اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/daeyat/sara/48.htm?print_it=1

بين الفتور والملل ...وبين الإقبال والأمل..

سارة بنت محمد حسن


يتشكى الإنسان من الغفلة والفتور وطول الأمل فهذه مقتطفات عن هذه الآفات تضيء لنا الطريق قليلا..قد صغتها باختصار وإلا فالحديث عنها يحتاج إلى ملئ أسفار فنبدأ بحمد الله العظيم والصلاة والسلام على الرسول الكريم..
إن داء الغفلة هو ذهول القلب عن ذكر الله تعالى سواء بالقلب أو اللسان أو الجوارح وضده اليقظة التي يصفها ابن القيم في مدارج السالكين:"فأول منازل العبودية اليقظة وهي انزعاج القلب لروعة الإنتباه من رقدة الغافلين ولله ما أنفع هذه الروعة وما أعظم قدرها وخطرها وما أشد إعانتها على السلوك فمن أحس بها فقد أحس والله بالفلاح وإلا فهو في سكرات الغفلة فإذا انتبه شمر لله بهمته إلى السفر إلى منازله الأولى وأوطانه التي سبي منها".

فإذا وجدنا إنسانا يجد السعي في سبيل الخير ابتغاء مرضاة الله ورغبة فيما عنده فهو متيقظ، والآخر الذي يعيش في اللهو والضياع غافلا عن طاعة الله وعبادته والتقرب له، منغمسا في قضاء أوطاره وشهواته، دون أن يحدد هدفه من هذه الحياة فهو الغافل.

وإذا كان الإسلام أباح للمؤمن التمتع بما أحل الله له من الدنيا فلابد أن ننتبه إلى كون هذه المتع إنما هي وسيلة للآخرة وعونا لنا في الطريق وليست هي الغاية ولا المراد قال تعالى:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" .

أما داء طول الأمل فهو غفلة المرء عن الموت والبعث والنشور، فيعيش في الدنيا كأنه خلق للدنيا فلا يعجل بنفسه إلى الطاعة بل تجده عند الطاعات شأنه التأني والتسويف زاعما الحكمة والرزانة وتالله إن هي إلا الخفة والحماقة . وأما شأنه في الملذات العجلة والإقبال زاعما اغتنام الفرص فإن الدنيا تؤخذ غلابا، وما أجمل قول ابن القيم في الفوائد: " كم جاء الثواب يسعى إليك فرده بواب سوف ولعل وعسى" .

فكم يترك المرء من الطاعات من واجبات ونوافل مؤجلة معلقة لأنه لا يشعر بدنو أجله بل الحياة أمامه ممتدة جميلة خضرة لن تنتهي. نسأل الله العفو والعافية والسلامة

 أما قليل الأمل فهو الذي يصبح ويمسي في طاعة الله خشية أن يباغته الموت وهو على غير الطاعة، صمته وحديثه طاعة، بسمته وتقطب حاجبيه عبادة قد جمع همه في الآخرة فجمع الله عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة.

فهذا يتعجل من الطاعات ويكثر ومهما زاد فهو قليل نقربه لعظيم .

ويتقلل من الدنيا ويؤجلها غير متشرف لها ولا متعجل فيها،  وهذا الشعور هو الزهد السني النابع من داخله، لأنه يُعمل فكره فيرى حقارة الدنيا وشرف الجنة، فيضن بوقته وجهده في تحصيل الحقير ويجود بوقته في تحصيل الخير الوفير.
وخير مثال لهذا قصة هذا الصحابي الجليل عمير بن الحمام، في غزوة بدر وقد دنا المشركون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ) قال الراوي: يقول عمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله ، جنة عرضها السماوات والأرض ؟ قال ( نعم ) قال : بخ بخ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما يحملك على قولك بخ بخ ) قال : لا . والله  يا رسول الله  إلا رجاءة أن أكون من أهلها . قال ( فإنك من أهلها ) فأخرج تمرات من قرنه . فجعل يأكل منهن . ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة . قال فرمى بما كان معه من التمر . ثم قاتل حتى قتل. رواه مسلم

 فرضي الله عنهم أجمعين.
أما  الملل فهو الفتور الذي يعترينا لقلة همتنا فنمل الطاعة ولا نشعر لها حلاوة في أجوافنا ، ولا نجد لها اللذة التي تعد حافزا للاستمرار وما هذا إلا لضعف عمل القلب أثناء العمل وغفلتنا عن استحضار النوايا الطيبة وغفلتنا عن تعلق القلب بالله تعالى قبل وأثناء العمل.

وكل هذه الأمراض لها العديد من الأدوية فيتخير المرء ما يستطيع منها وما ينشط له ويعتبره  عملا إضافيا مع ما يمارسه من طاعات، وفي كلٍ خير.
فيبدأ بالتدرب والاستمرار على الطاعة ومجاهدة النفس مهما شقت عليه ،قال تعالى :" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" سورة العنكبوت ، وهذا يعد من الأساسيات.
 
ثم مطالعة قصص الأنبياء والسلف الصالح من الصحابة والعلماء والوقوف على همتهم وعلو شأنهم وثباتهم.
كذلك طلب العلم من أهم ما يتوصل به إلى مجاهدة النفس فيستمع المرء إلى المحاضرات التي تتناول طرق زيادة الإيمان وأعمال القلوب من رضا وصبر ومحبة وإنابة وتوبة وخشية، أوالتي تتناول شرح أسماء الله تعالى فيعرف العبد نفسه وقدرها وقدر مولاه وسيده وربه
ويعتني بالقراءة في كتب التفسير المبسطة كتفسير السعدي وكذلك إدمان النظر في كتب ابن القيم
ومع ذلك فلابد من الاهتمام بمعرفة ثواب الأعمال التي يُقدم عليها فيعينه ذلك أن ينشط لها، مع مراعاة أعمال القلب والجوارح وأعمال العبادات والأخلاق بحسب المواقف التي يتعرض لها الإنسان في حياته فإذا وجد موقفا يحتاج للتواضع تواضع وإذا صدر منه إعجاب بالنفس أو كبر تراجع ...الخ

أولا أدلكم على ملاك الأمر وزمامه وخطامه؟

إنه الثبات على تدبر ورد من كتاب الله يوميا والقيام بين يدي الله خاشعا ذليلا في الأسحار فكما قال ابن القيم  في الفوائد:" لو تنسمت عبير الأسحار لأفاق منك قلبك المخمور"

والمرء في كل ما سبق لابد أن يعرف أن هذه الحالات درجات وأن عليه أن يتدرج فيها  ويتخير منها حتى يسدد ويقارب .

أسأل الله تعالى أن يرزقنا علو الهمة وحب الطاعة


 

سارة بنت محمد
  • الأسرة
  • وسائل دعوية
  • درر وفوائد وفرائد
  • تربية الطفل المسلم
  • قضايا معاصرة
  • عقيدة
  • رقائق
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط