صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تداعيات ونتائج الأزمة المالية العالمية
والمنظور الإسلامي لها

عبد الستار أحمد


إن ما جرى ويجرى على الساحة الاقتصادية العالمية من تداعيات منطقية وواقعية هي في حقيقتها نتيجة لأزمة مالية من العيار الثقيل لم تستثنِ أيَّاً من دول العالم وتستحق بجدارة أن توصف بكونها كارثة القرن الجديد ،وإن هذا الحدث يستحق أن يكون حدث الساعة وحدث الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وبلا منازع وإن نتائج هذه الأزمة لم تكن بحسابات الورقة والقلم فحسب بل يشعر المتتبع أن هناك يد تمتلك القوة المطلقة لتوصل هذه الأزمة لهذه الدرجة، ومن الملفت للنظر أن تتصدر وسائل الإعلام وبكل أنواعها أحداث أو أخبار لا تقارن أهميتها بأهمية الأزمة المالية العالمية التي هي بمثابة المصيبة التي ستأخذ بيد العالم المتقدم والمتأخر على حد سواء إلى الهاوية ..
وما يلفت النظر ذلك التكتم الإعلامي الشديد من قبل القوى العالمية المسيطرة على معظم وسائل الإعلام العالمية على هذا الحدث الجلل ،وبطبيعة الحال فإن هذا التكتم لم يكن عفويا بل كان مبيتا ومع سبق الإصرار ، والأمر لم يكن بالجديد فقد سبق وأن تكتمت تلك المؤسسات على ما حصل من ضربات تعد قاصمة للاقتصاد الأمريكي وبالتحديد بعد عام 2000 م وصعوداً ففي الفترة من 11 أيلول 2001 م وحتى 11أيلول 2002 م انهارت وأفلست مجموعة كبيرة من الشركات الأمريكية ، قدرت بـ 60 ألف شركة وقد تم تسريح مالا يقل 140 ألف عامل أمريكي في تلك الفترة (وفقا لتقرير صحيفة \" وول ستريت جورنال\"..
هذا بالإضافة إلى حالات الإفلاس على المستوى الشخصي والتي سجلت في نفس الفترة رقما قياسيا للإفلاس بلغ 391 ألف حالة إفلاس وبخسائر تصل إلى ‏8,6 تريليون دولار وذلك وفقا لمعطيات لإتحاد أسواق المال الدولي‏.. وهنا نبين بعض ما جرى من كوارث حلت بالاقتصاد الأمريكي بعد عام 2000 م ولغاية الإعلان الرسمي عن الأزمة المالية العالمية المتفشية هذه الأيام :
1- في عام 2001 م سجلت شركة ( يو. أس . أير ويز ) طلباً لإشهار الإفلاس علماً أن أصولها تقدر بنحو‏7,81‏ مليار دولار مقابل ديون بلغت قيمتها‏7,83‏ مليار دولار .. وهذه الشركة هي سابع شركة طيران أمريكية‏,‏ كما إنها تشغل المكانة رقم ‏14‏ في قائمة كبرى شركات الطيران العالمية وتخدم أكثر من‏ 200‏ موقع داخل الولايات المتحدة وتنظم رحلات جوية للمكسيك وكندا‏‏ ودول منطقة الكاريبي‏ واعترف مسئول الشركة بان خسائرها بلغت ملياراً ونصف مليار دولار في عام ‏2001 م ..
2- في كانون الثاني عام 2002 م أعلن إفلاس الشركة العملاقة الأمريكية المتحكمة في الطاقة (( إنرون )) والتي تربعت على عرشها في ولاية تكساس لتدير دفة النفط وما يتبع النفط من طاقة كهربائية هي عصب الصناعة الأمريكية بل الاقتصاد الأمريكي بشكل عام ..
و\"إنرون\" هذه دأبت على تمويل الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية بصورة غير متوازنة بين الجمهوريين والديمقراطيين، إن انهيار ( إنرون ) دمرت معها إمبراطورية رأسمالية ضخمة تراكمت عبر سبعين عاماً أودعها أثرياء جيلا بعد جيل، ثقة منهم في مستقبل الطاقة ومستقبل الريادة الأمريكية في حقول نفط العالم. ولم تكن إنرون الوحيدة في هذا المصاب بل كانت معها شركات أمريكية عملاقة مثل (جلوبال كروسينج) و(زيروكس) و(أدلفيا كوميونيكيشن) و(باليجرين سيستمز) و(وورلد كوم) ..
3- شهد عام 2002 م توقف الكثير من شركات الطيران عن العمل، فقد توقفت شركة طيران أمريكية هي (ميد. واي . إيرلاينز) ، عن العمل وسرحت جميع موظفيها البالغ عددهم ألفا وسبعمائة موظف وقال مسؤولو شركة دلتا إيرلاينز ثالث أكبر شركة طيران في العالم إنه من المحتمل أن تستمر الشركات في تسريح أعداد من الموظفين ..
وتوقع جوردون بيتون رئيس شركة كونتيننتال أن يفقد مابين ومئة ومئتي ألف موظف بشركات الطيران حول العالم وظائفهم بسبب الكارثة في ذلك الوقت وقد كانت خسائر قطاع النقل الجوي في الولايات المتحدة قد سبعة عشر مليار دولار في 2001م ..
4- في عام 2005م بلغت الديون الوطنية الأمريكية بحدود ثمانية تريليونات ومائة وثمانين ملياراً من الدولارات وقد أشهر أكثر من مليوني أمريكي ثري إفلاسهم في نفس العام ..
وعلى الرغم من هذه الحوادث الجسام وغيرها حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إظهار أن الموضوع لا يتعدى مشاكل اقتصادية اعتيادية ، إلا أن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق ولم يكن بإمكان أصحاب القرار التكتم على ما يجري من انهيار اقتصادي إلى ما لا نهاية ،فقد أزف وقت الفضائح والإعلان عما يجري فقد تعقدت الأمور وبلغت مراحل متقدمة من السوء وظهرت ما يعرف بالأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 م التي ظهرت تداعياتها بشكل صريح وواضح في الولايات المتحدة الأمريكية ثم بريطانيا ثم أوروبا ثم انتقلت لبقية بلدان العالم وهنا اضطر بعض قادة العالم بل وتجرء بعضهم في انتقاد الولايات المتحدة الأمريكية فقد قال رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون: \"الاستهتار داخل الولايات المتحدة بالنظام المالي هو الذي أدى إلى أزمة الائتمان المالي التي يعاني منها العالم\". فقد انهارت أو أفلست شركات مؤسسات في كل أنحاء العالم ، في أمريكا وأوربا وأفريقيا وآسيا ومن تلك الشركات أو المؤسسات :
1- بنك الأعمال الأميركي «بير ستيرنز» الذي يعاني من نقص السيولة ، اشتراه بنك «جي بي مورغان تشيز» ، بمساعدة السلطات الفدرالية وان تدخل السلطات الفدرالية في هذا الباب لوحده يكفي لإعطاء إشارة إلى حجم الكارثة لأن ذلك يتناقض مع أصل الفكر الرأسمالي ..
2- المجموعة الأميركية «واشنطن ميو تشوال»، سادس بنك أميركي من حيث الأصول، أعلنت إفلاسها أيلول 2008 م ، وقد أغلقتها السلطات الأميركية ونظمت التحويل الفوري لودائعها إلى منافسها «جي . بي . مورغان تشيز» مقابل 1,9 مليار دولار..
3- تأميم المجموعة الأميركية العملاقة في مجال التأمين «أي آي جي» في أيلول 2008م لتفادي إفلاسها ..
4- اشترى «سيتي غروب» مصرف «واكوفيا» رابع بنك أميركي من حيث الأصول..
5- بنك الأعمال الأميركي «ليمان براذرز»: وضع في 2009م تحت حماية قانون الإفلاس قبل تصفيته. واشترى البنك البريطاني «باركليز» نشاطاته الأميركية، في حين اشترى البنك الياباني «نومورا هولدينغ» النشاطات في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط..
6- وضعت وزارة الخزانة الأميركية «فاني ماك» و«فريدي ماك»، وهما هيئتان لإعادة تمويل التسليفات العقارية، تحت وصاية الدولة في (ايلول) 2008م .
7- مشروع سيتي سنتر في ولاية (لاس فيغاس ) البالغ حجم استثماراته 8 مليارات دولار، والذي تملكه أم جي أم ميراج و\"دبي العالمية،\" يطلب النصح بشأن إشهار الإفلاس ..
8- الواشنطن بوست من أشهر الصحف الأمريكية وهي جريدة أمريكية تصدر من العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي تم تأسيسها عام 1877 م ، أعلنت في آذار عام 2009 م لأول مرة منذ إصدارها بتخفيض رواتب موظفيها وتسريح عدد كبير من الموظفين بسبب مشاكل في تسويقها وعزوف أعداد كبيرة من المشتركين عن الشراء إضافة لمشاكل مالية عالقة مع البنوك بسبب الازمة المالية .
9- أعلنت شركة \"جون لانغ هومز\" الأمريكية المملوكة بالكامل لشركة \"إعمار\" الإماراتية إفلاسها مطلع 2009م ، وتقدمت بطلب إلى الحكومة الأمريكية لحمايتها من الدائنين، بعد تراجع حاد في مبيعات الوحدات العقارية.
10- أعلنت شركة (سيركت سيتي) إفلاسها في مطلع 2009 م وشركة (سيركت سيتي) متخصصة ببيع المواد الإليكترونية ولديها 850 مجمع ضخم في كل أنحاء أمريكا ويبلغ حجم محلاتها مجتمعة اكبر من مساحة دولة صغيرة..
11- البنك البريطاني «نورذرن روك» أول مصرف للتسليف العقاري في بريطانيا تؤممه الحكومة البريطانية في شباط 2008 م .
12- البنك البريطاني «اليانس اند لايسستر»: أعلن في (تموز) 2008م أن بنك «سانتاندر» الاسباني يشتريه بقيمة 1.33 مليار جنيه (1.66 مليار يورو) فقط مع زيادة رأسماله بواقع مليار جنيه ما يعني إفلاس الأول .
13- اشترى بنك «لويد تي أس بي» منافسه البريطاني «أتش بي أو أس»، رابع بنك في بريطانيا من حيث الرسملة في أيلول 2008 م ، كما تم تأميم البنك البريطاني «برادفورد أند بينغلي» وتصفيته في أيلول 2009م . وهو المؤسسة المالية البريطانية الرابعة التي تفقد استقلاليتها منذ بداية أزمة التسليف الدولية.
14- أعلن البنك البريطاني \"رويال بنك أوف سكوتلاند\" الخميس عن تحقيق خسارة صافية بمبلغ 34 مليار دولار خلال عام 2008م ، وهي اكبر خسارة في تاريخ البنوك والشركات البريطانية. كما أعلن البنك، وهو ثاني اكبر البنوك البريطانية من حيث الحجم، إنه سيضع مبلغ 462 مليار دولار من الديون المعدومة والمشكوك في تحصيلها في صندوق خاص تضمنه الحكومة البريطانية. وحذر العاملين فيه من إمكانية الاستغناء عن عدد كبير من الوظائف، وأوضح انه سيقلص انشطته التي تمتد الى 35 دولة، لتتركز أساسا على السوق المحلي. وكان \"رويال بنك اوف اسكوتلاند\" على وشك الانهيار خلال عام 2008، واضطرت الحكومة البريطانية للتدخل لإنقاذه بشراء نحو 70% من أسهمه.
16- انهارت المجموعة المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية «فورتيس» في أيلول 2008 م ،حيث أعلن بنك ( فورتيس ) أن صافي خسائر فرعه بهولندا خلال عام 2008 بلغت 18.9 مليار يورو (24.96 مليار دولار) ، لكن السلطات في بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا قررت ضخ ما مجموعه 11.2 مليار يورو لتمويل «فورتيس» مقابل حصص في رأسمال المؤسسة.
17- في آيسلندا، أعلنت الحكومة في أيلول 2009م شراء 75% من رأسمال «غليتنير»، ثالث بنك في البلاد الذي يعاني من نقص السيولة، بقيمة 600 مليون يورو.
18- أفلت البنك الألماني الخاص «هيبو ريل إستيت» المتخصص في الشأن العقاري، من الإفلاس في ايلول 2008م بفضل فتح خط ائتمان بقيمة 35 مليار يورو بكفالة الدولة بصورة رئيسة.
19 - عانت شركات سيارات عالمية مختلفة وشهيرة جداً من تداعيات مالية كبيرة بسبب الأزمة اضطرتها إلى إعلان إفلاسها أو تأجيل ذلك لوقت قريب ومنها شركات (جنرال موتورز) و(كرايسلر) و(بونتياك) و(فورد) واضطرت الخزينة الأمريكية من دعم بعضها بتقديم مليارات الدولارات كقروض ميسرة لها مع منحها فرصة لوقت محدد كما حصل مع (جنرال موتورز ) التي منحت حتى الأول من حزيران 2009 م لاستكمال خطة لإعادة تنظيم نفسها أو إنها تقوم باستعدادات مكثفة ودؤوبة لإعلان الإفلاس ولكن هذا الإجراء أدى إلى نتائج سلبية حيث هبطت أسهم هذه الشركة بشكل كبير بسبب ذلك فتعقدت المشكلة أكثر ، علماً إن (جنرال موتورز) سجلت خسائر قدرها 31 مليار دولار عام 2008 م وسرحت 21 ألف موظف خلال الربع الأول من عام 2009 م وخسرت 6 مليارات دولار ورغم كل ذلك أعلنت جنرال موتورز إفلاسها رسمياً في حزيران 2009 م ،كما أقرت أوروبا في مجال دعم صناعة السيارات قروضا بقيمة 1,2 مليار دولار لدعم شركات صناعة السيارات المضطربة في أوروبا في ظل مخاوف من احتمالات إشهار إفلاس شركة جنرال موتورز بسبب عدم تحقيق تقدم في إعادة هيكلة الشركة المتعثرة .. وأما شركة كرايسلر الأمريكية لصناعة السيارات فقد أعلنت إفلاسها وقدمت الحكومة الأمريكية لها قرضا بقيمة ثماني مليارات دولار هي المحاولة الأخيرة لإعادة هيكلتها. وقد توصلت ( كرايسلر ) وشركة ( فيات ) الايطالية لصناعة السيارات إلى اتفاقية للاندماج بينهما بحيث تمتلك فيات 20% من أسهم كرايسلر ويمكن رفعها الى 35% لاحقا. وفي نفس السياق فإن شركة ( فيات) الايطالية الشهيرة لصناعة السيارات تركت في عام 2009م الباب مفتوحاً أمام إغلاق مصانع تابعة للشركة لظروف مالية قاسية تمر بها الشركة بسبب الأزمة المالية . وقال رئيس الشركة إنه لا يستبعد إمكان غلق مصانع في ايطاليا. ويعمل لدى شركة ( فيات ) 78 ألف شخص. وقد اضطرها تراجع المبيعات الى تقليص رواتب الموظفين. أما شركة تويوتا اليابانية الشهيرة التي تعتبر أكبر منتج للسيارات في اليابان فقد أعلنت في آيار 2009 م إنها سجلت أول خسارة سنوية في تاريخها حيث منيت بخسائر صافية بقيمة 4,4 مليارات دولار..
20- الشركات المفلسة في فرنسا خلال 12 شهرا من إعلان الأزمة المالية العالمية 53640 شركة وهو أعلى مستوى في عشرة أعوام وأسرع وتيرة منذ عام 2002 م .
21- أعلنت حوالي 1010 شركات يابانية إفلاسها قبل نهاية عام 2008 م وقد اضطر هذه الشركات للقيام بهذه الخطوة لأسباب عدة على رأسها تأثرها بالأزمة الاقتصادية.
22- في نيسان عام 2009م أعلنت اثنتان من كبرى شركات صناعة الإلكترونيات في العالم ، ( توشيبا ) و (سوني أريكسون )، عن خفض الآلاف من قواهما العاملة بتأثير الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أدت لانكماش حاد في سوق العمل بكافة أنحاء العالم.

نتائج الأزمة المالية

أما هذه التداعيات الكبيرة المتمثلة في أكبر عمليات الإفلاس والخسائر الهائلة لكبرى مؤسسات العالم الاقتصادي الرأسمالية فان هناك كوارث مالية واقتصادية لا تطال مالكي هذه الشركات والمؤسسات فحسب وإنما قد طالت وللأسف الجماهير الكادحة وحين نراجع ما حصل من آثار نجد :
1- قال الرئيس الأمريكي المنتخب أوباما في أول ظهور صحفي رسمي وفي أول خطاب أن لديه 10 ملايين عاطل عن العمل وهي تركت الازمة لعام 2008 م إضافة إلى ذلك فإن مليوني أمريكي فقدوا وظائفهم في أول 3 شهور من 2009م ، وقد أظهرت بيانات حكومية أمريكية أن أرباب الأعمال الأمريكيين خفضوا 663 ألف وظيفة خلال شهر واحد هو شهر آذار 2009م فقط ،كما أكد المدير العام لمؤسسة إنتر ميديا في أيار 2009 م أن هناك حاليا 28 مليون عاطل بالولايات المتحدة منهم 13,2 مليون عاطل رسميا إضافة إلى 14,6 مليونا لا يدخلون في حساب العاطلين (لأسباب سياسية) لكنهم عاطلون بالفعل وفي ذلك دليل واضح على أن الأزمة ماضية بقوة بالتأثير على الاقتصاد الأمريكي والعالمي دون هوادة كمسرى النار في الهشيم ..
2- خلال مرحلة ما قبل انهيار المصارف الأمريكية ، حذّر المراقبون مراراً من أنّ الأسوأ من أزمة الائتمان لم يأت بعد. وبالفعل فقد ظهر ذلك مع تراجعات حادّة في بورصات العالم أدّت إلى خسائر قياسيّة. أمّا المرحلة الحاليّة، فتفترض بحث الخسائر الحقيقيّة التي ستولّدها الأزمة، وعلى رأسها ارتفاع معدّلات البطالة فمن المتوقع أن تصل معدلات البطالة إلى 210 ملايين عاطل من العمل على مستوى العالم خلال عام 2009 م ..
3- حذر رئيس البنك الدولي في نيسان 2009 م من تعرض أكثر من 90 مليون إنسان في العالم بالفقر هذا العام بسبب الأزمة العالمية وإن أكثر من ثلثهم بشرق أوروبا وآسيا الوسطى، متوقعاً أن يصل عدد الجياع إلى مليار جائع على مستوى العالم ..
4- في مطلع 2009 م تشير الإحصائيات الرسمية أن في بريطانيا بلغ عدد العاطلين عن العمل في المملكة المتحدة 2,03 مليون شخص، أي ما نسبته 6,5% ..
5- قال مكتب الموازنة بالكونغرس الأمريكي إن عجز الموازنة، وخلال العام الحالي 2009 م ، سيشهد قفزة عالية وقد يرتفع على إثرها إلى ما بين 1,67 تريليون و 1,85 تريليون دولار وهو أعلى عجز في تاريخ الولايات المتحدة .. ما يعني ذلك المزيد من الضرائب على المواطنين والقصور في الخدمات بشكل عام وتوقف المشاريع التنموية ..
6- خسر العالم 50 تريليون دولار من قيمة أصوله المالية خلال عام 2008م ، من بينها 9,6 تريليونات دولار في آسيا وحدها بسبب الأزمة المالية العالمية. فيما سجلت اليابان صاحبة أكبر اقتصاد في القارة أول عجز في حسابها الجاري منذ 13 عاما ..
7- توقع تقرير خليجي أن يبلغ العجز في الحسابات الجارية لدول مجلس التعاون الخليجي ثلاثين مليار دولار خلال العام الجاري, بعد أن كان الفائض أربعمائة مليار دولار في العام الماضي, مؤكدا أن تداعيات الأزمة المالية بدأت تظهر جلية في الفترة الماضية ..
8- التدفقات الرأسمالية الخاصة إلى الأسواق الناشئة والبلدان النامية تتناقص إلى درجة الاختفاء. ويقدر معهد التمويل الدولي أن هذه التدفقات تراجعت إلى 467 مليار دولار عام 2008م ، أي نصف مستواها عام 2007م ، وتشير التوقعات إلى أنها ستواصل الهبوط إلى 165 مليار دولار عام 2009م ..
9- في ظل الأزمة المالية الراهنة، يتوقع خبراء انهيار قرابة 100 مؤسسة مالية حتى نهاية العام الحالي، في حال استمرار تهاوي المصارف الأمريكية على ذات الوتيرة الراهنة، وبسيطرة السلطات الفيدرالية المنظمة للقطاع المصرفي على مصرف \"سيلفر فولس\" بأوريغون ، بلغ عدد المصارف التي أعلنت إفلاسها خلال الأسابيع الستة الماضية، 14 مصرفاً ..
10- أعربت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة في مطلع عام 2009 م عن مخاوفها إزاء التسارع في شطب الوظائف بالقطاع المالي، مشيرة إلى أن من شأن ذلك أن يؤثر بصورة غير مباشرة على الاقتصاد الأوسع في المراكز المالية مثل نيويورك ولندن..
11- وكما طالت الأزمة عامة الناس فقد طالت أيضا أغنياء العالم وإنما هي من فعالهم فقد ذكرت مجلة ( فوربس ) أن 30% من أعضائها المليارديرات قد فقدتهم ، وتبخر مبلغ نحو تريليوني دولار من ثروات هؤلاء، بينما تقلص عدد المليارديرات بمقدار 355 عضو منهم بسبب فقدان ثرواتهم، بينما توفي 18 منهم . ومن أولئك الأثرياء الذين خسروا جزءا كبيرا من ثرواتهم ( بيل غيتس ) الشريك المؤسس لمجموعة مايكروسوفت إلى الذي حقق خسارة قدرها 18 مليار دولار من ثروته بسبب انخفاض أسعار الأسهم عام 2008م ، وكذلك (كارلوس سليم ) الذي خسر 25 مليار دولار ، أما ( وارين بافيت ) فقد خسر 25 مليار دولار ، وغيرهم الكثير ، وكشفت صحيفة ( صنداي تايمز ) عن خسائر أكبر عشرة أثرياء في بريطانيا، حيث بينت أن خسائر العشرة الكبار فقط تجاوزت 23 مليار جنيه إسترليني (حوالي أربعين مليار دولار) ..

علاجات تخديرية
أمام هذه التداعيات الشديدة التي تمثلت بالانهيار المروع لكبرى المؤسسات المالية والصناعية والتجارية في العالم حاولت الدول الكبيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذ إجراءات لم تتعدى ضخ السيولة وبكميات هائلة وهذه العلاجات من وجهة نظرنا هي علاجات تخديرية لفترة قد تطول أو تقصر وتحدث بعدها الكارثة فعلى سبيل المثال وليس الحصر :

1- أقر الكونغرس الأمريكي ، بمجلسيه الشيوخ والنواب، خطة \"تحفيز الاقتصاد\" التي اقترحها الرئيس باراك أوباما، بقيمة 787 مليار دولار، في محاولة لإنعاش اقتصاد الولايات المتحدة، الذي يعاني تراجعاً حاداً.
2- توصل زعماء دول العشرين إلى اتفاق قيمته 1,1 ترليون دولار لمعالجة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية في قمتهم التي عقدوها في نيسان 2009 م في العاصمة البريطانية ،كما تعهدت قمة العشرين بتنفيذ أكبر خطة تحفيز للاقتصاد العالمي وضخ أكثر من 5 تريليون دولار لحل المشاكل الاقتصادية. كما قررت القيام بدعم التجارة العالمية لأنها احدى أهم أسباب التطور الاقتصادي.
3- كشفت وزارة المالية اليابانية عن خطط لإعداد موازنة تكميلية للعام المالي 2009م مع حزمة حوافز اقتصادية بأكثر من 10 تريليونات ين (100 مليار دولار) لانتشال الاقتصاد من حالة الركود التي يعاني منها.ثم صرح بنك اليابان بأنّه سيقوم بتقديم منح مالية بقيمة تزيد على 10 مليارات دولار أمريكي على شكل قروض إلى البنوك، على أمل دعم الأسواق الإقليمية وتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية
4- خصص البنك الدولي مبلغا قدره 18 مليار دولار خصص لمعالجة هذه الأزمة على الصعيد العالمي، منها مليارا و200 مليون دولار لمساعدة تلك البلدان الأشد تضررا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية في عام 2008 م
5- أطلق الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا داسيلفا خطة لإنعاش قطاع العقارات بقيمة 15 مليار دولار، تهدف إلى تحفيز قطاع التشييد في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي. ويؤمل أن تخفف الخطة من حدة العجز الهائل في عدد الوحدات السكنية بالبرازيل ..
6- اتفقت بلدان جنوب شرق آسيا بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية عقب اجتماعهم في تايلند في شباط 2009 م ، على الرفع من قيمة إعتمادات صندوق الطوارئ ليصبح 120 مليار دولار لمعالجة ..
إن هذه الإجراءات تؤكد حقيقة دامغة في محورين أما المحور الأول أن هذه الإجراءات تمثل ضربة قاصمة للنظرية الاقتصادية الرأسمالية التي تأسست عليها العولمة ونظر وروج لها النظام الرأسمالي مرارا وتكرارا والتي تقوم علي إعطاء صلاحيات غير محدودة لمؤسسات القطاع الخاص كي تتصرف كما تشاء لتحقيق الكفاءة القصوى بأقل التكاليف وتبين أن نظرية ( دعه يعمل ) كانت مجرد هراء وهباء ‏.‏
أما الحور الثاني في القضية أنها تأتي في وقت الذروة للتربع الأمريكي الرأسمالي علي العرش الدولي دون منازعة والذي تأكد بصورة جلية عقب أحداث أيلول 2001م ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الأزمة قد تمثل بداية النهاية للازدهار الاقتصادي الأمريكي الذي دام لسنوات طويلة مما قد يترتب عليه في الأمد الطويل أفول النجم الأمريكي عن السماء العالمية وفي كل الصعد ، الاقتصادي والسياسي والعسكري ..
أن ضخ الأموال بهذا الشكل سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة التضخم وسيعزف المستهلكون عن شراء السلع فيحصل الكساد في السلع ثم يعقبها الركود الاقتصادي فتوقف الشركات والمؤسسات ويعود الحال إلى نقطة البداية ما يعني الدوران في حلقة مفرغة .. وهذه الخطة لن تكون ذات فاعلية في إنعاش النمو الاقتصادي المصاب بالخمول كما ستكون ظالمة من الناحية الاجتماعية لان من شأنها إن تعود بالنفع على أكثر الطبقات ثراء في المجتمع الأميركي.

المنظور الإسلامي للأزمة المالية

ترى الشريعة الإسلامية إن التعامل مع المال كوسيلة للحياة أمر لا بد منه ولكن بشرط أن يراعي هذا النوع من التعامل مصالح الآخرين ،يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا » . رواه البخاري 1409 فوجود المال بيد الإنسان يدعو للغبطة ولكن حين يُتعامل معه بالحق ويكون لصالح الشعوب ، وعلى ضوء ذلك يكون التعامل معه على أساسين ، أولهما : اكتساب المال ، وثانيهما : إنفاق المال ، ولا بد أن يكونا هذين الأساسين صحيحين وإلا فان البناء الذي يكون أساسه هشا فإن مصيره إلى زوال يقول تعالى : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) سورة التوبة 109
و يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ » رواه الترمذي 2602. وفي كلا الحالتين من المفروض أن تكون الوسائل للاكتساب أو الإنفاق مشروعة ، والمقصود بالمشروعة هي التي تتحدد بضوابط الشريعة الإسلامية وهي بطبيعة الحال تحقق مصالح الأشخاص أو المؤسسات لأن الشريعة الإسلامية أصلا وجدت لتحقيق مصالح العباد وجاءت لحفظ ضروريات الحياة والتي منها مال الإنسان وحين نقول أن الإسلام هو الحل فإنه يتخذ من المنظومة الاقتصادية بمجملها من أجل حلها وليس تناول الجزئيات والنظر فيها وحلها حلا وقتيا ،فنجد أن تطالب الشريعة الإسلامية وبشدة مراعاة الجانب الإيماني وهو تطبيق ما أمر الله به وبعكسه فإن النتائج ستكون وخيمة وهذا ما حصل بالفعل فبحسابات منطقية بالإمكان أن تحدث أزمة وتخسر شركات ومؤسسات وقد تنبأ بالفعل بعض المختصون بهذا ،ولكن لم يتوقعوا بهذا الشكل الكارثي فالأمر لاشك ويعلمه المختصون أن هناك قوة ع ظمى تدخلت لإحداث هذا العطب الهائل في العملية الاقتصادية العالمية ، وحين نتكلم عن رؤؤس الأموال في النظام الرأسمالي بشكل عالم وفي الاقتصاد الأمريكي بشكل خاص نجد أن رؤوس الأموال تتداول بين أشخاص أو شركات بينما لا يجد عامة الناس ما يؤمن لهم الحياة المحترمة الكريمة وهنا يشخص (ابن خلدون ) العلة ويشير إلى أن نقص المال بعد كثرة يأتي من أسباب: (1 ) تكثير الوظائف التي تكون في خدمة الملك وأمنه (2) ترف الدولة وصرفها الأموال في أبواب لا تخدم الرعية (3) تجارة السلطان وهي أعظم الآفات التي تذهب بركة مال الدولة، حيث تختل الجباية (للمحسوبية) وتنتزع مصادر الرزق من أيدي الرعية وهذه الأسباب واضحة جلية في الـأنظمة الرأسمالية ، كما ولابد من الإشارة إن الاكتساب غير المشروع للأموال ( أموال السحت ) سواء كان على مستوى الحكومات أو المؤسسات أو الأفراد لها نفس التأثير في محق وزوال بركة الحياة بشكل عام والأموال بشكل خاص ،يقول الله سبحانه وتعالى : (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال 25 ،فمن وجهة نظر إسلامية وجود ن سبة وإن كانت قليلة غير مؤثرة في الحسابات المادية من المال الحرام كفيلة بتدمير وفناء كم هائل من رأس المال وكما يقول أحد العلماء (إن درهماً واحداً من الحرام يهلك ألف درهم من الحلال ) وهذا هو أحد أسباب الأزمة المالية الاقتصادية وبالتالي فإن آثار الأزمة لم تطل مسببها فقط وإن نال القسط الأكبر من ذلك بل طالت السواد الأعظم من الشعوب ..
المحور الأول : اكتساب المال
فمن أمثلة طرق اكتساب الأموال في الأنظمة الرأسمالية السائدة في العالم اليوم :
1- الربا : فكل البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبقية العالم بل وقسم كبير منها في العالم الإسلامي وللأسف قائمة على أساس التعامل الربوي ( الفائدة ) لمن يودع رؤوس أموال لديها وكذلك تمنح قروض ربوية للآخرين . وبهذا الوصف يكون الربا عندها بوجهين ما يعني أنها تمنح نسب ربوية لمن يودع أموال لديها وتقرض الآخرين مقابل نسب ربوية ..
يقول تعالى : ( يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة276 ، والمحق هو الإبطال والمحي ، ومن الضروري أن يذكر في هذا الباب صندوق النقد الدولي المرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها المالية والذي يقوم بمنح الكثير من الدول قروضا مقابل فوائد تبقى متراكمة إلى مالا نهاية ، وسبب ذلك إن هذه الفوائد ( الربا ) غير ثابتة فهي تزداد كلما عجز المستفيد من القرض على التسديد وبالتالي يبقى يسدد فوائد متراكمة ومركبة لسنين طويلة وهذا أحد أسباب النهي عن الربا في الإسلام الذي يرى أنه من أبشع وأخس التعاملات المادية يقول تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُون َ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) البقرة 278- 280 ، ولو لم يكن الربا فيه من الأضرار الهائلة على الأفراد والأمم لما جعل الله المتعامل فيه في نطاق الحرب من الله ..
ولقد أعطت هذه الأزمة برهانًا ساطعًا على خطر الربا وما يترتب عليه من أضرار، وهو دليل واقعي رآه الجميع رأي العين، وقد نهى الرسول  عن الربا وهو في مجتمع صغير وبسيط ولا يتعدى عدد سكانه الآلاف وليس فيه من الأموال إلا القليل وحجم التعاملات المالية والاقتصادية بكل أنواعها محدودة ، فكيف حين يكون الحال والتداول به مع ملايين البشر وبرؤوس أموال ليس لها حصر وبمعاملات تجارية لا تعد ولا تحصى ..
ولعل ما ذكره الإمام الفخر الرازي في تفسيره عن حقيقة الربا خير ما يذكر في هذا الباب فيقول رحمه الله :
أولا: إن الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض. لأن من يبيع الدرهم بدرهمين يحصل له زيادة درهم من غير عوض ومال الإنسان متعلق بحاجته، وله حرمة عظيمة، كما في الحديث: \"حرمة مال المؤمن كحرمة دمه\" رواه الدراقطني في سننه 2927 ، فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرما.
ثانيا: إن الاعتماد على الربا يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد، نقدا كان أو نسيئة، خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق. ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات ولا شك أن هذه الحكمة مقبولة من الوجهة الاقتصادية..
ثالثا: أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض؛ لأن الربا إذا حرم طابت النفوس بقرض الدرهم واسترجاع مثله، ولو حل الربا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدرهم بدرهمين، فيفضي ذلك إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان ..
ونضيف على ما قاله الفخر الرازي فإنه في كل الأحوال يكون أحد الطرفين خاسرا ومغبونا حقه ، لأن النسبة الربوية المقررة لا تمثل حقيقة الربح المتأتي من عملية استثمار هذا المال فلو كانت أقل كان صاحب المال مغبونا ومظلوما ولو كانت أكثر من الاستحقاق كانت المؤسسة المالية هي المغبونة ..بينما يسعى الإسلام إلى العدل المطلق وإعطاء كل ذي حق حقه وهذا من المستحيل أن يتحقق في ظل النظام المالي الذي أساسه الربا ..
2- تسخير ثروات الآخرين لصالح الدول الرأسمالية : ويتم ذلك عن طريق تكبيل دول العالم باتفاقيات تجارية تمنعهم من بيع ثرواتهم ومنتجاتهم بالأسعار والكميات التي تناسبهم ، ومثال ذلك ما يحدث في منظمة ( أوبك ) للدول المنتجة للنفط فيما يتعلق بأسعار وكميات النفط المصدر من قبل الدول المنتجة الأعضاء في المنظمة ، حيث حين هبط سعر البرميل الواحد للنفط أكثر من 100 دولار في فترة قياسية فهذا يعني خسارة الدولة التي تصدر 2 مليون برميل في اليوم ما مقداره 200 مليون دولار يومياً أي بحدود 60 مليار دولار سنويا ( علما أن الأسعار والكميات تتحكم فيها منظمة أوبك ) ، وكذلك اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي من شأنها في العادة تحول رؤوس الأموال من الدول المنتجة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وبطرق ملتوية وبأساليب خبيثة تتعلق بالاستيراد والتصدير من حيث السماح لبعض المنتجات والمواد الخام وعدم السماح لأخرى ومهما تغيرت هذه الأساليب فهي سرقة ، يقول تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِال إِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة 188 ، فلا بد أن يعي العالم المتسلط أن سرقة أموال الشعوب إنما هي طريق الشيطان لأن فيها أذى البسطاء من الناس يقول تعالى : (( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم )) البقرة 268 ما يعني أن هذا الطريق نهايته الفقر ..
3- الأموال المكتسبة من نشر كل ما من شأنه إفساد الناس ونشر ثقافة الإباحية بينهم ،كالمواقع الإباحية من فضائيات ومواقع انترنت وكذلك مصانع الخمور والمخدرات المنتشرة في العالم وكذلك بمرتبة أقل مصانع إنتاج السكائر في العالم وهذا كله من باب الإفساد في الأرض ، يقول الله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) سورة الروم 4 ..

4- الأموال المكتسبة من عمليات الخديعة والغش ومن ذلك عقد صفقات بيع كبيرة جدا وبمبالغ هائلة الغرض منها استنزاف ثروات الشعوب من أجل عدم الاستفادة منها في مشاريع تعود بالنفع على تلك الشعوب ،ومثال ذلك بيع أسلحة لدول معينة بعد أن تصنع الولايات المتحدة خصما وهمياً لتلك الدول فتبيعها أسلحة ربما لن تستخدمها أبدا وتشير مركز الدراسات المتخصصة بأن أكبر صفقات أسلحة قيمتها عشرات المليارات من الدولارات أبرمتها دولتين خليجيتين . وكذلك خلق حالة حرب بين دولتين لترويج الأسلحة كما حصل في حرب العراق مع إيران .. وفي نفس الباب الأموال المستحصلة من عمليات غسيل الأموال ، وهذه في حقيقتها أموال مسروقة أو من طرق غير مشروعة ويبلغ حجم الأموال المغسولة في العالم على مستوى العالم 3 تريليون دولار في العام ..

5- الحصول على أموال نتيجة السرقات الخفية والعلنية من أموال الشعوب وبطريقة يتم فيها الإعلان عنها باعتبارها أعمالا خيرية يكون في النتيجة غطاء لما صار يعرف ( الفساد الإداري والمالي ) الذي تسوق له الإدارة الأمريكية والدول التي تدور في فلكها من خلال مشاريعها المعلنة والمخفية لنشر الديموقراطية المزعومة ،ومثال ذلك ما جرى في العراق فقد ابتلعت مئات المليارات ( باعتراف قيادات أمريكية ) من أموال العراق أو من أموال الدول المانحة خلال فترة احتلال العراق تحت شعار ( حملة إعمار العراق ) وفي حقيقتها سرقة ثروات الشعب العراقي .. وقبلها في مرحلة الحصار الجائر على العراق حيث يقول ( بيتر ايجن ) رئيس منظمة الشفافية الدولية:\" لقد أظهرت الفضيحة التي تم الكشف عنها في البرنامج الممول من قبل الأمم المتحدة \" النفط مقابل الغذاء\" والخاص بالعراق الحاجة الملحة لوضع قوانين صارمة فيما يتعلق بتضارب المصالح، وأهمية الانفتاح في عملية المناقصات. وكما يقول راينود ليندرز وجستن الكساندر في تقرير الفساد لعام ‏ 2005‏‏ م ، أن أغلب الأموال المتوقع إنفاقها في عمليتي البناء والشراء في العراق لم يتم إنفاقها بعد فإذا لم تتخذ خطوات سريعة سيصبح العراق عندئذ أكبر فضيحة فساد في التاريخ . .
ولقد تسربت وثائق في السنة السادسة لاحتلال العراق عن حجم هذه السرقات فلو ضربنا مثلاً لحالة واحدة فتشير إلى فقدان 120 مليار دولار من الأموال العراقية ولتوضيح الأمر أكثر من ناحية حجم هذه السرقات في هذا الباب ، فإن الموازنة السنوية العامة لبعض الدول بحدود 5 مليارات دولار ، فهذا يعني إن الأموال التي تم سرقتها في العراق تكفي لدولة من تلك الدول لمدة تزيد على 20 سنة فقط !!

المحور الثاني : محور الإنفاق

و لو أردنا أن نستعرض بعض محاور الإنفاق في السياسة الاقتصادية الرأسمالية التي تمثل الولايات المتحدة الأمريكية رأس الحربة فيها نستطيع أن نحدد بعض من هذه المحاور وكالآتي :
1- الحروب .. كشف الاقتصادي الأمريكي البارز الحائز على جائزة نوبل للسلام (جوزيف ستيغليتز) ، في كتاب جديد أن تكلفة حرب العراق، التي تدخل عامها السادس في 2008 م ، تضاعفت ثلاثة مرات عن الأعوام السابقة، لتصل إلى 12 مليار دولار شهرياً في العام الحالي ، وتوقع سيتغليتز وليندا بيلميز، الكاتبة المساعدة، أن حربا العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى تواجد عسكري طويل المدى في الدولتين تكلف الخزانة الأمريكية ما بين 1,7 تريليون دولار إلى 2,7 تريليون دولار، أو أكثر بحلول عام 2017 م ، وذلك في \"أفضل الأحوال\" وحال تطبيق سيناريوهات \"واقعية ومعتدلة\"،. وقد تضيف الفائدة على قروض تمويل الحرب تلك وحدها مبلغ 816 مليار دولار إلى التكلفة، ، لقد بدأ أصحاب الاقتصاد بحساب هذه التكاليف على مستوى اليوم والساعة والدقيقة وفي ذلك دلالة على ضخامة هذه الكلف ، ولمزيد من المعلومات عن حجم الإنفاق العسكري الأمريكي تظهر لنا في الجدول الآتي :
السنة الحرب على العراق
ألف دولار / دقيقة الحرب على الإرهاب
ألف دولار / دقيقة ميزانية الدفاع الأمريكي
2003 93 54 438
2004 111 74 448
2005 164 100 507
2006 188 116 536
2007 245 166 611
2008 371 195 650

جدول يمثل حجم الإنفاق العسكري الأمريكي ..
مجلة الفور بوليسي عن مكتب خدمات البحث بالكونغرس
يقول الله جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) (36) سورة الأنفال
2- الإنفاق بسب النتائج العكسية لنشر الفساد .. من السياسات المستهجنة من قبل القوى العالمية التي تحاول السيطرة على مقدرات الشعوب هي نشر الإباحية بين أفراد الشعوب بل وحتى شعوبها من أجل إشغالها والسيطرة عليها وبالرغم من إن هذه الأمور لها تكاليفها الخاصة والتي لها ثقلها في المجال الاقتصادي إلا أن نتائجها تكون سلبية وتكاليفها أكبر بكثير فتشير الدراسات الطبية في هذا المجال أن متوسط تكلفة معالجة (وليس شفاء) شخص مصاب بالإيدز حتى يتوفى تبلغ 120 ألف دولار .. وتشير الدراسات إلى أن عدد المصابين بالمرض حول العالم عام 2007 م وصل إلى 33 مليون شخص، من بينهم2,7 مليون من المصابين الجدد ووفاة مليونين.
3- الإنفاق الناتج عن إدمان الخمور والتدخين ، فالمشاكل الاقتصادية والخسائر التي تعود على الدول بسبب تناول شعوبها الخمور كثيرة وكبيرة ، فالعالم يخسر من جرَّاء تناول الخمور بحدود 166 مليار دولار سنويًّا كما تقدرها منظمات الصحية العالمية.. كما وتشير المنظمة إلى أن ثلث أسرّة المستشفيات في الدول الصناعية يشغلها مرضى الخمر. و تصرف دولة مثل بريطانيا 164 مليون جنيه إسترليني سنويًّا لعلاج مرضى الخمر، حيث يقبع في المستشفيات العقلية والنفسية في إنجلترا ما يقرب من العشرين إلى الثلاثين ألف شخص بسبب الخمر، أما في مجال التدخين فهناك مليار و300 مليون مدخن في العالم .. والتدخين له تكاليف باهضة فعلى سبيل المثال وحسب آخر الدراسات الحديثة يكلف التدخين الولايات المتحدة بحدود 6 مليارات دولار سنويا ، بينما يكلف المملكة الأردنية الهاشمية 600 مليون دولار من جراء الأمراض والمشاكل الصحية الناجمة عنه ..
4- الهدر بشكل عام .. تقول منظمة\"الشفافية الدولية\" .....\"يعتبر الفساد في المشاريع العامة الكبيرة الحجم عقبة كبيرة أمام \"التنمية المستدامة\" على حد قول السيد بيتر ايجن رئيس منظمة الشفافية الدولية ويضيف ايجن \"إن الفساد في عملية إبرام وتنفيذ العقود يعتبر كارثة كبيرة على الدول المتطورة والنامية على حد سواء\". ويضيف \"عندما تكون الرشوة كبيرة ويغلب الإنسان المال على القيم، تكون النتيجة إنشاءات رديئة الجودة وإدارة ضعيفة للبنى التحتية. إن الفساد مضيعة للمال، ونهب لموارد الدول، وتؤدي إلى قتل الأرواح في الكثير من الأحيان. يقول ايجن \"يجب المحافظة على الأموال والمعونات المخصصة لمشاريع إعادة البناء في بعض الدول مثل العراق من خطر الفساد\". ويضيف قائلاً:\"يجب أن تكون الشفافية الشعار الأول، وخصوصا في هذا الوقت الذي تقوم فيه الدول المانحة بضخ مبالغ هائلة. ويُظهر التقرير أيضا الحاجة الملحة للحكومات والشركات الدولية من أجل ضمان الشفافية في عمليات الإنفاق العام من أجل القضاء على ظاهرة الرشوة على المستويين الداخلي والخارجي . لهذا نجد أن تقارير منظمة الشفافية الدولية تشير إلى نسب فساد وهدر مرتفع في الدول التي تعاني من ارتباط اقتصادها باقتصاد دول رأسمالية كالولايات المتحدة الامريكية وذلك هو السر في أن العراق من أولى البلدان التي تمتاز بأعلى درجات الفساد في العالم .. بينما يحدث العكس في دول أخرى أشارت التقارير أنها من أفضل البلدان المصنفة كدول نظيفة ومنها الدنمارك والسويد ونيوزيلندا ..

الحل الإسلامي

حين نتكلم عن الحل الإسلامي للأزمة المالية العالمية فإننا نتكلم عن منظومة اقتصادية متكاملة ومرتبطة الحوادث ، ولا نزعم أن الحل يكمن في لمسة عصا سحرية وإنما يقدم الاقتصاد الإسلامي الحلول وأنظمة العمل التي بالإمكان تطبيقها تدريجيا للوصول للحالة المثلى للبشرية في الجانب الاقتصادي ومن تلك الحلول :
1- إن إغراق الأسواق بالمال خطر فادح بل هو من علامات الساعة في المنظور الإسلامي ما يعني هو أحد أسباب الاضطراب الذي يحدث قبل قيام الساعة لذلك لابد من تقليل الكتل المالية بشكل تدريجي والاعتماد على النقد المغطى بالذهب ومن الأفضل أن يتحول على الأقل الخزين النقدي الاستراتيجي إلى نقود ذهبية ( دنانير ذهبية ) وفي التجربة الماليزية مثال عملي على ذلك، لان وجود كم هائل للأموال يولد جوانب سلبية في التعاملات المالية ومنها توسع غير مسيطر عليه للمضاربات في الأسواق المالية بما في ذلك تلك التي تجري عبر الانترنت على حساب المعاملات المالية الحقيقية ، وكذلك فإن هذه المضاربات تؤدي إلى صفقات لا تقدم أي قيمة مضافة في الأسواق ، يقول النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ - وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ ) البخاري 1036 .. والمال في الإسلام له وظيفة هي أن يكون في خدمة الإنسان كونه خليفة الله في أرضه فمن غير هذا الوظيفة فسيكون سببا في فقدانه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي حكيم بن حزام رضي الله عنه « يَا حَكِيمُ ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى » . رواه البخاري 2750 .. ومن أساليب عدم إغراق الأسواق المالية برؤوس الأموال الهائلة إيقاف المشاريع غير الاستثمارية التي تحمّل الميزانات تخصيصات هائلة ومثال ذلك الحملات العسكرية والحروب التي تؤدي في العادة إلى تراكم العجز في الميزان التجاري الأمر الذي يضعف الثقة بالاقتصاد الرأسمالي.. ولابد من تشجيع الاستثمار الحقيقي بحيث يُعمل على الحد من المضاربات المالية وهنا لابد من فرض قيود على أنواع التعاملات المالية ومنع المعاملات التي لا تتضمن استثماراً حقيقياً ..
2- التخلص تدريجيا من كل أنواع التعاملات الربوية لان الربا يمحق رؤوس الأموال والحل الإسلامي لذلك هو التخلص من المعاملات الربوية بكل أشكالها ويلاحظ استعداد المصارف الغربية لذلك وقد حصل بالفعل أن خفضت هذه النسبة بشكل كبير مثل ما قام به بنك أستراليا المركزي والبنك الأوربي أخيراً من خفض هائل لسعر الفائدة وماتبعه من توافق جماعي بين البنوك المركزية لعدة بلدان في هذا المجال ، هو اعتراف ضمني للمعالجة الصحيحة للمشكلة ما يعني إمكانية التوصل لإلغائها وجعل التعامل مع المودعين صحيحا من خلال أعمال صناعية أو تجارية أو أي نوع آخر من الاستثمار الصحيح بما يضمن عدم الظلم للطرفين ، وقد قدم الإسلام الحل البديل عن الربا بقوله تعالى : ((واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) البقرة 275، ولقد عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول قاعدة اقتصادية إسلامية في الربا بقوله في حَجَّةَ الْوَدَاعِ : (....... فَلَيْسَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ إِلاَّ مَا أَحَلَّ مِنْ نَفْسِهِ أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ رِبًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .........) جزء من حديث رواه الترمذي 3367 ..

3- وضع برنامج للتخلص من مصادر الأموال الحرام ..
فالمال الحرام أساس هلاك البشرية يقول النَّبِي- صلى الله عليه وسلم -« لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِى الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ ، أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ » . البخاري 2083 .. ومصادر المال الحرام أو ما يعرف بـ ( السحت ) كثيرة ومتنوعة يصفها ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه بعض منها بقوله : ( السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحَكَمِ وَمَهْرُ الْبَغِي وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَثَمَنُ الْقِرْدِ وَثَمَنُ الْخِنْزِيرِ وَثَمَنُ الْخَمْرِ وَثَمَنُ الْمَيْتَةِ وَثَمَنُ الدَّمِ وَعَسْبُ الْفَحْلِ وَأَجْرُ النَّائِحَةِ وَأَجْرُ الْمُغَنِّيَةِ وَأَجْرُ الْكَاهِنِ وَأَجْرُ السَّاحِرِ وَأَجْرُ الْقَائِفِ وَثَمَنُ جُلُودِ السِّبَاعِ وَثَمَنُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا دُبِغَتْ فَلاَ بَأْسَ بِهَا وَأَجْرُ صُوَرِ التَّمَاثِيلِ وَهَدِيَّةُ الشَّفَاعَةِ وَجَعِيلَةُ الْغَزْوِ) ، والمال لحرام هو خبيث والله تعالى لا يحب الخبيث ، قال تعالى : \" قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب \" سورة المائدة 100 . فإذا انتشر فان الله سبحانه وتعالى سيذي ق الناس عقوبات على ذلك يقول تعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم 41 .. ويقول تعالى :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ{6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8} وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ {9} وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ {10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ {11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ {12} فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ {13} إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ {14} الفجر ، وقد ذكرنا أنواع الكسب والإنفاق الحرام ونضيف لذلك غلق قاعات الروليت والقمار وخاصة في دول العالم الإسلامي كمرحلة أولى ، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّ ؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ». رواه مسلم 4578 .. والمال الحرام مال خبيث يقول فيه تعالى : ( لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَل الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) الأنفال 37 ..
4- خلق آلية لتعميم فكرة تطبيق أداء الزكاة على مستوى العالم ، ذلك أن الزكاة تمنع تكديس الأموال في البنوك وتضخيم رؤوس الأموال لأن مالكيها سيضطرون لإقحامها في التعاملات التجارية حتى لا تأكلها الزكاة ونزول رؤوس الأموال للأسواق بمشاريع استثمارية ستكون حلا لكثير من المشكلات من أبرزها تحويل السياسة الرأسمالية إلى سياسة العمل والإنتاج وتوسع قاعدة الخدمات للجماهير وتشغيل الأيدي العاملة وغير ذلك ، كما أنها تحقق في الحد الأدنى إحساساً بالعدل فتطفئ شعور الفقراء بالظلم ، كما أنها تمنع الجرائم المالية مثل السرقات والنهب والسطو ، وما أشبه ذلك ؛ لأن الفقراء يأتيهم ما يسد شيئاً من حاجتهم و الزكاة مشتقة من زكا و تعنى النماء والطهارة والبركة وسميت الزكاة لأنها بحسب الدين الإسلامي تزيد في المال الذي أخرجت منه،‏ وتقيه الآفات، كما قال ابن تيمية‏ رحمه الله :‏ (نفس المتصدق تزكو، وماله يزكو ويطهر )،وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار‏, ‏ فأُحْميَ عليها في نار جهنم‏, فيكوى ب ها جنبه وجبينه وظهره‏, ‏ كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بين العباد‏, فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار‏.‏‏)‏ رواه مسلم‏.‏ ولو لم يكن في الزكاة مصالح العباد لما ترتب على مانعها هذه العقوبات الكبيرة ..
5- خلق نظام رقابي عالمي للتعاملات المالية يبدأ على مستوى العالم الإسلامي وليكن عن طريق منظمة المؤتمر الإسلامي أو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أو أي منظمة أخرى يعنيها أمر العالم الإسلامي يضعه أهل الحل والعقد من المختصين بالاقتصاد الإسلامي ثم يتحول على مستوى العالم يراقب الدورة الاقتصادية على مستوى العالم ويصحح المسار ،فقد أرست الشريعة الإسلامية قواعد الرقابة المالية الإسلامية والتي تطورت مع دول الخلافة المزدهرة، فأصبح لها أجهزة ودواوين تباشر رقابة فاعلة ومستمرة على مالية الدولة وحمايتها من العبث والضياع بجانب الرقابة الذاتية التي غرستها العقيدة الصادقة في نفوس المسلمين، وذلك في ظل اقتصاد إسلامي مميز عن النظم الاقتصادية المعاصرة، ورغم الفارق الكبير بين النظم الإدارية والمالية في الدولة الإسلامية وما آلت إليه هذه النظم الآن في الدولة الحديثة، إلا أن نظم الرقابة المالية الإسلامية التي باشرها ديوان المكاتبات والمراجعات وديوان الأزمة ووالي المظالم والمحتسب وديوان الجهابذة وديوان الطراز بالإضافة إلى نظم الضبط الداخلي المتبعة في دواوين الأموال، أحكمت الرقابة على الموارد المالي ة ومصارفها• فقد كانت لهذه الرقابة المالية في الإسلام سمات مميزة تنطوي على قواعد وأسس ومبادئ عامة تصلح للتطبيق العملي في الدول الإسلامية الآن وتفوق في سائر جوانبها الرقابة المطبقة في عدد من الدول الحديثة ..

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

الأسهم المالية

  • قائمة الشركات
  • دراسات في الأسهم
  • فتاوى الأسهم
  • معاملات معاصرة
  • فتاوى شرعية
  • صفحة المعاملات