اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/508.htm?print_it=1

ولا عذر لأحد

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


حبذا لو حسنت الجهات الحكومية من نظامها المتبع في دفع مستحقات الشركات المتعاونة، فالتباطؤ في دفعها لهذه المستحقات غير مبرر في ظل الوفرة المالية التي وصلتها من الميزانية العامة


من المؤلم أن يتهاون موظف كلف بخدمتك ورعاية مصالحك.. ثم يتمكن من الإفلات هو فقط بل كل من وراءه من جنود إبليس ممن ساندوه وخططوا ونفذوا معه!
من المؤلم أن تشعر بضعف بعض الخدمات العامة في بلد يعد من الدول الغنية إقليميا وعالميا، بلد يعطي دون حساب، فالناظر إلى ميزانية بلادي سيدرك وللوهلة الأولى أن عطاءها لا ينقطع ولا يتقلص وأن سخاءها متزايد، ولكن أولئك هم الداء وهم الوباء!
وهنا أتساءل: كيف لنا أن نجامل وأن نخاف على مشاعر فلان؟! وهو يسرق بلادنا ويحطم أحلامنا وبتسبب في خسائر لا تعوض لأرواح ومقدرات عامة وخاصة، أمثال هؤلاء لن يتوقفوا ولن يمتنعوا دون عقوبة رادعة، ودون التشهير بهم وبأعوانهم.
لقد أصبح الفساد متحققا، وإنكار وجوده بيننا غير مقبول، عليك ـ أيها القارئ ـ التوجه إلى دويلات صغيرة لترى بعينك كيف تطبق مشاريعها العامة، فما يستغرق إنجازها هناك أشهرا معدودة يستغرق عندنا سنوات وسنوات، ولنكتشف بين ليلة وضحاها أن تنفيذها هنا كان مخلخلا، وأن عمرها الافتراضي انتهى قبل أن يبدأ، ومن ناحية أخرى ستجد أن تكلفة أي مشروع مماثل لما نراه في تلك الدولة الصغيرة حجما مضاعفة بشكل عجيب مستفز عندنا، ومع كافة المبررات التي قد تطرح على مائدة أي حوار حول هذا الشأن، من اتساع رقعة المملكة وتكلفة النقل.. إلا أنها غير مقبولة نهائيا، فالمشاريع التي تجريها شركة أرامكو السعودية مثلا تعد من المشاريع المعمرة – ما شاء الله – وهي تدعو لفخرنا كمواطنين قبل موظفي أرامكو السعودية، في حين تجد بجوارها مشاريع عامة تهالكت ولم تمض على إنشائها بضع سنين.
إن ما حدث في تبوك المنطقة الفواحة بعطر الورود ورائحة الزيتون، أنطق الجماد، فنحن إلى الآن لم نستوعب ما حدث في جدة لتصيبنا تبوك في مقتل، وليتنا نسمع جوابا شافيا.. أين المصارف الصحية التي يخطط لها ورصد وترصد لها البلايين، وإذا أكدت الأوراق أنها نفذت فأين متابعة القائمين على الأمر، أم أن من بينهم من كان منشغلا برصد أرصدته التي ارتفعت وتضاعفت بشكل مفاجئ وبفعل فاعل.
إن تنفيذ وتطبيق المصارف الصحية وعلى أعلى مستوى واجب وطني علينا جميعا التعاون لتنفيذها، والمقاول المكلف عليه إدراك أن حسابه سيكون عظيما ومتصاعدا، كما أن أرباحه ستكون كذلك إن أحسن الأداء، وأن الزمن كفيل بمحاسبته، وإذا كان المواطن البسيط لن يسمح بتهاونه، فكيف بولي الأمر الذي كلفه بمهام وطنية خدمية تتعلق بمصالح العباد، عليه أن يدرك أن اللعب بأرواحنا وممتلكاتنا ليس مستساغا، إنه سيتجرع مرارتهما لحين مماته، وإن روحه مقابل أرواحنا ومقدراته مقابل مقدراتنا.
تلك الفجيعة حدثت في جدة وتبوك كما حدثت في جيزان، وقد يكون الأمر مسكوتا عليه لو كانت بلادي فقيرة، غير باذلة، غير سخية، لكن أن ترصد البلايين لمشاريع بعينها، ثم نفاجأ أن أموالنا اختفت في الهواء وأن ما نراه أمامنا على السطح قشور ليس إلا..
لقد كشف خبراء أميركيون بجامعة "أوهايو" وغيرهم أن التغيرات المناخية ستحدث في العالم بما فيها شبه الجزيرة العربية وأن الأمطار الغزيرة التي تسببت في سيول جارفة في تبوك ومن قبل في جدة وفي غيرها من المناطق المملكة، قد تنزل العام المقبل والأعوام التي تليها في المناطق نفسها وفي غيرها، لذا علينا تدارك الأمر بمشاريع تقلل الخسائر قدر الإمكان ومتابعة مشاريع الصرف الصحي في كافة مناطق المملكة وبحسب احتياجاتها، وعدم توجيه المشاريع الخاصة بالمرافق العامة لشركات بعينها خاصة لو كانت مما عرف بتهاونه اعتمادا على عقود طويلة الأجل موقعه بينه وبين الجهة المعنية.
ومن جهة أخرى؛ حبذا لو حسنت الجهات الحكومية من نظامها المتبع في دفع مستحقات الشركات المتعاونة، فالتباطؤ في دفعها لهذا المستحقات غير مبرر في ظل الوفرة المالية التي وصلتها من الميزانية العامة، والتي كانت تصلها لسنوات متتابعة، فهذا التباطؤ المعروف عن معظم الجهات الحكومية يجعل شركات المقاولة تتعامل معها بنظام دفع المؤجل، فتضاعف التكلفة وتتباطأ في الإنتاج مع ضعف المنتج النهائي.
وأخيرا؛ أطالب ـ كغيري ـ بالتشهير بالمجرمين الفاسدين الذي تلاعبوا بمقدرات البلاد وضيعوا الأمانة مهما عظم شأنهم وارتفعت مكانتهم، علينا مساندة "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" والمعنية بمكافحة الفساد وإبلاغها بأي فساد يحدث في كافة الجهات العامة في الدولة والمصالح الحكومية، أو في الشركات التي تمتلك الدولة نسبة لا تقل عن (25%) من رأس مالها، وأذكركم أنه تم اعتماد حوالي ستة وثلاثين مليار ريال لقطاع الخدمات البلدية، وخمسة وستين مليار ريال لقطاع النقل والمواصلات والتجهيزات الأساسية، في ميزانية العام الحالي 1434هـ، وهذان الرقمان من الضخامة بمكان لنجدها تعادل ميزانية بعض الدول!
إن خادم الحرمين الشريفين الذي وجه باعتماد هذه المبالغ الطائلة يستهدف في الأول والآخر مصلحة المواطن وسلامته، ولا أشك مطلقا أنه سيأخذ بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التلاعب بمصالح البلاد والعباد، ألم يقل في ليلة الإعلان عن ميزانية هذا العام: (أيها الوزراء والمسؤولون كل في قطاعه.. لا عذر لكم بعد اليوم في تقصير أو تهاون أو إهمال، واعلموا أنكم مسؤولون أمام الله -جل جلاله- ثم أمامنا عن أي تقصير يضرّ باستراتيجية الدولة التي أشرنا إليها، وعلى كل وزير ومسؤول أن يظهر من خلال الإعلام ليشرح ما يخص قطاعه بشكل مفصل ودقيق.) فإذا كان هؤلاء لا عذر لهم فمن دونهم أولى فالويل لهم إن أفسدوا، فلا عذر لأحد بعد اليوم .

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط