اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/omima/79.htm?print_it=1

ليلة ترقبتها على خجل!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
فكان واجباً يفترضه الوضع الراهن، أن أوجه سؤالاً هاماً للجمع الخير من نساء بلادي، ( هل نتحمل نحن كنساء هذا الوطن جزءاً من أسباب تمكين هذا التغرير في نفوس القلة القليلة من أبنائنا؟

كانت ليلة ترقبتها على خجل، يماثل خجل البكر في خدرها، الليلة تم اختياري لأكون فيها المتحدثة الضيفة لجائزة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود للتفوق العلمي.. لهذا العام، فقد كان يفترض _ وكما أظن _ أن تكون مكاني من أحسبها أفضل مني خلقاً وعلماً، ولكن الله يبتلي عباده بالسراء كما يبتليهم بالضراء، وإن كانت الضراء تقربني من الله وتلصقني بكتابه، فآمل أن أكون شاكرة حامدة لعظيم فضله سبحانه..
ولأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله.. كان لا بد أن أتحدث وأشكر كل من يمت لهذه الجائزة بصلة، ابتداء بصاحب فكرة هذا التكريم، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز، فكرة بدايتها كانت بسيطة.. بدأت ببذرة خيرة، زرعت بأرض خصبة، ولتطرح لنا كماً من عناقيد التفوق كل عام، فكرة نحمد المولى سبحانه أنها طبقت وبنفس الرونق في بقية مناطق المملكة، ولأنتهي بشكر للطالبة المتفوقة التي كانت كالبدر في ضيائها، حفظها الله لنا ونفع بها، أنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولكني احترت لمن أوجه حديثي في تلك الليلة ابتداء، فانتهى الأمر بي لوجوب - وبعد شكر الله على دينه الذي كفل للمرأة كما للرجل حق التعلم - شكر الوطن الذي سخر لهذه الغاية كل ما يمكن من الإمكانيات المادية والمعنوية، مدركاً بفعله هذا ما للدعم المعنوي من أهمية، دعم قد يكون له أكبر الأثر في دفع الهمم وتدعيم الثقة في نفوس أبنائنا وبناتنا.

ولأني كنت على يقين أن من حضرن هذه الجائزة يأملن أن أخاطب كل من له علاقة بالعملية التعليمية..كان لا بد أن أقول: (إن كان من الإجحاف ألا نعترف بفضل آبائنا وبناتنا،فمن الإجحاف ألا نعترف بفضل الوطن وعظيم امتنانه الوطن الذي قدم لنا الكثير، وما زلنا على حالنا نتطلع لمزيد من عطائه وتفانيه..) كان لا بد لي أيضاً من أن أستحث النفوس الحاضرة لمشاركتي الدعاء، ولهذا بادرتهن بالقول: (حفظ المولى سبحانه الآباء والأمهات، وبارك في جهودهم الطيبة، وأثلج قلوبهم ببر ونجاح أبنائهم، وحفظ بعظيم فضله بلادنا المملكة العربية السعودية، بدينها، ثم ولاة أمرها، وسدد خطاهم لما فيه خير البلاد والعباد، وأعاننا بهداه على الإخلاص والعمل، ووحد صفوفنا في السر والعلن..).

أما ابنتي المتفوقة التي قدر الله لي أن أكون ضمن من كرم بتعليم أمثالها، فقد كان لها ولأمها من تدليلي تلك الليلة نصيب الأسد، ويحق لهما ذلك،فلا أحلى ولا أروع من أن تشاهد الأم ابنتها المتفوقة وقد حشد لها جمع خير، تكريما وإجلالا واعترافا بالتميز، الأم التي هي في نظري عروس تلك الليلة،أما ابنتنا المتفوقة.. فقد كنت أدرك ما يعتري فؤادها من مشاعر جياشة، لم تحتوها قاعة الاحتفال على اتساعها، كنت أدرك سعادتها التي يصعب وصفها بالكلمات، كنت أدرك معنى ابتسامة أمها ومعلماتها، كنت أدرك كل ذلك، فللتفوق طعم لا يدركه إلا العاشق الساعي له، فبوركت، وبورك لنا بها، وبحماسها لتزداد رفعة وشموخاً آمل من الله أن تدرك عظم الأمانة المناطة بها، آمل أن تؤدي حقها على أكمل وجه بإذن الله. (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير)..
كنت أتمنى في تلك اللحظات وأنا أقف أخاطب ذلك الجمع الكريم، أن يكون ذلك اليوم غير اليوم، ولكن ما حيلتي أمام محنة جدت علينا، محنة أراد لها أصحابها أن تقع فينا موضع الألم.. محنة وجهت مخالبها لبلاد الحرمين الشريفين.. لأرضنا وخصائصنا الذاتية.. الدينية منها والوطنية، محنة أرادت تفريق جمعنا وإضعاف التحامنا، فعمدت إلى برمجة عقول بعض أبنائنا والتغرير بهم، ولينتهي الأمر بهم للقتل.. لقتل أبنائنا فلذات أكبادنا، لقتل الآمنين المستأمنين..‍‍‍‍

فكان واجباً يفترضه الوضع الراهن، أن أوجه سؤالاً هاماً للجمع الخير من نساء بلادي، لنساء خيرات جئن للمشاركة في هذا الحفل، لنساء نلن من الوطن الكثير من الثقة والرعاية والدعم، كان لا بد أن أوجه لهن السؤال التالي: (هل نتحمل نحن كنساء هذا الوطن جزءاً من أسباب تمكين هذا التغرير في نفوس القلة القليلة من أبنائنا)؟
وكان لا بد لي أيضا أن أحدث نفسي بالإجابة، لأعلن بذلك تقصيري، كغيري من بنات هذا الوطن المعطاء، فقلت: (أعتقد أنه من الشجاعة أن نعترف أننا كنا ولو بشكل غير مباشر أحد العناصر التي فسحت المجال لتمكين هذا الضلال.

أما إذا رفضنا الاعتراف بإهمالنا لبعض واجباتنا، الواجبات التي أنيطت بنا كنساء فاعلات كل من موقع مسؤوليته، الأم في بيتها.. والمعلمة في مدرستها.. بل حتى الطالبة مع زميلاتها.. (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فخسارتنا ستكون أجل وأعظم، فالواجب يحتم علينا على سبيل المثال لا الحصر، متابعة معطيات أبنائنا الفكرية.. والمستجدات التي قد تطرأ عليهم.. لعلنا نسعفهم بالوقاية، قبل فوات الأوان.. ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..)

لقد كانت ليلة كرمت فيها، كما كرمت بناتي المتفوقات، وذلك من خلال اختياري لأن أكون المتحدثة الضيفة، ليلة كنت أظن أنها ستبدأ بالفرح لتنتهي بالفرح، كان يفترض أن يكون هذا حالها،لولا الكلمة التي أهدتنا إياها صاحبة السمو الأميرة عبير بنت فيصل بن تركي آل سعود، ولولا تلك الدموع التي خرجت من مقلتيها، وهي تودعنا وداع المحب لحبيبه، قبيل انتقالها لمقر عمل زوجها صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، سفير البلاد في أرض الأندلس، وبعد تفانيها في خدمة المنطقة الشرقية لأكثر من عقد من الزمان، حفظها الله وسدد خطاها على طاعته، وأعانها على خدمة دينه ثم الوطن،أينما ذهبت وأينما حلت.. وجزاها الله عن المنطقة الشرقية خير الجزاء.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط