اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/535.htm?print_it=1

علينا ألا ننسى "العون المباشر"

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


من الخسارة أن تنتهي رحلة الدكتور السميط ـ رحمه الله ـ وأسرته الكريمة بوفاته، ومن الخسارة أن توصد أبواب جمعيته أو يتقلص نشاطها في أفريقيا، ومن الخسارة أن يتقلص الدعم بوفاته


(وما خلقت الجن والإِنس إِلَّا ليعبدونِ).. اللهم ما خلقتنا إلا لعبادتك فأعنا على ذلك، ولا تجعلنا نبيع ديننا بدنيانا يا أرحم الراحمين... سأتحدث اليوم عن داعية أصيب بعدد من جلطات في القلب والمخ والساق، إضافة إلى مرض السكري، كما أصيب بالملاريا لأكثر من مرة وعدد من الكسور في الجمجمة والأضلاع جراء قيامه بأعمال إغاثة ومساعدة للمحتاجين، كما أصيب بارتفاع في ضغط الدم وتخشن في الركبة وارتفاع في الكولسترول ونزيف في العين، ومع ذلك استمر لسنوات في طريقه الدعوية ولم يتوقف رحمه الله.
وعندما أنظر في سيرة هذا الرجل الذي عاش لله ومات له سبحانه، والذي أستنكر إجلال الناس له، أو وصف أحدهم له بالداعية، قائلا: (ما أنا إلا داعية في بدايات طريقه).. هذا الرجل رفض كتابة سيرته الذاتية مع أنها تستحق الكتابة بحبر من ذهب، رجل حمل هم أمة، رجل عشق العطاء وأدمنه، عندما أنظر في سيرته العطرة أستصغر نفسي، وأعلن عجزي التام عن بذل قطرة من بحر عطائه، فأنا مع الأسف لا أطيق الحر دون رفيق دربي "المكيف الهوائي"، ولا أستطيع السير في المستنقعات أو النوم في العراء، رحمك الله يا شيخنا واستأذنا الدكتور "عبدالرحمن السميط" يا من قضيت في العمل الدعوي في أفريقيا أكثر من عقدين من الزمان، يا من أسلم على يدك أكثر من عشرة ملايين من البشر، يا من سخرت نفسك وأسرتك ومالك وجاهك في سبيل نشر الدعوة الإسلامية في أفريقيا، يا من كانت محاولات قتلك المتكررة من قبل مليشيات أفريقية مسلحة، وتعرضك للدغ الأفاعي أكثر من مرة تزيدك ثباتا وإصرارا على إكمال مشوارك الدعوي، يا من قلت: (سألقي عصا الترحال يوم أن تضمن الجنة لي، وما دمت دون ذلك فلا مفر من العمل حتى يأتي اليقين فالحساب عسير، كيف يراد لي أن أتقاعد وأرتاح والملايين بحاجة إلى من يهديهم؟! وكيف أرتاح بدنياً وكل أسبوع يدخل في الإسلام العشرات من أبناء "الأنتيمور" قبيلة عربية تعيش في أفريقيا - من خلال برامجنا ونرى كل يوم أن المناوئين للإسلام لا يدخرون جهداً ولا مالاً في سبيل إبعاد أبناء هذه القبيلة التي كانت عربية مسلمة عن الإسلام وينفقون كل سنة عشرات الملايين ولديهم عشرات من العاملين هنا؟!).. لقد بدأ أولى خطواته الدعوية في أفريقيا في أواخر السبعينيات الميلادية، ولم يتوقف إلا بعد أن أضناه المرض ولم يسعفه جسده على الحراك ..وعن هذا الرجل الذي فقدناه هذه الأيام أتوقف اليوم داعية الله ـ سبحانه ـ أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه الفردوس الأعلى، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ويلهمنا وأهله الصبر والسلوان.
كما يتوجب علي إعلان قلقي الشديد على رسالة هذا الداعية الذي أمضى جل حياته في سبيلها، فأقول من ـ بعد الله ـ لأفريقيا و"جمعية العون المباشر" التي أسسها الدكتور السميط، والتي تعد أكبر منظمة عالمية في أفريقيا، ويدرس في منشآتها التعليمية أكثر من نصف مليون طالب، وقامت بإعداد وتدريب أكثر من 4 آلاف داعية ومعلم ومفكر، من خلال أكثر من أربع جامعات، و840 مدرسة، منها مدارس قرآنية ونظامية, كما أسست عدداً كبيراً من الإذاعات تبث بـ8 لغات، وتغطي 16 دولة، كما وزعت الملايين من المصاحف، وقامت بترجمة وطباعة وتوزيع الملايين من كتيبات إسلامية بـ18 لغة، كما قامت بحفر وتأسيس أكثر من 8 آلاف و600 بئر ارتوازي وسطحي، وأنشأت أكثر من 60 مخيماً طبياً للعيون لعلاج أمراض العمى، إضافة إلى بناء وتيسير أكثر من 140 مستوصفاً ومستشفى، وكفالة الآلاف من الأيتام، وبناء الآلاف من المساجد؟!
ففي هذا الوقت بالذات نخشى على هذه النافذة المشرقة لنشر إنسانية ورقي تعاليم الإسلام أن تقفل.. النافذة التي حولت الملايين من أهل أفريقيا إلى قبلة المسلمين، والتي دفع الدكتور عبدالرحمن السميط راحته وصحته بل حياته في سبيل استمرارها، نخشى أن ينفض المعزون عن الطاولة ما إن ينتهي العزاء، نخشى أن يصبح الدكتور السميط من الأساطير أو التراث الذي يسطر في زوايا التاريخ.
إن"جمعية العون المباشر" لا يمكن اعتبارها جمعية خاصة تنتهي بانتهاء مؤسسها، أو تستمر بعده على هون، آمل من "المملكة العربية السعودية" التي منحته "جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام" فجعل قيمة الجائزة وهي (750 ألف ريال سعودي) وقفا لتعليم أبناء أفريقيا، و"الكويت" وطنه الذي دعمه حكومة وشعبا وكافة دول الخليج التي كانت مؤيدة ومشجعة وداعمة لأنشطته -رحمه الله- على اختلافها، العمل على بقاء هذه الجمعية نشطة وفاعلة وخادمة لأهل أفريقيا ومؤسساتها الدعوية والتعليمية والطبية والتنموية التي نمت وترعرعت برعاية الدكتور السميط، فهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لدين الله سبحانه ثم لهذا الرجل رحمه الله، ولمسلمي أفريقيا، فالقائمون على هذه الجمعية تدربوا على يد شيخنا وأدركوا أسرار الدعوة، وفهموا طبيعة أفريقيا وتقاليد أهلها ولغاتهم، وهم قادرون بإذن الله على إكمال مسيرة الدكتور السميط لو فتحنا لهم الأبواب واستقبلناهم وشجعناهم ووثقنا بهم كما وثق بهم الدكتور رحمه الله.
فمن الخسارة أن تنتهي رحلة الدكتور ـ رحمه الله ـ وأسرته الكريمة بوفاته رحمه الله، ومن الخسارة أن توصد أبواب الجمعية أو يتقلص نشاطها في أفريقيا، من الخسارة أن يتقلص الدعم بوفاته رحمه الله، فمن هم قائمون الآن على إدارتها هم أبناء الدكتور السميط فهو من دربهم.. وعمل معهم.. ووثق بقدراتهم وهو من استأمنهم عليها وعلى نشاطها الدعوي والتنموي، فسلمهم زمام أمور الجمعية في أيام مرضه الأخيرة رحمه الله، علينا ألا ننسى "جمعية العون المباشر"، فهي بحاجة إلى دعمنا أكثر من ذي قبل، والله المستعان

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط