اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/roqea/15.htm?print_it=1

فوق المجهـر

د. رقية بنت محمد المحارب


حينما يعيش المجتمع آمناً في دينه قوياً في أخذه والدفاع عنه؛ تعيش الطفيليات في هامشه تتوارى خوفاً وخجلاً.. ولكن حينما تعصف به رياح البلاء والفتنة، تهيج تلك الطفيليات المتوارية وتنتفخ وتطيش وتظهر على السطح.. وتكون قذى للعيون تصيب الناظر إلى البحر بالاشمئزاز.. ثمَّ لا تلبث أن تعود إلى أصلها بعد أن تعود المياه إلى مجاريها، ولكن كثيراً منها يلفظه البحر الهائج.. وتكون عاقبته إلى زوال.

إثر الهجمة التي تمارسها الولايات المتحدة على الإسلام فكرياً وسياسياً، لم نعد نحتاج إلى المجهر، ولا إلى قراءة ما بين السطور لنميِّز تلك الفئة المتربصة والمنتفعة التي ليس لها قيم ولا مباديء، بل أصبحت ظاهرة للعيون.. منتفشة آمنة تعلن عن خبايا صدورها دون حياء..

هذا الصنف من الناس حذا حذوين، أحدهما تقمَّص شخصية الناصح الأمين لعالمه الإسلامي، فهو لا يفتأ يكيل المواعظ له ليركن إلى الجانب الأقوى من الحلبة، ويلين للهيمنة الغربية ويبعد عنه وساوس الثقافة الماضية.. ويصوِّر الذكاء بأنه الأكل من مأدبة الأقوياء، ولو كانت مأدبة ظلم وفجور.. فتارة ينصح سوريا بترك الوقوف إلى الجانب الفلسطيني حفاظاً على مصالحها.. وتارة ينصح أهل العراق، بل ودول المنطقة أن يمنحوا فرصة للأمريكان ليعملوا تجربتهم على أرض العرب، فيحيوها بالديمقراطية بعد أن كانت يباباً.. ويسميها تجربة.. ويحلم بأن تتبعها دول الجوار لتكون تحت الاحتلال العسكري الأمريكي..

وتارة يطالب بإيقاف القنوات الفضائية من نقل أخبار المقاومة التي تكبد العدو والخونة كل يوم خسائر تجعلهم يفكرون بالعودة من حيث جاؤوا.
وتارة ينتقد كلمة أبرز رؤساء العالم الإسلامي وأكثرهم جرأة ونجاحاً؛ لأنه جرح مشاعر أسياده من اليهود!!
وفي قلب للموازين يسمى المدافعين عن أنفسهم مردة وثوار ومتطرفين وإرهابيين.. حتى يتملكك العجب وأنت تقرأ مثل هذا الإرجاف.. فإلى أي مدى وصل النفاق.. ولمَ هذا الانحياز ولمصلحة من تلك المواقف؟!

وعلى الطرف الآخر ضاق صنف من أهل الشهوات بالتكاليف الشرعية ولم يستطيعوا الانعتاق منها كلياً، فدأبوا على نقدها والاستخفاف والسخرية منها، ولم يستطيعوا أن يعلنوا ذلك بصريح العبارة، فلجأوا إلى الهمز واللمز.. وكلا الفريقين يصدق عليهم وصف المنافقين الذين كشفهم القرآن وفضحهم {ولتعرفنَّهم من لحن القول}..

وحيث المؤمن في شهر الخير رمضان، شهر القرآن، يتلو آيات الله ويسمعها كلها، لا يملك وهو يتدبَّر واقع هؤلاء وواقع إخوانهم من المنافقين في عصر النبوة، إلا أن يقول: سبحان الله، وجهان لعملة واحدة. ولعل القارئ الكريم يقرأ هذه الآيات ويتأمل الصنف الأول صاحب الأوراق الخضراء، والصنف الثاني الذي طاش عقله وقلبه..
يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُم}.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.

وهؤلاء إذا قيل لهم لمَ هذا الإفساد والدعوة إلى نبذ دينكم وتقليد عدوكم والعيش في كنفه والتبعية له؟! ولم تدعون إلى الفاحشة وتأمرون بالتمرد على أوامر الله؟! قالوا بل نحن نصلح ونريد معالجة مجتمعنا. يقول تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.

وإذا عرفت ـ أخي وأختي القارئة ـ هؤلاء، فالموقف منهم واضح جلته سورة الأنفال الفاضحة، التي بينت عوار المنافقين، أدع لك في هذا الشهر قراءتها وتأملها، عسى أن تكون من الفائزين المفلحين.

المصدر : لها أون لاين
 

د.رقيه المحارب
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط