اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/543.htm?print_it=1

لنختلف دون إسفاف

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


التحريض على مخالفة الأنظمة بحجة أن هذا غير محرم، أمر لا يفهم ولا يمكن استيعابه، ومن وافق المحرض وسار معه وأيده يكون في خندقه ويتحمل وزره، فإثارة الفوضى ولي الذراع أمران مرفوضان جملة وتفصيلا


لم أعد أهتم بالسياسة، ولا بمتابعة الأخبار، لم أعد أتوقف عند نشرات تؤكد أننا وحوش لا قلوب لنا، نشرات تعزز القسوة وتستهين بالطيبين، ولم أعد أستطيع رؤية الدماء كأنها ألوان تزين نافذتي، فإما أن أتحرك وأفعل موقفي بحراك إيجابي، وهذا محال.. فلا أنا أملك القرار السياسي، ولا القرار السياسي أصبح قادرا على إيقاف ظلم الظلمة الذين يملكون قلوبا مظلمة كأفعالهم.
بالله عليكم من يستمتع بمتابعة نشرة الأخبار، ومن منا يتجاهلها أو يغير القناة مع أول ظهورها، ثم متى ظهر مذيع في هذه النشرات لينقل لنا خبرا جميلا، فهو قلما يفعل مع الأسف، فالدمار، وسلب الأرواح والأموال.. هذه وغيرها من العناوين المفجعة هي المكونات الأساسية لها.
كنت أحدث ابني فأنقل له ضيق نفسي ومعاناتي التي تشعبت، والتي أخشى أن تصبح ظاهرة مرضية تصيب أمتنا العربية، أخشى أن يتحول مسارنا فنصبح لا مبالين بسفك الدماء ونهب الحقوق وضياعها، ليفاجئني بقوله (هذه طبيعة الحياة الدنيا)، ومن ثم بدأ بطرح حوادث مؤلمة استحضرها من تاريخنا الإسلامي، منها ما أعرف ومنها ما لم أسمع به قط، وأردف بقوله: المهم ألا ننغمس في الفتن وننوء بأنفسنا عن الانزلاق في متاهاتها حفظنا الله منها، رددت: ليت الأمر اقتصر على خلافات دولية بل الخلافات لامست أبناء الأسرة الواحدة.. وما المحاكم التي تعج بقضاياهم إلا دليل على ذلك، الخلاف في عصرنا أصبح ظاهرة، ولو الأمر توقف على الاختلاف في الرأي حول القضايا الجانبية الفرعية لكان الأمر مقبولا، لكنه لامس القضايا الأساسية التي تتعلق بالدين ثم الوطن، وهناك من يعد الخوض فيها من دلائل استقلالية الفرد وحريته الفكرية! لا أفهم لماذا لا نختلف في القضايا الفرعية التي لا تمس الدين ولا تجرح الوطن، لماذا لا نختلف دون إسفاف؟!
المؤلم أن بعضهم يخصص "هاشتاق" في "تويتر" لسباب شخص معين، فعلى فرض اختلفت مع هذا أو ذاك فلم نجعله أقرب إلى الله منا من خلال التلفظ عليه بألفاظ غير لائقة ومن خلال تحفيز الناس على ذلك، لا مانع مطلقا من إبداء رأي حول قضايا معينة، لكن لتكن طريقتنا لذلك دون تجريح ودون تكفير ودون سباب، كما أننا قد نروج لأفكار لا نؤيدها ولأصحاب تلك الأفكار، وهو ما لا نريده بطبيعة الحال.
لقد ظهرت مؤخرا مطالبة من مجلس الشورى ليست محرمة شرعا، ولكن العائق أمام تنفيذها يكمن في الرفض المجتمعي - على الأقل في الوقت الحاضر- فغالبية المجتمع لا يؤيد تطبيقها، وهذا أمر واقع ومعلوم ولكنه غير مبرر لإطلاق السباب.. كان من الممكن إظهار حجج هذا الرفض ومن ثم ترك القضية بعد ذلك للقائمين على الأمر، ومن جانب آخر لدينا بحمد الله، علماء أكفاء قادرون بحمد الله، على بيان موقف الدين من تلك المطالبة ومن غيرها، وولاة أمرنا بحمد الله، يجلونهم ويستفتونهم في قضايانا المستجدة.
أما التحريض على مخالفة الأنظمة بحجة أن هذا الأمر غير محرم، فأمر لا يفهم ولا يمكن استيعابه، ومن وافق المحرض وسار معه وأيده يكون في خندقه ويتحمل وزره، فإثارة الفوضى ولي الذراع أمران مرفوضان جملة وتفصيلا وغير مقبولين.. ليس من أفراد المجتمع الواحد، بل حتى من أفراد الأسرة الواحدة تجاه بعضهم بعضا.. فكيف بالتحريض على مخالفة أنظمة الدولة.
ثم علينا كمؤسسات دولة أن نعاقب المتسبب والمشارك في إثارة الفوضى، وفي الوقت نفسه علينا أن نحجمه، فبعضهم مع الأسف ساعٍ للشهرة، وبعضهم يعتقد أنه على حق وهؤلاء بالإمكان استدعاؤهم والسماع منهم وإسماعهم لعلهم يقتنعون.
لقد كنت جزءا من حوار يتعلق بالكثير من القضايا الشبابية وكنت في جزء منها في صف المعارض، وقد لاحظت بعد نظر الشباب وقدرتهم الفذة على إظهار حجج قوية تدعم رأيهم، وكثيرا ما كانت آراؤهم تلجم لساني عن البيان.
وعلى أبنائنا المبتعثين الالتزام بعدم الخروج عن النظام والتقاليد العامة، فقد فارقونا للدراسة والتحصيل وأي تصرف مخالف يستوجب المحاسبة، وبحمد الله سبحانه، الكثير منهم مدعاة فخر لنا، ولكن الشواذ منهم -وهم قلة- يتصرفون تصرفات تعاب عليهم وعلينا، فينجرون وراء دعاوى باطلة تدغدغ مشاعرهم الزائفة، بدعوى أنهم الجيل الجديد القادر بعصيانه وخروجه عن القانون على فرض رؤية لا يتفق معها المجتمع وتتعارض مع أعرافه.. وهنا أهمس في آذانهم أننا كوطن، حريصون عليهم، فخورون بهم وواثقون بقدراتهم، فلا حاجة لهم للجري وراء أصوات خارجية تستخدمهم كأدوات سرعان ما تتركهم جانبا.
قد تكون هناك مشكلة يراد لها الحل، ولكن الحل لا يأتي مطلقا بلي الذراع ولا بالخروج على الأعراف والاستهانة بنظام البلاد، بل بطرح حلول تقبلها كافة الأطراف، فتكليف جهة وطنية مستقلة وحبذا لو كانت تتبع القطاع الخاص، تستعين بجهات عالمية ذات خبرة، تقوم بدراسة المشكلة وطرح حلول ممكنة التطبيق على أرض الواقع، آخذة بعين الاعتبار الأجواء الصحراوية وطبيعة المجتمع الإسلامي ومستعينة بتجارب دول تتفق معنا في تلك الخصائص. وليتنا نكلف القطاع الخاص بتنفيذها بشروط تراعي مصالح الناس

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط