صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







نحتاج أمانات تتمتع بالأمانة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


التعاون بين بلديات دول مجلس التعاون يمكن أن يكون مفعلا، وطلب وزارة الشؤون البلدية والقروية الوطنية الوقوف على تجارب دول المجلس التي تشترك معنا في الكثير من الخصائص، لن يقدح في قدراتنا.


من خلال زيارة خاطفة لدبي اكتشفت سبب إعجاب صديقاتي بها، والحقيقة أن هذه الإمارة الصغيرة فيها الكثير مما يدعو للإعجاب، أما أكثر ما أثار إعجابي وعجبي في الوقت نفسه، فهي حالة الطرق العامة والجسور، فقد بدت لي في أجمل صورة، وكأن افتتاحها تم منذ أسابيع بل أيام، فالدقة والأمانة التي اعتمدت في تشييدها واضحة للعيان، فلا مطبات اعتباطية ولا حفر، ولا قذارة خلفها مقاول لا ضمير له، ولا مشاريع ميتة بقيت مهملة لسنوات كبيوت وقف لا أهل لها، فحركة السيارات تتم بانسيابية هادئة ومريحة، أما (مترو دبي) فهو ما استوقفني بشدة.. فاندفعت من باب الفضول.. أو بدافع غيرتي المبطنة للوقوف على حقيقة هذا المرفق وكيفية إدارته، فقد كنت أتطلع لمعرفته هل يعمل بفاعلية أم وجد من باب التباهي، ولذا مررت به ذهابا وإيابا، ومن خلال التجربة أستطيع القول إنه تحفة فنية، فبعد سنوات من استخدامه لا يزال بحلته الرائعة، وما زال القائمون عليه من رجال أمن واستعلامات وموظفي استقبال باشين مقبلين على خدمة الركاب ـ وما زالت أرضيته لامعة، وجدرانه نظيفة، فلم أر ورقة واحدة سقطت ولو سهوا على الأرض، كما مررت على لوحات تنبه الراكب أن غرامة تنتظر من يتناول الطعام في مرافقه أو مقصوراته، أو من يتسبب في تشويه المكان أو يلقي فضلاته على الأرض، بل إن الغرامة تنتظر من يلهو ويلعب بأجهزته المسخرة لراحة الركاب، هذا المرفق خال من المحلات التجارية، وكراسيه قليلة ومكانها فقط مقابل المترو، إذ لن ينتظر الراكب أكثر من دقائق معدودة قبل وقوف المقصورة أمامه، نسيت التنويه أن رائحة هذا المرفق الضخم جيدة للغاية، وعمال النظافة يعملون بدقة متناهية، إلى حد أنك لن تشعر بوجودهم، فعملهم كما شاهدته يتم في حدود معينة تحدد بحواجز لطيفة، مستخدمين أجهزة كهربائية تعمل بصمت، أما جدران محطات هذا المترو فلا تشعرك بالعزل ولا بأنك تتحرك داخل خنادق محكمة، فهي وعلى الأغلب مشيدة من الزجاج وبالتالي فالنور يأتيك من كل صوب، وهكذا تشعر أنك تسير في خارج البنيان وفي جو لطيف يتميز ببرودة دافئة.. أما أسعار التذاكر فبالكاد تذكر، كما أن الراكب سيجد حافلات تنتظره عند باب المحطة ساعة وصوله، تنقله إلى عدة أماكن فرعية وأساسية في دبي.
لكن الذي أثار انتباهي وبشدة يتعلق بجنسية المستفيدين من هذا المرفق الضخم والرائع، فالغالبية العظمى من المستخدمين هم من الوافدين أو سياح العرب أو الأجانب، فلم أر أكثر من رجل إماراتي واحد استخدم (المترو) أثناء انتقالي ذهابا وإيابا، وقد يكون السبب راجعا لتوفر السيارات خاصة، والتي هي أيضا لم تظهر لي على طرقات دبي بالكثافة المتوقعة، على الأقل في الأماكن التي مررت بها، أو استطعت التقاطها من نافذة غرفتي.
أما السبب من إشارتي إلى هذه الملاحظة فهي أني سرحت بخيالي قليلا وتخيلت وجود مثل هذا المرفق في بلادي، فقد استطاع تخفيف الزحام في إمارة دبي وبشكل ملحوظ، فهل سيتمكن من تخفيف الزحام لو نفذ في الرياض العاصمة مثلا، خاصة أن إنشاءه لا يحتاج إلا إلى توفير الإرادة، فمترو دبي الجزء الأساسي منه معلق، لم يحتج إنشاؤه اقتطاع أراض شاسعة وممتدة قد يكون توفرها مع التوسع العمراني في المملكة العربية السعودية أمرا مستعصيا للغاية، كما أن تواجده في المنطقة الشرقية كرابط بين الدمام والخبر أمر جيد ومفيد، وإن كنت أعتقد أن استثمار مشروع كهذا في بلادنا سيكون بشكل أكثر فاعلية، فبلادنا تتمتع بكثافة سكانية عالية ومدنها واسعة ومتشعبة.. فقط نحتاج لأمانات.. تمتع بالأمانة والحرص، أمانات تدرك أن الأمانة تتعدى معانيها لتصل إلى الحرص على أداء المهام على أكمل وجه.
وقد سعيت لمعرفة سبب هذا التميز الذي ظهر في كافة المرافق العامة لمترو دبي، فاستفسرت عن تاريخ وصاحب فكرة إنشائه وجنسية الشركة المكلفة بتشغيله، فقيل لي إن الفكرة إماراتية، والمال إماراتي، أما الشركة التي تقوم بتشغيله فبريطانية، وهنا توقفت مليا.. هل تكليف هذه الشركة بتشغيله هو سبب هذا التميز؟! أم أن ذلك يرجع إلى التزام الركاب بتطبيق الأنظمة؟! أم أن العقوبات التي تطبق على المخالفين صارمة، ثم عرجت للنظر في الحالة المتميزة لشوارع وجسور دبي، وتساءلت مجددا.. هل يرجع ذلك لدقة المقاولين، أو لرقابة الأجهزة الحكومية في دبي بل لبلدية دبي بالتحديد؟! ثم لماذا يبقى النفق في بلادي يئن من جور المقاول أو بيروقراطية الأنظمة، فهذا النفق القابع في مدينة الدمام خضع لعمليات جراحية مستعصية استمرت لسنوات، وذاك في أحد أحياء مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام ما زال صامدا دون حراك لحوالي العقد من الزمان.
ثم لو نفذ هذا المشروع في بلادنا، هل سيكون عنصرا جاذبا للمواطنين، أم أن المواطن سيحجم عن استخدامه كما هو الحال في دبي؟ على أية حال هو بالتأكيد سيحقق ربحية أعلى مما حققه مترو دبي، لكن السؤال المطروح هنا، هل سيشيخ فور افتتاحه؟! أم سنستطيع المحافظة على شبابه؟ وهل سيلتزم المقاول والمشغل بالأمانة أم سيتبع السياسة التي نعرفها ونتعايش معها كمواطنين وفي كافة مرافقنا العامة؟ في المستشفيات العامة، المدارس، الجامعات، الطرقات، الجسور، المطارات، الحدائق، ثم هل ستكون الأمانات وأمامها وزارة الشؤون البلدية والقروية صارمة في إلزام المقاولين بتطبيق معايير الجودة، أم ستتغاضى وتتساهل، ثم سنستيقظ يوما لنرى كافة مرافقنا العامة مثيرة للإعجاب كالحرم المكي، والمدني، والمرافق العامة للحرس الوطني والعسكري وشركة أرامكو السعودية، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وبعض المستشفيات المتخصصة.
إن التعاون بين بلديات دول مجلس التعاون يمكن أن يكون مفعلا، وطلب وزارة الشؤون البلدية والقروية الوطنية الوقوف على تجارب دول المجلس التي تشترك معنا في الكثير من الخصائص العامة كالمناخ وطبيعة الأرض والدين.. وغيرها، لن يقدح في قدراتنا، ولن يحتاج منا إلا إلى أمانات تتمتع بالأمانة.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط