اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/396.htm?print_it=1

وماذا بعد..؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


اليوم آمل أن يدرك شباب مصر ضرورة عودة الحياة في مصر لطبيعتها، والسعي لتوحيد صفوفهم وتنظيمها، وهذا لن يتحقق في ظل المظاهرات، كما آمل أن يعم الهدوء أرجاء مصر، فلا تهب النفوس الغاضبة لتصفية الحسابات بشكل لا يليق بالشعب المصري


من منطلق أن ما يحدث لمصر يؤثر علينا وما يصيبها ويصيب شعبها يصيبنا، وبما أننا لن ننسى موقف مصر وحكومتها وقواتها المسلحة من تحرير الكويت، لذا وجدت نفسي منشغلة بما يحدث على أرض مصر.. أتابع أخبارها على مدار الساعة. ويبدو أن الشباب في ميدان التحرير الذين ظلوا صامدين ولأكثر من أسبوعين فعلوا ما فعلوا نتيجة كبت دام سنوات بل عقودا، إلا أن ذلك لا يبرر مطلقا خلو صفوفهم من قائد يتحدث باسمهم وينوب عنهم في الحوار الذي كان منعقدا مع حكومة تصريف الأعمال السابقة، ولا يبرر رفضهم الدخول في حوار معها. والذي يظهر لي - والله أعلم- أنهم مع فرحتهم بتنحي الرئيس السابق "حسني مبارك" لن يصلوا إلى وضع يرضيهم في القريب العاجل، فهم اليوم تحت الحكم العسكري، والمطالب المشروعة التي طالب بها شباب ميدان التحرير واعتصموا من أجلها قرابة الأسبوعين، قد لا تحقق في الشهور القادمة، بل ربما السنوات القادمة، فمصر التي كان يحكمها الدستور المصري قبل مساء الجمعة أصبحت تحت الحكم العسكري، وقد كان من الممكن خلال الأشهر القليلة الباقية للرئيس السابق تحقيق معظم المطالب، فإصلاح أو تغيير الدستور يحتاج للرئيس، لذلك كله على شباب مصر إدراك أن تجاوبهم وتفاعلهم مع ما وصلوا إليه من حقوق شرعية كان من الممكن أن يحقق المنظومة العادلة التي يتطلعون إليها، وليت هؤلاء الشباب نظموا صفوفهم واعتمدوا متحدثا رسميا يشارك في الحوار الذي كان منعقدا بين المفكرين والمعارضة المصرية من جانب والحكومة الشرعية -آنذاك- من جانب آخر، كان عليهم أن يؤمنوا أنه لا خوف عليهم وأنهم عندما يتحدثون يكون ذلك من منطلق قوة، وأن مشاركتهم في ذاك الحوار كانت ستترك الأثر الفاعل.
والملاحظ أن المفكرين بل من عرفوا في مصر كمعارضة داخلية كانوا يصرون وعبر القنوات المصرية المستقلة على أهمية وجود الرئيس على منصة الحكم للأشهر القليلة الباقية في فترة الحالية، فهو القادر على إحداث التغيير الإيجابي المطلوب، فتغيير كهذا كان يتطلب وجوده كرئيس شرعي لمصر كما ذكرت، ومن جانب آخر وجدنا أن القوات المسلحة المصرية والتي تتمتع باحترام وتقدير العامة والخاصة في مصر ولها قدر كبير من المصداقية أصدر مجلسها الأعلى البيان الثاني قبل تنحي الرئيس، أكد فيه أنه يتعهد بضمان رعاية وتنفيذ مطالب الشعب بدقة وحزم حتى يتم الانتقال السلمي للسلطة، والانتقال للمجتمع الديموقراطي الحر الذي يصبو إليه المصريون، كما أكد ضمانه لإنهاء حالة الطوارئ فور انتهاء الظروف الحالية- والتي لا نعرف إلى متى ستستمر- وتعهد بالفصل في الطعون المقدمة بانتخابات مجلس الشعب، وإجراء التعديلات التشريعية والاستفتاء عليها للوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة، وأنه يضمن عدم الملاحقة الأمنية للشباب والمتظاهرين الذين وصفهم بـ(الشرفاء الذين رفضوا الفساد وطالبوا بالإصلاح) وأخيرا بين رغبة القوات المسلحة على (ضرورة عودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد وانتظام العمل بمرافق الدولة).
إلا أن الوضع تغير، فقد تنحى الرئيس "حسني مبارك" وأصبح الحكم العسكري هو السائد في مصر، ومن متابعة التاريخ نستطيع الوقوف على أن الدكتاتورية متوقعة من حكم كهذا، فالجيش وبطبيعة نظامه كمؤسسة عسكرية نشأ وترعرع على النظام الصارم، وحكم كهذا لن يسكت على تمرد الشباب، حماية منه للأمن وللاقتصاد المصري المهدد بالانهيار، فالحياة في مصر خلال الأيام الماضية توقفت، والمؤسسة العسكرية المصرية التي لا تعرف سوى الانضباط، لن تقبل بالعصيان المدني، فإما الطاعة وإما المحاكم العسكرية، وقد يعيش أبناء مصر لفترة قد تطول تحت الأحكام العرفية بدواعي يجدها الجيش مبررة، فالحكم العسكري أو العرفي كما يقول أهل القانون: نظام يحكم الدولة إذا ما استلم العسكريون الحكم وأوقفوا العمل بالقوانين المدنية -فلا مجلس شورى ولا برلمان، وفي حالة إبقائهما لا بد أن يخضعا لسيطرة الحكم العسكري، هذا النظام الاستثنائي تلجأ إليه الدول في حالة الأزمات الطارئة واختلال الأمن وتقرر فيه حالة الطوارئ ومنع التجول حتى يزول الخطر عن البلاد وتمنح فيه السلطة التنفيذية العسكرية سلطات واسعة حتى يعود الأمن والاستقرار للبلد .. وهذا ما حدث في مصر اليوم فلا مجلس شورى ولا برلمان ولا دستور.. على الأقل في الفترة الحالية.
وضع كهذا أجده غير مناسب لهؤلاء الشباب ولا لمطالبهم. وضع كان بالإمكان تفاديه من خلال الجلوس للتحاور مع الفرقاء والسعي الحثيث للإصلاح. كان من المهم إقناع الشباب بضرورة الجلوس إلى مائدة الحوار الوطني، بل وإقناع المتظاهرين قبول وتأييد ذلك، خاصة أن هناك من ينتظر ويترقب ساعة الانقضاض من خارج الدائرة، ويتعامل كوصي شرعي على شعب مصر وشبابها.
واليوم آمل أن يدرك شباب مصر ضرورة عودة الحياة في مصر لطبيعتها، والسعي لتوحيد صفوفهم وتنظيمها، وهذا لن يتحقق في ظل المظاهرات. كما آمل أن يعم الهدوء أرجاء مصر، فلا تهب النفوس الغاضبة لتصفية الحسابات بشكل لا يليق بالشعب المصري، ويكفيهم شرفا أنهم أوصلوا أصواتهم وبشكل سلمي فريد من نوعه، وليت الحكم العسكري يفسح لهم المجال لتكوين حزب، هذا إذا لم يتم إلغاء الأحزاب. حفظ الله سبحانه بعظيم فضله مصر وأهلها (فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين)

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط