صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مكرهة أختك لا بطلة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


نحن كمجتمع يهمنا أمر ابنتنا البائعة في محال المسلتزمات النسائية، وننتظر من وزارة العمل التجاوب السريع والقرارات الحاسمة والعقوبات الرادعة للمتهاونين في هذا المجال


ما زلت أذكر ذاك المحل التجاري المخصص لبيع المستلزمات النسائية الذي دخلت إليه في شبابي المبكر، في إحدى شوارع لندن، كنا ثلاث نساء وكنت الأصغر سنا، وآنذاك وجهتني قريبتي الكبرى للجلوس على أحد الكراسي في حين تحدثت مع البائعة، وقد لفت نظري في ذاك المحل أن كافة البائعات كن نساء، ويرتدين زيا موحدا محتشما، وكانت مديرتهن امرأة كبيرة في السن تمتاز بدماثة الخلق، أما المجمعات التجارية الراقية في لندن فقد كانت تحوى أقساما خاصة لبيع المستلزمات النسائية، والبائعات فيها دوما نساء، وكذلك المحلات الفاخرة لبيع أدوات التجميل، هذا ما شاهدته في شبابي المبكر في إحدى دول أوروبا، ولذا كنت أترقب كيفية تطبيق قرار مجلس الوزراء رقم (120) بتاريخ 12/4/ 1425، والقاضي بقصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية - الخاصة - على المرأة السعودية، وقد جعله مقيدا بالضوابط الشرعية، فهذا القرار استهدف دون شك حماية حياء المرأة من أي خدش عند توجهها لشراء المستلزمات النسائية، كما أفسح المجال للقطاع النسائي الوطني الراغب في العمل في هذا المجال الحصول على فرصة عمل مناسبة.
ولكن التجربة كانت مخيبة للآمال، فما نراه على أرض الواقع لا يحقق الغاية النبيلة التي خرج القرار لأجلها، فتطاول الشباب على البائعات ومعاكستهن وضع يمارس من البعض وعلى مرأى الناس، وقد رأيت الفتاة تبيع في مجمع تجاري، في حين يقف بجوارها شاب وافد يحرك جسمه بحركات بهلوانية لعلها تضحك في وجهه، ولم لا يفعل وهو زميلها يجالسها قرابة ثمان ساعات جنبا إلى جنب، فلا هو خجل ممن يمر أمامه من الزبائن ولا هي خجلت أن تضاحكه، وتلك تغطي وجهها بكافة ألوان الطيف وتبيع العطور للرجال، أما تلك فتقف وكأنها مغشي عليها من الخوف على نفسها وسط بيئة عمل لم تهتم بتوفير بيئة عمل مناسبة لها، هذه الفتاة إذا اقتربت منها تحركت على استحياء وتحدثت على استحياء.. فلا هي قادرة على خدمة بنات جنسها ولا هن قادرات على تقديم شكوى لعدم تفاعلها مع طلباتهن، فهي عاجزة عن التحرك.. عاجزة عن التحدث بأريحية في محيط يملؤه رجال، سواء من الباعة أومن الزبائن، ومن يشاهدها بهذا المنظر يتذكر المثل القائل (مكره أخاك لا بطل) ليحول المثل إلى (مكرهة أختك لا بطلة) ولا أشك مطلقا أن الحاجة كانت وراء خروجها ووقوفها بهذا الموقف المحرج.
وقد أشرت منذ سنوات (إن ما نخشاه هو احتمال خروجنا في تطبيق هذا القرار السامي عن جوهره ومضامينه وأهدافه، القرار الذي أراد لنا نحن معشر النساء أن نتعامل مع مستلزماتنا الخاصة دون حرج، لقد خشيت أن يزيدنا تطبيقه حرجاً على حرج.. فالقرار لم يهدف بأي حال من الأحوال إلى تعريض البائعات ولا المتبضعات لأية مضايقة) وهذا ما حدث فعلا، فبناتنا العاملات بتلك المحلات بعمر الزهور قليلات التجربة، وهذه محلات تدار أغلبها بأيدي رجال، سواء كانوا شباباً من أبنائنا قليلي التجربة، أو من عمالة خارجية أوكلت إليها إدارة بعض تلك المتاجر، علما بأن العمالة الخارجية قد لا ترى في ممازحة الرجال للنساء أية غضاضة.
ولذا تأملت باهتمام ما أعلنه مؤخرا الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، من أنه تم تشكيل لجنة مشتركة بين الرئاسة ووزارة العمل، واستمرت اللقاءات أشهرً عدة من دون التوصل إلى اتفاق حول تطبيق الأمر السامي المهني والذي قصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية الخاصة على المرأة السعودية، واشترط لذلك التطبيق أن يكون وفق الضوابط الشرعية، وقد بين فضيلته أن الهيئة قامت بالواجب ولا تزال تنتظر التجاوب من (وزارة العمل)، وهي لا تريد أكثر من تطبيق الأمر السامي، الذي اشترط التطبيق وفق الضوابط الشرعية.
وقد أشار فضيلته إلى أنها تمت مناقشة هذا الموضوع مع وزير العمل أثناء زيارته العارضة لمكتبه بكل وضوح وتجرد، ولمس منه كل تجاوب، ومع ذلك لا تزال الهيئة تنتظر التجاوب من وزارة العمل، بل نحن كمجتمع يهمنا أمر ابنتنا البائعة وننتظر من الوزارة التجاوب السريع والقرارات الحاسمة والعقوبات الرادعة للمتهاونين في هذا المجال.
وأود تذكير القائمين على وزارة العمل والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتجربة سعودية تستحق الإشادة والدعم، وهي (برج المملكة) التجاري والمتواجد في العاصمة الرياض، فقد خصصت إدارته طابقا كاملا للنساء، ومن خلاله نالت الزائرات الاحترام والتقدير والرعاية اللائقة بهن، وهذا ما لمسته في زيارة لي منذ سنوات، فهناك تتحرك النساء والبائعات دون أي حرج، وقد سبق أن طالبت من خلال المساحة المتاحة لي في جريدة الوطن النظر في هذه التجربة، وها أنا أكرر مطالبتي السابقة للقائمين على الأمر في وزارة العمل التوجه إلى برج المملكة للاطلاع على إيجابيات تجربة القسم النسائي فيه مدعمة بإحصائيات ربحية، وتمكين الإعلام أو الراغبين من أصحاب المجمعات والمراكز الاطلاع عليها.. والتي أعتقد يقيناً أنها ناحجة وبامتياز، كما لدينا في المنطقة الشرقية وفي (مجمع الراشد) تجربة مشابهة إذ خَصص للنساء قسما صغيرا، وإن كنت أتمنى توجيه أصحاب المحلات المستأجرة فيه للعناية بتدريب العاملات ليكن مؤهلات للعمل كبائعات.
إن جمال سياسة (برج المملكة) لا تكمن في تواجد طابق كامل مخصص للنساء، بل في كون المرافقين للنساء – الزوج أو الأخ.. من الرجال بإمكانهم التبضع في الأقسام العامة، في حين تتوجه نساؤهم إلى القسم النسائي. فهي جامعة للأسرة ومقدرة لاحتياجات كل أفرادها. وأخيرا لعل الوزارة تعمل على تفهم أن طبيعة عمل المرأة السعودية على فترتين سيؤدي إلى تقصيرها في مهامها كأم وزوجة وابنه، ويفضل لو عمدت الوزارة إلى إلزام المحلات التجارية بتخفيف فترة الدوام الخاص بالبائعات



 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط