اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/511.htm?print_it=1

مهارات التدريس الحديثة.. فن وتدريب

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


زميلاتي كن يؤكدن أنه لا يمكن السيطرة على الطالبات إلا بالشدة وأن التعامل معهن لا بد أن يكون عسكريا، وهو نظام نجحت في تطبيقه، وفشلت في جني ثمار يانعة منه


عندما أدخل إلى القاعة الدراسية، أقف أمام الطالبات وأحدث نفسي بأنهن المستقبل وأنا الماضي الذي سينزوي عما قريب، أحدثها بالأماني وبأني قد أتمكن من تحفيز عدد من الطالبات لإكمال المسيرة، فأعمد إلى تصوير حال الواقع والمستقبل الذي لن أعيشه، وكيف يمكن أن يكون مثمرا مميزا بجهودهن الجماعية أو الفردية.
وكثيرا ما أتذكر صباي، عندما كنت أتوجه لتلقى العلم من أساتذة لا تفهم إلا إصدار الأوامر، ولا تحدث إلا نفسها، أو أساتذة تبقى كلماتهم عالقة في ذهني لأيام بل لشهور بل إلى يومنا هذا، والواقع أني جربت أن أكون من الصنف الأول فحصدت الحسرة والندامة، ثم تلقاني أستاذي الدكتور "رفقي زاهر" رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فوجهني لكيفية تدريس الشباب من خلال احترامهم وتقديرهم، فمع أنه كان كفيف البصر رحمه الله إلا أن بصيرته كانت ثاقبة، كان عالما بكل ما تعنيه الكلمة من معان، أما فلسفته التدريسية فقائمة على تقسيم المحاضرة إلى قسمين، قسم يكون هو المتحدث فيه، وقسم يكون محاورا لطالباته، اللاتي يبادرن إلى بيان مواقفهن الخاصة مع يقينهن أن ما يطرح قد يكون مخالفا لرأي الأستاذ، لقد كانت الثقة بين الطرفين قائمة، وأذكر الحرج الذي انتابني من الثقة التي وجدتها ثابتة الأركان في طالباته، والتي أفتقدها في طالباتي.
لقد دعاني أستاذي الدكتور رفقي رحمه الله لحضور محاضرة له، فقبلت الدعوة لعلي أنظر للصورة من خارج الدائرة فتكون أمامي واضحة المعالم، دخلت القاعة وجلست في زاوية من زواياها وبدأت المحاضرة كان حديثه كعادته ممتعا جذابا ومقنعا، وعندما انتهى نقل الدفة إلى جهة الطالبات، هنا اعترتني حالة من الحرج فمع أني عشت التجربة كطالبة ضمن طالباته، إلا أني اليوم لا أنتمي إلى هذه الفئة، كنت داخل تلك القاعة محايدة تماما أحاول استنباط مهارات عجزت عن الإمساك بمفرداتها في ظل نصائح زميلات أقدم مني في ممارسة التدريس الجامعي، زميلات أكدن - مع الأسف- أن الطالبات لا يمكن السيطرة عليهن إلا بالشدة وأن التعامل معهن لا بد أن يكون عسكريا، نظام نجحت في تطبيقه وفشلت في جني ثمار يانعة منه، ولذا لجأت بعد الله لأستاذي أشكو له بغضي لمهنة التدريس التي كنت أحلم بها، أبين له معاناتي وأنا أرى اللامبالاة في عيون طالباتي، وما زلت أذكر إنصاته وأذنه ـ رحمه الله ـ التي وجهها لجهتي إمعانا منه في سماع كافة التفاصيل، كان في مقام الأب.. كنت أشكو إليه الحلم الذي تحول إلى كابوس، وكيف أن قدميّ تجراني إلى قاعة الدرس جرا، وكيف كنت أحفظ كافة تفاصيل الدرس لألقيه بدوري أمام الطالبات كلمة بكلمة وحرفا بحرف، دون أي محاولة للنقاش أو الحوار، وكيف أني لا أجد أي متعة في وجودي بين الطالبات.
ولذا دعاني لحضور درسه وتكررت الدعوة لأكثر من مرة وكان الناتج النفسي الذي يرافقني بعد تلبية كل دعوة انبهاري بأسلوبه وقدرته على الحديث مع كافة الأجيال، وعدم تردده في إظهار تقديره لجهودهن أو توجيههن للصواب بطريقة مغلفة بقدر كبير من الاحترام، كنت أعجب لقدرته على قيادة قاعة فيها عدد كبير من الطالبات وهو كفيف البصر وكيف استطاع أن يحرك مياها كنت - مع الأسف - أعتقدها راكدة.. رحمه الله وجزاه عني خيرا.
أما سبب حديثي اليوم عن أستاذي، فهو أنه ـ خلال الأسبوع الماضي ـ أفسحت عمادة تطوير التعليم الجامعي (جامعة الدمام) الفرصة لي لحضور ورشة عمل تستهدف إطلاعي على (مهارات التدريس في القرن الحادي والعشرين) واستضافت خبراء من (المعهد الوطني للتعليم في سنغافوره) لهذه الغاية، كما هيأت لي ولزميلاتي الكثير من الخدمات في سبيل ضمان الاستفادة مما سيتم عرضه، ومع أني ـ ودون شك ـ استفدت إلا أني لم أستطع إلا التفكير بتلك القامة الرفيعة لأستاذي الدكتور "رفقي زاهر" الذي علمني الكثير..الذي علمني أن التدريس فن ومهارات مكتسبة.
وخلال الورشة عرضت تجربة سنغافوره في التعليم، من خلال فيلم بين اعتمادهم على التقنية الحديثة بشكل لافت يصل إلى حد 65% من طرق التدريس، فكل طالب حتى ولو كان طفلا في مراحله الأولى للتعليم يحمل بين يديه "لاب توب" أو "آي باد"، أما مدارسهم فصممت بشكل يسمح للطالب بالحراك والاستمتاع خلال يومه الدراسي، والمعلمون يتعاملون مع الطلبة بمهنية عالية، والطلاب يتحدثون ويناقشون ويحللون بشكل أعاد إلى ذاكرتي الأسلوب النمطي الممل الذي اعتمد في التدريس أيام طفولتي.
وبعد انتهاء العرض سألت: هل هذا هو الأسلوب المتبع عندكم في التدريس، عندها ذكرت إحدانا أن التعليم تطور في السنوات الأخيرة بشكل لافت، فالسياسة التعليمية الحديثة في المملكة خططت لاعتماد أسلوب التعليم المطور كسياسة عامة للتعليم.
ولأن الفضول قد أخذ مني كل مأخذ استفسرت من المدربة هل التعليم في سنغافوره مجاني، وإن كان فلأي مرحلة هو كذلك، عندها فوجئت بالرد وطريقة الرد، فقد قالت لا يوجد لدينا في سنغافوره أي شيء مجاني، وكل شيء غالي الثمن.. وأضافت لذا لا يوجد لدينا أغنياء، فبينت لها أن التعليم عندنا مجاني ومتوافر لكافة المراحل الدراسية والجامعية، كما أن الطالب وبشكل عام في مراحل التعليم الجامعي ينال ما بين 200 دولار إلى قرابة 300 دولار.
وليقيني أنها لن تصدق أحجمت عن ذكر ما يناله طالب الامتياز في الكليات الصحية، والتي أشجع بعض الأقسام فيها للمطالبة بالمزيد، كما أني لم أشر مطلقا لبرنامج خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي، وما يقدمه لأبنائنا المبتعثين.
ولا بد من توجيه الشكر لجامعة الدمام التي وفرت لنا مثل هذه الورشة المجانية، وأفسحت المجال لأعضائها لتلقي خبرات عالية في طرق التدريس الحديثة دون عناء السفر أو الانتقال .

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط