صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أنا مسلم.. أنا سعودي.. إذا أنا لست معاقا

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


منذ أيام قلائل توجهت إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشاركة في ندوة (الحدود الشرعية الخاصة بذوي الإعاقات – وقاية وتنفيذا) التي أجريت على أرض (جمعية الأطفال المعوقين) التابعة (لمركز الأمير سلطان بن عبد العزيز بالمدينة المنورة)، ومن خلال هذه المشاركة دخلت عالم الإعاقة بكل أبعاده الإيجابية وحتى السلبية، عالم كنت أتابع حيثياته على استحياء فعلاقتي الخاصة به كانت علاقة الطالبة بالمعلم، فقد قدر المولى سبحانه أن أكون طالبة لأستاذ كفيف البصر.. لا البصيرة، أستاذ أطلق عليه زوجي (الموسوعة المتحركة) فهو كان رجلا واسع الثقافة، علمه تعدى تخصصه وبمراحل، يجيد عدة لغات، كما كان يستخدم لغة برايل، ويجيد أيضاً الكتابة بواسطة الآلة الكاتبة، كان مفكرا من الدرجة الأولى، وإنسانا من الدرجة الأولى، فقد تكفل بتقديم الدعم المالي والمعنوي لكل متفوق في مركز (ميت غمر) المصرية، سواء كان طفلا في المرحلة الابتدائية وما قبلها، أم كان من طلاب وطالبات الدراسات العليا، وبما أن الحديث هنا ليس عن أستاذي الدكتور (رفقي زاهر) رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فسأنهي الحديث عنه.. راجية من القارئ الكريم أن يكرمني بالدعاء له ولكل أموات المسلمين عسى الله سبحانه أن يتغمدهم جميعاً بواسع رحمته.
إلا أنني هناك وفي المدينة المنورة، وداخل أروقة جمعية الأطفال للمعوقين، تعلمت ما لم أتعلمه من أستاذي رحمه الله، فقد أدركت في المدينة المنورة أن للمعوق تطلعات غفلنا عنها كمجتمع،هناك أدركت أن كلا منا معرض لأن يكون معوقا، فحادث بسيط كفيل بهذا، حمانا الله وأدام نعمته علينا، لقد أدركت أننا نسينا أو تناسينا هذه الفئة العزيزة على قلوبنا فظلمناها كمجتمع بإهمالنا لها ولحقوقها، فئة لديها من القدرات ما إن لو فعلت في مجالها لأبدعت وقدمت لنا الخير الكثير بإذن الله، وسواء كانت هذه الفئة قادرة على العطاء أم لم تكن، فلا بد أن نفهم أننا كمجتمع مطالبون شرعا بتقديم ما يمكن تقديمه للمعوق ولأسرته من رعاية ودعم إنساني وطبي.
ومع أن عنوان هذه الندوة من وجهة نظري كان قاسيا نوعا ما، إلا أنه في الوقت نفسه كان متطابقا مع الواقع واحتياجاته، فقد تبين من خلال بعض الإحصائيات التي تم عرضها أن المعوق كالسوي قد يرتكب الكبائر التي تستوجب تطبيق الحدود، إلا أن هذا التطبيق ووفقا للشريعة الإسلامية السمحة يختلف بحسب حالة المعاق، وبالتالي اهتمت الندوة ببيان حق المعوق وواجباته تجاه مجتمعه، كما اهتمت ببيان أسباب حمايته وأسباب انحرافه، مؤكدة أهمية وقاية المعوق من الانزلاق في عالم الجريمة، وقاية من الصعب تحقيقها في حال تجاهلنا أهمية الدعوة ودورها في هذا الشأن، أوفي حال تجاهلنا واجب الأسرة، والمجتمع بكافة مؤسساته العامة والخاصة، في احتضان هذه الفئة وتقديم الرعاية الكاملة لها.
ولا أخفي أنني وفي نهاية يوم الأربعاء كنت أتطلع لزيارة الحرم المدني الشريف لعلي أجد الراحة التي تتوق نفسي إليها، إلا أنني غيرت وجهت نظري بعد أن بين لي سعادة الدكتور (تركي بن عبدالله السكران) رئيس اللجنة العلمية للندوة أهمية اللقاء المفتوح الذي حدد له مساء الأربعاء، فقد تم تخصيصه لعرض تجربة شاب سعودي مع الإعاقة، فذهبت وأنا أجر قدمي وقلبي بعيدا عن مسجد نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام.. إلا أن ما حدث تلك الليلة فاق توقعاتي، وقلب موازيني، فاللقاء سرعان ما انتهى، والحضور الكثيف كان ما زال في شوق لسماع المزيد من حديثه.
لقد كان اللقاء فريدا من نوعه، فابننا الشاب الذي لم يتعد الثلاثة والعشرين من عمره، كان متحدثا من الدرجة الأولى متمكنا من اختيار مفرداته، باسم الثغر، قوي العزيمة واثق الخطى، وطنيا من الدرجة الأولى، وقد استطاع هذا الشاب أن يعالج نفوس الأسوياء التي امتهنت الشكوى والنحيب! أما السفهاء فقد تعامل معهم كما عرفنا من حديثه تعامل الكرام مع السفهاء، رحمهم ورثى حالهم، أما قدراته العقلية ففاقت توقعاتي بمراحل بفضل الله، إذ حفظ كتاب الله في فترة قياسية لا تتعدى العامين، كما حصل على شهادة المرحلة الثانوية من المعهد العلمي، التابع لجامعة الإمام، فرع جدة، وبمعدل ممتاز وصل إلى 97% منتسباً، ثم أصر على الالتحاق بقسم الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز، وليتخرج منها بتقدير امتياز مرتفع مع مرتبة الشرف الأولى، وله اليوم مقال أسبوعي في جريدة المدينة، وهو سيتوجه عما قريب لإكمال دراسته العليا، إذ أعلن صاحب السمو الملكي الأمير سطام نائب أمير منطقة الرياض عقب افتتاح فعاليات المؤتمر الدولي الثالث للإعاقة تكفله بمصاريف ابتعاثه لإكمال دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، وبمصاريف زواجه، قائلا له بعد أن استمع لمطالبه: (مبروك مقدما على الزواج.. وكل ما تطلبه سيتم تنفيذه) فجزى الله سموه عن عمار وعنا خير الجزاء.
أما أسرة هذا الشاب المتميز فتستحق هي بدورها الشكر والتقدير، فقد كانت نواة هذا النجاح الباهر وأعانته لاستثمار نبوغه بفضله سبحانه، ويذكر هنا أن عمار ينتمي لأسرة أكاديمية فوالده دكتور في الهندسة أما أمه الفاضلة فطالبة في مرحلة الدكتوراه تخصص (عقيدة ومذاهب معاصرة).. بارك الله بهما وبولدهما.
ولأنني لم أجد أجمل ولا أوقع من كلمة جاءت على لسان (عمار بوقس) في فعاليات المؤتمر الدولي الثالث للإعاقة، ارتأيت أن أختم بها مقالي اليوم، فقد قال (أنا مسلم.. أنا سعودي.. إذا أنا لست معاقا).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط