اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/321.htm?print_it=1

؟!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


من الصعب أن يكتب المرء كل ما يدور في عقله، ومن الصعب ألا يفعل، فالكتابة بالنسبة لمن اعتاد عليها تعد متنفساً أساسياً في حياته، وكاتبة هذه السطور تحيا مع القارئ وتسعي للقائه، وهي في ذلك لا تعلم هل تكتب لتستريح أم لتريح، أم أن ما في جعبتها تنوء بحمله الجبال فتهرع للحرف لعله ينفض عن كاهلها ما عجزت عن تفسيره أو قبوله، أو ما تطلعت لتحقيقه مع أنه بدا من المحال، أن الكتابة بالنسبة لها وبالنسبة للكثيرين والكثيرات إدمان، إدمان آمل أن تكون نهايته إلى النعيم لا إلى الجحيم.
قيل لي لم لا تكتبين كل ما تعرفين؟! وهل هذه رقابة ذاتية؟! أم أنك مللت الحديث عن حقائق لا يريد الكثيرون معرفتها أو التوقف عندها؟! أم أنك تفضلين السكوت عما هو غير مرغوب فيه استرضاء لنفوس انهزمت قبل أن تهزم؟!.
نعم لقد مللت الحديث عن أوجاع من كنت أجند قلمي للدفاع عنهم ، لا لأنها وكما يحلو للبعض تصويرها من الأوجاع المسكوت عنها أو غير المرغوب في سماعها، بل لأن أصحاب الشأن في عراك طال أمده، وهم بذلك لا يستحقون البكاء على أطلالهم.
ألم يثبتوا للعالم أن مصالحهم أهم من أمتهم، وأن الكراسي التي عمدوا لتسميرها بأجسادهم أهم من تحرير أرضهم وأهم من أرواح أبنائهم واتحاد كلمتهم وجبهاتهم، فالمصالح متعارضة، والنفوس نهمه، والفساد عم الأجواء ولوثها، وإن كانت هذه هي الحال فكيف لي أن أدافع عن قضايا هي برمتها خاسرة لأن أهلها مهدوا الطريق لذلك.
ولكني مع يقيني أن الأوضاع لا تبشر بالخير، إلا أنني كثيرا ما تهفو نفسي لحديث عن الأرض التي طال أسرها، فأعمد بين الحين والآخر لمناجاة القارئ بوقائع مؤلمة.. لعلي بذلك أبرئ ذمتي وذمة قومي من تهمه التفريط بمقدساتنا وتاريخنا وحاضرنا المأسور، أفعل ذلك وأنا أدرك أن هناك من لا يسمع، أو من لا يريد أن يسمع، افعل ذلك وأنا أدرك أن هناك من لا يرى إلا موقع قدميه، فما يعنيه إن جاع ذاك الطفل أو تيتم أو تدنست المقدسات أو تهدمت، أو شوه تاريخ أو غيرت معالمه، المهم أن يكون هو المتربع على عرشه المحاط بحرسه وزبانيته، المهم ألا يجوع أطفاله ولا تشرد أسرته. لقد لمح لي أحدهم بما اعتقدت أنه عنوان النفاق والخذلان ، وأنه جبان يسعى لترضية مرؤوسيه وهو مضمر الشر لهم، فهو يفعل ذلك بمهنية عاليه خوفا على مصالحه الشخصية، لقد لمح وصرح أن السياسة لعبة ليس للعدالة أو الأخلاق فيها نصيب، فما يقال على المنابر يقال عكسه داخل الغرف المغلقة، وإن من الحكمة القبول بما هو متاح ، مهما كان هذا المتاح ملغماً، ومن الحكمة الانحناء ولو وصل الأمر لملامسة قاع الأرض، هذا إن كنا نرغب بالبقاء على سطح الأرض نأكل كالدواب ونحيا مثلهما!
لقد لمح أن التعامل مع الآخر معاملة الند للند هراء، والتطلع لذلك غباء، فالآخر هو السيد مهما قيل على المنابر وداخل أروقة الجامعات، ومهما تندرت الصحف بغزل لا يمت للواقع بصلة، وبالتالي فأنا وأمثالي من الحالمين، الذين لا يمتون للواقع بصلة.
لقد لمح بأن علينا أن نقبل محاكمة الآخر ومحاسبته وتطاوله واتهاماته ، علينا أن نجلس طواعية في قفص الاتهام.. فمن أجلنا شيد ونصب، وحبذا لو تذللنا أمام من عده سيداً، وقدمنا له مبرراتنا طواعية، وتلمسنا تفهمه، فلقد خلق هذا السيد من تراب غير ترابنا، وتفوق على بني جنسنا، فأصبح السيد دون منازع.
لقد لمح لي أن هذا السيد لا يحب الحديث إلا مع من يجيد تقبيل الأيادي، لمح لي أن هذا الآخر لا يُقبل على من يعامله كند له، ومن يعتقد أنه قادر على العطاء كما أنه قادر على الأخذ ، من يجد في محيطه جوانب مضيئة تستحق النظر والتدبر والاقتداء، أو من يعمد لتقديم حلول لمشاكل يعاني منها هذا الآخر.. فالعبيد ليس عليهم إلا طاعة سيدهم.
كما أكد أن الكتاب والسنة لا يمكن أن يكونا دستورا لأي وطن، وما يقال في هذا هراء، وأن الواجب التوقف عن هذا الادعاء، خاصة إذا كان الأمر خارج الوطن، وتطرقنا لذلك يضر ولا ينفع، فما أراه عدالة استنادا إلى نصوص الكتاب والسنة، اعتقاد يجب إخفاؤه والسكوت عنه ، فالآخر لا يؤمن بتشريع إلهي فوق العقل الإنساني، ولا بوجود عدالة تفوق قوانينه المبتورة ، وقد نستفزه إذا ما أشعرناه أن عبده تفوق عليه، فلنترك الحديث عما يعتقده البعض تميزا، لأنه في الواقع ليس كذلك.!!
كانت تجربة فريدة في حياتي أن أسمع مباشرة لحديث كهذا، إلا أنني لم أستطع أن أكون إلا كما أنا، ومع إني حاولت بجد استيعاب ما سمعت، إلا أني لم استطيع التشبع به، فرأسي لم يعتد الإنحاء إلا لخالقه، وولائي هو لدستور بلادي، ولذا لم أستطع إلا أن أتعامل بصدق مع نفسي، خاصة أني وجدت تأييداً من أهلي وممن لا رابط يجمع بيننا سوى الأصل الإنساني.
نعم.. لقد حاولت بجد استيعاب ما سمعت إلا أني لم أستطع التشبع به، فما نملك يستحق التدبر منا ومن غيرنا، ولو أدرك المنصفون للزوايا المضيئة من حياتنا لما ملكوا إلا أن يقفوا ويصفقوا تقديراً لتميزنا وطلباً لمشورتنا، ولأخذوا منا حلولا لمشاكل اجتماعية يعانون منها، كما نعمد نحن للاستفادة من تجاربهم الإنسانية، ولكان بيننا تعاون إنساني قائم على الندية،لا كما يعمد بعضنا ترسيخه في نفوسنا من علاقة قائمة على عبودية العبد لسيده.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط