اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/376.htm?print_it=1

الأحكام البديلة هي الخيار الأمثل في هذه الحالات

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


الأحكام البديلة تجربة تستحق النظر والدراسة والتعميم، فالمذنب يخرج منها أكثر فاعلية وثقة بنفسه جراء تقدير العامة والخاصة له، فهو قد بذل وقته في حفظ كتاب الله سبحانه أو في خدمة جمعيات خيرية تستهدف خدمة المجتمع، وبدل أن يستقبل من محيطه بعتاب ولوم يستقبل بترحيب وتهنئة


منذ أيام نقلت إلينا صحيفة (الجزيرة) خبرا أعتقد أنه يستحق تسليط الضوء عليه، فقد ذكرت أن فضيلة الشيخ "إبراهيم بن سليمان القفاري" القاضي في المحكمة الجزئية ببريدة أصدر حكما قضائيا على ثلاثة أحداث من سارقي الأغنام، يقضي بجلد كل منهم خمسين جلدة وسجنهم ثلاثة أشهر، إلا أنه مراعاة لصغر سنهم وعدم وجود سابقة عليهم، جعل أحكامه تلك مع وقف التنفيذ وأصدر حكما بديلا يقضي باعتكافهم العشرة الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، مع حفظ جزأين من القرآن الكريم، كما بين فضيلته أنهم في حالة عدم التزامهم بالاعتكاف والحفظ، يطبق عليهم الحكم بالجلد والسجن، وأنه سيتم تكليف إمام المسجد بكتابة تقرير يوضح التزامهم من عدمه، كما أشار إلى أن الأحكام البديلة قد تترك الأثر الإيجابي على صاحبه فيراجع نفسه ويحاسبها، وقد تحميه من التعاطي مع أرباب السوابق.

وأعتقد أن فضيلته قد نجح في إصداره لتلك الأحكام فهم أحداث ولم يكونوا من أرباب السوابق وهم بإذن الله سينفذون الأحكام البديلة، والسجن كما بين الشيخ قد يمهد لهم الطريق لمخالطة أرباب السوابق، ففي تلك الأجواء المنعزلة التي يوفرها السجن قد يجد الحدث الرعاية والاهتمام من أصحاب السوابق، الذين قد يسمعوه المبررات لخروجه عن القانون، فيزيد السجن من تمرده، بل وقد ينال دورات مكثفة في عالم الجريمة يخرج بعدها مجرما متمرسا حاقدا.

وقد ذكرني هذا الحكم بأحكام بديلة صدرت من قاضي في المحكمة العامة بمحافظة القطيف، فضيلة الشيخ "مطرف بن سلمان آل بشر" فقد أصدر حكما بديلا: ألزم فيه حدثا بعد أن أظهر ندمه، وبعد أن تنازل صاحب الحق عن حقه، بحفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم خلال فترة لا تتجاوز أربعة أشهر، على أن يقدم شهادة معتمدة ـ بذلك ـ من إحدى جمعيات تحفيظ القرآن الرسمية، كما ألزمه بالعمل في جمعية "عنك الخيرية" ساعتين يوميًا ولشهر كامل، وجدير بالملاحظة أن الشيخ "مطرف" في إصداره لهذا الحكم راعى مصلحة الحدث، فقد كان العام الدراسي على الأبواب، وخشية عليه من عدم الانتظام في الدراسة كان الحكم البديل، وفي حكم آخر حكم الشيخ "مطرف" على مواطن بدفع مبلغ نقدي لصالح مكتب توعية الجاليات بمحافظة القطيف بدلا من سجنه، وقد أشار فضيلته أن هذه الأحكام الهدف منها التأديب وليس الإيلام أو الإهانة.

وقد كان لهذا التوجه الإيجابي للشيخ "مطرف" الأثر الطيب مما دفع المدير العام للسجون في المملكة اللواء الدكتور "علي بن حسين الحارثي" للثناء عليه فذكر في خطاب استلمه فضيلته أن في أسلوبه هذا (توجها إبداعيا متوافقا مع تعاليم الإسلام السمحة، التي خصت جرائم التعزير بعدم التحديد، مما يوسع من سلطة القاضي، ويمنحه إمكان اختيار العقوبات المناسبة لطبيعة الجرم، وشخصية الجاني، وظروف ارتكاب الجريمة، وما يحقق مصلحة المجتمع، وإصلاح شأن المنحرف، ويمنعه من العودة إلى الانحراف).

واعتقد أن الأحكام البديلة تجربة تستحق النظر والدراسة والتعميم، فالمذنب يخرج منها أكثر فاعلية وثقة بنفسه جراء تقدير العامة والخاصة له، فهو قد بذل وقته في حفظ كتاب الله سبحانه أو في خدمة جمعيات خيرية تستهدف خدمة المجتمع، وبدل أن يستقبل من محيطه بعتاب ولوم يستقبل بترحيب وتهنئة.

ومن هنا أتطلع إلى كافة القضاة الأفاضل لعلهم يصدرون مثل هذه الأحكام، خاصة على الأحداث ممن ليسوا من أرباب السوابق، كما وقد سبق أن ذكرت في مقال سابق (فلهذا التوجه سند شرعي، فكفارة اليمين على سبيل المثال هي: ثلاث على التخيير، إما إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وبالتالي فالمرجعية التي نعتمد عليها في تطبيق هذه الأحكام البديلة،هي مرجعية شرعية ولله الحمد، فعندما يكفر المسلم عن ذنبه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، إنما هو يقدم خدماته لمجتمعه، ويعلن ندمه بشكل إيجابي، فالمجتمع الذي لحق به الأذى يستحق هذه التوجه الإيجابي، ومن جهة أخرى سيدرك الأحداث أن الحكم عليهم ليس الغرض منه تحطيمهم بل تربيتهم وتنمية إحساسهم بالواجب تجاه النفس والوطن).

كما آمل من كافة مؤسسات التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم اعتماد هذا التوجه في إصدار أحكامهم على الطلبة والطالبات خاصة الذين لم يسبق لهم مخالفة الأنظمة، ومن الجيد ملاحظة مهاراتهم واستغلالها بما يعود بالفائدة، فبدل حرمانهم من التعليم لفصل دراسي قد يتحولوا خلاله لعالة، أو لشباب يتسكعون الطرقات، وبدل من إلزامهم بإعادة امتحان أجادوا فيه وبذلوا فيه قصار جهدهم، يوجهون لخدمة مجتمعهم ومؤسساتهم، فالبارع في اللغة العربية أو في الحاسب الآلي أو اللغة الإنجليزية أو الرياضيات وغيرها يوجه لتعليم الطلبة الضعفاء في تلك المواد، أو يلزم الواحد منهم بدفع غرامة مالية لإحدى الجمعيات الخيرية، أو لخدمة مواقف السيارات ساعة الذروة أو لأي جهة إدارية تابعة للمؤسسة ولساعات معينة أسبوعيا، مع حفظ أجزاء من القرآن الكريم، أو خدمة دار المسنين، أو جمعية خيرية، فكثيرا ما أتابع طالباتي وهن خانقات على أحكام صدرت بحقهن.. قد تكون منصفة في حد ذاتها إلا أنها غير مجدية على المدى البعيد، فالطالبة تخرج منها وهي حاقدة وغير مستوعبة للخطأ الذي وقعت به وبإرادتها، واستحقت عليه العقوبة، وبالتالي فهذه العقوبات الصارمة قد تكون مفيدة للبعض إلا أنها لن تحقق دوما التربية والتقويم الذي نسعى إليه

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط