اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/350.htm?print_it=1

وإن غدا لناظره لقريب

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


هناك من يعتقد أنه قادر على تزييف الحقائق، التاريخ، الحاضر والمستقبل بجرة قلم، وأنه قادر على برمجة الذاكرة الإنسانية لتنطق بما يهوى، هناك من يعتقد أننا في سبات دائم لا حياة بعده، وأن أرواحنا مستكينة استكانة الجماد، هناك من يجزم أن أجسادنا لا تقوى على الحراك فضلا عن أرواحنا، معتمدا في تقوية ذاك التبجح وتلك الوقاحة على مريدين يقفون خلفه ويتابعون تحركاته بحذر، فلا هم مقبلون على الحق ولا هم محجمون عن ظلمه، فالظل هو ما ينجذبون إليه ويبحثون عنه كلما تحرك لذلك الأفق، وإن كنا إحقاقا للحق نقول إنهم مع سياساتهم تلك يميلون يمنة ويسرة في سبيل الإيحاء محايدون يسعون للحق دون غيره.

نعم قد يتعامى العالم اليوم عن فساد الكيان الصهيوني وجرم أفعاله، ولكن التاريخ أبلغنا أن دوام الحال من المحال، وأن الشعوب لا تقبل الانهزام ولا الاحتلال ولا تدنيس المقدسات ولا تزوير التراث، بل إن إحجام بعض الأوساط الإعلامية والقنوات الفضائية هذه الأيام عن إيضاح حقيقة المحتل الصهيوني وتحركاته، كان سببا في تتبع الشباب لأخباره وأخبار حلفائه، والإعلان عن رفضهم لأي ظلم وتطاول سواء نالهم أو نال غيرهم، ومجرد النظر نظرة سريعة لما دار في اللقاء الذي جمع طالبات دار الحكمة بمدينة جدة، ووزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) كفيل ببيان ذلك.

فقد تناقلت وسائل الإعلام العربية والأمريكية حيثيات اللقاء الذي جمع طالبات كلية دار الحكمة السعودية بوزيرة خارجية أمريكا، والذي من خلاله تم إحراجها بعدة أسئلة عن سياسة بلادها في المنطقة ذات "المعايير المزدوجة"، هذا ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلا عن موقع "إسلام أون لاين" إذ حرصت الصحيفة على بيان صغر سن الطالبات وعظم ثقتهن بأنفسهن، فقالت إن: (جميع الطالبات وأعمارهن تتراوح بين الثامنة عشرة والعشرين عاما، لم يتجاوبن مع حديث كلينتون عن حرية المرأة السعودية الذي حصرته في مسألة الحجاب وحرمانها من قيادة السيارة، إذ أكدن للوزيرة أن القضايا السياسية التي تشكل أبرز هموم المنطقة، أهم بكثير بالنسبة إليهن من قيادة السيارة أو ارتداء الحجاب، معبرات عن مخاوفهن من مغامرة أمريكية جديدة ضد إيران قد تضر بلادهم).

كما أشارت الصحيفة نفسها إلى بعض الأسئلة التي وجهت لها في ذلك اللقاء، والتي كانت في مجملها متعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية والحروب المقبلة في المنطقة وانحياز أمريكا لإسرائيل، فذكرت أن إحداهن تحدثت (عن "النفاق الأمريكي، والنظرة المزدوجة في التعاطي مع قضايا المنطقة، خاصة القضية الفلسطينية، والتحريض على البرنامج النووي الإيراني، وتناسي البرنامج النووي الإسرائيلي الذي بات يشكل تهديدا مباشرا للعرب والمسلمين بعد نجاحه في إنتاج أكثر من مئتي رأس نووي".

وعندما تجاهلت هيلاري كلينتون الرد أحرجتها إحدى الطالبات بسؤال: "لِمَ لمْ تردي؟"، فاضطرت لحديث عام عن رغبة أمريكا في رؤية شرق أوسط بلا سلاح نووي).

هذا اللقاء يدعونا للتذكر بكل فخر لقاء مشابها تم على نفس الأرض ونفس المنبع، ففي عام 2005م تم لقاء (كارين هيوز) مبعوثة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش مع طالبات كلية دار الحكمة نفسها وفيه انتقدن "الصورة النمطية وغير النزيهة" التي يعممها الإعلام الأمريكي، وتظهر أن "المرأة العربية ليست سعيدة"، وأكدن أنهن سعيدات بالتزامهن، ولسن مضطهدات كما يزعم الإعلام الأمريكي، وأن الكيل طفح لديهن بسبب الحديث عنهن وكأنهن لا يتمتعن بأي حقوق بسبب عدم السماح لهن بقيادة السيارات وبالتصويت الانتخابي، كما انتقدن التدخلات الأمريكية في شؤون العرب والمسلمين، كما قالت إحدى الطالبات: لماذا تعطي وسائل الإعلام الأمريكية الانطباع بأن جميع المسلمين "إرهابيون"؟!) وغني عن البيان أن كلتا الشخصيتين الأمريكيتين لم تملكا إلا إبداء الإعجاب والاندهاش من سعة أفق وثقة بناتنا السعوديات وغيرهن من الطالبات.

هذه النماذج مشرّفة لابنة المملكة العربية السعودية الشابة ولأختها العربية، وهن نماذج واضحة عن توجه شبابنا وبناتنا في المستقبل، شباب واثق بنفسه مدرك لتطلعاته محدد لخطواته، متسلح بالعلم والمعرفة، يملك أبجديات الحوار وأبعاده، وهو ومن دون غرور يتفوق على الكثير من أمثاله في عالمنا اليوم.

وأخيرا أوجه رسالة للكيان الصهيوني الذي يسعى سعيا حثيثا لتغيير معالم تاريخنا ومقدساتنا، أنصحه بقراءة تاريخ الشعوب العربية قراءة المتدبر، والاستعانة بمستشارين حكماء يدركون النهاية التي سيؤول إليها عاجلا غير آجل، فأين الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وأين الجندي الفرنسي وذاك الإيطالي وأين المحتل الروماني، لقد أصبحوا جميعا في خبر كان، وما تطاوله المتتالي إلا خطوات سريعة باتجاه زواله وفنائه، فلا حياة له على أنقاضنا، ولن تستريح نفسه بين جدراننا، ونحن إذ انخفض صوتنا اليوم فلن يكون هذا حاله غدا ـ بإذن الله ـ فشبابنا الذخيرة التي نعمد إلى تنميتهـا علميا وفكريا. شباب هم عماد مستقبلنا وأمله، فخر يومنا وغدنا، شبابنا عاجلا غير آجل ـ بإذن الله ـ سيتمكنون من مفردات العلم والمعرفة والاقتصاد والسياسة، وسيعلنون وبكل فخر عن انتمائهم الديني والوطني، وستكون بحول الله الغلبة لهم، وإن غدا لناظره لقريب

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط