صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خاطرة ام مطلقة

أ.سحر عبد القادر اللبان


الدنيا اتعبتني كثيرا ، سرقت من صحتي وشبابي الكثير الكثير، لم تضحك لي يوما الا هنيهات وابكتني بسببها اشهر وسنوات، بين احشائي قلب ينبض بالحب والحنان ، يشتاق الى كل من احببت ،اولادي، اهلي، صديقاتي وجيراني..إلى وطني وكل من فيه..إلى ترابه وبحره، إلى سهوله وجباله..
شرّدت في هذه الدنيا وحاربت وحوربت، كثيرا ما كنت ألمح في عيون الذئاب الطمع ، فكنت أخاف وألتجئ الى الله تعالى كي يحميني منهم، وانزويت عن الناس في احضان غرفتي الصغيرة التي صارت ملاذي في هذه الدنيا، فرغم برودة جدرانها، وقدم أثاثها فقد كانت تعني لي الكثير، فهي الغرفة الوحيدة التي كانت لي، بعد أن فقدت كل شيء، فقدت البيت والعائلة، ثم فقدت الوطن.
غرفتي كانت ملاذي، فكنت أصرف كل وقتي فيها، أخاف أن أتركها كيلا أفقدها هي الأخرى.
الذكريات كانت تطاردني في أغلب الأوقات، تقتحم علي باب الغرفة المقفل بإحكام، ترفض الابتعاد، وكلما توسلت إليها أن تتركني وشأني تصر على البقاء، وعلى القدوم دون استئذان. وإذا أذعنت مرة لطلباتي ورجائي كانت عيون والدي ونظراته تعيد إلي الماضي، فأنا كنت كلما زرت أهلي في المدينة البعيدة التي يعيشون فيها كنت ألمح في عيني والدي نظرات عتاب وحزن ، وكنت كلما وضعت رأسي على الوسادة قرب امي اسمع منها كلمات التأنيب وكأنني انا الظالمة ولست المظلومة،وكنت كلما اجتمعت مع اخواتي اشعر منهن بنظرات الحزن والشفقة لانهن جميعا مع رجالهن واولادهن وانا لوحدي، حتى أصبحت اتجنب هكذا اجتماعات، ولو اضطررت اليها كنت اسرع في الانتهاء منها لأعود بعدها الى غرفتي ملاذي الوحيد.
اتصالاتي باولادي باتت يومية ، ولاجلها كنت ادفع ربع مرتبي، وكلما اتصلت بهم كنت اشعر انني ما عدت بحياتهم ،فانا صرت بنظرهم مجرد صوت يأتيهم كل مساء لربع ساعة أو أقل يزعجهم لأنه يأخذهم من اعمالهم ، حتى طفلي الصغير بات يتكلم معي بسرعة وكلمات لا تتغير يوميا :كيفك ماما ، انا بحبك ، يالله بدك شي؟
ولو اردت الاستفسار عن دراسته او عن صحته يقول انه مشغول بلعبة على الكمبيوتر او بفلم كرتوني او ما شابه .
وكنت كلما تكلمت مع ابنتي كانت تتكلم معي بهدوء مخيف ،تسلم علي وتسكت حتى أسألها انا وانتزع الرد منها انتزاعا فاشعر بتضجرها من اسئلتي ولهفتي ولا تروي ظمئي بمعرفة اخبارها ،صارت ابعد ما تكون عني فهي في عالمها الخاص الذي أوجدته أو وجدت نفسها به بعد تركي البيت والبلد والابتعاد عنهم.
تلومني لأنني تركتهم، وهي بابتعادها عني تعاقبني على ذنب أجبرت عليه فتزيد من آلامي ومن مرارة ما أعانيه.
ولدي البكر هو الوحيد الذي كنت اشعر معه بالسكينة، يكلمني بهدوء ويحاول طمأنتي عن احوال أخته وأخيه ويشرح لي عن دراسته وسيرها.
كنت أشعر أنه يحس بمعاناتي، وبوضعي المؤلم، وكنت أشعر بمحاولاته التخفيف عني بكلام كان يزيدني شوقا وألما.
قلت لهم مرة انا اشعر بالتعب هنا واريد العودة ، ما عدت أستطيع تحمل البعد والقهر، أنا حملت أكثر مما أستطيع، مكاني بالقرب منكم، ما عدت أريد من هذه الدنيا إلا أن أكون معكم، أراكم ولو هنيهات في الأسبوع أو الشهر، يكفيني أنني أتنفس الهواء الذي تتنفسونه، وأدوس الأرض التي تقفون عليها، لكن ردهم حينها كان كالصاعقة لي وقد كان الرد موحدا : لاااااااااااااااااااااا، لا تفعلي ، كيف ستعيشين هنا ومن سيصرف عليك؟
ردهم في أول الأمر صعقني، لكنهم على حق، علي ألا أدع عواطفي تتحكم بي ثانية، أنا تركت الوطن لهذا السبب، فكيف أعود والسبب مازال لم يتغير.
علي السكوت والصبر، والبقاء في الغرفة.
آه يا غرفتي، أنت التي لم تلفظيني يوما، تتحملين آهاتي وبكائي اليومي، لك مني يا غرفتي كل امتنان وحب.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سحر لبّان
  • مقالات
  • قصص
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط