اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/278.htm?print_it=1

"لنبدع في ظل لا إله إلا الله" 1-2

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
هناك جوانب من حياة البشر تبقى خافية لا يطلع عليها إلا المقربون، جوانب لا تظهر على السطح بكل زواياها إلا من خلالهم، وبالتالي كان للكتاب الذي ظهر على الساحة مؤخرا أهمية خاصة، فقد سطر بيد رجل عرف بمهنيته العالية، وبقلمه الفاحص المدقق، رجل له من المصداقية ما يدفعك لاستيعاب مضامين كلماته بوعي تام.
ومن جانب آخر يدور هذا الكتاب الجديد من نوعه حول شخصية سعودية فاعلة، عشقت خدمة دينها ووطنها، وتعدت بصماتها الإيجابية حدود الوطن لتطال شرق العالم وغربه، الكتاب الذي أود التحدث عنه هو من وجهة نظري تحليل سياسي لشخصية لها تاريخها الفاعل وحاضرها المؤثر، مرنة في تطبيق المبادئ وثابتة على تمسكها والتزامها بالأصول العامة، فإذا تحركت ..تحركت من خلال أرض ثابتة الجذور، فهي منها وإليها لا تقبل لها بدلا .
والحقيقة أني عندما سعيت للحصول على نسخة من هذا الكتاب، كنت أود الاطلاع على بعض أسرار هذه الشخصية المميزة، كنت أود الاطلاع على المنهج التربوي الذي نشأ عليه هذا المواطن، لقد كنت متلهفة للوقوف عند بعض الجوانب الخاصة من طفولة وحياة إنسان ناجح، ولكن الكتاب فاجأني فهو بعيد كل البعد عن السير الذاتية، ولكن لحسن الحظ توقف عند أهم مصادر هذا الثبات المنقطع النظير في حياته الخاصة والعامة، والذي في الغالب يجهد العاملين معه، فالموظفون المقربون من هذا المواطن- وبشكل خاص- يبذلون قصارى جهدهم رغبة في مجاراة اجتهاده، فقد اعتادوا التحرك مع عقارب الساعة، لا يؤجلون على الأغلب العمل المناط بهم للغد القريب، اهتمامهم بسرعة إنهاء معاملات الناس نابع من اهتمامه، واحترامهم للناس على اختلافهم نابع من احترامه لهم . أدمنوا على حبه وحب من يحب، لقد كان تحليل شخصية هذا المواطن مبنياً على معرفة الكاتب المباشرة والموسعة به حفظه الله، فقد تعامل معه على المستوى الفكري والثقافي، ولسنوات.
إن الكتاب المعني بهذه السطور معنون بـ(سلمان بن عبد العزيز الجانب الآخر) وقد صيغت فصوله بقلم الدكتور الفاضل " زين العابدين الركابي" الغني عن التعريف، فبحكم قربه من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، عمد لرصد رؤيته الخاصة لشخصية أمير الرياض وتحليلها، دون تدخل أو إملاء من أية جهة رسمية أو غير رسمية، هذا ما استنبطته من كلام الكاتب الفاضل، فقد جاء في كتابة : ( قد يقال إن علاقة المثقفين والمفكرين مع رجالات الحكم مشوبة أو معرضة للإملاء دوما بينما يجب أن يكون المثقف أو المفكر متحررا من كل إملاء على الدوام..) ثم استمر الكاتب في شرح فكرته إلى أن قال (ومن خلال التجربة الطويلة نسبيا لم أشعر في يوم من الأيام بهذا الإملاء، بل كثيرا ما كنت أتحاور مع سلمان لكي أستطلع رأيه بحكم موقعه في موضوع من الموضوعات، فيرفض ويقول :" ليكن الرأي نتيجة البحث لا قبله ..خذ حريتك وتحمل مسؤوليتك..") وثم أنهى الركابي فكرته بقوله: (ومع حرية البحث والدراسة والرأي لا يكون هناك مجال للإملاء، لأن الحرية والإملاء نقيضان لا يجتمعان) .
ولأني أعشق النجاح رغبت في نقل بعض الجوانب الخفية لأمير الرياض، جوانب ضمتها صفحات كتاب الدكتور "الركابي" إذ تحدث فيه ابتداء عن أهم امتداد للملك عبد العزيز رحمه الله، بعد أن أشار بإيجاز غير مخل لإنجازات مكنت الملك عبد العزيز بعون الله من صناعة دولة عصرية مترامية الأطراف أسست على المبادئ الإسلامية، فقال في ذلك : ( ودون تقليل من عظمة هذه الإنجازات وامتدادها فإن أعظم امتداد وأثر للملك عبد العزيز هو أبناؤه..) ثم بين عدة أسباب دفعته لهذا الإيمان فكان من أهم ما قال في هذا الشأن :( إن الإنجازات والنهضة التي حققها الملك عبد العزيز كانت ستضيع - لا قدر الله - لولا أن رزقه الله بأبناء تولوا الأمر من بعده وهم الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - وعبد الله حفظه الله،.. فقد حمل هؤلاء المنهج والرسالة والأمانة، ومعهم وحولهم رجال مخلصون عاملون أوفياء لدينهم أوفياء لبلادهم ).
ثم دلل الكاتب على ذلك بذكر مثال لجانب من جوانب التوافق بين الملك عبد العزيز رحمه الله وموضوع الدراسة، ابنه الأمير سلمان، فأشار إلى مضامين إيمانية راسخة ورثها الأبناء عن أبيهم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وذلك من خلال عرضه لجزء من خطبة ألقاها الملك الأب، جاء فيها : (المدنية الصحيحة هي التقدم والرقي، والتقدم لا يكون إلا بالعلم والعمل، إن حالة المسلمين اليوم لا تسر, وإن الحالة التي هم عليها لا يقرها الإسلام ويقول كثير من المسلمين، يجب أن نتقدم في مضمار المدنية والحضارة، وإن تأخرنا ناشئ عن عدم سيرنا في هذا الطريق، وهذا ادعاء باطل، فالإسلام أمرنا بأخذ ما يفيدنا ويقوينا على شرط ألا يفسد علينا ديننا وشيمنا، ويقولون( الحرية )، ويدعي بعضهم أنها من أوضاع الأوروبيين، والحقيقة أن القرآن الكريم قد جاء بالحرية التامة الكافلة لحقوق الناس جميعا، وجاء بالإخاء والمساواة التي لم تحلم بها أمة من الأمم فآخى بين الصغير والكبير، والقوي والضعيف، والغني والفقير، وساوى بينهم)، بهذا تكلم الملك عبد العزيز رحمه الله مبينا رعاية الإسلام لكل ما فيه صلاح الإنسان من تقدم وعلم وإخاء ومساواة، مع الأخذ بالأسباب الداعية لحماية ديننا من أي فساد.
ثم بين الركابي بارك الله فيه، أنه وبعد نصف قرن أتى ابنه الأمير سلمان حفظه الله ليقول :( إن كتاب الله يشتمل على كل القيم التي تكفل جميع متطلبات الناس والتي تسعى البشرية لبلوغها من سعادة وتراحم وحقوق إنسان وشورى ورفع مستوى المعيشة، فالقرآن نبع الحياة، ومن يزعم أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عائق أمام التطور والتقدم في عصرنا الحالي فهو لم يقرأ القرآن أو لم يفهمه، وإن كان هناك تقصير فهو منا كمسلمين وكبشر) التشابه بين الرؤى واضحة وبينة، وما (هذا الشبل إلا من ذاك الأسد) فالإسلام دين يحض على العمل وعلى إجلال العلم النافع وعلى تقدير القيم الإنسانية الساعية لسعادة البشر وصلاحهم، فهو الدين الحاضن لكل ذلك، ودفاعنا كمسلمين عنه وعن تعاليمه السمحة هو في حد ذاته دفاع عن السعادة الإنسانية السامية عن كل فساد.
الحديث لم يكتمل بعد وسيكون لنا معك أيها القارئ الفاضل -بإذن الله- إضاءة أخرى لبعض صفحات هذا الكتاب في الأسبوع المقبل.. وإلى أن يحين ذلك الوقت أنصح القارئ باقتناء الكتاب أو استعارته فسيجد فيه ما يثير الاهتمام بإذن الله.


الأحد 21 رمضان 1429هـ الموافق 21 سبتمبر 2008م العدد (2914) السنة الثامنة
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط