اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/529.htm?print_it=1

مصر.. تعقيدات تحتاج إلى الصبر والعمل

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


لو اقتنع الشعب المصري واستقرت أوضاعه الداخلية فلن تتحرك عجلة الاقتصاد الداخلي في غمضة عين، والحلول لن تكون دون ثمن، والثمن قد يضطر دفعه الجيل الحالي والقادم بل الأجيال المقبلة


الأوضاع المعيشية في مصر لا يمكن أن تتحسن بين ليلة وضحاها، ولا يمكن أن تتحقق الأحلام بمظاهرات منظمة أو عفوية، ولا يمكن لحكومة موقتة تحقيق استقرار نسبي للأوضاع الاقتصادية في مصر، والتي تعد في الفترة الحالية من أولويات أي حكومة تتسلم زمام الأمر فيها، فقد أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، مؤخراً، أن عدد سكان الجمهورية بالداخل وصل إلى 84 مليون ومع المصريين في الخارج وصل عددهم إلى حوالى 92 مليون نسمة.. أما نسبة الفقر فتزداد يوماً بعد يوم.. فالأموال مهاجرة، وأسعار السلع حتى الأساسية منها كالماء والطعام والطاقة والصحة والتعليم، ليست في متناول العامة.. بل إن انعدام الأمن والأمان في مصر زاد من حدة الوضع الحالي، والبطالة متفشية فقد (أظهر تصنيف التنمية البشرية لعام 2013، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، أن مصر تحتل المرتبة الـ112 عالمياً فى قائمة التنمية البشرية، من بين 160 دولة). وأشار التقرير إلى أن (معدل البطالة فى مصر بين الشباب هو الأعلى عربياً.. حيث يصل إلى 54.1%) وهذه المعدلات آخذة بالازدياد دون شك.
وكما عجز النظام السابق خلال حكمه عن تحقيق نقلة نوعية في أوضاع الطبقة الوسطى والفقيرة بطبيعة الحال، وتحقيق الرخاء لمواطنيه في فترة حكمه الوجيزة، سيعجز من خلفه عن تحقيق ذلك في الفترة نفسها والله أعلم.. وكل ما أتمناه من الحكومة الحالية هو مصارحة الشعب المصري بصعوبة أوضاعها الاقتصادية والدعوة لحملة إعلامية شاملة توضح معالم الأزمة المصرية لكافة القطاعات، سواء الأزمة الحالية أو المتوقعة في القريب والبعيد، فالبنك الدولي لن يقدّم أمواله دون شروط تضمن مصلحته، فدول العالم لن تقدّم أموالها دون خطط تضمن تفعيلها على أرض الواقع، وهذا محال لو لم تستقر الأوضاع الداخلية في مصر.
وعلى فرض تمكنت الحكومة الحالية من وضع خطط استراتيجية هادفة، فلن تحقق الغرض منها دون استقرار سياسي داخلي وخارجي، فالاستقرار هو الدافع الأساسي لأي تنمية وطنية، ومع أني لا أعرف طبيعة تطلعات الشعب المصري والمنصبة على الحكومة الحالية، ولا أعرف كيف ستتعامل هذه الحكومة مع متطلبات الشعب خلال الأيام المقبلة، ولا هل ستنظر بعين الاعتبار إلى مخلفات الحكومات السابقة والتزاماتها الداخلية والخارجية، كما لا أعرف ما هو موقفها من خطط وضعتها الحكومات السابقة، وهل ستعمد إلى دراسة مضامينها والإبقاء على الأصلح منها، أم أنها ستنفضها وتبدأ من جديد. ولكني مع ذلك كله أجزم أن طريقها صعب، ونجاحها السريع من المحال والله أعلم.
إن الشعب المصري لا يملك صبراً فيبذله.. فهو متعب ومنهك ولذا هو يحلم بحلول جذرية فورية، وأي حكومة لن تقدّم له حلولاً فورية لن يرضى عنها بحال من الأحوال، فهو لم يعد يبحث عن سقف يحمي رأسه ويضم عياله، فقد أصبح يتطلع لرغيف خبز وقطرة ماء، كما أن زيادة الضرائب وتحديد الاستهلاك لفئة معينة لن تكون مقبولة لتلك الفئة، وهي على قلة عددها نسبياً موجودة ومؤثرة على الصعيد السياسي والاجتماعي.
وما زلت أذكر كيف ارتفع سوق المال المصري بشكل ملحوظ خلال الأيام الأولى للحكومة السابقة، وكيف تعجب العالم من هذا الارتفاع واستبشر، وكيف حوّلت مظاهرة مصرية صغيرة الحجم مساره من الصعود إلى الهبوط، وكيف احتفل المصريون بسبب ذاك الارتفاع، وكيف استقبل تحرك ونشاط التعامل المالي الوافد، وكيف تقلّصت همته وانكمشت بعد أسابيع معدودة بسبب هبوط تعاملات السوق المالي المصري.
الحقيقة حتى لو اقتنع الشعب المصري واستقرت أوضاعه الداخلية فلن تتحرك عجلة الاقتصاد الداخلي في غمضة عين، والحلول لن تكون دون ثمن، والثمن قد يضطر دفعه الجيل الحالي والقادم بل الأجيال المقبلة، فأي حكومة مهما امتلكت من مقومات القوة، لن تملك "خاتم سليمان" ولن تحقق معجزات، وعلى الشعب المصري التعامل مع المعطيات المتوفرة بحرفية، فلا ينجرف بهذا الاتجاه أو ذاك، وليت الحكومة المصرية توجه اهتمامها للنصف الجائع من شعبها ولتحقيق أمن وطنها..
إن مصر كانت وما زالت دولة عزيزة علينا جميعاً وعلاقتنا معها علاقة تكامل، نحتاجها كما تحتاجنا، ولتستمر هذه العلاقة وتبقى لا بد من محيط آمن، ومن مصلحتنا جميعاً إبقاء هذه العلاقة حية فاعلة متفاعلة مستقرة ، فعدم استقرارها يضعفها، وضعفها يصب في مصلحة أعدائها وأعدائنا، وقد يلزمها بتوقيع اتفاقيات دولية تحد من حريتها السياسية والاقتصادية والعلمية والعسكرية بطبيعة الحال.. وهو يؤثر سلبياً علينا جميعاً.. ولذا يتوجب الاستمرار بإرسال رسائل إيجابية لمصر وتشجيع القطاعات الخاصة للتحرك باتجاه مصر دون توقف، استيراداً وتصنيعاً، علينا أن نترك الخلافات جانباً وأن نغض الطرف عنها، ونوجه أنظارنا لتنمية بلدينا، كل منا في مجاله، ولندرك جميعاً أن أزمة مصر ضخمة وحلها يستلزم تضافر الجهود.. وأن بلادنا المملكة العربية السعودية ودول الخليج قادرة، بإذن الله، على تقديم الدعم المطلوب لتحريك الدفة ولتخفيف حدة الأزمة... وإن كنت أجزم أن الحل يكمن في مصارحة الحكومة المصرية لشعبها بأبعاد الأزمة وضخامتها والله المستعان

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط