اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/550.htm?print_it=1

إنه "حلف الفضول" السعودي

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


إذا تركنا من يمارس القهر على أبنائنا وبناتنا دون رادع، فالنتيجة التي يمكن أن نحصدها على المدى البعيد، هي شباب مهزوز ضعيف، فاقد الانتماء ضعيف الهوية، أو متمرد كاره حاقد معارض لذات المعارضة ليس إلا.

علينا أن نؤمن جميعا بضرورة الشفافية خاصة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، وفي العادة أنوه لطالباتي بحقوقهن وواجباتهن، فكما أن عليهن أداء واجباتهن عليهن حصول على حقوقهن، والغريب أن هناك من يعتقد أن المطالبة بمعرفة اللوائح المنظمة للحقوق والواجبات تطاول وقلة أدب، في حين لا يرى أن إخفاءه لهذه اللائحة وعدم تمكين الموظفين والطلاب والمعنين بها في أي قطاع حكومي أو خاص من الاطلاع عليها، مخالفة قانونية صريحة يستحق المحاسبة عليها، محاسبة أرى أنها قد تصل إلى إنزال العقوبة عليه، فالموظف المسؤول الذي نال ثقة القيادة أي كان مجالها، عليه إدراك أن المسؤولية كلما زادت المحاسبة، وأن المسؤولية تضعه تحت المجهر، وأن من تحت إدارته ومن له مصالح مرتبطة بها لهم الحق كل الحق بما أقره النظام من حقوق، كما له هو الحق بتنفيذ ومتابعة ما يقدمونه من واجبات تضمنتها اللوائح.

قانون الإيذاء الأخير الذي جاء حماية لكل من تعرض للإيذاء النفسي، قبل الجسدي، البعض خصه بالإيذاء الأسري، إلا أنه يتسع ليشمل أي إيذاء يقع على مواطن ولو من الجهات الرسمية، فهناك من يمارس الإيذاء النفسي ليل نهار، ويسفه بأبنائنا وبناتنا، سواء أكانوا طلابا في القطاع التعليمي العام والعالي، أم موظفين في القطاع العام والخاص، وبعضهم يقدم تنازلات مذلة خوفا من شخص طبيعي أو اعتباري.

إذا تركنا من يمارس القهر على أبنائنا وبناتنا دون رادع، فالنتيجة التي يمكن أن نحصدها على المدى البعيد، هي شباب مهزوز ضعيف، فاقد الانتماء ضعيف الهوية، أو متمرد كاره حاقد معارض لذات المعارضة ليس إلا .

قانون الإيذاء الجديد كان واضحا جدا في أنه ـ عندما أقر واعتمد من قبل مجلس الوزراء ـ كان شاملا لكل أنواع الإيذاء، فقد جاء في المادة الأولى منه تعريف كلمة الإيذاء فذكر أنه: "شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو التهديد به، يرتكب تجاه شخص آخر، متجاوزا بذلك حدود ما له من ولاية عليه أو سلطة أو مسؤولية أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية"، إذن الإيذاء المقصود لا يتعلق فقط بالإيذاء الأسري كما يظن البعض، فهذا القانون شامل لكافة أشكال الإيذاء ومهما كان مصدرها .

إن هذا القانون يسعد كل من يسعى لنشر الحق وهو عاجز، إذ إنه يحض كل معتدى عليه أو من شاهد اعتداء مورس أمامه على تقديم شكوى إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، أو الشرطة للبت في مضمونها، وإيقاف المعتدي عند حده، وبالطبع بالإمكان تقديم شكوى ضد أي معتد من هاتين الجهتين للمقام السامي، فلا حد لرفع الظلم في بلادي بإذن الله .

وإليكم ما جاء في المادة الثالثة من هذا النظام: "يجب على كل من سيطلع على حالة إيذاء الإبلاغ عنها فورا". هذه المادة تلزمنا جميع من اطلع على الإيذاء الإبلاغ عنه، سواء كان طرفا في الإيذاء أم لم يكن، أما المادة الخامسة، فقد ضمنت حماية المبلغ وهي كضمان لحق المبلغ في الحماية، إذ جاء فيها: "لا يجوز الإفصاح عن هوية المبلغ عن حالة إيذاء إلا برضاه، أو في حالات تحددها اللوائح التنفيذية.. ويلتزم موظفو الوزارة وكل من يطلع - بحكم عمله - على معلومات عن حالات الإيذاء، بالمحافظة على سرية ما يطلعون عليه من معلومات"، وهذا يعنى أن هذا النظام لا يمكن الجهات التنفيذية من تعريض المبلغ للضرر بإجباره على الإفصاح عن نفسه نتيجة إقدامه على التبليغ، كما يلزمهم بالحفاظ على سرية ما يطلعون عليه من معلومات عن المبلغ أو حالة الإيذاء، أما المادة السادسة فلم أر من قبل ما يماثلها في إنسانيتها ورفقها، فقد جاء فيها: "يعفى المبلغ حسن النية من المسؤولية إذا تبين أن الحالة التي بلغ عنها ليست حالة إيذاء وفقا لأحكام هذا النظام"، وهذا لا يعني التهاون في الإبلاغ بحجة أن المبلغ لن يحاسب على اتهاماته، بل لا بد هذه الحالة من الوقوف على حسن نية المبلغ، فالمبلغ سيئ النية لا بد من إنزال العقوبة الرادعة عليه، فقد طال بتبليغه سمعة الناس الأبرياء وأساء إليهم عن عمد .

وإعمالا للمادة الخامسة عشرة من النظام، على الجهات المعنية من: إعلام على اختلاف وسائله، ووزارتي التربية، والتعليم العالي، والقطاعات المدنية في المجتمع: "نشر التوعية بمفهوم الإيذاء وخطورته وآثاره السيئة على بناء شخصية الفرد واستقرار المجتمع وتماسكه".

وأخيرا؛ هذا النظام وجد لنصرة الملهوف الذي يقع عليه الظلم على يد من اعتقد أنه لا مجال لإيقاف لوجاهته أو سطوته أو قسوته، هذا النظام سيوقف الظلم بحوله سبحانه ثم بحرص القائمين على الأمر والمواطن وحتى المقيم. هذا النظام لو فعل سيسهم في تعديل مسار الكثيرين ممن كرهوا مجتمعهم ظنا منهم أنه لا يهتم بالضعفاء، أو من اعتقد أنه محصن لا يقع تحت دائرة المحاسبة ..

ألا يذكركم هذا النظام بحلف الفضول الذي تحالف وتعاقد من خلاله أهل قريش على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو من غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته، والذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت".. إنه حقا حلف الفضول السعودي .


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط