صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







كتّاب "الوطن" يجيبون: لماذا ركز مجلس الوزراء في بيانه الأخير على حق الناس في الاختلاف؟
أحتفظ بحقي في الاختلاف

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
اتصل بي منذ أيام أحد القائمين على صحيفة الوطن، ليطلب مني بيان موقفي وتجربتي الخاصة من الاختلاف، بل طلب الحديث عن تفاصيل خاصة كنت دوما لا أحبذ الخوض فيها إعلاميا.
والواقع أني لا أجيد كتابة ما لا أؤمن به، والمقربون مني يستوعبون ذلك تماما، أو هكذا أعتقد! ولأني وجدت الموضوع مثيرا للاهتمام، أمسكت جهاز الحاسب لأطرق على حروفه، طرقا لامس أفكار تتزاحم بين وقت وآخر محاولة الخروج للعيان دون جدوى.
قد يحسن بعضكم الظن بي، وقد يسيء الظن بي آخر، وقد يقال إني نموذج لاختلاف الفروع لا الأصول، وقد يقال إني أجسد الاختلاف بكل صوره، ولكن تجربتي مع الاختلاف لم تكن سلسة، بل كانت - كما أراها اليوم - محفوفة بالمصاعب، وإن كانت سببا - بعد الله - في وصولي لبر الأمان، أو هكذا يحلو لي تصور أمرها.
فلقد قدر لي أن أعيش في طفولتي المبكرة في مجتمع مغاير تماما لمجتمعنا، لو تركت فيه دون رعاية أبوية وأسرية لما كنت - بفضل الله سبحانه - على ما أنا عليه اليوم، فكثيرا ما كان يدار في مجلس الوالد - رحمه الله - نقاش عن هؤلاء وأولئك وعن سبب اختلافنا وأهل الكتاب، وموقفنا كمسلمين منهم، وما زلت أذكر حرصه - رحمه الله - على بيان أن جودة التعليم هو الهدف الأساسي من انضمامي لمدارس قامت على أسس دينية مغايره لديننا الحنيف، هدف أحتفظ بحقي في الاختلاف حوله، إلا أن الواجب يحتم علي بيان حرص الوالد على إيصال هذه الغاية للقائمين على تلك المؤسسات التعليمية، فقد كان - رحمه الله - حريصا على بيان رفضه لممارستي لأي عبادة تخالف تعاليم الشريعة الإسلامية، جاعلا من ذلك شرطا لانضمامي لها، لكن واقع الأمر لم يكن دوما كما خطط له- رحمه الله - فقد كانت محاولات بعض القائمين على تلك المدارس لبرمجة عقل الطفلة الصغيرة تدار على قدم وساق.
ولأن الحديث ما كان لينقطع بيني وبين والدي، وجد -رحمه الله - في لحظة حاسمة أن من السلامة نقلي لغيرها من المدارس، ممن تدين بالدين الإسلامي وتدرسه، ولو بشكل ضيق، وهناك وجدت نوعا آخر من الاختلاف، لم أفهمه، ولم أستوعبه ولكني عايشته، ولينتهي المطاف بي في بداية العقد الثاني من عمري - ولله الحمد والمنة - في وطني، المملكة العربية السعودية، وفي إحدى مدارسها الخاصة، هناك أيضا وجدت نوعا آخر من الاختلاف استطعت استيعابه وتقبله، فهو يتوافق في الكثير من جوانبه وما اعتاد الوالد - رحمه الله - التحدث عنه، إلا أني وبعد إنهاء المرحلة الثانوية اضطررت لمغادرة الوطن، فقد انتقلت مع الوالد بسبب مرضه وحاجته للعلاج في الخارج، وداخل إحدى المؤسسات التعليمية في قارة أوروبا وجدت الاختلاف قد تجسد أمامي بكل أبعاده، ووجدته وقد اكتسى بشيء من الجهل، فمعظم من صادفته هناك كان جاهلا بنا، كما أن بعضنا كان جاهلا بتلك البلاد ومعتقدات أهلها وطبيعة نظام حياتهم، بل إن جهل بعضنا بسمو خصائصنا الدينية جعلهم عاجزين تماما عن تقديم صورة ناصعة لهذا الدين، فتارة تجد منا من سعى حبوا وراء العادات والتقاليد الغربية، غير آبه بمخالفاته الدينية والاجتماعية، اعتقادا منه أن أسباب نجاح أولئك يكمن في التمسك بتلك القشور، مكتفيا بتقليدهم تقليدا أعمى، غير مبال بالوقوف على الجوانب المميزة للخصائص التي جعلتهم صانعي حضارة اليوم، وتارة أرى من يكتفي بتمضية وقته دون حراك مجد، فلا بحث يتطلع لإنجازه، ولا حديث يجريه ولا نقاش يطربه، وتارة كنت أتابع من بلغت همته غمام السماء فأحترم الآخر على اختلافه فارضا احترام الآخرين له ولدينه ولوطنه، ولأستقر في نهاية المطاف - بفضل الله - في وطني وأكمل بين ربوعه دراستي الجامعية ومن ثم أتممت رسالتي الماجستير والدكتوراه.
و على أرض الوطن بدأت أتابع اختلافا وقد تحقق في أبسط الأمور، تارة أراه ذا جدوى، وتارة أراه أعمى لا يرى حتى موقع قدمه، تارة يملك الحجة، وتارة أراه متعصبا لا يقبل بديلا لرأيه، تارة يفسح المجال للحوار، وتارة يسعى للقضاء على مخالفيه، وتارة يستخدم أدوات راقيه لبيان وجهة نظره، وتارة يتحول الخلاف إلى سباب وشتائم تنطلق من مقلتي المخالف تترا، وتارة يغرد على ليلاه، وتارة يفعل خلافه الإيجابي ليصل به لواقع مفيد له ولوطنه..
وإن كنت ممن لا أطيق الخلاف لمجرد الخلاف، ولا أطيق تسفيه المخالف بسبب اختلافه، إلا أني أيضا لا أقبل بمخالف يفتقد اللياقة في عرض آرائه، ولا بمن يتباهى برأي خالف فيه تعاليم الله وشرعه، ولا لرأي تطاول على مخالفيه، وصفق لنفسه وغرد وانتشى.
نعم قد أختلف معك في قضية ما وقد تختلف معي، ولكننا نبقى مواطنين ينتمي كل منا لتراب هذه الأرض الطيبة وتراثها العطر، فهي منه وهو منها كالجسد من الروح، وقبل هذا وذاك نحن جميعا - ولله الحمد والمنة - مسلمون ندين بالدين الخاتم، دين يفسح المجال للاختلاف ما دام خلافنا في نطاق المباح، وما اختلاف الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله جميعا، إلا دليل على إمكانية الاختلاف فيما عدا الأصول الدينية والمبادئ الأساسية، والتي لا نقبل فيها الخلاف بأي حال من الأحوال، وختاما لنقنن اختلافنا ولا نلغيه.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط