامل للنزاع العربي الإسرائيلي، تضمن حق العودة للفلسطينيين، وإنشاء دولة وطنية في فلسطين المحتلة، وكان نصيب هذا العرض مثل نصيب ما سبقه الرفض ثم الرفض ثم الرفض...
وفي عام 1991م، وبعد محاولات حثيثة للكيان الصهيوني دامت 49 عاما، لقبول العرب الجلوس معها على طاولة المفاوضات، وافقت مصر والأردن ولبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية عقد مفاوضات مباشرة حول السلام مع الكيان الصهيوني، فكان رد إسحاق شامير: (أنا لا أومن بالتنازلات الإقليمية)!

وفي عام 1996م في قمة القاهرة، أكد القادة العرب تمسكهم بالسلام مع الكيان الصهيوني كخيار استراتيجي، شرط أن تنسحب من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967م..
وفي قمة بيروت الأخيرة ومبادرتها للسلام التي عرضها الأمير عبد الله بن عبد العزيز، (انسحاب كامل مقابل سلام كامل)، مبادرة لم تأت من فراغ، بل كانت بنودها قائمة على مبادرة ولي العهد الأمير فهد بن عبد العزيز، والقمم العربية السابقة، والقرارات الدولية للأمم المتحدة، قمة كان نصيبها الإجماع العربي والعالمي... أما رئيس حكومة الكيان الصهيوني فقد رفض وشجب المبادرة بقوله: (إن الانسحاب حتى حدود ما قبل 1967م يعني تدمير إسرائيل) رفض توقعه كثير من السياسيين...
ولكن المضحك في موقف شارون هذا، هو ظنه وحكومته أننا من السذاجة بمكان بحيث نصدق ادعاءاته، أو أننا سنقبل بعقد مباحثات ثنائية يجريها مع الأمير عبد الله في القدس، أو أن المملكة ستقبل بعقد محادثات ثنائية مع ممثلين للكيان الصهيوني...!
لقد رفضت الرياض هذه الدعوة مؤكدة أن زيارة الأمير عبد الله أو أي مسؤول سعودي للأرض المحتلة أمر مرفوض شكلاً وموضوعاً...
وأضافت الرياض إن مبادرة الأمير عبد الله، التي أقرتها قمة بيروت لا تعني فتح حوار من جانب السعودية مع الكيان الصهيوني وإن تركيز شارون على دعوة الأمير عبد لله لزيارة القدس أو عقد لقاء بين مسؤولين من الجانبين يعني أن الكيان الصهيوني بدأ في المماطلة والمراوغة وإضاعة الوقت...
إن تصريح الرياض هذا يذكرني بحديث لـ(هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأمريكي السابق جاء فيه: (لقد بنى الفلسطينيون سياستهم طوال نصف قرن تقريباً على الأمل في النهاية، بإيجاد مجموعة من الضغوط الدولية والعربية لتدمير دولة إسرائيل... وفي مواجهة هذه المواقف تبنت إسرائيل المماطلة بوصفها أفضل استراتيجية).
وسجل بن جوريون في يومياته ملاحظة جاء فيها: (إن الهدنة تكفينا، فإذا سعينا وراء السلام سيطالبنا العرب بثمن يشمل الحدود أو اللاجئين أو كليهما).

المماطلة أو المراوغة هي الاستراتيجية الوحيدة التي اتخذها الكيان الصهيوني وما زال تجاه حل قضية لشرق الأوسط، استراتيجية بالية عفا عليها الزمان، أقترح مخلصة تغييرها، والقبول بواقع يؤكد أننا أمة لا نعرف لغة الاستسلام...

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط