اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/652.htm?print_it=1

احترم تحترم

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


علينا ترويج مفهوم أن لكل منا حقا يقابله واجب، فالمعلم له حق الاحترام والتقدير من الطلبة، وللطلاب حق الاحترام والتشجيع من المعلم .


"احترم تحترم"، ديباجة بسيطة التركيب إلا أنها عند بعض الناس وكما يبدو صعبة التطبيق، لقد أصبح التطاول بين كافة الأطراف السمة الغالبة عند البعض، فالكبير يغره مقامه فيتجاوز حدود اللياقة الأدبية، والصغير يغره شبابه فيرفض الحدود الأخلاقية ظنا منه أنه بذلك أظهر فتونته، في حين أن الفتونة في الأصل معناها ليست كما يشاع اليوم، فهي في الأصل ليست صفة للخارج عن القانون أو لرجل العصابات، فقد كانت تلحق بالرجل الشهم الشجاع العادل الفارس، وكانت صفة تلتصق بكبير القوم الذي سخر نفسه لنجدة الضعفاء وإرجاع الحق إلى المغلوبين على أمرهم.

لقد تحول حال الإنسان وحال مفاهيمه عند كثيرين، فالطيبة أصبحت دلالة على ضعف صاحبها، والصدق على قلة دهائه، والخداع ذكاء منقطع النظير.. خاصة لو انتهى إلى فائدة معنوية كانت أو عينية، لقد رأيت من تنفعل عندما وصفت بطيبة القلب.. وتنفرج أساريرها عند سماعها أن الناس تخشاها، خاصة العاملين أو المتعاملين معها.

إن تعامل الموظف مهما كانت وظيفته بفوقية وغلظة يجني عليه الندامة عاجلا أم آجلا، فليس هناك من هو دائم على حاله، لا تقولوا لي إن هذا الكائن لا يهتم بالمطلق بمن حوله، فاللامبالاة بأنفاس من معه حالة نفسية مؤقتة، تستمر ما دام واقفا على القمة بحيث لا يرى موقع قدميه، ومن هنا عليه تدارك الأمر فلا يدري لعل الأيام تسقط برأسه إلى السفح، عندها سيلتفت يمنة ويسرة لعله يجد من يمد إليه يد المساعدة، فلا يرى حوله إلا وجوه مظلمة.

هل بإمكان الفرد إن أراد أن يغير من طباعه؟ أنا أؤمن يقينا أنه قادر لو توكل على الحي القيوم مؤمنا أنه بحاجة إلى تعديل مساره، لكن الصعوبة تنبع من تغير نظرة الناس وإقناعهم بأنه تغير، وهذا يتطلب منه كثيرا من المثابرة والصبر، وقد يواجه في طريقه للتغير بكثير من الإحباط، فمن الصعب تغير فكرة ترسخت عند أحدهم من خلال موقف معين، وقد يجد من يشكك في نواياه، لكن لو رجع إلى نظرته لنفسه وتصالحه معها لأدرك أن هذه المرحلة الصعبة تستحق المعاناة.

نحن نرى أن حياة المسلم الجديد قد تتغير بالكامل وقد يواجه في ذلك صعوبات أسرية واجتماعية تهون في سبيل إيمانه، فالتغير بالمجمل إذا كان في سبيل الحق ممكن مهما كانت الصعوبات، فإن احترام الإنسان لذاتية الإنسان إذا تحقق يضمن لصاحبه حياة مفعمة بالخير، ومع أنه من المحال أن تكسب حب الجميع، لكن إن كسبت احترام الأكثرية ستشعر بالرضا النفسي، وبالتالي ستستطيع نثر النجاح من حولك ولو المعنوي، وهذا سيشبعك روحيا.

إحداهن كتبت لي تشتكي من قلة احترام خصوصيتها وهي الطالبة الجامعية، فهي غير قادرة على مغادرة قاعة الدرس دون تقديم مبررات تحظى بموافقة المراقبة أو الأستاذة، فقد تضطر لبيان الجهة التي تنوي التوجه إليها لو أصابها تلبك معوي، ومن المحتمل زيادة إحراجها برفض مبطن بسخرية، كأن يقال لها وبصوت مسموع: ولماذا لم تتوجهي إلى.... في الاستراحة السابقة.. ولتنكمش الطالبة حرجا..!

أتساءل هنا بأي حق نمتهن طلابنا ونحرجهم ونقلل من احترامنا لهم.. يظهر أن بعضنا تناسى أننا قد نكون في نهاية الطريق، وأن من نقف أمامه اليوم بتعالٍ.. لم يبدأ حياته بعد، وأنه من المحتمل أن نتحسر في مستقبل حياتنا على تعاملنا السيئ مع شباب تحولوا بسبب غلظتنا وقلة احترامنا لهم، إلى أشخاص أكثر فظاظة منا، وقد يميلون إلى العنف كردة فعل طبيعية لفترة حساسة من حياتهم مورست عليهم أشكال من قلة الاحترام وقلة التقدير.
هناك من يجهل وجود قنوات يتوجب عليها استقبال شكاوى المواطنين والمقيمين، ويفترض أن تكون موجودة في كل مؤسساتنا، فمنذ سنوات أعلن مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله عثمان آنذاك عن إطلاق "وحدة حماية الحقوق الطلابية"، موضحا أنه "سيعمل في الوحدة سبعة محامين للدفاع عن حقوق الطلاب ومحامية واحدة للطالبات، وستتلقى هذه الإدارة شكاوى الطلاب والطالبات ضد مدير الجامعة أو وكلائها أو عمدائها أو أعضاء هيئة التدريس، وفق اللائحة المنظمة لذلك"، وإن كنت لا أدري حال هذه الوحدة الآن وإن كنت أتمنى بقاءها واستمراريتها.

علينا ترويج مفهوم أن لكل منا حقا يقابله واجب، فالمعلم له حق الاحترام والتقدير من الطلبة، وللطلاب حق الاحترام والتشجيع من المعلم، كما على المجتمع عدم التهاون في إيصال حق أيٍّ منهم، كما أن للمدير حق الاحترام وللموظفين كذلك.. وهكذا دواليك في كل مؤسساتنا العامة والخاصة.
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط