اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/fatwa/sahm/58.htm?print_it=1

وقفات مهمة : ( حول انهيار سوق الأسهم في الأسابيع الماضية.)

مشبب القحطاني

 
اما بعد أيها المسلمون :
أخرج البخاري رحمه الله بسنده عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها ، وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة ، فوافوا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما انصرف تعرضوا له ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ، ثم قال : ( أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء ) . قالوا : أجل يا رسول الله ، قال : ( فأبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا ، كما بسطت على من كان من قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم ) وفي رواية عند مسلم ( وتلهيكم كما ألهتهم )

أيها الاخوة في الله : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ( فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا ، كما بسطت على من كان من قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم ) وعلى الرواية الثانية ( وتلهيكم كما ألهتهم ) لقد وقع ما كان يحذره ويخشاه صلى الله عليه وسلم في هذا الزمان ، خصوصا في سوق الأسهم هذه الأيام .. فلقد شوهد التنافس المحموم بين عدد كبير من الناس في هذه السوق ، فمنهم اشترك بجميع امواله ، ومنهم من اقترض قروضا مباحة او محرمة ، ومنهم من باع بيته وجميع ما يملك ، حتى بعض البدوا باعوا جمالهم واغنامهم ، وتسمر الجميع امام شاشات التداول واجهزت الحاسب .. وأصبح أكثر الناس يتخبطون يمنة ويسرة ..حتى وقعت الكارثة ..وانهار السوق ..

فماذا حصل ، لقد خسر صغار المستثمرين ، وضج الناس ..فمنهم من مات بالسكتة القلبية ، ومنهم من اصيب بالجلطة ، ومنهم فقد عقله ، ومنهم من طلق زوجته ، ومنهم قتل او آذى من وحوله..

قصص توجع القلب ، وتدمع العين ، وتفرح العدو ، ويضيق لها صدر الصديق ..والمسلم لا يقول امام هذه الكارثة الا انا لله وانا اليه راجعون ..اللهم أجرنا في مصيبتنا هذه واخلفنا لنا خيرا منها ..ياحي ياقيوم.

أيها الاحباب الكرام : في هذه الخطبة سيكون الحديث عبارة عن تعليق على سوق الاسهم عموما ، وما حصل بعد انهيار الاسهم قبل ايام قليلة بشكل خاص.. وسيكون الحديث على شكل وقفات اسال الله تعالى ان ينفع بها ..

الوقفة الأولى :

يجب على المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره ، فما حصل إنما هو بأمر الله تعالى ، ليعاقب من يستاهل العقوبة ، ويُحذر من يستخدم عقله في تحركاته، ولْيُخرج قوم لا ينبغي لهم أن يشاركوا في السوق..

فالله سبحانه هو الهنا وخالقنا ، هو أعلم بمصالحنا منا ، وهو أرحم بنا من امهاتنا وآبائنا .. وما حكم به علينا فهو خير لنا عرفنا ذلك أم لم نعرف .. يقول تعالى (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ، وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ، وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )

والجميع يجب أن يحمد الله تعالى أن أنار بصيرتهم حول الأسهم ، حتى ولو بخسارة كل ما يملك ..

فكون الانسان ينتبه الآن ، خير له من أن يستمر في غفلته حتى يأيته الأجل وهو يلهث وراء الدنيا ..

وما حصل إنما هو تذكير للجميع لكي يعودوا الى ربهم سبحانه ويتركوا ما هم عليه من مخالفات سواء في الاسهم او غيرها ..يقو ل عز من قائل ..{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ، لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41..

الوقفة الثانية :

يجب على كل مسلم أن يقدم طاعة الله تعالى ، ويجعل همه الأول في التفكير في الآخرة .. فيحاول أن يعمل الأعمال التي ترضي الله وترشحه لدخول الجنة ، ويترك الأعمال التي تغضب الله وتؤدي به الى النار والعياذ بالله .. يجب على كل مسلم أن يكون همه الآخرة وهو يتعامل مع أهل الدنيا وينافسهم عليها ، بل وهو يتفوق عليهم فيها .

يجب عليه أن يكون همه الآخرة وهو يتمتع بخيرات الدنيا ، ويتقلب في نعيمها ..

بل يجب عليه أن يستغل جميع ماحصل عليه من نجاحات في الدنيا ، لتحقيق الفوز برضى الله تعالى في الدنيا والآخرة ، حتى لو ادى ذلك الى ترك الدنيا باكملها ..يقول الله عز وجل مذكرا عبده المؤمن في هذا المجال :

{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ، وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ، وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ، وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }

بعض الناس هداهم الله لا يفكرون في الآخرة نهائيا مع أنهم مسلمون ، فتراهم يأخذون المال بأي طريق وبأية كيفية ، فلايحرمون حراما ، ولا يحلون حلالا ..همهم جمع أكبر كمية من المال..ويظنون أنهم بكثرة المال سيكونون سعداء ..وهذا مبدأ خاطىء وفهم قصر ، بل الواقع عكس ذلك تماما .

إن كثرة المال ليست هي السعادة، ولا العنصر الأول في تحقيقها، بل ربما كانت كثرة المال أحياناً وبالاً على صاحبها في الدنيا قبل الآخرة؛ لذا قال الله في شأن قوم من المنافقين ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) (التوبة: 55) والعذاب هنا هو المشقة والنصب والألم والهم والسقم، فهو عذاب دنيوي حاضر، على نحو ما ورد في الحديث "السفر قطعة من العذاب" وهذا ما نشاهده بأعيننا في كل من جعل المال والدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، ومنتهى أمله، فهو دائماً معذب النفس، متعب القلب، مثقل الروح، لا يغنيه قليل، ولا يشبعه كثير. وفي الحديث الذي رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، تصوير لهذه النفسية المعذبة قال: "من كانت الآخرةُ همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه ، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له"

الوقفة الثالثة : أن ما حصل من انهيار للسوق وما تبعه من انتكاسات هو نتجية حتمية لما كسبت أيدي الناس ..والناس للاسف الشديد قد اساؤا اساءة بالغة في حق ربهم ومجتمعهم ،

1) فمنهم من اقترض قروضا ربوية وهو يعلم أنها حرام.

2) ومنهم من باع واشترى في الاسهم المحرمة بنوعيها ، المحرمة تحريما واضحا او ما يسمى تدليسا على الناس بالمختلطة ..حتى ما يسمى بالاسهم النقية ، بعض العلماء يرى انها نوع من القمار..

 3) من المساهمين قصر في تربية الاود وحقوق الزوجة والوالدين ،

4) وبعض الموظفين يخرج من وظيفته ، خصوصا المعلمين هداهم الله ،

5)
والبعض يستغل وجود الانترنت في العمل فيترك العمل ويركز على الشاشة ،

6)
بل أن بعضهم ترك الصلواة والبعض تساهلوا فيها ، وانتعش سوق الربا والقمار وعلت رايته ..

وغير ذلك من المخالفات الشرعية ..

فما حصل ايها اإخوة هو نتجية طبعية لما ذكر من المخالفات او غيرها .. يقول عز من قائل { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ، وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }الشورى30

ايها الاخوة في الله اقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله وحد والصلاة والسلام على من نبي بعده

اما بعد ايها المسلمون

ان ما حصل من انهيار سوق الاسهم ، ما صاحبه من انيهارات نفسية واجتماعية ، لهو نتيجة حتمية للتعامل مع سوق الاسهم في هذا البلد ، فهو سوق ضوابط له .. كما هو الحاصل في البلدان المتقدمة ماديا ..

وقد حذر العقلاء وأهل الخبرة من الدخول في السوق والمغامرة فيه ، والذي أجزم به أن كل مساهم قد سمع صيحات التحذير على مختلف الاصعدة ، ولكن نتيجة لا يشاهده من أرباح متوهمة جعلت البعض يغامر ويدخل معمعة التداول ، حتى حصل ما حصل ..

وعموما فما حصل إنما هو خير للعقلاء ، انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )

كما انه خير للعقلاء ، كيف يعرفوا ما هو الاستثمار الحقيقي الذي ينبغي أن تفرغ له الأقات ، وتصرف فيه الطاقات ..إن الاستثمار الحقيقي ، ورأس المال الذي لا خسارة فيه أبدا ، بل إن ارباح تتضاعف الى اكثر من سبعمة ضعف ، هو الاستثمار في طاعات الله المختلفة ، والتي منها الاهتمام بالشعائر التعبدية من صلاة وصيام وصدقة وذكر لله ودعوة اليه ، وامر بالمعروف ونهي عن منكر ، وصلة للارحام واكرام للمسلمين ..

ان الاستثمار الحقيقي يكون بتربية الابناء تربية صالحة ، حتى ينفعوا الانسان شخصيا في الدنيا والآخرة ، ثم ينفعوا مجتمعهم بما يقدمونه له من خدمات ..

ان الاستثمار الحقيقي يكون بفتح مشاريع منتجة على ارض الواقع ، ينخرط فيها ابناء البلد بمختلف فئاتهم ، لكي ينفعوا أنفسهم ، وينفعوا مجتمعهم ..

أما الجلوس أمام الشاشات والزوج بالاموال في البنوك ، واغلاق المشاريع المنتجة ، او عدم فتحها ، فان هذا فيه تعريض للنفس للخاسرة كما حصل ، وفيه نشر للبطالة ، وفيه فتح المجال للمصانع الاجنبية بغزو السوق ، والتحكم فيها .. كما اتضح لنا في موضوع الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ..فاكثرنا تفاجأ بكثرة المنتجات الدنماركية في سوقنا ..فولا الله تعالى ثم وجود منتجات بديلة لم يستطع المسلمون أن يقفوا وقفتهم المباركة تلك ..

ينبغي للمسلم قبل أن يدخل في اي مشروع مالي أن يفكر في عاقبته ، وان يسال اهل العلم والخبرة عنه ، وأن يعرف مدى خدمته للمجتمع حت يحصل على الربح المادي ورفع الدرجات يوم القيامة ..

اسال تعالى أن يفرج هم المهمومين ، وأن يقض الدين عن المدينين ، وأن يجبر مصيبة المصابين وان يكفينا شر الدنيا وتقلباتها.
 

الأسهم المالية

  • قائمة الشركات
  • دراسات في الأسهم
  • فتاوى الأسهم
  • معاملات معاصرة
  • فتاوى شرعية
  • صفحة المعاملات