اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/roqea/32.htm?print_it=1

أبذر فكرة

د. رقية بنت محمد المحارب


يقال بأن الذي يتبنى فكرة ينجز عملاً، والذي ينجز عملاً بعد عمل تتكون لدية عادة، والذي تتكون لدية جملة من العادات تتبلور له شخصية محددة تكون مصدراً للرضا النفسي أو عدمه بحسب العادات التي اكتسبها. وهذا الكلام صحيح، فالإنسان في الواقع حصيلة لعادات تجذرت كونت شخصيته التي يعرفه من خلالها الناس.

وهذه المعرفة بمراحل تكون الشخصية تورث لدينا حساً بالأهمية البالغة للتصرفات اليومية التي نمارسها سواء كانت أقوالاً أم أفعالاً ولا فرق بين أن تكون في السر أو العلن. والذي يفكر جيداً عند الإقدام على أي عمل- مهما كان -بالتأثير التراكمي له نستطيع أن نقول أنه قد بدأ مشوار تكوين الشخصية المتميزة المبدعة، ولحظة شعوره بهذا الإحساس ينمو لديه شعور لا إرادي وفطري بتنميته والمحافظة عليه، وتزداد الحساسية كلما ازداد شعوراً بهذا التميز..لكن تداخل هذا الإحساس مع الغرور والإعجاب من شأنه أن يدمر هذه الشخصية ويعرضها للذوبان والإنطفاء. والنقطة الأخيرة هي ما يسمى بالمحاسبة، فهي في نهاية اليوم البوصلة التي تحكم الإتجاه، وهي التي تسدد وجهة العادات وتصقلها لتساهم في الوصول للنتيجة النهائية.

وثمة مسألة مهمة هنا فيما يتعلق بالاستمرارية في الأعمال حتى تستحيل عادة تكون جزءاً من الشخصية، فالأعمال العظيمة المنقطعة لا يكون لها من الأثر ما يكون للأعمال الصغيرة التي تتصف بالديمومة، فقرآءة صفحة يومياً مثلاً أكثر فعالية من قرآءة آلاف الصفحات لمرة واحدة، والتعامل الراقي المنقطع لا يؤثر في النفس ما تؤثر ابتسامة مرتسمة على المحيا على الدوام..والحاصل أن الممارسات المتكررة وإن كانت بلاوعي تشكل في اللاشعور فكراً ونفسيةً ذات طابع مخصوص، بل إن هذه الممارسات تؤثر على البنية الفيزيائية للجسم وهذا شئ مقرر في الطب..

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو: كيف نجعل من الشخصية المكتسبة مصدراً للسعادة النفسية، ومالوسيلة لجعل النفس تشعر بالرضا؟ولعل الجواب يعود بنا إلى الكلام عن البئية الثقافية والأفكار المؤسسة لهذه الشخصية المكتسبة، وعما إذا كانت تحمل مقومات إمداد الروح والنفس بالمطلوب أم أنها في الواقع تزيد من عناء الإنسان وشقائه. وهذا أمر عميق يحتاج فيما يحتاج إلى فهم طبيعة النفس وعلم بالأفكار التي تنسجم معها. فالانسان الذي لا يفهم ضرورة احداث التوازن بين حاجات الروح والبدن لا يستطيع أن يكتسب شخصية مستقرة؛ فالروح يحتاج إلى غذاء كما أن البدن يفتقر إلى العناية. فالانسان الذي يعتنق فكراً يلغي حاجة البدن هو أكثر الناس عرضة للإصابة بمختلف الأمراض النفسية والعصبية، كما أن ذلك الذي يتبنى مسلكاً يتناقض و متطلبات روحه يكون عرضة أيضاَ للإصابة بأمراض نفسية ولكن من نوع آخر. وعليه فإن ارتكاب المعصية يساهم في خلخلة التوازن المطلوب، وهي وإن كانت تمنح الجوارح متعة آنية لكنها بالنظر إلى المحصلة تكون شخصية قلقة خائفة فاقدة لذاتها، لاهثة وراء سراب الخلوص من المأزق الذي تسببت في الوقوع فيه.


المصدر : لها أون لاين
 

د.رقيه المحارب
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط