صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







العيد الذي رحل ولم يعد

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
ما زلت أذكر ذاك الصباح الذي كنا ننتظر قدومه صباح مساء، ونعد السويعات ونمني قلوبنا لعله يقبل علينا قبل أوانه، ما زلت أذكر ذاك الصباح الذي كنا نقفز من أسرتنا سريعا نحضر أبداننا وأرواحنا لاستقبال قريبنا الغائب، والبيوت التي اكتست برائحة العود، ما زلت أذكر ضحكنا ولعبنا، فقد كان يفترض ألا يوجه لنا اللوم لضحكنا الذي كان عادة دون سبب أو للعبنا طوال النهار، ما زلت أذكر ذاك اليوم الذي كنا نتابع فيه أصوات القادمين لتهنئتنا، ما زلت أذكر(العيدية) كانت على بساطتها كافية لأن تظهر فرحتنا وامتناننا لمن وهبها لنا، وما زلت أتذكر إقبالنا على شراء الحلويات بشكل يفوق استيعاب أجسادنا، وما زلت أذكر الشوارع التي اكتظت بالمارة، وما زلت أذكر فرحتي بالثوب الجديد والحذاء والحقيبة الصغيرة التي كانت تختار لي بعناية فائقة، وفرحتي بشعري الذي زين بشكل فاق غيره من أيام..

لقد كان الفرح عنوان أعيادنا، فرح لم أعد أتذوق طعمه هذه الأيام ويخيل إلي أن أطفالنا لم يعرفوه، أم أن للأطفال فرحة تختلف عمن عداهم ؟! كثيرا ما أسمع أن الأعياد تتناغم فقط مع طفولة الأطفال تاركة خلفها آثارا رائعة تثبت في ذاكرتهم الغضة، فالطفل أيا كان زمانه يبقى عيده دون غيره ضاحكا فرحا، وكأن العيد خصص لهم دون غيرهم.

ولكني أشعر أننا كآباء وأمهات مع كل ما نبذل من أجل إضفاء الفرحة على العيد نبقى ومن وجهة نظرنا مقصرين عاجزين عن أن نقدم لأطفالنا ما نلناه نحن من آبائنا وأمهاتنا، أطفالنا يضحكون ولكننا نشعر أن ضحكاتنا كانت أعمق،هم يلعبون لكن لعبنا كما أرى كان أمتع، حتى أناشيد العيد التي كنا نرددها لم نعد نسمع أصداءها، ولو تعمدنا اليوم الإشارة إليها ولو تلميحا لسمعنا من الطرف المستهدف ضحكات نفهم منها أننا استحققنا وعن جدارة الحرج الذي أوقعنا فيه أنفسنا.

هذا هو حال الطفولة اليوم من وجهة نظر من فارقت الطفولة منذ زمن بعيد، وكيف لا يكونون هكذا ؟! ألم تصبح ضحكاتهم إلكترونية ولعبهم إلكترونيا وتفكيرهم إلكترونيا ومعظم رفقائهم الملازمين لهم عبارة عن أجهزة صماء، ألم يتطلعوا لشراء المزيد والمزيد من الأجهزة الإلكترونية، وهداياهم التي يتطلعون للحصول عليها أجهزة إلكترونية تحدد الشخص الواحد كشرط لاستخدامها، بالتالي تجد أطفالنا كل واحد منهم قابعا في زاويته الخاصة وعالمه الخاص، لساعات وساعات، يكتفي بتقديم ابتسامات خاطفة، توجه منه وإليه، ابتسامات قلما تصل لأرواحنا..

والغريب أن شوارعنا تبدو خالية فالناس لم يعودوا يهوون السير على الأقدام، ونحمد الله أن الشواطئ والأماكن العامة ما زالت تشعرنا أن هناك أناسا خرجوا للاحتفال بالعيد، أما البيوت فأطفالنا يجلسون فيها مسمرين بالكراسي، فقد تعمدنا توجيههم للآداب العامة التي يجب الالتزام بها، لا تكثروا من الحراك... ومن الضحك... ولا تنتقلوا من كرسي إلى آخر! ولو صدر من أحدهم ما يخالف ذلك نرميه بنظرات حادة تلجمه على الفور، لينال درسا في آداب التعامل ما أن نغادر المكان.. وهكذا يكون يوم العيد عبارة عن درس عملي لآداب التعامل واللياقة، ناهيكم عن النوم الذي يغلف جفون بعضهم ممن يؤثر قضاء معظم ساعات عيده حالما جامدا.

قد يقال لي إن الأطفال اليوم وجدوا سعادتهم بما هم فيه وعليه، ولو عرض عليهم عيد كعيد الأمس لعدوا ذلك مزاحا، قد يقال إن الأجداد كانوا يحزنون لعيدكم، ويرونه بائسا حزينا لم يحمل الفرح الذي حمله لهم، وقد يقال إن أطفالنا سيشعرون لا محالة تجاه عيد أطفالهم كما نشعر نحن اليوم تجاه عيدهم، أو إن الأطفال عموما يملكون ميزانا يختلف عن ميزاننا وبالتالي هم يصنعون عالمهم الخاص،عالم يعرفون كيف يتعاملون به معه، ويبتهجون من خلاله، عالم خاص لا يمكن لنا أن نفتحه أو أن نفهم أبعاده.إلا أنني مع ذلك كله ما زلت أفتقد لعيد رحل مع طفولتي ولم يعد.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط