اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/354.htm?print_it=1

أمريكا تفقد هيبتها بسبب هؤلاء

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


التاريخ الصهيوني ما يفتأ يعيد نفسه بأبشع الصور، هذا ما يدركه كل من عمد للنظر في تحركات حكوماته المتعاقبة، وخاصة حكومة ذاك الإرهابي بنيامين نتنياهو، والذي لم يصل يوما إلى الحكم برغبة الأغلبية، ويبدو أن حظ الصهاينة العاثر هو ما يجلب هذا الرجل عنوة للتحكم في مصيرهم.
لقد اعتمد هذا الرجل سياسة محددة قلما اختلفت، فسياسته التي تكررت وبشكل روتيني، سياسة أصبحت حتى للعامة أمثالي ككتاب مفتوح، فقراراته خاصة فيما يتعلق بعملية السلام لا جديد فيها، ومن السهل التنبؤ بها، فبالجملة هو رجل كاره للسلام محارب له رافضا لحيثياته، بل هو لا يملك السياسة التي تؤهله للمواربة وإخفاء توجهه العدواني في هذا المجال.

وهذا التصور لمواقفه العدائية من كافة عمليات السلام لا يتوقف على المراقبين العرب، فحتى حلفاء الصهيونية الأوفياء نطقوا بذلك، إلا أنهم مع الأسف لم يملكوا إلا الحديث من خلف الستار، فالسياسة العالمية الحليفة لذاك المحتل كانت ومازالت كما هي تطبطب على ظهر الظالم وتدحر المظلوم، هذا هو حالها مهما أظهرت من حسن النوايا، فالساسة في تلك الدول لا يعترفون بالقناعات الأخلاقية التي تؤهلهم لتجاوز مصالح الظالم، فهي مصالح تصب في مصالحهم الخاصة، وهي الوسيلة التي اعتمدوا عليها للوصول للحكم، ثم كيف لنا أن ننتظر منهم تجاوز هذه المصالح في سبيل تحقيق مصالح زمرة ضعيفة من البشر، ولم لا تداري تحركات الكيان الصهيوني وهو يحاول إنهاء قضيتهم بإيقاف أنفاسهم وإلغاء وجودهم.

وفي هذا الصدد سأعمد لبيان ما ذكره الدكتور (سومانترا بوز) الأستاذ في السياسات الدولية في كلية علم الاقتصاد والعلوم السياسية في لندن، في كتابه (أراض متنازع عليها)، فقد أشار إلى شخصيات أمريكية عامة أعلنت رفضها لسياسة نتنياهو المحاربة لعمليات السلام، فذكر أن (دينس روس) الذي يعرف بتعصبه للصهيونية، قال (روس) أثناء تولى نتنياهو منصب رئاسة الوزراء في فترته الأولى عام 1995م: "إن عملية السلام دخلت في حالة من السقوط الحر" أي أن عملية السلام انهارت، كما نقل الكتاب ما كتبه (آفي شلايم): "إن نتنياهو أبدى كراهية وعداء شديدين للفلسطينيين"، ويؤكد الكاتب اتفاق بانداك مع شلايم في الرأي القائل: "إن نتنياهو خرب عملية السلام وبذل كل الجهود لنزع الصفة الشرعية من الفلسطينيين، فقد اتسمت سنوات نتنياهو في الحكم ـ الفترة الأولى لحكمه ـ بعرقلة مستمرة وتبديل للأهداف، وهكذا لم تطبق إسرائيل المراحل الثلاث من إعادة الانتشار الثانية.. واستمرت بإنشاء مستوطنات جديدة ومصادرة الأراضي لبناء مستوطنات جديدة عليها، وتوسيع تلك القائمة، ولم يكن نتنياهو متشددا فحسب إزاء الفلسطينيين، بل كان قائدا لا يتمتع باللياقة بصورة عامة". ويؤكد الكاتب أن شخصيات هامة في الإدارة الأمريكية ـ آنذاك ـ اتفقت على أن نتنياهو كان كارثة على عملية السلام، ويذكر الكاتب قول روس من إن مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في ذلك العهد، كانت تخشى من تعمد بنيامين نتنياهو إفشال عملية أوسلو، فقد قالت: "إذا كانت الحال كذلك، فنحن بحاجة إلى مقاومته ومواجهته الآن". ولكن السياسة الأمريكية لم تواجه نتنياهو، بل تورطت معه في حوارات غير مثمرة.

إن سياسة هذا الرجل هي واحدة لا تتطور ولا تتغير ولا يهمه إن كان العالم معه أم لا، فهو يعتقد أنه قادر على تغيير سياسات الدول الكبرى من خلال سيطرته على الجماعات الضاغطة المؤيدة للسياسة الصهيونية فيها، وبالتالي عندما يزور إحدى تلك الدول بشكل رسمي يعمد على الأغلب لزيارة تلك الجماعات قبل زيارة رئيس الدولة، كما يقوم بغباء مفرط بتحريضها علنا ضد حكومة بلادها، ويجندها للوقوف ضد مصالحها، ويقوم بذلك بشكل علني غير آبه باستطلاعات رأي شعوبها، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مؤخرا معهد زغبي الأمريكي الذي يعتبر من أهم المراكز في مجال استطلاعات الرأي والأكثر مصداقية في أمريكا أن 81% من الأمريكيين يعتقدون أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يضر بمصالح أمريكا.. كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية الشعب الأمريكي يعتقدون أن أمريكا تفقد هيبتها عالميا بسبب عدم قدرتها التأثير على إسرائيل فيما يتعلق بموضوع الاستيطان، كما أكد الاستطلاع انخفاض نسبة تأييد المواطن الأمريكي لإسرائيل، فبحسب الاستطلاع انخفضت هذه النسبة من 71% العام الماضي إلى 65% هذا العام.

القمة العربية التي بدأت أمس لا أعلم إلى ماذا ستنتهي! إلا أني أتفهم رغبة بعض العرب في إيقاف المبادرة العربية كخيار وحيد لإتمام عملية السلام بعد تلك السياسات النتنياهوية الاستفزازية التي طالت قدسنا العربية واستخفت بنا وبمقدساتنا، خاصة بعد تلك التصريحات التي أعلنتها حكومة نتنياهو بعد يوم واحد من عودته من الولايات المتحدة: "من عدم وجود تغيير في السياسة الإسرائيلية تجاه مسألة القدس".. إلا أنني ومن جانب آخر أدرك أن ذلك التوجه العربي يحقق كافة أمنيات نتنياهو وزبانيته، إذ لا أشك مطلقا أنهم خططوا لاتخاذنا لمثل هذا القرار، فقرار كهذا سيظهرهم للعالم على أنهم المساندون للسلام الداعمون له، أما نحن فالعنصر الرافض له المحارب لمعطياته، وبالتالي آمل أن نترك العاطفة جانبا ولا نسمح بظهور مثل هذا القرار على الأقل في الوقت الراهن، فلعل السياسة الاستفزازية التي اعتادها ذاك الرجل تحرك المياه الراكدة، وتدفع الدول لإيقاف تطاوله واستخفافه بحلفائه وبالعالم أجمع.. وليتنا نهتم بجمع الأوراق التي تناثرت هنا وهناك في خلافات عربية لا طائل منها، خلافات تخدم العدو.. وتحقق مآربه، خلافات تضعف من صمودنا وثباتنا.. فنحن من نرغب بالسلام العادل، ونسعى إليه، ونحن من قدمنا خطة السلام العربية وطالبنا بها، فالمبادرة العربية بما تحمله هي خيارنا الذي نرتضيه ونطالب به ولا خيار لنا غيره، فليفهم نتنياهو أننا لن نوقف هذه المبادرة، وإن لا مجال لطرح أطروحاته في عملية السلام التي دون شك لن تغني ولن تسمن من جوع.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط