صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







(الخلاصات العلمية من كتب الإمام ابن القيم الجوزية)
ثانيا: 《الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية》

عبدالله سعيد أبوحاوي القحطاني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

(الخلاصات العلمية من كتب الإمام ابن القيم الجوزية)
ثانيا: 《الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية》

بنثر أبياتها وتلخيص فوائدها وتقريب مسائلها،وجل اعتمادي في هذا التقريب على حاشية المحققين لهذه المنظومة العظيمة المهيبة.
وأحب أن أشير إلى أمور :
أحدها: أن تقريبي قد اختص بالمجلد الأول فقط ،وفيه ما يقرب من (٦٥٠) بيتا.وذلك لتشعب المنظومة وصعوبتها وكثرة أبياتها ،وحتى تعم الفائدة فقد فضلت نقل فوائد كل مجلد على حدة .
وثانيها: أنني أحيل في التعريف بالمنظومة وما فيها من مسائل وما يتعلق بها على مقدمة المحققين فقد أفاضوا وأجادوا إلى الغاية.
وثالثها: أن ما بين الأقواس أرقام للأبيات التي تم شرحها ونُقِل مجمل فوائدها.
ورابعها: من نظر في هذه المنظومة عرف قدر هذا الإمام ومعرفته العظيمة العميقة بهذا العلم، بل ويعرف قصور علمه وضعف همته إلى جانب هذا الجبل ،فرحمه الله وجمعنا به في جنانه، وهذا أوان الشروع في المقصود بإعانة الواحد المعبود :

ومنها :
١-بدأ المؤلف -رحمه الله- هذه القصيدة العظيمة الكافية في هذا العلم الشريف، الشافية للعلل والأمراض والتحريف، بخطبة نثرية تبين أهمية توحيد الله ومحبته وذكره والثناء عليه سبحانه وتعالى والثناء على نبيه صلى الله عليه وسلم وما قام به من إبلاغ الدين والرحمة بالعالمين، وأن القلوب على قلبين: قلب ذكرُ الأسماء والصفات قوته وحياته،ونعيمه وقرة عينه ،لو فارقه ذكرها ومحبتها ساعة لاستغاث : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك .
والقلب الثاني:قلب مضروب بسياط الجهالة،فهو عن معرفة ربه ومحبته مصدود،وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أُنزلت عليه مسدود قد قمش شبها من الكلام الباطل وارتوى من ماء آجن غير طائل ،ثم ذكر كلاما يذم به أهل التحريف والتعطيل والتأويل والتمثيل ،إلى أن قال عن هؤلاء : فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان! وما أشد الجناية به على السنة والقرآن ! وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن! وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان .
ثم ذكر أن هناك من هو أعمى ومخذول عن عساكر الإيمان وجنود السنة والقرآن ،الذين قد أعدوا العدة لمثل هؤلاء المحرفين والمعطلين وهو في الملجأ والمغارات والمُدّخل مع الخوالف مختف ومستتر ينظر لمن الدائرة ليكون إليهم من المتحيزين ،فنصحه بأن لا يبيع نفسه بأخس الأثمان، وأن لا يعرضها غدا بين يدي الله ورسوله لمواقف الخزي والهوان،وأن يثبت قدمه في صفوف العلم والإيمان ،وأن لا يتحيز إلى مقالة سوى ما جاء في السنة والقرآن .
فوالله لمفارقة أهل الأهواء والبدع في هذه الدار أسهل من مرافقتهم إذا قيل: [ٱحۡشُرُوا۟ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ وَأَزۡوَ ٰ⁠جَهُمۡ وَمَا كَانُوا۟ یَعۡبُدُونَ]قال عمر بن الخطاب وبعده أحمد : أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم .ص٣--٢١

٢- في مقدمته النثرية قبل عرضه للمنظومة ذكر مناظرة له أو لغيره وقعت بين مثبت للصفات والعلو ومعطل لذلك،وأظهر الله فيها المثبت على المعطل ،فعزم كما قال المحقق على عقد محاكمة منظومة بين المعطل والمثبت،يقف عليها القريب والبعيد،وينتفع بها المسلمون في كل زمان ومكان.
ثم ذكر قبل الشروع في المنظومة عشرة أمثال تبين حال المعطل والمشبه والموحد بعبارات رائقة موجزة محكمة،وذكر أن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل لتقريبها المعقول من المشهود ،فراجع ما كتبه فإن فيه تقوية لمن اضطراب حاله وتشتت قلبه .وقد تركت ذكرها لطولها،والله الموفق.ص٢٢--٤٧

٣-استهل الناظم قصيدته بمقدمة غزلية في الظاهر ،ومطلعها :
حكم المحبة ثابت الأركان
ما للصدود بفسخ ذاك يدانِ
ولكنه عنى بالمحبة محبة الله عز وجل ،فإنها هي التي لا تزول أركانها،ولا يتزعزع بنيانها.ثم تخيل -على ما جرت به عادة الشعراء -أن زائرة حسناء قطعت مسافة طويلة من بلاد الشام مارة بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى وصلت إلى مكة المكرمة، وطرقت محبها العاني في داره القريبة من الصفا، وحدثته بلوعتها واشتياقها إليه حديثا معجبا ظنه صدقا،وفرح به فرحا [١--٣٩]ص٤٨--٥٨

٤-الضدان : هما اللذان لا يجتمعان وقد يرتفعان كالسواد والبياض .[١٢]ص٥١

 ٥-الجهم بن صفوان ،أبو محرز السمرقندي ،مولى بني راسب ،الكاتب المتكلم ،إليه تنسب الجهمية ،قال عنه الذهبي: الضال المبتدع ،رأس الجهمية هلك في زمان صغار التابعين ،وما علمته روى شيئا لكنه زرع شرا عظيما .قتله نصر بن سيار سنة ١٢٨.[٤٠]ص٥٨

٦-افتتح الناظم بذكر مذهب الجهمية لأنه أغلظ الفرق وأشدها،ولأن مذهب الجهم في التعطيل أصل تفرع منه كثير من الفرق الضالة كالمعتزلة والفلاسفة ومتأخري الأشاعرة وغيرهم .ص٥٨ ٧-الجهمية قالوا إن كلام الله تعالى ليس صفة قائمة بذاته سبحانه ،وإنما هو مخلوق من المخلوقات .وإضافته إلى الله تعالى إضافة تشريف كما يقال: بيت الله وناقة الله .
وقالوا أيضا: إن كلام الله حادث بعد أن لم يكن ،وأن الله صار متكلما بكلام مخلوق بعد أن لم يكن كذلك تعالى الله عما يقولون .[٤٢]ص٥٩

٨-من تناقض الجهمية أنهم يفرقون بين المتماثلاث فيقولون : صفة الحياة قائمة بذاته ،أما الكلام فهو مغاير لذاته منفصل عنه .[٤٥-٤٦]ص٥٩

٩-قال شيخ الإسلام: الخلة هي كمال المحبة المستلزمة من العبد كمال العبودية لله ،ومن الرب سبحانه كمال الربوبية لعباده الذين يحبهم ويحبونه .
وقال في موضع آخر : وأنكرت الجهمية حقيقة المحبة بين الطرفين زعما منهم أن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحب والمحبوب،وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدَث توجب المحبة.
وقال رحمه الله: ونعتقد أن الله اتخذ إبراهيم خليلا وأن الخلة غير الفقر كما قال أهل البدع. [٤٧-٤٨-٤٩]ص٦٠-٦١

١٠-الجعد بن درهم من الموالي ،مبتدع ضال ،زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما ،وقال بخلق القرآن ،سكن الكوفة، وبها قتله خالد بن عبدالله القسري.
-وخالد القسري يماني الأصل من أهل دمشق ،وكان فيه مروءة وكرم وشدة على أهل البدع، إلا أنه كان يقع في علي بن أبي طالب ،قتل في أيام الوليد بن يزيد .[٥٠-٥١-٥٢]

١١-الجهمية يقولون إن العبد مجبور على أفعاله ليس له فيها اختيار ،وإن أفعاله تصدر منه على سبيل الاضطرار ،وقالوا إن الأفعال هي في الحقيقة أفعال الله ،وليست للعبد وإنما تنسب إليه مجاز .
وضرب المؤلفة أمثلة لذلك بتحرك الرجفان -يعني المرتعش- وهبوب الريح وحركة النائم وتمايل الأشجار ،ومن المعلوم أن كل هذه أفعال اضطرارية. [٥٣-٥٤]ص٦٢

١٢-الجهمية أيضا يقولون: أن الله تعالى يعاقب العبد على ما ليس من فعله من المعاصي والذنوب وأن الله يعاقبه على فعله فيه،وقالوا : إن هذا ليس ظلما لأنه تصرف في محض ملكه وسلطانه ،لأن الظلم منه ممتنع لذاته فكل ممكن يدخل تحت القدرة ليس فعله ظلما.
وقد رد عليهم الناظم بما ملخصه:
فإذا كان الظلم محالا على الله تعالى فكيف يمدح نفسه بأنه لا يظلم كما في قوله تعالى:"ولا يظلم ربك أحدا"وقوله"وما أنا بظلام للعبيد" إذ كيف يمدح نفسه بترك شيء محال عليه أصلا وليس له اختيار في فعله أو تركه ،وكيف ينزه عن شيء لا يعقل .[٥٦-٥٧-٥٨-٥٩]ص٦٣-٦٤

 ١٣-أنكرت الجهمية أن لله تعالى حكمة ،وقالوا إنه يفعل بلا حكمة .
قال شيخ الإسلام: هذه الأقاويل أصلها مأخوذ من الجهم بن صفوان إمام غلاة المجبرة وكان ينكر رحمة الرب ويخرج إلى الجذمى فيقول : أرحم الراحمين يفعل مثل هذا؟! يريد بذلك أنه ما ثم إلا إرادة رجح بها أحد المتماثلين بلا مرجح لا لحكمة ولا رحمة. [٥٩-٦٠] ص٦٤-٦٥

 ١٤-الجهم لا يثبت المشيئة وصفا لله تعالى قائما به،بل يجعلها تارة نفس الذات،وتارة يفسرها بالفعل، وليس لله تعالى عند الجهم فعل يقوم به وإنما مراده بالفعل المفعول ،فهما قولان للجهم في المشيئة : الأول : تفسيرها بالذات ،الثاني : تفسيرها بالفعل.[٦١]ص٦٥

١٥-قول الجهم في الإيمان : أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط .
قال ابن حزم: فإن جهما والأشعري يقولان: إن الإيمان عقد بالقلب فقط،وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه،وعبد الصليب في ديار الإسلام بلا تقية.
وعلى مذهب جهم هذا إبليس واليهود والنصارى وقوم لوط وفرعون وهامان وقارون وكفار قريش . [٦٣--٧٢]ص٦٥-٦٦-٦٧

١٦-يدعي الجهم أن الحوادث يجب أن يكون لها مبدأ لامتناع حوادث لا أول لها،وبناءً على هذا المبدأ قال:إن الله تعالى صار قادرا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادرا عليه لكونه صار الفعل والكلام ممكنا بعد أن كان ممتنعا وأنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي.[٧٣-٧٤]ص٦٧

١٧-يزعم الجهم أن الجنة والنار غير موجودتين الآن وإنما تخلقان يوم القيامة، وأنهما يفنيان بعد دخول أهليهما فيهما.
ثم تلطف العلاف شيخ المعتزلة في عصره وأتى بما يضحك كما قال الناظم فقال : إن حركات أهل الجنة وحركات أهل النار هي التي تفنى وتسكن سكونا تاما،لأن الحركات كلها لا تبقى ،بل لها آخر تنتهي إليه .ثم شرع المصنف في مناقشة مذهب العلاف وأن كلامه مخالف للنقل والعقل ،وكيف يكون أهل الخلد في جناتهم وأهل النار في جحيمهم كالحجارة،ثم ذكر أن عقول هؤلاء قد مسخت وركبت على أبدان سليمة،وأنهم قد خسروا بتقديم عقولهم الممسوخة على الآثار والقرآن والأخبار [٧٦--٨٧]ص٦٨-٦٩

١٨- يرى الجهم أن العالم كله علويه وسفليه سيفنى يوم القيامة ويصير عدما محضا،والذي أوقع الجهم وأتباعه في هذه الجهالات أنهم بنو دينهم في إثبات الخالق والمعاد على إثبات الجوهر الفرد وهو الذي لا يقبل التجزؤ ولا القسمة،فصاروا على قولين : فمنهم من يقول:تعدم الجواهر ثم تعاد ،كما هو قول الجهم،ومنهم من قال: بل تفرق الأجزاء ثم تجمع ،وقولهم هذا في المعاد قاد المتفلسفة إلى إنكار معاد الأبدان.
بل قالوا جهلا بإعادة الزمان الأول الذي كان مقارنا للوجود الأول بعينه والقول الذي عليه السلف: أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال فتستحيل ترابا ثم ينشئها الله نشأة أخرى ،وكذلك الإعادة يعيده الله تعالى بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب.
وقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية فراجع الأصل ،فإن لم تتمكن فراجع حاشية النونية المُستفاد منها.[٨٨--٩٣]ص٦٩--٧٢

١٩-قول الجهمية هذا قاد ابن سينا الفيلسوف المشهور ،إمام الملحدين ،المعلم الثالث للفلاسفة المشائين كما قال ابن القيم في بعض كتبه ، أن المعاد للنفس وحدها ،وأنكر بعث الأجساد وحشرها،وتصور هو وأصحابه أن معنى البعث هو أن المعدوم يعاد بعينه صفة وعرضا وزمانا يوم القيامة لم تتحمل عقولهم وأذهانهم تصديق ذلك فأنكروه،وهو يظنون أن هذا هو معنى البعث الثابت في الكتاب والسنة .
ثم أورد الناظم النصوص التي ترد قولهم وتصرح بالتغيير والتبديل في الكيفية مع بقاء الذوات والأعيان لا كما يقول الجهم ومن تابعه أن الأكوان تفنى وتصير عدما محضا، كتبديل الأرض والسماء وتبديل جلود أهل النار عند حرقها،وتفتيت الجبال وتسجير البحار وتكوير الشمس والقمر ،وانتثار الكواكب.ومعلوم أن مثل هذه الأفعال لا يقع إلا على شيء موجود . [٩٤--١١٧]ص٧٢--٧٧

٢٠-ذكر الناظم-رحمه الله- عدة مخلوقات لا تفنى وهي: العرش والكرسي والجنة وما فيها من الحور والولدان،وأجسام الأنبياء ،وعجب الظهر الذي يركب منه خلق الإنسان، والأرواح .[١١٨--١٢٤]ص٧٨--٨٠

٢١-ينكر الجهم وجود الأرواح المستقلة عن الأبدان ،ويقول ليس هناك روح تنزل إلى البدن عند الولادة وتصعد منه عند الموت،ولكن الحياة عنده عرض من الأعراض القائمة بالبدن،فإذا مات الحي بطل ذلك العرض وفني كما يفنى السمع والبصر بفناء الجسد وهذا في غاية البطلان.[١٢٥-١٢٦]ص٨٠

٢٢-ذكر أن الروح إما أن تكون معذبة أو منعمة بالرّوْح والريحان وتصير طيرا سارحا تجني الثمار وترد الأنهار حتى تعود للأجسام.
وأرواح الشهداء في جوف طير خضر تأوي إلى تلك القناديل وهي المصابيح .وأن الروح بعد الموت أكمل حالة منها بهذه الدنيا .
والقائلون بأن الروح تعدم وتتلاشى بموت البدن وأنها عرض أي وصف يفنى بفناء البدن كسائر الأعراض أنكروا أنها تقوم بنفسها وأنها تفارقه ثم تعود إليه وأنها تعذب وتنعم .ومن هؤلاء أبو الهذيل العلاف وجعفر بن حرب وغيرهما .[١٢٤--١٣٧]ص٨٠--٨٣

٢٣-ذكر الناظم ما ذُكِر في الأحاديث بأن الله ينزل من تحت العرش ماء كمني الرجال ،وتمطر السماء أربعين يوما متتابعة فتنبت أجسام الخلق ولحومهم كمنابت الريحان،وتُخرج الأرض ما في بطنها من الموتى وتُلقيهم على ظهرها ،ويُنشئ الله الخلق في نشأة أخرى ،لا كما يقول الجاهل الحيران الجهم ومن وافقه بأنه يعدمهم العدم المحض ويأتي بغيرهم .[١٣٨--١٤٧]ص٨٣--٨٦

 ٢٤-بدأ الناظم بتفصيل مذهب الجهمية في أفعال العباد بعد أن ذكره مجملا ،فذكر أن الجهم ينفي الصفات فلا وصف عنده قائم بذات الله ،لذا فهو يزعم أن الله ليس فاعلا بفعل هو وصف له قائم به ،بل فعله هو مفعوله الخارج عن ذاته،ونفى جهم أن يقوم بالله فعل لأنه ليس محلا للأفعال ولا للصفات،وأفعاله مخلوقة من جملة المخلوقات،وقال بأن أفعال العباد هي عين أفعال الله ولا تنسب إلى العبد إلا على سبيل المجاز،لأن العبد مجبر عليها والله هو فاعلها في الحقيقة.
ويزعم الجهم أن العبد مجبور على أفعاله وهو مقهور عليها ولا تأثير له في وجودها البتة،بل الأفعال والحركات التي تصدر منه هي بمثابة الرعدة والرعشة لا اختيار له في إحداثها ولا في دفعها .وقد قر بمذهبه هذا أعين العصاة وأولياء الشيطان الذين كانوا على خوف من عاقبة المعاصي والذنوب،لعلمهم بأنها أفعالهم الصادرة عنهم بقدرتهم وإرادتهم ،حتى أراحهم جهم وشيعته من عودهم بالائمة على أنفسهم كلما أحدثوا ذنبا .فأخذوا بعد مقالة الجهم يحمّلونها ربهم جل شأنه،ويتبرؤون منها،ويقولون إنها من أفعاله لا أفعالنا ولا حيلة لنا في دفعها إذ لا قدرة لنا ولا اختيار .
وزعم أن الله قد كلف عباده ما لا يطيقون إذ نزع منهم القدرة والاختيار وجبرهم على الطاعات والمعاصي ثم أمرهم بفعل الطاعات وترك المعاصي وهذا لا قدرة للعبد ولا اختيار له فيه.
-وحاصل أصل قول الجهم في الجبر أنه ينفي عن العبد شيئين:
الأول: نفي قدرته على الفعل لأنه مجبور عليه أصلا.
الثاني: نفي لفعل العبد لأن الفعل في الحقيقة هو فعل الله وإنما ينسب إلى العبد على سبيل المجاز .
فيقال ما صاموا ولا صلوا ولا زكوا ولا شربوا ولاقتلوا ولا سرقوا ولا زنوا بل لم يختار أحد منهم الكفر ولا الإسلام إلا على وجه المجاز، فالكل مجبور مقهور غير مختار. فما أقبحه من مذهب وما أخسه .[١٤٨--١٦٨]ص٨٦--٩٠

 ٢٥-الجهمية ينفون الصفات الفعلية عن الله تعالى كالكلام والاستواء والنزول ،وشبهتهم في ذلك أن هذه من الحوادث والحوادث لا تقوم إلا بحادث .
فإذا جمعت هذا القول من نفي صفات الرب وأفعاله مع سابقه من أن العبد مجبور لا فعل له في الحقيقة ،لزم من ذلك إما عدم الفعل والخلق أو فعل وخلق بلا فاعل ولا خالق ،وهذا يبين كذبهما وزورهما.[١٦٩--١٧٣]ص٩٠-٩١

٢٦-قال شيخ الإسلام:الجهمية يقولون: أسماء الله مخلوقة ،والاسم غير المسمى ،وأسماء الله غيره ،وما كان غيره فهو مخلوق ،ويقولون إنه سمى نفسه بهذه الأسماء بمعنى أنه خلقها في غيره.فانظر إلى هذا التعطيل وما تضمنه من نفي وحجد وكفر .ثم يزعم أن في هذا تنزيها لله تعالى عن التشبيه والتجسيم والحدوث.
والجهلة من الناس لما رأوا حسن الكلام والتزيين من الجهم وشيعته لمذهبهم الباطل اتبعوهم عليه وافتتنوا به كافتتان اليهود بالعجل الذي صاغه لهم السامري لما غاب عنهم موسى عليه السلام وذهب لموعد ربه تعالى.[١٧٤--١٨١]ص٩١--٩٣

٢٧-قال الشيخ هراس:من تأمل في معتقدات الفرق التي تنتسب إلى الإسلام وجد أن مذهب الجهم في التعطيل والجبر أصل تفرع عنه كثير من فرق الضلال كالمعتزلة والفلاسفة ومتأخري الأشعرية والقرامطة الباطنية وملاحدة والصوفية القائلين بالحلول والوحدة .
ولم يبق من أقواله قول إلا وقد قلدته فيه فرقة من الفرق،فورثوا أقواله منه ولم يتركوا منها شيئا كما يورث الميت .ولم ينج من أقواله سوى أهل القرآن والسنة الذين تبرؤوا من هؤلاء كما تبرأ علي من الشيعة الذين غلو فيه،وكما تبرأ موسى عليه السلام من اليهود الذين عبدوا العجل.[١٨٢-١٨٧]ص٩٣-٩٤

٢٨- ذكر الناظم في المقدمةأنه عازم على عقد محاكمة بين المعطل والمثبت ،وقبل عقد مجلس التحكيم ذكر مقدمة نافعة فيها من الأوصاف والآداب التي ينبغي لطالب الحق أن يتحلى بها عند المناظرة فذكر مايربو على سبعين بيتا ومجملها ما يأتي :
-التمسك بالكتاب والسنة في كل الأمور وأن يضرب كل معطل بسيف الوحي .
- التجرد والإخلاص لله مع الصدق والصبر تحت لواء الهدى وعدم الجبن والصدع بالحق ولو قل المعين والناصر .
- الثبات وعدم الخوف من كيد العدو ومكره وبهتانه وكذبه ولو كثروا،فإن جنوده عساكر الشيطان،وأتباع الرسل جنودهم ملائكة الرحمن، ونصر الله قريب من كل صابر.
-إخبار أهل الحق بعيوب أهل البدع والمداخل التي يدخل عليهم من خلالها لهزيمتهم ورد كيدهم.
-إشغال عساكر الشيطان عند الجدال وتشكيك بعضهم في بعض .
-التحذير من ثوبين من لبسهما لاقى الردى والهوان ،الجهل المركب والتعصب .
-التحلي بالإنصاف ،وخشية الرحمن والنصيحة للرسول ،والتمسك بحبله ووحيه والتوكل عليه .فهو سبحانه على الحق في قوله وفعله وحكمه جل جلاله ، والهادي للصراط المستقيم .
-اليقين بأن الحق منصور ومُمتَحن لأن هذه سنة الرحمن ،ولكي يظهر حزب الله من حزب الشيطان، والعقبى دائما لأهل الحق إن لم يحصلوها في الدنيا فهي لهم في الآخرة.
-أوصى بأن يكون للقلب هجرتين:
الهجرة الأولى إلى الرحمن بالإخلاص في السر والعلن وقصد وجه الله بالأقوال والأعمال والطاعات والشكر فبهذه الأمور ينجو من الشرك الأصغر والأكبر ويكون عبدا مخلصا لله .
الهجرة الأخرى إلى الرسول الكريم المبعوث بالحق المبين فيدور مع قول الرسول وفعله نفيا وإثباتا.
-تحكيم كتاب الله وسنة رسوله وتقديمها على كل حكم وكل قول ففيها الشفاء والهداية، ولا تسمع لداعي الكفر والعصيان من تحكيم العقل وأقوال مشايخهم وتقديمها على الوحيين فإنه لا كرامة لهم ولا نُعمى لهم.
-الثبات عند تكاثر الخصوم وصيحاتهم فإنما هي مثل الدخان يرتفع إلى أرفع أوج ثم يهوي إلى أسفل الحضيض .
-أن أهل الحق لا يعولون في قتال أعدائهم على كثرة عددهم أو تنوع عدتهم بل على جليل الأعمال وصالح العبادة والذل لرب العالمين ،ولو اعتمدوا على قوتهم لما استطاعوا أن يفتحوا البلاد وهم ما يكادون يواجهون عدوا إلا وهذا العدو يفوقهم في العدد والعدة .
-ذكر أن شجاعة الفرسان الزهد في النفس والاستهانة بالموت مادام على الحق ،وشجاعة الحكام والعلماء الزهد في ثناء الناس ومدحهم ما دام الله راضيا .
-ذكر أن من توفر لديه قوة وشجاعة أنه لا ينبغي أن يشتغل بقتال الضعفاء والجبناء الذين يكونون غالبا في أطراف الصفوف لا في مركزها ووسطها،بل يقذف بنفسه في قلب صف العدو الذي يكون فيه الأبطال والشجعان ثم يقاتلهم ليشرد بهم من خلفهم .
-حث على الصدع بأمر الله وألا يخشى أحدا إلا الله،وأن يهجر أهل البدع وأهل الأهواء لأجل الله وفي سبيله وطلب رضاه هجرا جميلا بلا أذى ،وأن يصفح ويصبر بغير تسخط وشكاية.
-تدبر وتفكر بقلبك وعين بصيرتك في حال هذا الخلق واجعل لك فيه نظرين:
أنك تنظر إليهم بعين الحكم فترحمهم لأن مشيئة وإرادته فيهم لا ترد ،والمراد بعين الحكم "الإرادة الكونية" التي ترادف المشيئة وتتعلق بكل مايشاء الله فعله وإحداثه ،وهي شاملة لجميع الحوادث من خير وشر .
وتنظر إليهم بعين الأمر وهي"الإرادة الشرعية" فتحملهم على أحكام الله فقد حرم عليهم الزنا والسرقة وإن أرادهما منهم كونا ،فإذا وقعا فحد الزاني واقطع السارق ولا تعطل الحكم الشرعي بحجة أن هذا مراد كونا.
ثم اعلم أن اهتداء الإنسان إلى الطريق السوي ونجاته من الطرق المنحرفة فضل ومنة من الله وحده فلا ينبغي للعبد أن يعجب أو يغتر فلو شاء الرب لجعله منهم فالقلب بين أصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء.
- الناظم يحذر من كمائن النفس وغرائزها وشهواتها المحرمة والانتصار لها متى ولجت في باطل أو وقعت في تقصير ،فمتى انتصر لها كان شأنه كمن أراد أن يطفئ الدخان بموقد النيران .
- ثم ذكر أن الله أخبر أنه لن ينصر عبده بمجرد التمني بل العبرة بطاعة الله سبحانه واتباع شرعه ،فمن يعمل صالحا يفز بالجنة ومن يعمل سوءا يجز بها .
-ثم ختمها بقوله :
هذه وصية ناصح ولنفسه
وصّى وبعد لسائر الإخوان
[١٨٨--٢٦٠]ص٩٦--١٠٧

٢٩-في أول عقد مجلس التحكيم ذكر أن من تحلى بالصفات التي تقدمت من العدل والإنصاف والإخلاص وغيرها مما ذكر جلس للحكم بين هذه الطوائف لأنه بصفاته هذه قد أصبح أهلا لذلك.
والحكم بالنقل الصحيح القرآن وما ثبت من السنة،وبعده العقل الصريح السالم من الشبهات والشهوات والفطرة التي فطر الله الناس عليها.[٢٦١-٢٦٢]ص١٠٧-١٠٨

٣٠-ضرب الناظم -رحمه الله-مثلا للطوائف وأهل المذاهب واعتزاز كل منهم بقوله برفقة شرعوا في السفر ،وقصدهم واحد ،لا يطلبون إلا الحق ،فسلكوا طريقا واحدا في مبتدأ سيرهم،فلما جد بهم السير وصلوا إلى مفترق الطرقات،فحينئذ سلك كل فريق من هذا الركب طريقا غير طريق صاحبه. ثم رجعوا من سفرهم آيبين وعرضوا تجارتهم وما حصلوه في سفرهم وثمرات سعيهم على العالم العادل ليحكم بينهم بالحكم الموافق للنقل والعقل والفطرة .[٢٦٣-٢٦٤]ص١٠٨

٣١-شرع الناظم في ذكر أشد الفرق ضلالا وزيغا وهم القائلون بوحدة الوجود ويسمون أيضا بالاتحادية ،وهم قوم يزعمون أن الخالق اتحد بالمخلوق حتى صار هو هو .وحقيقة قولهم تعطيل الصانع بالكلية،والقول بقول الدهرية الطبيعية.ويقولون: إن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى الله عن ذلك، فالسماء ونجومها والأفلاك والشمس والقمر والسحاب والثلج والأمطار هي عين وجود الرب،لا أنه منفصل عن ذاته وإن كان مخلوقا له مربوبا مصنوعا له وقائما به .[٢٦٥--٢٦٨]ص١٠٨--١١٠

 ٣٢-يزعم القائلون بوحدة الوجود: أن هذه البسائط الأربع(الماء والهواء والتراب والنار) منها تتركب سائر الموجودات،كقول الطبيعيين القدماء.ويزعمون أيضا أن الله تعالى قبل إيجاد المخلوقات كان في عماء فأوجد من هذا العماء جميع صور العالم،وفيه الملائكة والعقل والنفس والطبيعة.[٢٦٩-٢٧٠]ص١١٠

 ٣٣-يزعم القائلون بوحدة الوجود قبحهم الله: أن الله تعالى محتاج إلى هذه المظاهر والعوالم لأنه يظهر فيها، وهي محتاجة وفقيرة إليه لأنه هو جوهرها وروحها.
وأن تلك المظاهر باعتبار أن ذلك الوجود المطلق هو قوامها الحامل لها فهي لا تزال تتوارد عليه في عملية إيجاد وإعدام مستمر كلما فنيت صورة خلعت ذلك الوجود ولبسته أخرى ،وكذلك هو يظل يلبسها ويخلعها بلا انقطاع ،وهذا حكم اقتضاه ظهور هذا الوجود فإنه لو دام على إطلاقه لما أمكن رؤيته وظهوره للعيان .[٢٧١--٢٧٤]ص١١١

٣٤-لما احتج على القائلين بوحدة الوجود بأن الموجودات المشاهدة كثيرة متنوعة متعددة فكيف تقولون : إن الوجود واحد؟ قالوا : إن الموجود واحد وهذه الموجودات أجزاء له وهي بالنسبة لهذا الوجود المطلق كنسبة الأعضاء المختلفة لجسم الإنسان والحيوان إليه أو كنسبة قوى النفس المختلفة إليها أي: أنها كنسبة الجزء إلى كله، وقد اتفق على ذلك أئمتهم الزنادقة ابن عربي وابن سبعين والعفيف التلمساني الذي هو غاية في الكفر والبهتان.[٢٧٥--٢٧٩]ص١١٢

٣٥-كتاب "فصوص الحكم" ألفه هادم الدين ابن عربي،حكى شيخ الإسلام كفره في عدة مواضع وشارح الطحاوية وغيرهما من أهل العلم .
وابن سبعين الإشبيلي وأقواله أقبح وأكفر من أقوال ابن عربي .
والعفيف التلمساني أعظمهم تحقيقا لهذه الزندقة والاتحاد التي انفردوا وأكفرهم بالله وكتبه ورسله وشرائعه واليوم الآخر قاله شيخ الإسلام. [٢٨٠-٢٨١]ص١١٣-١١٤

 ٣٦-ذهب التلمساني قبحه الله إلى أن الوجود كله شيء واحد في نفسه لا تكثر ولا تعدد فيه أصلا .وهذه الكثرة التي نراها بأعيننا أو نتخيلها في نفوسنا لا حقيقة لها،بل هي من أغلاط الحس الذي قد يرى الشيء الواحد كثيرا ،والوهم الذي قد يتخيل الصورة الواحدة صورا متعددة .وذلك الغلط في الحس والوهم من طبيعة الإنسان .
فالضيف والمأكول عنده وعند من يقول بمقالته شيء واحد ،وكذلك عين الواط والموطوء. [٢٨٢--٢٨٦]

٣٧-وهذا قول رابع للاتحادية،وهي أن هذه الموجودات إنما هي مظاهر وتجليات لشيء واحد ،وهذه المظاهر ذات توحد أي انفراد وذات مثان أي تعدد.وقد أورد شيخ الإسلام هذا القول في معرض حكايته لأقوال أهل وحدة الوجود، ونسبه إلى الصدر الفخر الرومي من كبار تلامذة ابن عربي وأئمة الاتحادية أخزاهم الله .[٢٨٧-٢٨٨]ص١١٦

٣٨-القائلون بوحدة الوجود وإن تنوعت عباراتهم واختلف ظاهر كلامهم فإن مقصودهم وحاصل كلامهم شيء واحد وهو أنه ما ثم غير الله في هذا الوجود .
فلم يصونوه عن الإنس والجن والشجر والحيوان ولا عن الطعم والريح والصوت والألوان والمنكوح والمذبوح تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .[٢٨٩-٢٩٤]ص١١٧

 ٣٩-يرى أصحاب وحدة الوجود أن جميع أهل الملل على حق،حتى المجوس عبدة النار والمشركين عباد الأوثان والأصنام ليسوا كفارا ولا ضلالا،لأنهم حينما عبدوا النار والحجارة وغيرها ما عبدوا إلا الله،والهدى والإيمان عندهم أن تعبد وتعظم كل شيء ولا تخصص منها شيئا ،وأنك إذا خصصت منها شيئا دون شيء وقعت في الضلال .
ولذا فرعون عند هؤلاء لم يكن كافرا ،بل كان قوله حقا وتغريقه في البحر تطهير له من الأوهام والظنون .
وقالوا أيضا أن موسى لام هارون وجره بلحيته لأنه لم يتسع صدره لما فعله قومه وإنما أنكر عليهم ،وقالوا : إن هارون أنكر على عبّاد العجل عبادتهم لأنه لم يصل إلى درجة العارفين التي وصل إليها موسى فيدرك أن الإله تجلى في هذا العجل ،تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .[٢٩٥--٣٠٥]

٤٠-ابن عربي الملحد الخبيث الذي يسمونه العارف والشيخ الأكبر، ذكر الشيطان في مجلسه فخر ساجدا ،فقيل له في ذلك فقال : وهل ثم غير الله .
فكل شيء كالشمس والأصنام والشيطان والواطئ والموطوء عند الاتحادية الكفرة هو عين الله والكل عندهم معبود،فسبحان الله وتعالى كيف يكون معبود الأمة موطوءها، فما أشد كفرهم بل لشدة كفر الاتحادية صار جميع الكفر والضلال جزءا يسيرا من كفرهم .[٣٠٦--٣١٢]ص١٢١-١٢٢

 ٤١-لما فرغ الناظم رحمه الله من بيان مقالات أهل وحدة الوجود شرع في بيان مقالة أهل الحلول الذين يقولون : إن الله بذاته في كل مكان من دون أن يُرى كالهواء الذي يملأ الخلاء ولا يراه أحد،فلم يصونوه عن الآبار والقبور والحشوش ولا الأعطان وهذا قول طائفة من الجهمية المتقدمين كالنجارية -قبحهم الله وأخزاهم.
بل منهم من يقول إن هذا العالم جسم كبير والله تعالى هو الروح الكامنة في هذا الجسم المدبرة له ،فهو سار في جميع أجزائه كحلول الروح في البدن الإنساني والحيواني .
وهؤلاء لم يصرحوا بأن الله ليس في داخل العالم ولا خارجه ولا هو فوقه ولا حال فيه،لكنهم قصدوه وطلبوه ولم يجرؤوا بالتصريح به خوفا من عسكر الإيمان ،وقد رد عليهم إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل-رحمه الله- في كتابه " الرد على الجهمية والزنادقة"وغيره من أهل السنة والجماعة. وقد أشار ابن القيم أنهم خصوم لأصحاب السنة بل هم خصوم منزل القرآن سبحانه وتعالى .[٣١٣--٣٢١]ص١٢٢--١٢٤

 ٤٢-ذكر الناظم بعد هؤلاء فريقا آخر مقارب لهم فعطلوا وكذبوا فيما ادعوه تنزيها للرحمن إذ قالوا : إن الله ليس داخل العالم ولا خارجه ولا حالا فيه ولا فوقه وليس في مكان من الأمكنة،فرارا من وصف الله بالجسم أو الحيز والحاجة إلى مكان.
-وحقيقة قولهم أنه ليس فوق السموات العلى والعرش رب ولا رحمن ،بل ليس فوق العرش إلا العدم الذي لا حقيقة له في الخارج .
-ولما وصفوا الله تعالى الله بوصفهم هذا قالوا: ليس بعض المخلوقات أحظى به من بعض ،بل هي سواء بالنسبة إليه،فحظ العرش من ربه كحظ التراب وقواعد البنيان .وهذا الفريق هم نظار الجهمية والمعتزلة وبعض متأخري الأشاعرة .[٣٢٢--٣٢٨]ص١٢٤-١٢٥

٤٣-ومن شبه من أنكر أن الله تعالى فوق العرش: أنه لو كان فوقه لكان محصورا وجسما مركبا محدودا ،وهذا تشبيه له بخلقه ،ولا يجوز لله تعالى .
ثم ذكر الناظم قصة للجويني حول هذا المعتقد في عدة أبيات خلاصتها:
أنه سئل : هل الباري في جهة؟ فقال : لا هو متعال عن ذلك،قيل له: مالدليل عليه ؟ قال : الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تفضلوني على يونس بن متى" فقيل له:ما وجه الدليل من هذا الخبر ؟ فقال: لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دينا،فقام رجلان فقالا: هي علينا ،فقال: لا يتبع بها اثنين لأنه يشق عليه،فقال واحد:هي علي ،فقال: إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت وصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث ونادى كما أخبر الله،ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم حين جلس على الرفرف الأخضر وارتقى به صعدا حتى انتهى به إلى موضع يسمع صريف الأقلام وناجاه ربه بما ناجاه به وأوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى الله من يونس في ظلمة البحر .
-ومراده : أن الله تعالى ينزه أن يختص به علو أو سفل بل هما سواء في حقه سبحانه وتعالى .
-وزعم هذا القائل : أن رسول الله خص يونس عليه السلام بالذكر من جملة الأنبياء لأجل بيان أن قربهما من ربهما متساو لم يفضل أحدهما الآخر،وأن العلو والسفل مستويان في حق الله،وهذا تحريف وبهتان وميل عن الشرع القويم وباطل خالص لا يخالطه أدنى قدر من الحق ،فاحمد الله أيها السني أن عافاك من هذا التحريف والبهتان.
بل وحتى المجسم الغالي في تحديد صفات ربه وتصوير كيفياتها وهيئاتها مع فساد طريقته وكونه في الحقيقة يعبد وثنا صورته له نفسه الضالة لم يبتل بمثل بلوى هؤلاء المعطلة،بل هم أشد بلوى منه ،كما قال شيخ الإسلام:"مرض التعطيل شر من مرض التجسيم".
ثم ختم هذا الباب بقوله
أمثال ذا التأويل أفسد هذه ال
أديان حين سرى إلى الأديان
والله لولا الله حافظ دينه
لتهدمت منه قُوى الأركان
.[٣٢٩--٣٥٠]ص١٢٦--١٣٠

٤٤-ثم ذكر الناظم -رحمه الله- أنه فتش في كل مكان وكل الجهات وبذل جهده في الدلالة على المعتقد الصحيح الذي يعرفه بالله فلم يجد ما يدله إلا أهل القرآن والحديث الذين يثبتون العلو لله تعالى.
ثم ذكر بعض الأدلة من القرآن والسنة الدالة على علو الله سبحانه وتعالى ،وخلاصتها : أن الله تعالى عال على خلقه مستو على عرشه لا مستول عليه، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح ،تعرج الملائكة والروح إليه، وتتوجه أيدي السائلين إليه نحو العلو بالفطرة،قد عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء في حادثة الإسراء والمعراج نحوه، وإليه رفع المسيح عيسى عليه السلام وسينزل في آخر الزمان، وأن روح المؤمن تصعد إليه،وقلوب الخلق بفطرتها تتجه إليه عند الدعاء والاستغاثة به تعالى دون أن يدلها أحد أو يتواصوا على ذلك، نظير إقرارهم به سبحانه وتعالى والخضوع له .[٣٥١--٣٦٧]ص١٣١--١٣٦

٤٥-ذكر أن أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم جهال مخذولين جبناء أصحاب خور وعقول ناقصة ويأتون بكناسة الحجج والبراهين لإثبات مذاهبهم وأنهم من حزب حنكيز خان .
فإذا سئلوا عن أهل السنة أصحاب الحق وأصحاب الحج القوية والعبارات والواضحة قالوا عنهم:
- مشبهة ومجسمة فلا تسمع لأقوالهم والعنهم واحكم بقتلهم واحبسهم وشردهم عن الأوطان، وحذر أصحابك منهم فهم أضل من اليهود وعباد الأوثان، واحذر أن تجادلهم وغالطهم.
- ويؤولون الآيات والأحاديث ويكذبون أخبار الآحاد لأن دلالتها ظنية في زعمهم وليست قطعية.
ومن وصايا شيوخهم المبادرة بالاعتراضات والشبه على الدين وأن يشغل الوقت بذلك حتى لا يجدوا فرصة للقول والاحتجاح بالآيات والأخبار .
ثم قال الناظم: فإن وافقت هؤلاء صرت مثلهم في الزندقة والكفر .[٣٦٨--٣٨٨]ص١٣٧--١٤٠

 ٤٦-ثم ذكر الناظم محصلة سفر راكب أحمق طوف بأصحاب المذاهب وأعجبته مقالة أهل السنة والجماعة فوسوس إليه صاحبه الجهمي وأن ما ثم شيء غير الكون ،ثم قام هذا الخاسر يدلل على ما قرره من الجحود والإنكار ،فيقول:
لو كان للأكوان رب خالق لكان مذهب المجسمة-يقصد بهم أهل السنة- قبحه الله هو أصح المذاهب وأقواها برهانا وأولاها بالقبول،فإن القول بوجوده يقتضي القول بأنه بائن عن المخلوقات.
أما القول بأنه في المخلوقات أو لا داخل العالم ولا خارجه فهذا كله من الهذيان والتناقض ،وإذا صح أن مذهب أهل السنة هو الموافق للعقل والنقل والبرهان استحق أن يكون المذهب الحق ويكون أهله فوق الخلائق دون منازع أو مخالف.
ثم قال:
فدع التكاليف التي حمّلتها
واخلع عذارك وارم بالأرسان[٣٨٩--٣٩٥]ص١٤٠-١٤١

 ٤٧-لا زال الناظم في معرض كلامه عن الجهمية ونظرائهم ومذاهبهم الفاسدة ومنها أنه لو كان الله في العلو على عرشه لكان معنى هذا أنه محتاج إلى مكان يكون فيه وللزم أن يكون متحيزا،وعند الرد عليهم لا ينبغي إطلاق نفي الحيز عن الله تعالى لأن لفظ الحيز من الألفاظ المجملة التي يراد بها معان متعددة ولا تثبت أو تنفى عن الله تعالى إلا بعد الاستفصال عن مراد مطلقها بها،فإن أراد بها معنى موافقا للكتاب والسنة قُبل منه المعنى دون اللفظ وإن خالف رُد اللفظ والمعنى ،ولفظ المكان كذلك كلفظ الحيز .
وكذلك من شبه الجهمية في نفي صفة الكلام عن الله تعالى أن الكلام بحرف وصوت من خصائص الأجسام وسيفصل الناظم هذه الشبهة في موضع آخر ويرد عليها.
فإذا انتفت صفتا العلو والكلام لم يبق مع هذا يبق مع هذا النفي إيمان ،وهو يريد بذلك أن يتوصل إلى إنكار الله جل وعلا .[٣٩٦-٣٩٩]ص١٤٢--١٤٣

 ٤٨-إذا أنكرت الجهمية والمعتزلة وغيرهم من أهل البدع صفتي الكلام والفوقية لله وأن العرش خال من الرحمن والكلام ليس من صفات الله وأنه لم يتكلم بالقرآن فلا تنظر إلى حدود الأمر والنهي التي حدها لك الله تعالى بل جاوز هذه الحدود وتعدها وحرر نفسك من قيود الأمر والنهي وكن تبع هواك فما اشتهيت فافعله وما لم تشتهِ فاتركه.[٤٠٠--٤٠٨]ص١٤٣-١٤٤

٤٩-يظن طوائف من أهل البدع وأهل الكلام وكل خاسر أنك إذا قلت : ليس فوق السماء إله يحاسب الناس،ولا على العرش رحمان،ولا للخلق مدبر ،ونفيت الكلام منه بجميع صوره،تكون قد اكتشفت السر الذي عجز عنه الكثيرون وفزت بالكنز الذي حرمه الكثيرون،وعلمت أن ما يقوله الناس من المثبتة وغيرهم في هذا الباب تخليط وهذيان.[٤٠٩]ص١٤٤-١٤٥

٥٠-شرع الناظم -رحمه في ذكر بعض ما يجب اعتقاده وأطال وكأنه يرد على المعطلة والمشبهة فكن معتقدا لما يُذكر ،ومنها:
-أن الله تعالى فوق عرشه بائن من خلقه غير مختلط بهم ولا حال في شيء منهم سبحانه وتعالى. والكرسي موضع قدميه سبحانه .
- أن الله يسمع ويرى كل شيء سبحانه ولا تخفى عليه خافية وبينه وبين خلقه سبع سماوات بل ثمان إذا حسب معها العرش .
-أن القرآن كلام الله من بدأ أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره كما يقوله أهل البدع، وإليه يرجع،يسرى به في آخر الزمان من المصاحف والصدور فلا يبقى في الصدور منه كلمة ولا في المصاحف منه حرف .
-أن صفة السمع والبصر ثابتان لله على الوجه اللائق به سبحانه .
-أن صفة الإرادة بنوعيها الكونية والشرعية ثابتة لله تعالى ،وصفة القدرة أيضا والكره والمحبة والحنان والعلم .
-أن كلام الله تعالى بحرف وصوت مسموع، كلم موسى بكلام يسمع وناداه والنداء بإجماع النحاة الدعاء بأرفع الصوت وناجاه .وكلاهما صوتان .وأهل البدع يزعمون أن إثبات الكلام لله تعالى بالنداء والنجاء فيه محذوران :
قرب المكان وبعده وذلك يستلزم التجسيم ،وإثبات الصوت لله.فبعدا لهم وقبحا .
-أن محمدا أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات حتى دنا من الجبار .
-أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه كما هو قاله مجاهد وابن جرير الطبري وهو قول أبي الحسن الدار قطني. قال شيخ الإسلام: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه،لا يقول إن إجلاسه على العرش منكر وإنما أنكره بعض الجهمية، ولا ذكره في تفسير الآية منكر .
-أن لعرش الرحمن أطيط كالرحل بالراكب وليس صفة لله معاذ الله إنما ذلك صفة للرحل والعرش .
-أن الله لما كلم موسى وطلب منه رؤيته وتجلى الرب للجبل أصبح مدكوكا ترابا بعد أن كان جبلا عظيما متماسكا .
-وأن لله وجها ،وله يدان وكلتا يديه يمين يطوي بها السماوات والأراضين ،ويمين الله ملأى لا ينقصها نفقة سحاء الليل والنهار. وفي يده الأخرى الميزان يرفع ويخفض ،وأن الخلق يوم القيامة عند اهتزازهم فوق أصابع الرحمن ،وأن قلوب العباد بن أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.
-وأن الله يضحك للرجل يقاتل خلف الكتيبة وفي صفوف المسلمين، وللرجل يقوم يصلي ويتلو القرآن في جوف الليل ،وكذلك يضحك من قنوط عباده إذا أجدبوا والغيث منهم قريب .
- وأن من صفاته الرضا عن المؤمنين، والغضب على الكافرين والعاصين .
-وأنه ينادي يوم القيامة فيسمعه من بَعُد كما يسمعه من قرب ،وينادي أنا الديان أنا الملك ولا يظلم ربك أحدا.وتشرق الأرض بنوره وتضيء إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء .
- وأن الله يكشف ساقه فيسجد لذلك كل مؤمن ومؤمنة ،ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار،ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها .
وأن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر ،وفي بعض الروايات ينزل في ثلث الليل الثاني ،وفي بعض الروايات: إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ،وأصح الروايات رواية الثلث الأخير لاتفاق البخاري ومسلم على إخراجها .لذا اعتمدها أهل العلم دون الروايات الأخرى.
وقد جمع ابن القيم هذه الروايات في كتاب الصواعق المرسلة فراجعه.
فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه ،من يستغفرني فأغفر له .
-وأن الله ينزل نزولا ثانيا لفصل القضاء يوم القيامة فيجزي الناس بأعمالهم،وذلك بعدما يطول مقامهم ويستشفعون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
-وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة ويسمعون كلامه.
- وأن لله قدما وأنه يضعها على النار فتقول قط قط -أي حسبي وكفاني -فهنالك تمتلئء وينزوي بعضها إلى بعض .
-وأن الله يكلم كل أحد ويخاطبه ويحاوره ليس بينه وبينه ترجمان.
- صفات الله تعالى قسمان :
الأول : صفات ذاتية كالحياة والسمع والبصر ،وهذه أنكرها أهل البدع لزعمهم :أن وصف الله تعالى بها يؤدي إلى تشبيهه بالأجسام .
الثاني: صفات فعلية اختيارية تتعلق بقدرته تعالى ومشيئته كالنزول ،وهذه أنكرها أهل البدع لزعمهم أنها حوادث والحوادث لا تقوم إلا بحادث .
وأهل السنة يثبتون جميع هذه الصفات على مراد الله ورسوله أما أهل البدع فتفرفت بهم السبل في ذلك .[٤١٠--٤٥٧]ص١٤٦--١٦٦

٥١-ثم ذكر الناظم على لسان المبتدع ما أوصى به صاحبه فمن ذلك :
-أن يكون جريئا في تعطيل الصفات غير جبان .
-أن الناس افترقوا في صفات الله إلى ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: المعطلة الذين نفو جميع الأسماء والصفات كالجهمية .
الفرقة الثانية:المثبتة الذين أثبتوا جميع الأسماء والصفات على مراد الله ورسوله ،وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة الفرقة الثالثة : قوم تناقضوا فأثبتوا بعض الصفات ونفوا البعض الآخر ففرقوا بين المتماثلين بلا دليل ،كالأشاعرة .
ثم يقول المبتدع لصاحبه:
أنت لا تستطيع أن تكون رابعا لهؤلاء بل اختر واحدا ،ولكن احذر أن تختار الإثبات لأنه تجسيم ولا التناقض لأنه غير مقبول ولا متصور عقلا،ولكن كن معطلا ولا تبقى بغير مذهب فتكون كالحمير والثيران .[٤٥٨--٤٦١]ص١٦٧

٥٢-ثم ذكر الناظم ما تناقض في الأشاعرة ومن ذلك :
-أن المخاطب إذا كان ممن يقر بأن الله حي بحياة عليم بعلم قدير بقدرة سميع بسمع بصير ببصر متكلم بكلام مريد بإرادة ،يجعل ذلك كله حقيقة وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهيته فيجعل ذلك مجاز ،قيل له : لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته ،بل القول في أحدهما كالقول في الآخر .
فإن قلت :إن إرادته مثل إرادة المخلوقين ،فكذلك محبته وغضبه،وهذا هو التمثيل.
وإن قلت: له إرادة تليق به كما أن للمخلوق إرادة تليق به،قيل لك: وكذلك له محبة تليق به وللمخلوق محبة تليق به .وهذا نص كلام شيخ الإسلام في التدمرية.
-أن من نفى شيئا من الصفات مخافة الوقوع في التشبيه والتجسيم لزمه فيما أثبت ما يلزمه فيما نفى ،إذ أن في قوله تناقضا وتفريقا بين المتماثلاث، فالباب واحد كما ذكر الناظم ويشهد لذلك العقل،وقبله يشهد الميزان وهو الشرع والعدل .
وهذا ينطبق عليه اللفظ الذي نبز به أهل السنة من أنهم مجسمة ،فيكون هو أيضا مجسما لأنه أثبت بعض الصفات ،وقد وصفه أيضا الناظم بأنه متناقض ديصاني ،والديصانية: فرقة من فرق مجوس الفرس ،وهم أصحاب رجل يقال له : ديصان أثبتوا نورا وظلمة فما كان من خير فمن النور وما كان من شر فمن الظلمة ،وتناقضوا فزعموا أن النور اختلط بالظلمة .[٤٦٢--٤٦٦]ص١٦٨

٥٣-ذكر الناظم هنا خطاب النافي المعطل إلى المتناقضين في الصفات وهم الأشاعرة ومن وافقهم في إثبات بعض الصفات ونفي البعض، فيقول لهم :
دعوا عنكم الجدل والمراوغة وصرحوا بمذهب الفلاسفة الملاحدة وانفوا كل شيء أو أثبتوا إثباتا تاما كالمجسمة ويعني بهم : أهل السنة المثبتين للصفات.
وقد ذكر الناظم بعد هذا أن الناس ما بين مثبت للصفات وهم أهل السنة ،وجاحد وهم المعطلة،وبين ذلك وهم من نفى بعض الصفات وأثبت بعضها كالأشاعرة ،وأشباه أنثى الحمار وهم الفلاسفة الذي جحدوا وانسلخوا من الإيمان فصاروا كالأنعام بل هم أضل[٤٧١]ص١٧٠

٥٤-ثم ذكر الناظم زعم نفاة الصفات أنهم ما نفوها إلا لتنزيه الخالق وتعظيمه وإبعاده عن نقص مشابهة المخلوقين، وأنهم إذا تحاكموا إلى القرآن وأخذوا بظواهر نصوصه الصريحة دون تأويل ولا تحريف وقعوا في التجسيم.وهؤلاء قد خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم من أزمان. كما أن ملوكهم عاملوا الرسل كما يعامَل الزنادقة والكذابون ،وهؤلاء ملوكهم فرعون وقارون وهامان ونمرود وماني زعيم المانوية وجنكيز خان.
-وأئمة هؤلاء هم الفلاسفة الملاحدة الأولين الذين لم يثبوا لله شيئا ومذهبهم الإنكار والجحود وأن الله ليس على العرش وليس بمتكلم بالوحي والقرآن كأرسطوا وشيعته وابن سينا والطوسي الذي قتل الخليفة والقضاة والعلماء. وال سنان أئمة التعطيل والسكين وهؤلاء إسماعلية مذهبهم الإلحاد والكفر كانوا يغتالون الناس بالسكاكين أتباع سنان البصيري. وهؤلاء كفرعون الذي أنكر على موسى قوله إن ربه فوق العالم،وإنه يتكلم بكلام يُسمع بالآذان،وإنه ناداه ،ولأجل هذا الإنكار لم يؤمن فرعون بموسى عليه السلام .
ثم ذكر الناظم أن هذا المبتدع بعدما افتخر بمن سبقه من الملاحدة بدأ يفتخر بما تركوا من كتب ومصنفات تنصر بدعتهم وضلالهم فيقول لأصحابهم : لا حاجة لكم أن تلتفتوا إلى نصوص الكتاب والسنة ولا تعتمدوا عليها في تقرير ما تريدون إذ أن عندنا تصانيف أوائلنا نعتمد عليها ،ونتلقى منها ونغالب بها خصومنا مثل كتاب الشفا لابن سينا،ورسائل إخوان الصفا وهي إحدى وخمسون رسالة، وهي أصل مذهب القرامطة .وربما نسبوها إلى جعفر الصادق ترويجا لها، والإشارات لابن سينا وكلها مخالفة مناقضة للكتاب والسنة بل لجميع الكتب السماوية.
وهذه الكتب عندهم فوق الكتاب والسنة وما فيها من البراهين والأدلة العقلية تفيد اليقين بخلاف الأدلة الشرعية التي تفيد الظن .
وقد اتفق أهل البدع على عدم حجية ألفاظ القرآن وأنها لا تفيد اليقين، واليقين إنما يثبت عندهم بالكلام والعقل والنظر .وأن قول المعلم الأول عند الفلاسفة وهو أرسطوا -قبحه الله- والمعلم الثاني وهو أبو نصر الفارابي -قبحه الله - حاكمة على القرآن وقاضية عليه ،وأن الجهم بن صفوان والجعد بن درهم قالا بقول متناقض دفعهم إليه الخوف والخور، ولم يصرحوا كما صرح هؤلاء.
ثم ذكر الناظم قول الزنديق أن قاعدة الجهم هي نفي الصفات مطلقا ثم هو بعد ذلك يقع في التشبيه بإثباته أن الله تعالى يسمع خلقه ويراهم ويعلم ما تكن صدورهم ،وأن له سبحانه المشيئة العامة والقدرة الشاملة فلا يخرج كائن عن مشيته.
والجهم يثبت أن العالم حادث وهذه الصفات التي أثبتها نقضت قاعدته التي حكم بها ،ثم هو بعد ذلك يدعي تعطيل الصفات ونفي التجسيم ويصرخ في الناس بذلك فوقع في التناقض.
وينفي الجهم ما قد نفاه من الصفات كالحياة والعلم خوفا من تشبيه الله بالمخلوقين،وأثبت ما لا يقع عنده فيه تشبيه كالخلق والإيجاد والقدرة ،وهذا من التناقض كما يقول الزنديق عنهم إذ أن الجهم بإثباته بعض الصفات قد وقع في التجسيم ،إذ الصفات لا تقع إلا على الأجسام فكيف يصرخ الجهم بنفي التشبيه والتجسيم ثم يقع فيه؟ وهو هنا يتحسر على الجهم بأنه ما أثبت ما أثبت إلا خوفا ممن حوله من أهل السنة.
أما هؤلاء الفلاسفة الملاحدة فلم يترددوا ولم يتناقضوا بل قالوا أن إثبات شيء من الصفات هو محال حتى لا يقعوا في التجسيم أو نسبة الله إلى الحدوث والإمكان الذي هو من خصائص المخلوق .[٤٧٢--٥٠٥]ص١٧٠--١٧٨

٥٥-ثم ذكر الناظم -رحمه الله بعد ذكره لاعتقادات الفلاسفة وغيرهم من أهل البدع ما قدم به ركب الإيمان وعسكر القرآن وأنهم جاءوا من المدينة من مهاجر رسولنا صلى الله عليه وسلم بالحق والبرهان والتبيان،ومن سافر طالبا للهدى ومعرفة الرب المعبود المتفرد بالملك والسلطان وأن كل معبود سواه فباطل دله على ذلك القرآن والسنة والفطرة وصريح العقل وتوافقوا على ذلك .
ثم ذكر بعد ذلك أن محبة الله والخوف منه يدور عليهما فلك العبادة ،وشروطها هما إخلاص العمل لله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لا هوى النفس واتباع الشيطان وأنه من قام بهذين الأصلين نجا من النار وسلم من غضب الله.ومن فقدهما وقع في الشرك أو الابتداع، وأهل العلم والعمل يحرصون على إحسان العمل بشرطيه لا كثرته مع فقدهما.
ويثبتون لله الصفات كالسمع والبصر فهو يرى ويسمع خلقه من فوق العرش يرى دبيب النمل في ظلمة الليل الشديدة وتقلب الأجفان سبحانه وتعالى، ويسمع أصوات العباد كلهم لا يتشابه عليه صوت.
ويعلم ما توسوس به النفس،يستوي في علمه القريب والبعيد والخفي والظاهر،يعلم ما سيكون غدا بل يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون جل جلاله .
وأنه قدير على كل شيء،وعموم قدرته يدل بأنه خالق الأفعال،وأن الحركة تقع بقدرة العبد وإرادته التي جعلها الله فيه،بخلاف الجبرية الذين نظروا إلى عموم القدرة والمشيئة فسلبوا العبد قدرته واختياره،وجعلوه مجبورا على أفعاله،وعموا عن جانب التكليف والأمر والنهي، والقدرية الذين نظروا إلى جانب الأمر والنهي والثواب والعقاب ،وعموا عن خلق أفعال العباد وعن القدر السابق وقد وصف الناظم هاتين الفرقتين بعور العين.
ثم قال الناظم بعد ذلك
فحقيقة القدر الذي حار الورى
في شأنه هو قدرة الرحمن
واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد
لما حكاه عن الرضا الرباني
قال الإمام شفى القلوب بلفظة
ذات اختصار وهي ذات بيان .
-وله الحياة الكاملة التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه ،وحياته سبحانه وحده هي الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم ولا يلحقها فناء .
وهو القيوم القائم بنفسه والقائم بأمر كل شيء في رزقه والدفع عنه وتدبيره وصرفه في قدرته.
ومدار الأسماء الحسنى كلها وإليهما ترجع معانيها على هذين الأسمين- يعني الحي القيوم-وهما مقترين اسم الله الأعظم كما في آية الكرسي وسورة ال عمران.
ومن صفاته الإرادة والكراهة والرضا والمحبة والإحسان .
وله الكمال المطلق الذي ليس فيه نقص بوجه من الوجوه ولا يعتريه تشبيه ولا تمثيل،وله المثل الأعلى في جميع صفاته وأفعاله ،وكل كمال ثبت للممكن أو المحدث لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالواجب القديم أولى به،وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق المربوب المدبر فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره فهو أحق به منه .
- وله سبحانه وتعالى الكمال المطلق الذي لا يفتقر معه إلى صفات تكمله،بخلاف المخلوق فله كمال يتطرق إليه النقص لا ينسب إلى الله تعالى كالنوم والجماع والأكل والشرب ونحوها، فهذه كمالات في حق المخلوق يعاب من لم يتصف بها من المخلوقين لأنه ناقص وهي مكملة له وهي لازمة له لأنه جسد حادث ممكن .
- ثم شرع الناظم في إثبات صفة الكلام وإثبات القول الحق فيه وأن الله لم يزل متكلما وكلامه مسموع ،وأنه قد أحكمت كلماته صدقا وعدلا طلبا وإخبارا بلا نقصان،وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بكلماته التامة من شيطانه وهامة ومن كل عين لامة،وأن كلامه من صفاته سبحانه ليس بمخلوق خلافا للمعتزلة القائلين بأن كلام الله مخلوق في بعض الأجسام وابتداؤه من ذلك الجسم لا من الله فلا يقوم بنفس الله تعالى كلام لا معنى ولا حروف،وخلافا للأشاعرة والكلابية القائلين بأن كلام الله تعالى كلام نفسي يقوم به كقيام الحياة والعلم وليس حروفا ولا أصواتا،فأثبتوا المعنى ونفوا اللفظ وجعلوا الكلام بعضه غير مخلوق وهو المعنى وبعضه مخلوق وهو اللفظ.
ثم ذكر الناظم مسألة اللفظ والملفوظ والقراءة والمقروء وأن أصوات العباد من أفعالهم أو متولدة عن أفعالهم فهي من أفعالهم فالصوت صوت العبد حقيقة والكلام كلام الله حقيقة أداه العبد بصوته كما يؤدي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره بصوته فالعبد مخلوق وصفاته مخلوقة وأفعاله مخلوقه ،وصوته وتلاوته مخلوقة والمتلو المؤدى بالصوت غير مخلوق ، وهذا إذا كان هناك وساطة كقراءة المخلوق للقرآن.
أما إذا انتفت الواسطة كما انتفت في حق موسى عليه السلام لما كلمه الله تعالى، فيكون المسموع كله من صوت وألفاظ ومعان كلام الله حقا، والمخلوق هو نفس سمع السامع المخلوق.وهذا كلام الإمام أحمد والبخاري وأئمة السنة.
ثم شرع الناظم في بيان مذاهب الفرق في مسألة الكلام كالجهمية والمعتزلة الذين يقولون أنه مخلوق ألفاظه ومعانيه ،والأشاعرة والكلابية ،وقد زعموا أن كلام الله شطران : شطر مخلوق وهو اللفظ ،وشطر غير مخلوق بل هو صفة لله تعالى وهو المعنى.
والأشاعرة تقول: إن كلام الله في النفس ،والألفاظ عبارة عنه،أما الكلابية فيقولون: إن الألفاظ حكاية عنه .وعندهم أن هذه الألفاظ مخلوقة وهو قول الوليد ابن المغيرة يشير الناظم إلى قول الله حكاية عن الوليد عندما سمع القرآن "إن هذا إلا قول البشر".
-ثم أشار الناظم إلى ما ذهب إليه الأشاعرة ومن وافقهم من الكلابية إلى أن الكلام معنى واحد قائم بذات الرب لا ينقسم ولا يتبعض ولا له أجزاء والأمر عين النهي وعين الخبر وعين الاستخبار الكل معنى واحد ،وهو عين التوراة والإنجيل والقرآن والزبور .وكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا صفات لذلك المعنى الواحد عند الأشاعرة وأنواع له عند الكلابية فإنه لا ينقسم بنوع ولا جزء،وكونه قرآنا وتوراة وإنجيلا تقسيم للعبارات عنه لا لذاته بل إذا عبر عن ذلك المعنى بالعربية كان قرآنا،وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة ،وإن عبر عنه بالسريانية كان اسمه إنجيلا والمعنى واحد .ودليل هؤلاء بيت للأخطل .
- ثم ذكر الناظم وجه اتفاق الكلابية والأشاعرة مع النصارى: أن النصارى جعلوا عيسى عليه السلام شطرين : شطرا مخلوقا وهو الناسوت،وشطرا غير مخلوق وهو اللاهوت .فاللاهوت حل في الناسوت .وكذلك الكلابية والأشاعرة جعلوا كلام الله تعالى شطرين: شطرا مخلوقا وهو الحروف والألفاظ، وشطرا غير مخلوق وهو المعنى الذي في نفس الرب جل جلاله.فالمعنى القديم الذي هو اللاهوت حل في الحروف والألفاظ التي هي الناسوت لأن هذا المعنى القديم إنما يفهم بواسطة الحروف والألفاظ .
- ثم ذكر الناظم قول طائفة من الكلابية والأشعرية فبعد أن أثبتوا لله تعالى الكلام النفسي وقالوا : إن هذا القرآن ليس هو كلام الله ولا يوصف الله أنه تكلم به قيل لهم : فمن أنشأ هذه الألفاظ إن لم تكن من الله تعالى؟ فقالوا : محمد هو الذي أنشأها،فالمعنى من الله والألفاظ من محمد صلى الله عليه وسلم، وطائفة أخرى من الكلابية والأشعرية: أن الله تعالى لم يتكلم بالقرآن ولكن جبريل عليه السلام أدرك المعنى الذي في نفس الله فأنشأ هذه الألفاظ والآيات وعلمها محمدا صلى الله عليه وسلم، وقالت طائفة ثالثة من الكلابية والأشعرية: أن الله تعالى لم يتكلم بالقرآن ولكنه خلق الألفاظ وأنشأها في كتابه في اللوح المحفوظ ،ثم إن جبريل عليه السلام يأخذه من اللوح المحفوظ وينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم ويتلوه عليه فاللوح هو مبدأ إنزاله وليس منزلا من عند الله تعالى ثم ختم هذا الباب بقوله :
هذه مقالات لهم فانظر ترى
في كتبهم يا من له عينان
لكن أهل الحق قالوا إنما
جبريل بلغه عن الرحمن
ألقاه مسموعا له من ربه
للصادق المصدوق بالبرهان [٥٠٦--٥٩٦]ص١٧٩--١٩٨

 ٥٦-ثم بين الناظم بعد هذا بعض ما ذكره الأشاعرة أيضا عن كلام الله وأنه معنى واحدا قائما بنفسه والكلابية جعلته خمسة معان وهو الكلام النفسي على ما هو معروف من مذهبهم .
ثم قالوا : إن إطلاق اسم القرآن على الألفاظ من باب المجاز وهو وضع ثان، والوضع الأول هو إطلاق القرآن على المعنى القائم بنفس الرب تعالى وهو وضع حقيقي .
ثم ذكر رد الأشاعرة على الكلابية في قولهم إن ألفاظ القرآن حكاية عن كلام الله، وأنه لا يصح لأن حكاية الشيء لابد أن تكون عين المحكي تماما، كما تقول : حكيت الحديث بعينه أي : نقلت نص الحديث دون تغيير أو تقديم أو تأخير ،ولكن نقول : الألفاظ عبارة عن كلام الله .[٥٩٧--٦١٠]ص١٩٩-٢٠٠

٥٧-ثم ذكر مذهب الاقترانية وهم السالمية ،ويجمع السالمية في مذهبهم بين كلام أهل السنة وكلام المعتزلة مع ميل إلى التشبيه ونزعة صوفية اتحادية ،وسموا بالاقترانية نسبة إلى مذهبهم الذي يقول باقتران الحروف أي أن حروف القرآن قد اقترن بعضها ببعض في الأزل ،وقد ذكر الناظم تفصيل مذهبهم والرد عليه فلتراجع .وجمهور العقلاء يقولون : تصور هذا المذهب كاف في الجزم ببطلانه .[٦١١--٦٢١]ص٢٠١--٢٠٣

٥٨-ثم شرع الناظم في ذكر مذهب الجهمية ومتأخرو المعتزلة بأن القرآن مخلوق خلقه الله كما خلق السموات والأرض وسائر المخلوقات ،ومعنى كون الله متكلما أنه خالق للكلام ،وأن القرآن عرض مفعول ،ومحال أن يكون الله فعله في الحقيقة ،لأنهم يحيلون أن تكون الأعراض فعلا لله،وزعموا أن القرآن فعل للمكان الذي يسمع منه.إن سمع من شجرة فهو فعل له ،وحيثما سمع فهو فعل للمحل الذي حل فيه .
وذكر أن قدماء المعتزلة مثل واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد لم يبتدعوا القول بخلق القرآن بل كانوا موافقين لأهل السنة في أن القرآن منزل غير مخلوق مع مخالفتهم لأهل السنة في أصول أخرى كحكم مرتكب الكبيرة.[٦٢٢--٦٣٠]ص٢٠٣-٢٠٤

٥٩- ثم ذكر الناظم أن متأخري المعتزلة الذين جاؤوا بعد إظهار الجهم بدعة نفي الصفات وغيرها أمثال أبي الهذيل العلاف والحاحظ والنظام جمعوا بين الاعتزال الذي ابتدعه واصل بن عطاء وبين التعطيل ونفي صفات الله من الكلام وغيره الذي ابتدعه الجهم فصاروا كما قال الناظم : جهمية أهل اعتزال وختم هذا الباب بقوله ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان واللالكائي الإمام حكاه عن هم بل حكاه قبله الطبراني[٦٣١--٦٣٤]

 ٦٠-ثم شرع الناظم في ذكر مذهب الكرامية أتباع محمد بن كرام وهم من فرق المرجئة،ويوافقون السلف في إثبات الصفات ولكنهم يبالغون في ذلك إلى حد التشبيه والتجسيم وغير ذلك.
ومذهبهم أن كلام الله متعلق بالمشيئة والقدرة قائم بذات الرب تعالى، وهو حروف وأصوات مسموعة حادث بعد أن لم يكن.فأثبتوا كلاما وفعلا حقيقة قائمين بذات المتكلم الفاعل وجعلوا لهما أولا ،فرارا من القول بحوادث لا أول لها، لأنهم إن قالوا بحوادث لا أول لها بطل دليلهم الذي استدلوا به لإثبات الصانع وهو دليل الأعراض المشهور بين المتكلمين، وذكر الناظم على لسانهم مع فساد مذهبهم أنهم أسعد بالحق من أهل الكلام ومع هذا قال الناظم في آخر هذا الباب عن مذهب الكرامية :
لكنهم جاؤوا له بجعاجع
وفراقع وقعاقع بشنان .[٦٣٥--٦٤٨]ص٢٠٧--٢٠٩ آخر هذا التلخيص والفوائد .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • فوائد وفرائد من كتب العقيدة
  • فوائد وفرائد من كتب الفقه
  • فوائد وفرائد من كتب التفسير
  • فوائد وفرائد من كتب الحديث
  • فوائد وفرائد منوعة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فوائد وفرائد قيدها: المسلم
  • فوائد وفرائد قيدها: عِلْمِيَّاتُ
  • الرئيسية