اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/561.htm?print_it=1

من تجاربي التربوية

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


علينا جميعا كعاملين في مجال التدريس، خاصة الجامعي، احترام الطالب، فإذا فعلنا، احترم نفسه، ثم احترم مكانه، واحترم بلده.. لنتحدث معه بأريحية فلا نحرمه من حقوقه، ولا نتهاون في المطالبة بواجباته.


سأتحدث معكم اليوم عن رحلة فشل ونجاح.. عن تجربة مررت بها في حياتي العملية لعلها تكون مفيدة للبعض؛ يعلم معظم العاملين في مجال التعليم الجامعي أن المحاضرة الأولى هي المحك والفاصل بين نجاح الأستاذ وفشله في مهامه.. كمعلم.. ومؤثر وموجه، وبالتالي كان اهتمامي ينصب في المقام الأول على ردة الفعل المتوقعة من طالباتي في محاضرتي الأولى.. كان لا بد أن أوضح قناعتي التامة أن الجامعة بما فيها وجدت بسببهن ولهن، وأن وجودنا كأعضاء وكإداريين من عدمه متوقف - بعد الله - على إقبالهن عليها.. كان لا بد أن أبين لهن أنهن الحاضر والمستقبل وأني وأمثالي الماضي القريب.. وأن أحلام الوطن متوقفة عليهن وعليهم كطلاب وعلى احترامهم لقدراتهم من جانب وعلى ثقتنا بهم كطلاب وطالبات من جانب آخر.

ثم تأتي المرحلة الثأنية وهي سرد سيرة موجزة أعرفهن بها على نفسي وتخصصي، ومن بعدها تأتي النقطة الأهم وهي الحقوق والواجبات.. حق الطالبة وواجباتها، وهنا أعلن أني لن أسمح بأي حال من الأحوال بانصراف طالبة تعلن عن حاجتها لدورة المياه، الطلب الذي أجده مهينا لكرامتها.. فطلب كهذا لا يفترض أن يعلن عنه.. وكيف بإعلانه أمام الملأ.. كان لا بد من إفهام الطالبة أن من حقها مغادرة القاعة، وما عليها لتفعل إلا رفع الإشارة برفع يدها ثم الانصراف، مؤكدة لها ثقتي التامة بأنها ستعود خلال دقائق.. كان لا بد من إفهام ابنتنا الجامعية أن إهانتها بحيث تضطر لطلب الإذن لدخول دورة المياه أمر مرفوض جملة وتفصيلا، واحتمال رفض الأستاذ لهذا الطلب أمر مقزز، لذا كان لا بد من إفهامها أنها لو فعلت وصرحت بهذا الطلب فالجواب سيكون الرفض، بل سأزيدها إحراجا برفضي لطلبها حتى تمتنع من تكراره بهذا الشكل المهين.

ثم قد تحتاج الطالبة الرد على جوالها لأمر عاجل، أو لعلها أرادت مغادرة القاعة لاستنشاق الهواء لدقائق.. ومن هنا أؤكد أنه ليس للمدرس التدخل في خصوصيات طلابه، وليس له الحق رفض أو قبول خروج الطالب من المحاضرة لدقائق.. أو حتى الاستفسار عن سبب خروجه...إلا في حالات استثنائية تتعلق بحالات خاصة لا يمكن اعتمادها كنظام.
ولأن محاضراتي طويلة نسبيا.. لذا أوضح للطالبة أنها تستطيع التحدث مع زميلتها عبر كلمات تسطرها ولها أن تستلم الرد.. ومن تجربتي الخاصة أقول إنها قلما انشغلت بالحديث مع زميلاتها.. ثم بما أن الساعة الأكاديمية (50) دقيقة كان لا بد من أخذ رأيهن عن وقت ابتداء المحاضرة وانتهائها.. هل يرغبن في أن تكون البداية مبكرة بعشر دقائق، أو الخروج مبكرة..

أما الجوال، فلا أفهم كيف يمكن لنا أن نتحكم فيه لذا أطلب منهن أن يغادرن القاعة إذا كانت المكالمة مهمة لا تحتمل التأجيل، فقد تكون هناك حالة طارئة لا تحتمل التأجيل، وقد يكون لديها أمّ أو أب أو طفل مريض يجعلها قلقة وخائفة طوال الوقت.

ثم لا بد أن أفَعل احترامي لطالباتي بإخبارهن أن من حقهن مغادرة القاعة لو تأخرت ربع ساعة عن الموعد المقرر في الجدول الرسمي، وذلك في حالة لم أتصل وأطلب منهن الانتظار، كما أعدهن بأني لا يمكن لي بأي حال أن أغيب دون إبلاغهن بذلك مسبقا إلا في حالات طارئة كمرض مفاجئ أو حادث.

وفي المقابل، أكون واضحة في بيان أن هذه الحقوق تقابلها واجبات هن ملزمات بأدائها كاملة، عليهن احترام أنفسهم من خلال احترامهن للمحاضرات ولواجباتهن.. وكما أن المدرس الملتزم بواجباته يفترض من طلابه المعاملة بالمثل.. فالمعلم يتطلع لالتزام الطالب وتفعيل احترامه لنفسه على الأرض بإيجابية تترك أثرا طيبا أينما توجه.
ومن خلال التجربة أستطيع إيضاح أن أجمل لحظات حياتي عندما أقبل على طالبات اللاتي عادة ما يكن جادات في التفاعل مع ما يطرح خلال المحاضرة وفي وتقديم معلومات قد تكون مغيبة عني..

وإن كان لا بد من الاعتراف أن الفصل الماضي كان أسوأ فصل مر عليّ منذ سنوات، فبسبب تكليفي بتطبيق سياسة تعليمية جديدة، كنت طوال الفصل مكبلة لا أتحرك إلا لتقييم ما أسمع وما أرى، كان حديثاً من طرف واحد.. خاليا من أي حماس من جانبي.. أما في الفصل الحالي فقد عمدت لمزج الطريقة القديمة بالحديثة وهي النصيحة التي وصلتني من ابن لي، فبعد أن عرضت عليه معاناتي خلال الفصل الأول من هذا العام، بادر مشكورا بشرح "تكنيك" خاص يستخدم في شركة (أرامكو) يحقق الغرض من مشاركة الطالب في العملية التعليمية، ولا تلغي الدور المهم للمدرس.. فجزاه الله خيرا.. لقد مر على بداية الفصل الحالي قرابة الشهر وأنا أشعر عندما أكون وسط طالباتي أني في مقتبل العمر.. سعيدة بإقبالي عليهن حزينة لمغادرتي قاعة الدرس... فلا أدري هل "التكنيك" الجديد الذي طبقت هو السبب؟ أم تميز طالباتي؟ أم الاثنين معا؟.. فالحمد لله في الأول وفي الآخر.

الحقيقة أني منذ طفولتي كنت أرفض الاستهانة بي، كنت لا أقبل أن أعامل بفوقيه وهي التي تصدر من القلة القليلة من المدرسات.. وكنت دوما ألجأ إلى الوالد ـ رحمه الله ـ شاكية باكية من تعامل بعض المدرسات وكما كنت أنقل له سعادتي بابتسامة بعضهن.
وبما أن خبرتي في هذا المجال كبيرة، كوني تنقلت في طفولتي للدراسة في عدة دول كمصر ولبنان ثم في جدة ثم بريطانيا ثم استقر الأمر بي في وطني المملكة العربية السعودية بحمد الله، وفيه أكملت دراستي الجامعية والعليا.. ومن خلال تلك الرحلة الطويلة مر بي عدد لا يستهان به من المدرسين، ومن خلالها أدركت الكثير من الصفات التي تجمعهم والكثير التي تفرقهم.. ولأني كنت دوما معتدة بنفسي كنت أنتظر معاملة خاصة ممن حولي، سواء زميلات أو مدرسات، ولذا أصبحت رسالتي مع الأيام ومع ممارستي التدريس لعقود واضحة لا تتغير أحاول نشرها وتعميمها على يمن حولي.. إذ علينا جميعا كعاملين في مجال التدريس، خاصة الجامعي منه احترام الطالب، فإذا فعلنا، احترم نفسه، ثم احترم مكانه، واحترم بلده.. لنتحدث معه بأريحية فلا نحرمه من حقوقه، ولا نتهاون بالمطالبة بواجباته، للنظر إليه على أنه هو محرك المستقبل وأن أمننا ورقينا بعد الله بيده، لنعلن عن ذلك ونجعلها قاعدة أساسية في التعليم،.. لنفعل ذلك بلا تردد، وسيحصد الوطن بإذن الله في النهاية على جيل قوي واثق من نفسه متمسك بالتزاماته يحاسب نفسه قبل أن يحاسب.

وليت صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم، يبادر باعتماد رمز للتعليم تتحرك من خلاله الوزارة على اختلاف مراحلها التعليمية، ليتنا نجد عبارات قصيرة معلقة على جوانب الطرقات السريعة وعند الإشارات تذكرنا بأهمية الطالب بالنسبة للوطن.. وليت وزارة التعليم العالي تكون عنصرا مشاركا وأساسيا في هذه العملية.. وليت رجال الأعمال يكون لهم دور في دعم هذه الحملة الوطنية التي بحول الله ستترك أثرا إيجابيا على أبنائنا ووطننا على المدى القريب والبعيد.


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط