اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/fawaed/49.htm?print_it=1

١٦٨ فائدة منتقاة من كتاب: صفة وضوء النبي ﷺ، للشيخ عبدالعزيز الطريفي.

قيدتها وانتقتها: الجوهرة
غفر الله لها ولوالديها وللمسلمين.

 
بسم الله الرحمن الرحيم


[١]- أشهر أحكام الطهارة وأعظمها ما تعلَّق بالصلاة؛ لأن الصلاة أعظم أركان الإسلام العملية، ولِعظَم الصلاة عظم أمر الوضوء؛ فكثرت أحكامه، وتواترت أحاديثه، واهتم به السلف أكثر من غيره من أبواب الطهارة، ومُنْكِرُ الوضوءِ كمُنْكِرِ الصلاةِ؛ لأن الصلاة لا تصح إلا به بالاتفاق. [ص١٥]

[٢]- جاءت صفة الوضوء في القرآن مفصَّلَة مرتَّبة، مع أن الغالب في القرآن الإجمال؛ وذلك لأهمية الوضوء وعِظم منزلته، ولم يأت مثل هذا التفصيل إلا في أركان الإسلام وشبهها؛ كما في صلاة الخوف وصوم رمضان وصفة الحج.
وإذا فصَّل الله حُكْمًا أو عبادة في كتابه، فذلك يدل على عِظمها عنده. [ص١٧]
[٣]- تواترت الأحاديث في فضل الوضوء، وأعظم ذلك أن الصلاة -وهي أعظم الأعمال- لا تصح إلا به، وقد جعله الله من كفَّارات الذنوب، والأعمال الصالحة تُكفِّر من الذنوب بمقدار عِظمها، وكلما كانت الطاعة أعظم كان تكفيرها للذنوب أكبر وأوسع، فتكفير الوضوء أقل من تكفير الصلاة؛ لأن الصلاة أعظم. [ص١٧، ١٨]

[٤]- ظاهر التكفير [تكفير الوضوء للذنوب] في حديث عثمان أنه لما تقدم من الذنب الذي يتخلَّل بين الوضوءين، وأن التكفير خاصٌّ بالصغائر لا عموم الذنوب؛ كما صحَّ في بعض روايات عثمان.
وبهذا المعنى يقول سلمان الفارسي في الوضوء: "إنه يكفِّر الجرَاحَات الصِّغار، والمشي إلى الصلاة يُكفِّر أكبر من ذلك، والصلاة تُكفِّر أكبر من ذلك". [ص١٨، ١٩]

[٥]- الصلاة أعظم في ذاتها من الوضوء، وقد جاء التكفير للذنب بتقييده بما بين الصلاتَيْن وبغير الكبائر، واستثناء الكبائر من الوضوء أَوْلَى؛ لأن الأصل أن الطاعات تُكفِّر السيئات بحسب عِظمها، والصلاة أعظم من الوضوء بلا خلاف؛ ولهذا كان الإيمان بعد الكفر مُكفِّرًا لكل السيئات كبيرها وصغيرها؛ لأن الإيمان يزيل الشِّرك، وما أزال الأعلى أزال ما دونه من باب أَوْلَى. [ص١٩]

[٦]- الأصل أن الكبائر لا تُكفَّر إلا بالتوبة، وهذا الذي عليه عامة العلماء، ومنهم من حكى الإجماع عليه، وفي المسألة خلاف، وقد تجتمع عبادات عظيمة مقترنة بصدق وإخلاص، فيكفِّر الله بها الكبائر، وفضل الله واسع. [ص١٩، ٢٠]
[٧]- إذا اجتمع الوضوء مع الصلاة المكتوبة، فبقدر كمالهما يكون التكفير. [ص٢٠]

[٨]-من فضائل الوضوء أن الله جعله علامة لأهله يوم القيامة، يُعرَفون بها، وبها يفرحون ويفتخرون، وعليها يؤجرون. [ص٢٠]
[٩]- جاء ربط الوضوء بالإيمان، كما رُبِطت الصلاة بالإيمان؛ لأن الإيمان لا يصحُّ إلا بعمل، والصلاة أعظم الأعمال، ولا تصحُّ الصلاة إلا بوضوء بالاتفاق. [ص٢٠]

[١٠]- تزكية من النِّفاق لمن حافظ على الوضوء؛ لأن الوضوء في غالبه يُعمل سِرًا لا علانية، والمحافظة عليه بفرائضه وسننه وآدابه، ودوام ذلك من أعظم ما يُزكِّي الإيمان، ويُطهِّر من النفاق كما يُطهِّر من الأدران. [ص٢٠، ٢١]

[١١]- كل ما لا يثبت أصل من الأصول إلا به فهو يُشارك ذلك الأصل في الفضل، وإن لم يُساوِه ويُماثِله؛ فالوضوء يُشارك الصلاة في الفضل، والصلاة تُشارك الإيمان في الفضل، ولمَّا كان المحافظ على الوضوء الأصل فيه الحِفاظ على الصلاة؛ جاء في فضل الوضوء فضائل عظيمة، يظن بعض الناس أن مثلها لم يرد في الصلاة، وهذا غلط، وإنما المراد به: المصلِّي المحافظ على الوضوء؛ ولذا جعل النبي ﷺ تكفير الوضوء والصلاة للذنوب بقدر كمالهما؛ لأنهما لا ينفكَّان. [ص٢١]

[١٢]- كل فضل في الوضوء فهو في الصلاة من باب أَوْلَى، وليس كل فضل في الصلاة يكون للوضوء. [ص٢١]
[١٣]- الوضوء متلازم مع الصلاة من جهة العمل، وهو من سنن الفطرة وهدي المرسلين، وإن اختلفت بينهم صفاته، وقد توضَّأت سارة وصلَّت لما خافت على نفسها من المَلِك؛ كما في "البخاري" ، وقد توضأ جريج وصلَّى لمَّا اتُّهِم بالزنى؛ كما في "البخاري" . [ص٢٤]

[١٤]- الوضوء من سُنَن الفطرة، والأصل أن جميع سُنَن الفطرة تتَّفق فيها جميع شرائع الأنبياء، وإنما قد يتباينون في تأكيد حُكْم وتخفيف حُكْم، وفيما يتصل به من صفةٍ وحَدٍّ وأدبٍ. [ص٢٤]

[١٥]- تقدُّم تشريع الوضوء دليل على فضله، فإن الأصل أن الله ينزل الشرائع بمقدار منزلتها وفضلها، وعلى المتعلم أن يتفقّه بالعِلم ويتدرج فيه على النحو الذي نزلت عليه الشريعة، حتى يكون أقرب للاتِّباع، فلا يُؤخَذ العلِم بالتشهِّي، فللعِلم شهوة تصرف المتعلِّم إلى المفضول ليترك الفاضل، وتصرفه إلى العمل بالمفضول ليترك الفاضل، وهذا كذلك في الدعوة ونشر العِلم، فربَّما قدَّم العالِم عِلمًا يُحبُّه الناس وهو مفضول، ويترك ما هو أَوْلَى منه مما يُحبُّ الله تقديمه. [ص٢٤، ٢٥]

[١٦]- معرفة الوضوء متَّصلة بمعرفة الصلاة، وإن كانت بقية الأركان أعظم في ذاتها؛ كالزكاة، والصيام، والحج، إلا أن الوضوء أَولى تعلُّمًا منها؛ لاتصاله بالصلاة، ولأنها لا تصح إلا به؛ فيُقدَّم فقه الوضوء على فقه الزكاة والصيام والحج؛ ولهذا قدَّم الله تشريعه لنبيه بمكة قبل تشريع بقيّة الأركان، وهكذا كان أكثر الفقهاء يقدِّمون في كتبهم فقه الوضوء على فقه الصلاة والصيام والزكاة والحج. [ص٢٥]

[١٧]- أصح الأحاديث الجامعة لصفة الوضوء المفروض: حديث عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن زيد.
وأصح هذه الثلاثة حديث عثمان، وقد اختص حديث عثمان بجملة من الخصائص دون غيره:
منها: أنه لا يوجد من حكى صفة الوضوء عن النبي ﷺ أفضل ولا أفقه منه، فأصح ما جاء عن الخلفاء الراشدين في ذلك: عنه.
ومنها: أن حديثه أكثر أحكامًا مع كثرة رُواتِه ورِواياتِه؛ ولذا قدَّمه الشيخان فاتَّفقا على إخراجه، فلم يتَّفقا على حديث في صفة الوضوء "أتمَّ" منه.
ومنها: أنه توضأ أمام جمع من الصحابة وكبار التابعين، فكان فعله كالإجماع عنهم؛ لأنه لم يُخالفه أحدد ممن رآه، وهم كبار في الطبقة وفي الفقه. [ص٢٦، ٢٧]

[١٨]- ليس لحديث عثمان سياقٌ وتمامٌ واحد، وإنما له سياقاتٌ متعدِّدةٌ، وله روايات يُتمُّم بعضها بعضًا، ولا يوجد وجه واحد من وجوه حديث عثمان يُغني عن بقية الوجوه الأخرى، فيجمع جميع الأحكام والسُّنَن والمستحبات. [ص٣٣]

[١٩]- روايات حديث عثمان؛ إما غير متعارضة، وإما متعارضة:
-فأما الروايات المتعارضة فأحد المتعارضين لا يصحُّ؛ لأن قصة وضوء عثمان المقصودة في هذا الحديث واحدة، لاتحاد المكان واشتهار الشهود لها.
-وأما الروايات غير المتعارضة:فقد تصحُّ الروايات جميعًا، وقد تضعف الروايات ويكون العمل صحيحًا من وجه آخر عن النبي ﷺ، أو عن الصحابة؛ عن جمعٍ، أو عن واحدٍ منهم، أو يكون العمل عليه. [ص٣٤]

[٢٠]- كل ما لم يثبت في حديث عثمان من وجه، فليس بواجب في الوضوء باتفاق السلف، وإن اختلف بعض الفقهاء بعدهم في بعض فروع المسائل المسكوت عنها في حديثه، وهي مما لا ينبغي التعويل عليه غالبًا. [ص٣٤]

[٢١]- القول بمشروعية ما جاء من الأحكام والآداب في صفة الوضوء في غير حديث عثمان على حالين:
إما أنه لا يثبت سنده، فلا يُقال بمشروعيته، وإما أن يثبت سنده، فيُقطَع بعدم وجوبه، وأنه مشروع، لكن لم يكن يداوم عليه النبي ﷺ، فلا يمكن لمثل عثمان في مثل هذا المقام أن يدع سُنَّة داوم عليها النبي ﷺ في وضوئه، فضلًا عن واجب من واجباته، ثم يتركه النَّقَلَة عنه مع كثرتهم. [ص٣٥]

[٢٢]- جواز الاستعانة على الوضوء، وقد كان النبي ﷺ يستعين على وضوئه، ويُصَبُّ عليه الوضوء من مُبتداه إلى مُنتهاه، وقد استفاضت السُّنَّة بجواز الإعانة على الوضوء به كاملًا أو ببعضه.
وصحَّ عن جماعة من الخلفاء الراشدين.
وعن جماعة من الصحابة، وبه يعمل كبار التابعين وفقهاؤهم. [ص٣٦، ٣٧]

[٢٣]- لا يثبت عن أحد من السلف المتقدِّمين نهيٌ عن الإعانة على الوضوء، ولو لم يدلَّ الدليل على جوازه لكان في النظر كفاية في ذلك؛ لأنها إعانة على معروف؛ كالإعانة على الصلاة، والزكاة، والحج، ونحو ذلك. [ص٣٧]

[٢٤]- رُوي في كراهة الإعانة على الوضوء واستحباب ولاية المتوضّئ وضوءه بنفسه أحاديث مرفوعة لا يصح منها شيء. [ص٣٨]

[٢٥]- تقريب الماء للمتوضِّئ ومناولته له لا خلاف عند الفقهاء في جوازه، ولم يختلفوا في صحَّة وضوء من صُبَّ عليه الوضوء، وإنما اختلفوا في كراهة صَبِّ الوضوء، واستحباب قيام المتوضئ على وضوئه بنفسه، وقد ثبت الدليل في السُّنَّة بالإعانة التَّامة على الوضوء، ويُستثنى من ذلك تغسيل أعضاء القادر ودلكها، كما يعتاده أهل الكِبْر، فذلك مكروه بلا خلاف. [ص٣٩]

[٢٦]- وضوء النبي ﷺ على نوعين:
١- وضوء خفيف، ويُسمَّى وضوءًا دون وضوء، ويُسمَّى أيضًا التَّمسُّح، وهو وضوء من لم يُحْدِث غالبًا، ويكون فيه إسباغ خفيف، ولا يكون فيه مبالغة بالإنقاء، ويكون وضوء من اعتاد الوضوء لكل صلاة إن لم يُحْدِث. [ص٤٠]
٢- الوضوء السابغ المُنقي، وهذا ما كان عن حَدَث غالبًا، ومعه المبالغة في غسل الأعضاء، وفي المضمضة، والاستنشاق، والاستنثار. [ص٤٣]

[٢٧]- لا خلاف أن الوضوء الخفيف يُجزئ بعد حَدَث.
وصفة الوضوء الخفيف بتقليل مقدار الماء وتقليل عدد الغَسَلَات، ولا يعني تعطيل عضو من الأعضاء، ويكون كذلك بمسح الأعضاء لا بصب الماء عليها. [ص٤٢]

[٢٨]- ظاهر المسح والدلك في الوضوء الخفيف أن الماء لا يقطر من الأعضاء وإنما تُبلَّل اليد بغمسها في الإناء أو بصب ماء يبلِّلُها، ثم يمسح بها العضو. [ص٤٢]

[٢٩]- الاقتصاد في الوضوء سنة، والإسراف منهي عنه ولو كان المتوضِّئ على نهرٍ جارٍ، وقد جاء في السُّنَّة الاقتصاد في الوضوء من فعل النبي ﷺ وقوله. [ص٤٧]
[٣٠]- العدد في العبادات متوقف على الدليل، كما توقف العمل على إنشائها، ما لم يدل دليل على إطلاقها؛ ولهذا كان عدد الصلوات والركعات والسجدات فيها توقيفيًا، فلا زيادة ولا نقص، وإنما خُفِّف في عدد غسلات الوضوء، بخلاف ركعات الصلاة؛ لأن النبي ﷺ توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وهذا دليل على التوسعة، ولكن لم يثبت عنه أقل من واحد بحيث يغسل نصف عضو، بل نهى عن ذلك، ولا يثبت عنه الزيادة عن ثلاث؛ فدلَّ هذا على كراهة الزيادة، والزيادة في الوضوء ليست كالنقص، فلا يتساويان في الحُكْم كالزيادة في الصلاة والنقص فيها عمدًا؛ لأن الصلاة أشد وأحوط، وإنما شُرع الوضوء لأجلها. [ص٤٩]

[٣١]- النهي عن الزيادة في غسل الأعضاء عن ثلاث في الوضوء عليه عامة السلف، وصحَّ عن ابن مسعود أنه قال:"ليس بعد الثلاث شيء"، وقال الشافعي في "الأم" بعدم كراهته، وربَّما لم يثبت عنده شيء، ولكنَّ الوضوء عبادة، وهي توقيفية، ولم يثبت عن النبي ﷺ أنه زاد على ثلاث، وهذا كافٍ في عدم مشروعية الزيادة عن ثلاث. [ص٥٠]

[٣٢]- من توضأ ولم يُنْقَ بثلاث، ورأى موضعا أوشكَّ -بلا وسواس- في موضع، فلا حرج عليه أن يُمِرَّ الماء على البقعة التي لم يصلها الماء من العضو، لا أن يستوعب جميع العضو كله، فضلًا عن جميع الأعضاء؛ لأنه لو مرَّ على البقعة لا تكون مرة رابعة على العضو كله، وإنما يكون استدراكًا لموضع لم يصله الماء من عضو تمَّ غسله. [ص٥٠]
[٣٣]- الإسراف منهي عنه في كل شيء، وهو في الوضوء خاصة مدخل للوسواس، وهو من الاعتداء في الطُّهور. [ص٥٢]

[٣٤]- الوضوء لكل صلاة سُنَّة ولو كان على طهارة، ولكن من يتوضأ لصلاة أكثر من وضوء بلا سبب، فهذا خلاف السُّنَّة والتَّدين بذلك بدعة، لأن غاية ما كان يفعله النبي ﷺ في الوضوء أنه يتوضأ لأسباب؛ ومنها الوضوء لكل صلاة، ولم يتوضأ وضوءين للصلاة الواحدة لا هو ولا أصحابه، ويُستثنى من ذلك إذا كان هناك فاصل طويل بين الوضوء والصلاة، ولو كان في نفس الوقت. [ص٥٢]

[٣٥]- إذا اجتمعت الأسباب في وقت واحد لم يُشرع الوضوء أكثر من مرة؛ كمن يريد دخول المسجد بعد دخول وقت الفريضة، فله أن يتوضأ وضوءًا واحدًا لتحية المسجد، وقراءة القرآن، والذِّكر، والسُّنَّة الراتبة، والفريضة، وما بعدها من سُنَن تابعة لها، ويُنهى عن الوضوء لكل واحدة منها؛ لأنه ليس من السُّنَّة ولا من عمل الصحابة، فإذا اتَّحد الزمان والمكان اتَّحد المقصد والفعل. [ص٥٣]

[٣٦]- الوضوء لكل صلاة سُنَّة ولو لم يكن هناك حدث، ولا خلاف في ذلك، وهو الأصل في فعل النبي ﷺ مع تعسُّر الماء في زمانهم وقلَّته؛ لأن سُنَّة الوضوء لكل صلاة آكد من سُنَّة الاقتصاد، ولم يكن النبي ﷺ يصلي صلاتين بوضوء واحد إلا نادرًا. [ص٥٤]

[٣٧]- كان الصحابة يُصلُّون بوضوء واحد ما لم يُحْدِثُوا ولم يكن ﷺ ينهاهم.
ومن بقي على وضوئه فله أن يُصليَ ما لم ينقضْه، وصلاتُه صحيحة، ولا خلاف في ذلك. [ص٥٤]

[٣٨]- عثمان إنما أراد بيان صفة الوضوء بعينه، لا ما يسبقه من أحكام وسنن وآداب، فهي خارجة عن مقصوده، وعدم فعلها أو عدم ذكر الرواة لها لا يلزم منه القول بعدم مشروعيتها، ولا خلاف أنَّ ثمَّة سُنَنًا وأحكامًا تسبق الوضوء ليست في حديث عثمان، قد دلَّ الدليل عليها مستقلًّا. [ص٥٦، ٥٧]

[٣٩]- ما لم يرد في حديث عثمان ورواياته فالأصل أنه ليس بسُنَّة في الوضوء، وإن جاء في حديث غيره فهو إما معلول، أو شيء قليل ترك عمدًا ؛ لأنه ﷺ لا يداوم عليه. [ص٥٧]

[٤٠]- النِّيَّة واجبة في كل طهارة ترفع الحدث؛ لأن الوضوء والغُسْلَ عبادة، والنِّيَّة تُفرِّق بين العبادة وبين ما يُشابهها، فمن انغمس في نهر أو بحر، أو غسله ماء المطر، ولم ينو رفع الحدث، فلا يُجزئُه ذلك عن وضوء ولا غُسل. [ص٥٧]

[٤١]- التسمية عند الوضوء مشروعة عند عامة العلماء، وجاء الأمر بها عند الوضوء ولا يصحُّ من ذلك شيء، وقد صحَّ عن عمر التَّسمية عند الغُسْل، والمروي عن عمر في التسمية هذا أصحُّ مما في الموقوف، وعمل الخلفاء سُنَّة متبوعة؛ لقوله ﷺ: (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي) . [ص٥٨، ٥٩]

[٤٢]- لم يقل أحد من السلف من الصحابة والتابعين ولا أتباع التابعين بوجوب التسمية عند الوضوء، وإنما هو قول لإسحاق ورواية عن أحمد قال بها بعض الأصحاب، والأصح والأشهر عن أحمد رواية خلافها. [ص٦٠]
[٤٣]- لو صحَّ الأمر بالتسمية عند الوضوء لكانت التسمية عند الوضوء آكد من التسمية عند الذبح؛ لأن ترك التسمية يُبطل الوضوء، وبُطلان الوضوء يُبطل الصلاة، وقد تواترت النصوص في التسمية عند الذبح؛ كما ثبت في القرآن والسُّنَّة، ونقْلُ الصحابة للتسمية عند الوضوء - لو كان فيها حديث يأمر - أَوْلَى من نقلهم التسمية عند الذبح؛ فالوضوء يكون كل يوم مرات، والذبح لا يقع من الواحد منهم إلا في الزمن المتباعد. [ص٦١]

[٤٤]- ترك الشيخين أحاديث التسمية عند الوضوء دليل على ضعفها جميعًا، فمثلُها على شرطِهما، وظاهر صنيع البخاري أن يستدلَّ على التسمية بحديث ابن عباس عند الجماع:( باسم الله، اللهم جنِّبنا الشَّيطان، وجنِّب الشَّيطان ما رزقتنا)، فقد ذَكَره في كتاب الوضوء، وترجم عليه:(باب التسمية في كل حال وعند الوِقاع)، ولا يستدلُّ بالتلميح إلا لضعف أدلَّة التصريح عنده. [ص٦١]

[٤٥]- حمَل بعض العلماء - كربيعة الرأي - الأمر بالتسمية على الأمر بعقد النِّية، لا قصد التلفُّظ بالتسمية؛ كما يقول غير واحد في التسمية عند الذبح؛ كما في قوله تعالى:﴿وَلا تَأكُلوا مِمّا لَم يُذكَرِ اسمُ اللَّهِ عَلَيهِ﴾[الأنعام: ١٢١]، وأن المراد بها: عقد النِّيَّة لله مخالفة لعمل الجاهليِّين؛ كما في قوله تعالى في المحرَّمات:﴿وَما أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ﴾[المائدة: ٣]، وهو قول فيه نظر، فلم يكن أهل الجاهلية يتعبَّدون بالوضوء فضلًا عن كونهم يقصدون به غير الله؛ كما هو الذبح، ولو كان لنُقِل كما نُقِل في الذبح، فنقْلُه في الوضوء آكد؛ لأن بطلانه يبطل الصلاة. [ص٦٢، ٦٣]

[٤٦]- لا خلاف في مشروعية السِّواك عند الوضوء على خلاف في تعيين موضعه.
وأكثر العلماء على أنه عند المضمضة وسط الوضوء؛ لرواية :(لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)،وهو قول الأصحاب، ومنهم من قال قبل الوضوء؛ لرواية أخرى:(لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)، والأظهر أن السواك قُبَيل الوضوء، لا في أثنائه، ولا مصاحبا له؛ وذلك أن النبي ﷺ قال في الحديث الآخر:(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)، وفي رواية (عند كل صلاة)، وكان النبي ﷺ يتسوَّك قبلها لا في أثنائها. [ص٦٣، ٦٤]

[٤٧]- لو كان سواك النبي ﷺ يصاحب وضوءه لذكره عثمان، ولفعله ولو في نفسه، فلم يثبت عنه ولا من رَوَى صفة وضوء النبي ﷺ أنهم تسوَّكوا داخل الوضوء، وما كان من العمل الداخل في الوضوء لا يُترَك منهم، ولا ممن يروي عنهم؛ فدلَّ ذلك على أن السِّواك عمل خارج عن الوضوء لا داخل فيه. [ص٦٤]

[٤٨]- صحَّ عن علي بن أبي طالب - وهو ممن روى صفة الوضوء عن النبي ﷺ - أن السِّواك قبل الوضوء. [ص٦٤]

[٤٩]- السِّواك قبل الوضوء يلزم منه انشغال اليد، والتوقُّف عن الوضوء، ومثل هذا يُنقَل؛ لقوة ملاحظته ومشاهدته، والأصل في الوضوء أنه متتابع لا يقطعه شيء، ولو قُطِع بشيء مستديم -كالسِّواك- لنقله الرواة، فإن تركه واحد منهم لم يتركه غيره. [ص٦٤، ٦٥]

[٥٠]- استقبال القبلة عند الوضوء لم يثبت في سُنِّيَّته شيء، وقد استحبه بعض الفقهاء، ولو كان سُنَّة لاشتهر وعمل به السلف. [ص٦٥]

[٥١]- استحباب الوضوء لكل عضو ثلاثًا، وهذا أعلى الوضوء وأتمه وأسبغه، وقد جاءت الأدلة الصحيحة في ذلك.
وصحَّ أن النبي ﷺ غسل أعضاءه مرتين مرتين.
واستحباب غسل أعضاء الوضوء أكثر من مرة هو قول عامة العلماء، وجاء عن مالك أنه لم يؤقِّت عددًا، وإنما قال : يتوضأ أو يغتسل ويُسبِغْهما جميعًا، وظاهر قول مالك أنه قصد الإسباغ، فمن أسْبَغ وأنقى بواحدة فقد أتى بالمشروع، وهذا شبيه بقول الشافعي؛ حيث لم يكره الزيادة على ثلاث؛ وذلك لأن القصد: الإنقاء. [ص٦٥، ٦٦]
[٥٢]- ثبت عن النبي ﷺ ثلاثة أحكام في الوضوء متفاضلة يُعرف بآكدها وأفضلها قصد عدم الإسراف في الوضوء:
١- العدد في الوضوء؛ وهو ما فوق المرة الواحدة؛ إما مرتين أو ثلاثًا، مع النهي عن الزيادة على ذلك.
٢- الوضوء بمُدٍّ أو ثُلُثَي مُدٍّ، مع النهي عن الإسراف.
٣- الأمر بالإسباغ؛ وهو الإنقاء.
وآكد هذه الثلاثة الإنقاء والإسباغ، ويُسمَّى إحسان الوضوء.
ويلي الإسباغ في الفضل الوضوء بالمقدار المسنون وهو المُدُّ وثلثا المُدِّ، وكلما زاد وأسرف كُرِه له، وزادت كراهة فعله بمقدار زيادته. [ص٦٦، ٦٧]

[٥٣]- جاء العدد في الوضوء مرتين أو ثلاثًا، والوضوء بالمُدِّ وثلثَي المُدِّ؛ ليتحقَّق الإسباغ، ولا يُفتح الباب للوسواس والسَّرَف، ولمَّا كان يُستحب في الماء التقليل كان الغالب أن الإسباغ والإنقاء لا يكون إلا بالعدد مرتين أو ثلاثًا، بخلاف لو كان الماء كثيرًا، فإنه يقدر غالبًا على الإنقاء بمرة واحدة بإفاضة الماء على العضو الواحد. [ص٦٧]

[٥٤]- من توضأ بالمقدار المسنونِ [وهو المُدُّ وثلثا المُدِّ] فهو على حالين:
-إما أن يجعل نصيب كل عضو من الماء مرتين أو ثلاث مرات يُمِرُّ به على ذلك العضو.
- وإما أن يُمِرُّ بنصيب كل عضو مرة واحدة.
والأفضل أن يُمِرَّ بنصيب كل عضو ثلاث مرات؛ تحقيقًا للإنقاء والإسباغ، وفيه الجمع بين السُّنَن والمعاني الثلاثة الواردة عن النبي ﷺ وهي: الإسباغ، والعدد، وتقليل الماء. [ص٦٧]

[٥٥]- من لا يستطيع الإنقاء بالثلاث لشدة جفاف أعضائه أو لكِبَر جسمه، جاز له الزيادة على الثلاث؛ لأن الإسباغ آكد فَيُغْتَفَرُ العدد. [ص٦٧]

[٥٦]- التفريق بين عدد غسْل الأعضاء في الوضوء الواحد لأجل الإنقاء، لا حرج فيه؛ كمن يغسل بعض الأعضاء ثلاثًا، وبعضها مرَّة، وبعضها مرتين، وذلك ثابت عن النبي ﷺ. [ص٦٩]

[٥٧]- يُسَنُّ ألا يُدخِل المتوضِّئ كفَّيه في الإناء عند بدء وضوئه حتى يغسلهما، وغسل الكفين قبل الوضوء مشروع بالاتفاق، ويسن أن يكون ثلاثًا، ولو لم يكن الوضوء منتقضًا بنوم؛ لظاهر الحديث، وذلك حتى لا يكون في يديه قذرٌ ونَجَسٌ، فينتقل إلى الإناء، أو ينتقل إلى فمه عند اغترافه للمضمضة، أو إلى أنفه بالاستنشاق، أو إلى وجهه بغسله.
وبعض الفقهاء فرَّق بين الماء القليل والكثير، ولمَّا كان الحكم يتعلَّق بإنقاء الكفَّين وتطهيرهما، فلا يظهر التفريق بين الماء القليل والكثير؛ فلا يُقال أنه يُسَنُّ غسل الكفَّين في الإناء الذي به ماء قليل بخلاف الكثير أو مياه الأنهار والبحار والسواقي والعيون؛ لأن الحكم متعلِّق باليد لا بمجرد الماء، وأما لفظ حديث أبي هريرة:(فلا يغمس يديه في الإناء حتى يغسلهما ثلاثًا)، فجرى مجرى الغالب أن الناس تتوضأ من الأواني وبماء قليل.
ويستحب غسلهما ولو كان المتوضئ يتوضأ من صنبور أو عين؛ حتى لا ينتقل المحظور من يديه إلى فمه وأنفه ووجهه؛ فإنها أول الأعضاء بعد الكفَّين. [ص٧٠، ٧١]
[٥٨]- لا يخلو المتوضِّئ من حالين:
١- أن يكون قائمًا من النوم: فغسْله لكفَّيه قبل غمسهما في الإناء آكد من غسلهما قبل الوضوء وهو يقظان.
٢- أن يكون الوضوء من غير نوم: فإن كان وضوءه من حَدَث فغَسْله لكفَّيه آكد؛ لأن الإسباغ في الوضوء بعد حَدَث آكد من وضوء من لم يُحْدِث بلا خلاف، ومن الإسباغ غسل الكفَّين قبل الوضوء، وغسل الكفَّين قبل الوضوء من غير حَدَث النوم سُنَّة بلا خلاف. [ص٧١، ٧٢]

[٥٩]- رُوي عن أحمد أن غسل الكفين بعد الاستيقاظ من نوم الليل واجب قبل الوضوء؛ وبه قال بعض الأصحاب، وبه قال إسحاق، والأظهر أنه سُنَّة، فلم يشدِّد فيه السلف مع عموم الحاجة إليه وعموم البلوى بمثله، ولايُحفَظ في إيجابه شيء عن فقهاء الحجاز، وإنما فيه شيء يسير عن الحسن وغيره، وفي صحَّة لفظ الإيجاب عنه نظر، وعامَّة السلف على عدم التَّشديد. [ص٧١، ٧٢]

[٦٠]- حُكْم غسل الكفَّين عند الاستيقاظ من النوم لمن أراد الوضوء، ولمن أراد غمس كفَّيه بماء؛ كمن يريد أن يشرب بكفِّه أو أن يتناول مائعًا بكفِّه، فإن المقصود متقارب، وهو تنقية الكفِّ مما لحقها وتنزيه المطعوم من تلوث اليد، وتنزيه البدن - خاصة الجوف - من أن يصله قذرٌ أو نَجَسٌ. [ص٧٢]

[٦١]- لا فرق بين نوم النهار والليل، وأما حيث أبي هريرة وابن عمر فخَرج مخرج الغالب في قوله:(لا يدري أين باتت يده)؛ لان غالب النوم يكون بالليل. [ص٧٢]

[٦٢]- من غسل كفَّيه عند الإستيقاظ من النوم، لا يترك غسلهما عند الوضوء، فإنه إذا أراد الوضوء بعد ذلك غسلهما ثلاثًا سُنَّة للوضوء، ما لم يكن الفصل قصيرًا بين غسل الكفَّين من النوم، وبين إرادة الوضوء؛ بحيث لم تجفَّ الكفَّان؛ ولذا فإن بعض السلف - كالشعبي - لم يُفرِّق بين المستيقظ من النوم وغيره في حكم غسل الكفَّين عند الوضوء، فلا تُغمَس الكفَّان إلا بعد غسلهما ثلاثًا. [ص٧٢، ٧٣]

[٦٣]- من غسل كفَّيه في بداية الوضوء وجب عليه أن يُعِيد غسلهما بعد الوجه من أطراف أصابعه إلى المرفقين لا من الكوعين، فيكتفي بغسله لكفَّيه في بداية وضوئه، فتلك الغسلة سُنَّة ليست بفرض، ولا تُجزئ عن فرض الوضوء بغسل اليدين والذراعين عند جمهور العلماء. [ص٧٣]

[٦٤]- استحباب استعمال اليمنى بالاستخدام والاغتراف، وتقديم اليمين على الشمال في الوضوء، والتيامن سُنَّة، وليس بواجب بالإجماع؛ كما حكاه ابن المنذر وابن قدامة.
ولم يثبت أنه ﷺ قدَّم شمالًا على يمين، ولا أصحابه كذلك؛ لم يكونوا يُقدِّموا اليسرى في الوضوء في عملِهم.
ولا يثبت عن أحد من السلف القول بالوجوب، وأما قوله:ﷺ :(إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤوا بأيمانكم)، هو محمول على الاستحباب؛ لأن اللِّباس لا يُوجِب أحدٌ من القرون المفضَّلة التيامن فيه. [ص٧٤، ٧٥]

[٦٥]- لا خلاف عند السلف في مشروعية ترتيب أعضاء الوضوء كما في آية الوضوء،وقد قال ﷺ لمَّا بدأ بالصفا: (أبدأ بما بدأ الله به).
وفي التزام عثمان لغسل أعضائه - كما في آية الوضوء إشارة إلى تأكيد الترتيب في الوضوء ووجوبه، وقد رُويت صفة الوضوء عن النبي ﷺ في أحاديث كثيرة لم يصحَّ في واحد منها الإخلال بالترتيب عما جاء في الآية، وقد يتجوَّز بعضهم بالرواية بالمعنى فيسرد الأعضاء للدلالة على إتمامها، ولم يقصد ترتيبها، وذِكْر الله للأعضاء في آية الوضوء، وعطف بعضها على بعض بالواو لا يُفيد الترتيب بذاته، لو لم تكن قرائن أكَّدت قصد الترتيب؛ منها:
-ثبت عن النبي ﷺ أنه وصف الوضوء، فرتَّب بين الأعضاء كلِّها بـ "ثم"؛ كما في حديث عمرو بن عبسه وغيره، وهو في الصحيح، والأصل فيها إفادة ترتيب الفعل.
- إدخال الممسوح - وهو الرأس - بين المغسولات، فلمَّا كان المسح يختلف عن الغَسْل، والرأس لا يُغسل بالاتفاق، كان قصد إدخاله ترتيبه بين الأعضاء.
- أنه لم يثبت عن النبي ﷺ أنه خالف ترتيب الآية ولو مرة، مع كثرة وضوئه في اليوم الواحد، وقد بقي بعد نزول آية الوضوء أعوامًا، ولو لم يكن الترتيب واجبًا مقصودًا لكان التيسير يقتضي إظهار الإخلال به ولو مرة، فإن التيسير من أعظم مقاصد الإسلام.
- أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة ولا من الخلفاء ولا من غيرهم أنه أخلَّ بترتيب الوضوء عمَّا جاء في الآية، مع كثرة الصحابة وطول بقائهم في الأمة بعد النبي ﷺ، وتنوُّع بلدانهم التي سكنوها، مع كثرة أصحابهم الناقلين لفقههم، إلَّا أن ذلك لم يصح عن واحد منهم.
ووجوب ترتيب أعضاء الوضوء هو قول جمهور العلماء. [ص٧٥، ٧٦، ٧٨]

[٦٦]- مشروعية الموالاة في غسل أعضاء الوضوء بلا فصل؛ وذلك أن الوضوء عبادة واحدة، وحقها الاتصال والتوالي، ولم يثبت عن النبي ﷺ ولا عن أحد من أصحابه التفريق الطويل بين أعضاء الوضوء، وجمهور العلماء على وجوب الموالاة.

[٦٧]- التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا حرج فيه؛ كمن يتوضأ ثم ينفذ ماؤه، فيذهب مذهبًا يسيرًا لمكان ماء آخر، فلا حرج عليه أن يكمل وضوءه ولا يُعيده. [ص٧٩]

[٦٨]- جفاف الأعضاء لا يُشترَط في تحديد الغاية في الموالاة؛ وذلك لاختلاف الأحوال صيفًا وشتاءً واختلاف البلدان تبعًا لذلك، وإنما مردُّ ذلك إلى العُرف والعادة؛ كمن يتوضأ في بيته ويخرج إلى مسجد حيِّه الذي تجب عليه الصلاة فيه ويسمع نداءَه، بخلاف المسجد البعيد، ويلحق في حكمه من يركب مركبة سريعة تأخذ به نفس وقت ذهابه لمسجد حَيِّه، فالرخصة بترك التوالي؛ لأن الزمن الفاصل قصير لا طويل.
والتفريق اليسير بين الأعضاء لا يضر، ولا خلاف في ذلك عند السلف في عملهم، ولا يُفسد الوضوء بالإجماع. [ص٧٩، ٨٠]

[٦٩]- السُّنَّة أن تكون المضمضة والاستنشاق باليمين، وذلك لظاهر الحديث [ثم أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق]، ولا مخالف له في الأحاديث، ولا في فعل الصحابة، وهذا ظاهر ما نقله عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي ﷺ؛ حيث قال : "فمضمض واستنشق من كفٍّ واحدة"، وكفُّ الاستنشاق هي كفُّ المضمضة، والمضمضة لا تكون إلا باليمن بالاتِّفاق؛ فهي أول ما يدخل الإناء للإغتراف. [ص٨٠]

[٧٠]- السُّنَّة تقديم المضمضة والاستنشاق والاستنثار على غسل الوجه؛ فإن ذلك ظاهر فعل النبي ﷺ وفعل أصحابه، ولأن غسل الوجه يُنقِّي ظاهر الوجه كله مما كان عليه قبل البدء بالوضوء، وما قد يعلق به بعد المضمضة والاستنشاق والاستنثار . [ص٨١]

[٧١]- السُّنَّة تقديم المضمضة على الاستنشاق؛ لظاهر فعل النبي ﷺ ويُجمِع السلف والصحابة والتابعون على ذلك، وهذا الذي عليه عامَّة الروايات في صفة الوضوء، حتى قال بعض الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد: إنَّ تقديم المضمضة على الاستنشاق واجب، والأظهر: أنه سُنَّة؛ لأنهما في حكم العضو الواحد، وقد كان النبي يأخذ لهما غرفة واحدة، كما يأخذ لرأسه وأذنيه غرفة واحدة. [ص٨١]

[٧٢]- يسن أن يأخذ للمضمضة والاستنشاق غرفة واحدة، يفعل ذلك ثلاثًا ولا يفصل بينهن .
وجَمْع المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة لكل مرة، وليس المراد أنه يمضمض ويستنشق ثلاث مرات بغرفة واحدة، فذلك شاقٌّ من جهة النظر، ويُخالف صريح الدليل…:"فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفاتٍ من ماءٍ" . [ص،٨١، ٨٢]

[٧٣]- تُشرع المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم.
والمبالغة في المضمضة هي : إدخال قدرٍ كافٍ من الماء إلى الفم، ثم يُدار في الفم أعلاه وأسفله، ويمينه وشماله، ثم مجِّه.
والمبالغة في الاستنشاق هي بإدخال قدر كافٍ من الماء إلى الأنف، واستنشاقه بقدر لا يصل إلى الجوف، ثم يُخرَج باستنثاره. [ص٨٢]
[٧٤]- لا يُسَنُّ الاستعانة بالإصبع عند المضمضة والاستنشاق، وذلك بإدخالِها لمزيد تطهُّر، فلا يثبت في ذلك شيء من المرفوع ولا في عمل الصحابة. [ص٨٢]

[٧٥]- المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء على الأرجح، ولا يبطل الوضوء بتركهما؛ وهذا قول جمهور العلماء؛ قول مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وغيرهم؛ ويؤكد ذلك جملة من الأدلة والقرائن :
-منها: أن الله لم يذكرهما في آية الوضوء، والله ذكر الفرائض، ولم يذكر السُّنَن والمستحبات، ولو كان حكم المضمضة والاستنشاق والاستنشار كبقية الفروض لذُكِرت؛ لأنها أَولى بالذكر لطروء الغفلة والنسيان عنها والتساهل فيها أكثر من غيرها.
وقد كان كثير من السلف لا يُوجبون ما لم يُذكَر في آية الوضوء في القرآن من أعضاء الوضوء. [ص٨٣]
-ومنها: أن الأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي ﷺ تامًا لا تتَّفق على ذكر المضمضة والاستنشاق؛ كما تتَّفق على ذكر بقية الأعضاء، ولو كان حُكمهما كحُكم بقية الأعضاء لأُثبت ذكرهما كذكر غيرهما. [ص٨٤]
-ومنها: أن النبي ﷺ شدَّد في مقدار اللُّمَعَة على أعضاء وضوء لم يُصبْها الماء، وشدَّد في الأعقاب، ولم يثبت تشديد في أمر المضمضة والاستنشاق والاستنثار، والغفلة عنهما واردة. [ص٨٥]
-ومنها: أنه صحَّ في الدليل أن النبي ﷺ لم يذكرهما في أمره بغُسْل الجنابة، مع شِدَّة الحدث الأكبر، فقد جاء في "البخاري" من حديث عمران،؛ أن النبي ﷺ أعطى رجلًا أصابته جنابة إناء، فقال: "خذ هذا فأفرغه عليك".
والإفراغ يستوعب الظاهر من البدن، ولم يأمره بالمضمضة والاستنشاق، والغُسْل من الجنابة آكد من الوضوء، وعامَّة السلف وجماهير العلماء إن أوجبوهما في الوضوء أوجبوهما في الغُسل، لأن الغُسل آكد. [ص٨٥]
-ومنها: أن تساهُل بعض الرواة في الإخلال بموضع المضمضة والاستنشاق من الوضوء عند حكايته، أمارة على اختلاف حكمِها عن فروض الوضوء. [ص٨٧]
-ومنها: أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة إيجابُها، ولا التشديد فيهما؛ كما يشدِّدون في إنقاء أعضاء الوضوء؛ كاليدين والوجه والقدمين والرأس. [ص٨٧]
[٧٦]- السُّنَّة أن تكون المضمضة والاستنشاق ثلاثًا، وهذا ما اتَّفقت عليه أصح الروايات في صفة الوضوء من حديث عبد الله بن زيد وعلي بن أبي طالب. [ص٩٠]

[٧٧]- الاستنثار هو: نثر الماء وإخراجه بعد استنشاقه، سواء فعل ذلك بهواء الأنف أو باليد.
وأصل استعمال هواء الأنف لإخراج الماء المستنشق لا بد منه، وهو المعروف من إطلاق الاستنثار، ولو كان الاستنثار بالهواء غير مراد لجاء الحث على الاستنشاق فقط، كما جاء الحث على المضمضة، ولم يأتِ الحث على المج؛ لأن ماءها يُخرَج ولا يُدخَل بداهة، فالمتمضمض يُخرِج ماء المضمضة ولا يبتلعه ولم يؤمر بمجِّه؛ لأن المجَّ - وهو دفع الماء من الفم بالهواء - غير مقصود، والمستنشق يُخرِج الماء الذي استنشقه بداهة ولن يُدخِله جوفه، فزاد الاستنشاق على المضمضة باستحباب إخراج الماء بهواء الأنف، وجاء الأمر بالاستنثار لمزيد قدْر في الإخراج. [ص٩٠، ٩١]

[٧٨]- مشروعية الاستنثار بلا خلاف، وهو سُنَّة باتفاق الأئمة الأربعة.
ويكون الاستنثار ثلاثًا. [ص٩١]

[٧٩]- جاء الحث على الاستنثار في موضعين:
١- عند الاستيقاظ من النوم؛ فيُشرع لمن استيقظ من نومه أن يستنثر ثلاثًا، ولو لم يرد الوضوء، وإن أراد الوضوء أجزأ عنه استنثاره الذي مع وضوئه.
٢- الاستنثار مع الوضوء. [ص٩٢، ٩٣]

[٨٠]- منهم من قيَّد الاستنثار عند القيام من نوم الليل لا نوم النهار؛ وهذا قول لأحمد؛ وذلك لظاهر لفظ الحديث:(فإن الشيطان يبيت على خياشيمه)، والمبيت يكون ليلًا، وهذا شبيه بحكم غسل اليدين ثلاثًا عند الاستيقاظ من النوم، ففيه: (لا يدري أين باتت يده)، والأظهر أنه مشروع لكل نوم، ولفظ الحديث جرى مجرى الغالب، فالأصل أن النوم يكون في الليل لا في النهار، والله إذا ذكر النوم في القرآن نسبه إلى الليل، وإذا ذكر المعاش نسبه إلى النهار. [ص٩٢]

[٨١]- الأولى أن يكون الاستنثار باليد اليسرى، بخلاف المضمضة والاستنشاق؛ لأن الاستنثار يلزم منه إخراج قذر، فناسب تنزيه اليمنى عنه. [ص ٩٣]

[٨٢]- غسل الوجه فرض في الوضوء بالاتفاق، والوجه: ما واجه الإنسان به غيره، فأما الوجه طولًا يبدأ أعلاه من منابت ناصية شعر الرَّجُل السوي إلى الذقن من أسفله للأمرد، ولا اعتبار بالأصلع ولا بالغمم، وأما العرض فمن الأذن إلى الأذن، ولا تدخل الأذن في حكم الوجه. [ص٩٤]

[٨٣]- يسن غسل الوجه بالكفين جميعًا لا بيد واحدة؛ لفعل النبي ﷺ.
ومن كان ذا لحية فيغسل ما تبقّى من وجهِه ويخلِّل لحيته، ولا يجب عليه أن يوصل الماء إلى ما ستره شعر اللحية من بشرته.
ويكون الغسل خفيفا؛ فلا يلطم وجهه بالماء لطمًا، وإنما يسُنُّه سنَّا. [ص٩٤، ٩٥]
[ويكون غسل الوجه ثلاثًا]

[٨٤]- يكون غسل الوجه بعد المضمضة والاستنشاق.
ولا يشرع غسل غيره مما يواجه به كالعنق، ولا يثبت في غسل العنق ولا مسحه حديث عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه.
وتغسل العينان إذا أُغمِضتا، ولا يُدخَل الماء إليهما؛ فهذا ليس من السُّنَّة، ولم يرد فيه حديث. [ص٩٤، ٩٥، ٩٦]

[٨٥]- غسل اليدين مع الذراعين فرض بلا خلاف، وهي من الفروض الأربعة المتفق عليها؛ وهي الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان. [ص ٩٦]

[٨٦]- يُشرَع غسل اليدين إلى المرفقين بعد غسل الوجه، وينتهي إلى المرفقين ولا يزيد عليهما على الأرجح؛ لقوله تعالى: ﴿فَاغسِلوا وُجوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرافِقِ﴾[المائدة: ٦]، ولظاهر فعل النبي ﷺ في حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما. [ص٩٧].

[٨٧]- غسل المرفقين فرض كالذراعين؛ للآية والأحاديث، ولم يثبت تركهما في حديث ولا في عمل أحد الصحابة ولا التابعين، وما كانوا يشُّكون في فرض ذلك. [ص٩٧]

[٨٨]- حكى الشافعي في(الأم) الإجماع على إيجاب غسل المرفقين؛ وهو قول الأئمة الأربعة.
وليست "إلى" في الآية لانتهاء الغاية فلا يدخل المرفقان في الفرض؛ فإن فِعل النبي ﷺ وعمل أصحابه المتطابق يفسر ذلك؛ فـ "إلى" بيان لانتهاء الغاية فلا يدخل ما بعد المرفقين في الحكم، لا إخراج للغاية - وهما المرفقان - من الدخول في الحكم، فالعمل والسُّنَّة يُفسِّر ذلك، وبعض من يُهمل السُّنَّة والأثر ويأخذ بدلالة اللغة المُجرَّدة يُخالف السُّنَّةَ. [ص٩٧]

[٨٩]- قد يجتهد الفقيه بمسألة لنفسه، ولا يرى القول بها لغيره؛ لأنها فهْمٌ فَهِمَه، لا تظهر حُجَّته فيها لغيره، فيقتصر بالعمل بها على نفسه. [ص٩٩]

[٩٠]- الأحاديث في غسل العضُدَيْن والمنكبين والأباط لا يصح منها شيء، وبعض المتأخرين يُحسِّنها بمجموع الطرق. [ص١٠٠]

[٩١]- يستحب غسل اليدين ثلاثًا؛ كما في سائر أعضاء الوضوء، وفي ذلك مشروعية الإنقاء، وهو في اليدين والرجلين آكد؛ لأن اليدين أكبر الأعضاء ولأن في الرجلين الأعقاب، ويتثاقل الناس في رؤيتهما؛ لمشقة ذلك، فيتساهلون في إنقائهما. [ص ١٠١]

[٩٢]- تخليل الأصابع سنة، وقد جاء في تخليلها أحاديث مرفوعة، وأصحها حديث لقيط بن صَبِرة أن النبي ﷺ قال: "أسبِغ الوضوء، وخَلِّل بين الأصابع".
وجاء وعيد في عدم تخليلها؛ وأحاديث الوعيد واهية. [ص١٠١، ١٠٢]

[٩٣]- تخليل الأصابع يكون بإدخال الماء بينها وتحريكه بالأصابع ليصل الماء إليها، وإن كان في جلد الأصابع عُقَدٌ وتكسير فيُسَنُّ غسلُها، وإيصال الماء إلى داخل ما انطوى منها؛ لأنها مجمع للوسخ الذي لا يُرى، وتسمى البراجم، وموضعها الغالب على مفاصل الأصابع، فغلب إطلاق البرجم على مفاصل الأصابع، وغسلها من الفطرة. [ص١٠٢]
[٩٤]- كان السلف يخللون بين أصابعهم ويأمرون بذلك، ولم يصحَّ عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه ترك تخليل الأصابع عمدًا، إلا أن بعضهم يذكر صفة الوضوء، ولا يذكر التخليل فيه؛ لأنهم لا يُوجِبونه. [ص١٠٢، ١٠٣]

[٩٥]- من كان خاتمه ضيقا، ويغلب على ظنه عدم وصول الماء تحته وجب عليه تحريكه؛ لأنه في حكم المانع من وصول الماء إلى العضو، فوجب إزالته، ومحلُّ الخاتم من الإصبع في حُكْم اللُّمْعَةِ التي أمر النبي ﷺ بإحسان الوضوء لأجلها، وقد أمر النبي ﷺ بتخليل الأصابع مع أن ما بينها واسع، فتخليل ما بين الإصبع والخاتم أَوْلَى بالأمر.
وأما الخاتم الواسع فيأخذ تحريكه حكم تخليل الأصابع لانفراجها، وأصل تخليلها سنة وليس بواجب. [ص١٠٤]

[٩٦]- مسح الرأس من فروض الوضوء بلا خلاف، لقوله تعالى: ﴿وَامسَحوا بِرُءوسِكُم﴾[المائدة: ٦]، ولم يثبت عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه ولا مَن بعدهم أنهم تركوا مسح الرأس ولا رخَّصوا في ذلك.
وكان ابن عباس يأمر من نسي مسح الرأس بإعادة الصلاة. [ص١٠٥]

[٩٧]- السُّنَّة أن يكون الماء الذي يُمسَح به الرأس ماءً جديدًا.
ولو بقي بيدِه ماء من فضل يدَيْه، ومسح رأسه به، أجْزَأه، وخالف السُّنَّة. [ص١٠٥، ١٠٦]

[٩٨]- يسن غمس اليدين بالماء جميعًا عند إرادة مسح الرأس، ولم يثبت نفض ماء اليدين قبل مسح الرأس. [ص١٠٦]

[٩٩]- الماء المأخوذ لمسح الرأس على حالتين:
١- إذا أدخل يده في الإناء، ثم أخرجهما، أو وضعهما على الماء المصبوب، ثم رفعهما، فإنه لا ينفضهما، بل يمسح رأسه بما فيهما من ماء.
٢- إذاكان قبض قبضة من ماءٍ بكفِّه فإنه ينفض الماء المقبوض لا ما تعلق باليد من الماء، ثم يمسح رأسه؛ لأنه لو وضع قبضة الماء على رأسه، لغسل رأسه، ولم يمسحه؛ وهذا مخالف للسُّنَّة. [ص١٠٧]

[١٠٠]- يمسح الرأس باليدين جميعًا مقدَّمَة ومؤخَّرَة وأعلاه، والسُّنَّة أن يذهب بيدَيْه ويجيء مرة واحدة؛ حتى يستوعب الشعر كله، فيحرِّك الشعر المنسدل إلى الخف بإمرار اليد إلى الأمام، ويُحرِّك الشعر المنسدل إلى الأمام بإمرار اليد إلى الخلف؛ لما ثبت في الصحيحين…أن النبي ﷺ :"بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما، حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه"،وفي هذا تصريح بمحل بداية المسح. [ص١٠٧]

[١٠١]- لا يلزم تقليب الشعر ولا نفشه باليدين، وإنما يُكتفى بإمرار اليد مرة واحدة ذهابًا وإيابًا، ولم يُرْوَ عن الصحابة تقليب الشعر ونفشه، بل الثابت خِلافه. [ص١٠٨]

[١٠٢]- ظاهر الحديث[حديث عبد الله بن زيد] استيعاب جميع الرأس، ولا خلاف في مشروعية ذلك وسُنِّيَّته.
وإنما الخلاف في القدر المُجزئ منه. [ص١٠٨]
[١٠٣]- لم يثبت عن النبي ﷺ أنه اكتفى بالمسح على بعض رأسه كالناصية وهو حاسر الرأس. [ص١١٠]

[١٠٤]- أقل قول يصلح من جهة النظر للقول به في الاكتفاء بمسحه هو الناصية وما يساويها من بقية الرأس، وهي نحو الربع؛ على قول الحنفية، وله أثر معتبر. [ص١١٠]

[١٠٥]- لم يثبت عن النبي ﷺ مسح القفا، والقفا هو منابت الشعر من الرقبة، وهو أعلاها، ويُقابل القفا أعلى العنق من الأمام، وظاهر الحديث في "الصحيحين" من حديث عبد الله بن زيد أنه يذهب بيديه إلى قفاه؛ يعني: جهتهما. [ص١١١]

[١٠٦]- السُّنة مسح الرأس مرة واحدة، ولم يثبت المسح ثلاثًا عن النبي ﷺ، ولا عن أحد من الصحابة، ومن صحَّ عنه صفة الوضوء عن النبي ﷺ من الصحابة يذكرون عدد المسح في الأعضاء إلا الرأس، وهكذا من رُوي عنه الوضوء موقوفًا عليه من الصحابة، يُذكَر عنه العدد في الأعضاء جميعًا، ولا يُذكَر عنه في مسح الرأس، وصحَّ عن ابن عمر أنه يمسح مرة واحدة. [ص١١٢]

[١٠٧]- لا يُشرع مسح الرأس أكثر من مرة؛ وذلك أن الرأس ممسوح، والمسح لا يدخله إنقاء وإسباغ حتى يتساوى الرأس ببقية الأعضاء، وإنما حُكْمه التيسير والتخفيف؛ فيكون مسحه مرة واحدة؛ كالمسح على الخفين والجبيرة، وتكرار المسح مما يجعل الرأس في حكم المغسول لكثرة البلل عليه. [ص١١٣، ١١٤]

[١٠٨]- جاءت روايات في حديث عثمان بمسح الرأس ثلاثًا، ولا يصحُّ منها شيء. [ص١١٤]

[١٠٩]- مسح الرأس مرة هو ظاهر السُّنَّة، وفعل الصحابة، وقول جمهور الفقهاء. [١١٦ص]

[١١٠]- حُكْم الأصلع كحكم الأشعر، يمسح رأسه كما لو كان عليه شعر مرة واحدة، وكذلك من كان فيه صلع في موضع وشعر في موضع، حُكْمه واحد. [ص١١٦]

[١١١]- كان النبي ﷺ وأصحابه يحلقون رؤسهم في النُّسك، ولا يبقى من شعورهم شيء، وحالهم كحال الأصلع، أو قريبٌ منه، ولم يتركوا مسح رؤوسهم ولو مرة؛ فدل على وجوبه. [ص١١٦]

[١١٢]- لا يجوز للأصلع ترك المسح، ولو تركه فلا وضوء له، والعضو لا يسقط حُكْمه إلا بزواله كله، كاليد المبتورة، والحكم في الأصل للرأس، ولكن خُفِّف من غسل إلى مسح لأجل الشعر، وبقي الحُكْم عامًا مُخفَّفًا حتى في الأصلع، ولا يجوز تركه، فإن الشعر لو كان مُغطَّى بعمامة مسح عليها على الصحيح، كذلك في العضو المكسور يمسح على الجبيرة واللِّفافة، ولا يسقط حُكْمه. [ص١١٦]

[١١٣]- مسح المرأة لرأسها كالرجل الذي له شعر طويل، ولو كان شعر المرأة كثيفًا ليس عليها مسح ما استرسل من شعرها. [ص١١٧]

[١١٤]- إن كان على رأس المرأة خمار فعلى حالين:
١- إن كان مشدودًا؛ كالعمامة على الرجل، فإنه يأخذ حُكمها عند من قال يمسح عليها؛ وهو مذهب أحمد، خلافًا للجمهور، وهذا الموافق للدليل، كما ثبت في "مسلم" من حديث بلال؛ أن النبي ﷺ:"مسح على الخُفَّين والخمار"؛ يعني: العمامة.
٢- وإن لم يكن الخمار مشدودًا وتُرِك مرسلًا، فحكمه كحكم القَلَنْسوة والطاقية والقُبَّعة والغُتْرَة على الرجل؛ فتنقضُه، وتمسح رأسها.
وأكثر السلف على أنها تنقضُ خمارها وتمسح رأسها. [ص١١٨]

[١١٥]- يُجزئ المرأة أن تمسح على خمارها، ولو لم يكن مشدودًا، إذا مسحت معه على ناصيتها، لأنها مسحت قدْرا مجزئًا من الشعر، وإن مسحت على جانب رأسها بدلًا من ناصيتها أجزأ عنها، وقد كانت نساء الصدر الأول يفعلن ذلك؛ كما صحَّ عن فاطمة بنت المنذر أنها كانت تمسح على العارضين، وقد كانت أدركت أزواج النبي ﷺ. [ص١١٨، ١١٩]

[١١٦]- لا خلاف في السُّنَّة ولا عند السلف والفقهاء في مشروعية مسح الأذنين.
ومسح الأذنين بماء الرأس، ولا يؤخذ لهما ماء جديد، وبهذا يعمل الصحابة. [ص١١٩، ١٢٠]

[١١٧]- الذي عليه عامَّة السلف أن مسح الأذنين سنة وليس بواجب، ولا يُعيدُ تاركهما سهوًا أو عمدًا، وهو قول الأئمة الأربعة؛ خلافًا لرواية أخرى عن أحمد، وهي التي عليها المذهب أنها واجبة؛ وهو قول إسحاق، والصحيح سُنِّيَّة مسح الأذن، حتى إن بعض الأئمة حكى الإجماع على ذلك، كابن جرير، وابن عبد البر. [ص١٢١ ،١٢٢]

[١١٨]- لا يُحفَظ عن أحد من الصحابة نص صريح في إيجاب مسح الأذنين ولا غسلهما، وهذا الذي عليه عمل التابعين من المدنيِّين والمكِّيِّين، ولا تخرج السُّنَّة عنهم. [ص١٢٢]
[١١٩]- مثل أحكام الوضوء والصلاة المفروضة لا يُقدَّم على المدنيِّين والمكِّيِّين فيها أحد، فهي من الأحكام اليومية المشتهرة، وكل قول فيها ومثلِها لم يظهر العمل أو القول به في منازل الوحي وعمل أهله، فالأصل فيه أنه مرجوح على أحسن أحواله، وكلما كانت السُّنَّة غير متوالية في العمل في اليوم والأسبوع أمكن لغير المدنيِّين أن يتفرَّدوا بها عن غيرهم، مع ضيقٍ وضعفِ احتمالٍ بالرجحان. [ص١٢٢، ١٢٣]

[١٢٠]- إذا اجتمع في الحكم الشرعي أمران، لم ينفرد أهل الآفاق بقول راجح فيه:
١- إذا كان الحكم واجبًا متعيِّنًا، لا يجوز لأحد تركه؛ كالوضوء والصلاة المكتوبة ونحوه، فلا تكون كالمستحبات والفضائل التي لو فُقِدَت لم تستوجب إنكارًا، ولو خَفِيَت لم تستوجب إظهارًا؛ لأنها بذاتها غير واجبة.
٢- إذا كان زمانها ضيِّقًا؛ كاليومية والأسبوعية، وليس من الأعمال المتراخية التي لا تُفعل إلا في الحول مرة أو مرات، فتلك لا يتحقق فيها التتابع والاستفاضة والتواتر. [ص١٢٣]

[١٢١]- الوحي كالماء ومصدره كنبع العين، فالأصل أن الوحي يخرج من الحجاز، ويفيض إلى البلدان؛ كنبع العين يخرج منها ويفيض إلى الأرض، فإذا جاء الأمر معكوسًا استُنكِر، ولكن قد يغترف أحد من أطراف فيض الماء بيده أو إناء، ويأتي به إلى منبع الماء، ولكنه لا يأتي بمجرى يفيض معكوسًا من أقصى الأرض ليُعيدَه إلى أصلِه الذي لا يوجد فيه؛ وهذا مثل من تفرَّد بفضيلة ومستحب عمَّن تفرَّد بأصل وفريضة وعمل مستفيض. [ص١٢٣]

[١٢٢]- من قرائن عدم وجوب مسح الأذنين: أن الله لم يذكرهما في آية المائدة في أعضاء الوضوء، وكذلك لم يرد مسْحُهما في أصح الطُّرُق في الأحاديث الواردة في صفة الوضوء. [١٢٤]

[١٢٣]- ظاهر السُّنَّة أن الأذنين يأخذان حكم الرأس مسحًا لا فرضًا؛ وذلك أن مسحَهما لا يُجزئ عن الرأس، ومسح الرأس يُجزئ عنهما. [ص١٢٥]

[١٢٤]- دلت على مسح الأذنين الأحاديث الصحيحة، وقد رُوي في صفة مسح الأذنين في وضوء النبي ﷺ أحاديث؛ منها ما رواه ابن عباس، قال:(مسح برأسه وأذنيه؛ باطنهما بالسبَّاحتين، وظاهرهما بإبهاميه).
ولو وضع المتوضئ إبهاميه في إذنيه بدل سبابتيه فهو وارد، ويُحقِّق المقصود، وهو مسح ظاهر الأذن وباطنها، ولكن أحاديث وضع السبَّابتين أصحُّ. [ص ١٢٥، ١٢٦]
[١٢٥]- يُكتفى بمسح ما ظهر وما بطن من الأذنين، ولو تتبَّع الغضون في الأذن فلا بأس؛ فقد صحَّ عن ابن عمر أنه أنه كان يتتبع الغُضُون - والغُضُون جمع غَضْنٍ، وهي مكاسر الأذن. [ص١٢٦، ١٢٧]

[١٢٦]- لا يثبت في غسل الأذنين حديث صريح، والروايات الواردة مُتكَلَّم فيها.
ولكن ثبت عن ابن عمر غسل الأذنين.
ولم يوافق ابن عمر في غسل الأذنين أحد من الصحابة، وهو محمول على شدة تحريه واحترازه، وتشدُّده على نفسه؛ وذلك من وجوه:
١- أن أكثر الروايات عن ابن عمر أنه كان يمسح ولا يغسل؛ وهذا الذي رواه أكثر أصحابه.
٢- أنه لم يثبت أن ابن عمر أمر بذلك أحدًا، ولا رغَّب بغسل الأذنين، بخلاف المسح فكان يحثُّ عليه.
٣- أن عامَّة أصحاب ابن عمر لم يكونوا يفعلون فعله، ولو علموا أن فعله مرفوع لما تركه عامَّتهم، وظاهر الترك أنهم يعلمون أنه يريد بذلك الاحتياط والإسباغ على اجتهاد يراه.
وإذا ثبتت السُّنَّة المرفوعة عن النبي ﷺ، فليس لأحد أن يدعو إلا إليها، وإن اجتهد في فهْمٍ يُخالف ظاهر النصِّ، فرأى العمل به احتياطًا، فيجعله لنفسه، كما كان خيار السَّلف من الصحابة والتابعين، وقد كان بعض السلف يجتهد في صفة المسح والغَسْل، وفي ترتيب مسح الأذنين من الأعضاء [ص١٢٨]

[١٢٧]- مسح الأذنين يُذكَر في صفة الوضوء مع الرأس فيأخذ حُكْمه في العدد، ولا يشرع مسح الرأس أكثر من مرة.
والأحاديث الصحيحة لا تذكر العدد، وإذا كان مسح الرأس مرة واحدة، فمسح الأذنين كذلك من باب أَوْلَى، ولأن الأذن عضو صغير، فلو تكرر عليها المسح ثلاثًا وأكثر لأصبح غسلًا لا مسحًا؛ لأن المسح المكرر يُكاثِر الماء حتى يسيل. [ص١٢٩، ١٣٠]

[١٢٨]- لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه مسح الأذنين أكثر من مرة، إلا ما جاء عن ابن عمر وهو محمول على احتياطه. [ص١٣٠]

[١٢٩]- لا يُشرَع تعمُّد إخراج شمع الأذنين عند الوضوء ولا وَسَخِهما، ما لم يظهر ذلك خارجًا. [ص١٣٠]

[١٣٠]- تخليل اللحية مشروع عند أكثر العلماء، وجاء به الأثر عن السلف، ويقتضيه عموم الإنقاء والإسباغ، وإن لم يثبت فيه حديث مرفوع، فقد ثبت به الأثر عن الصحابة، وتخليل اللحية يكون مع غسل الوجه وليس مع مسح الرأس، ولا يثبت في تخليلها ولا مسحها مع الرأس حديث مرفوع ولا أثر موقوف عن الصحابة. [ص١٣٠، ١٣١]

[١٣١]- في اللحية في الوضوء ثلاثة أحكام، اثنان جاء بهما الأثر، وواحد مُخالف للسُّنَّة؛ وهي:
١- تخليل اللحية: فذلك مشروع؛ وهو عمل الصحابة.
وأمثل ما جاء في صفة تخليلها ما صح عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى؛ أنه كان يُغَلْغِل بيده في أصول شعرها.
وصحَّ عن ابن عمر وأبي موسى؛ إذا توضأ الواحد منهما عرك عارِضَيْه بعض العرك، وشبَّك لحيته بأصابعه أحيانًا، ويترك أحيانًا. [ص١٣١]
٢- مسحها: لم يثبت عن النبي ﷺ مسح اللحية مع الرأس ولا مع غسل الوجه، وإنما جاء عن ابن عباس بسند صحيح. [ص١٣٢]
٣- غسلها؛ فذلك لا يشرع في الوضوء، وليس من السُّنَّة، فلم يثبت عن النبي ﷺ، ولا عن أصحابه أنهم كانوا يغسلون لحاهم عند الوضوء، وإنما يفعلون ذلك عند الغُسْل. [ص١٣٢ ،١٣٣]

[١٣٢]- كثير من الفقهاء يرون غسل اللحية؛ استصحابًا لحكم الوجه، وهذا لو كان في السُّنة لاشتهر، وثبت به الدليل كثبوته فيما لا يُوجِبونه، وهو مسح الأذنين، وحُكْم اللحية أظهر من حكم الأذنين وأَوْلَى، وقد صحَّ بها الحديث من جهات متعددة، وإذا كان الرأس يُمسح وهو فرض وعضو أصلي، فاللحية وهي من جنسه - لأنها شعر - وليست عضوًا أصليًّا في الوضوء من باب أَوْلَى ألا تُغسَل. [ص١٣٣]

[١٣٣]- لا يجب غسل المسترسل من شعر اللحية ولا مسحه، فإذا لم يجب ذلك في مسح المسترسل من الرأس وهو ممسوح، فاللحية من الوجه وهو مغسول؛ تَرْكُ مسترسلها من باب أَوْلَى، ومسحه أحوط؛ لأن أكثر الفقهاء على مشروعية ذلك، ومنهم من يوجبه؛ وهذا ظاهر المذهب عند أحمد، ومذهب المالكية. [ص١٣٣]

[١٣٤]- لم يثبت عن الصحابة وعامَّة التابعين سُنِّيَّة غَسْل اللحية في الوضوء كغُسْل الجنابة، وذلك ليس من السُّنَّة، وغاية ما جاء في ذلك وأشدُّه تبليل الأصول والعرك لا الغَسْل، وإن جاء عن بعض الفقهاء القول به، فذلك من الاجتهاد للعمل بمطلق الاستيعاب؛ فمنهم من يرى ذلك في الممسوح؛ كما هو في المغسول، فيبالغون حتى في المسح على الخُفَّيْن والتَّيمُّم. [ص١٣٣]

[١٣٥]- اللحية مع الوجه على حالين:
١- أن يكون الشعر خفيفًا يبدو ما تحته من البشرة، فتغسل البشرة، ولا يُمسح على الشعر، ولا يُكتفى بتخليله
٢- أن يكون الشعر لا يبدو معه الجلد، فيغسل ما ظهر من بشرة الوجه، ويُخلَّل ما ظهر من شعر اللحية. [ص١٣٤]

[١٣٦]- لا يجب تخليل اللحية؛ لعدم ثبوت شيء في الباب مرفوع يصح عن النبي ﷺ، وقد كان النبي ﷺ كثَّ اللحية، وعدم صحَّة شيء في تخليلها في العمل فضلًا عن الأمر دليل على عدم الوجوب. [ص١٣٥]

[١٣٧]- جاء تخليل اللحية في بعض الروايات في صفة وضوء النبي ﷺ، ولا يصحُّ منه شيء؛ كما قاله أحمد وأبو حاتم.
ولم يروِ الشيخان فيهما شيئًا مرفوعًا ولا موقوفًا، وعدم ذكْر تخليل اللحية في الأحاديث الصحاح مع كثرتها وتعدُّد ألفاظها وطرقها، دليل على عدم وجوب ذلك، ولم يكن السف يؤكِّدونها. [ص١٣٥، ١٣٦]

[١٣٨]- لم يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين أنه كره تخليل اللحية، وغاية ما ثبت من خلاف العمل: ترك التخليل، وهذا يقتضي عدم إيجابها والتخفيف في حكمها. [ص١٣٦]

[١٣٩]- لا يثبت في تخليل اللحية ولا في عددِها حديث عن النبي ﷺ، ولا ثبت في العدد شيء عن الصحابة، ولم يرِد في ذلك شيء عن كبار التابعين.
ويكفي في تخليلها مرة، وإن كانت كثيفة جدًا فخلَّلها مع كل غسلة للوجه، فلا حرج. [ص ١٣٧]
[١٤٠]- ظاهر الأحاديث وفعل الصحابة أنهم لا يأخذون ماءً جديدًا لتخليل اللحية.
وكان غير واحد من السلف لا يرون أخذ ماء جديد. [ص ١٣٧]

[١٤١]- غسل القدمين من فروض الوضوء؛ وهذا لظاهر قول الله تعالى: ﴿وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ﴾[المائدة: ٦]، ولا يختلف العلماء أن القدم عضو من الأعضاء الواجبة في الوضوء، وكل من روى صفة وضوء النبي ﷺ تامة، فإنه يذكر غسل القدمين.
وهو إجماع الصحابة ذكره ابن أبي ليلى فقال :"أجمع أصحاب النبي ﷺ على غسل القدمين"، وبنحوه قال عطاء بن أبي رباح. [ص١٣٧، ١٣٨]

[١٤٢]- قوله تعالى: ﴿إِلَى الكَعبَينِ﴾[المائدة: ٦] كقوله في اليدين: ﴿إِلَى المَرافِقِ﴾[المائدة: ٦]، فأن الكعبين يدخلان في الغسل.
ولا يختلف العلماء أن غسل القدم يكون ثلاثًا كسائر أعضاء الوضوء. [ص١٣٨]
[١٤٣]- الوعيد الوارد في ترك الأعقاب لا يزيد في عدد غسلاتِها، وإنما يزيد في الإحتياط والتحرِّي لمواضع القدم باطنِها وظاهرِها وعَقِبِها، لا أن يزيد في غسلاتِها. [ص١٣٨]

[١٤٤]- الأحاديث في تخليل أصابع الرِّجلين معلولة.
وثبت في تخليل الأصابع عمومًا حديث لقيط بن صبرة، قال ﷺ: (وخلِّل بين الأصابع)، ويدخل فيه أصابع الريدين والرِّجلين. [ص١٣٩]

[١٤٥]- النظر يقتضي أن أصابع القدمين آكد بالتخليل؛ لأنها أقرب إلى القذر والعرق ووطء النَّجَس، والإنسان يحتاط ليده ما لا يحتاط لقدمه؛ لأنها محل طعامه وشرابه وسلامه وأخذه وعطائه واستعماله، وأما القدم فبخلاف ذلك، فالاحتياط بالتخليل فيها آكد.
وقد صح تخليل أصابع الرجلين عن بعض الصحابة. [ص١٤٠]

[١٤٦]- لا يثبت صريحًا أن النبي اكتفى بمسح قدميه المجرَّدتين عن الخُفِّ.
وصحيح روايات حديث عثمان على غسل القدمين. [ص١٤١]

[١٤٧]- بيَّن الله حُكْم القدم بقوله: ﴿وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ﴾[المائدة: ٦]، وهذا يقتضي الغَسْل؛ لأن ذكْر الكعب دليلٌ على أن القدم تُغسَل فذكَر حدَّها، بينما الرأس لم يحُدَّه بحدِّ؛ لأنه ممسوحٌ؛، والممسوح يُخفَّف في حدوده واستيعابه؛ ولهذا كان بعض الصحابة يكتفي بمسح بعض الرأس، لكن لا يكتفون بغسل بعض عضو من أعضاء الوضوء. [ص١٤١، ١٤٢]

[١٤٨]- قوله تعالى:﴿وَامسَحوا بِرُءوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ﴾[المائدة: ٦]، جاء فيها قراءتان:
الأولى: بنصب "أَرجُلَكُم" بعطف الأرجل على المغسولات قبل؛ وهي الوجه والأيدي إلا المرافق، وأُدخِل بينها مسح الرأس للترتيب.
والثانية: بالكسر؛ عطفًا على الممسوح، وهو ﴿بِرُءوسِكُم﴾؛ وهذا على معانٍ:
أولها: الوضوء الخفيف؛ فإنه يُسمَّى في الحديث مسحًا وتمسُّحًا، ولا يُنافي الإستيعاب للقدم؛ فإن الله لما ذكر الرجلين قال: ﴿وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ﴾[المائدة: ٦]، والمسح لا يُحدُّ بالكعب وإلا لكن غسلًا؛ فدلَّ على أنه أراد الغَسْل.
ثانيها: المسح على القدمين إذا كان عليهما الخِفَاف.
ومنهم من جعل الحُكْم للغَسْل، ولو مع قراءة الخفض، وإنما خُفِضَت الأرجل للمجاورة، وكان أنس يقرأ بالخفض ويرى الغَسْل؛ وهذه لغة صحيحة عربية، وثبوتها في القرآن كافٍ للتدليل على ذلك. [ص١٤٢، ١٤٣]

[١٤٩]- فعل النبي ﷺ وقوله يُفسِّر القرآن ويُبيُّنُه، وقد كان ينهى عن ترك قدر الظُّفْر من القدم لا يُصيبه ماء، ذلك لما أبصر رجلًا توضأ فترك موضع ظُفْر على قدمه فقال له : "ارجع فأحسن وضوءك".
وللتشديد في ذلك جاء الأمر بتخليل الأصابع في اليدين والرجلين، ولو كان المسح وحده جائزًا كمسح الخُفَّين، ما كان للتخليل والأمر به معنى. [ص١٤٣، ١٤٤]

[١٥٠]- لم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه اكتفى بمسح قدمه وهي مكشوفة مسحًا كمسح الخُفِّ. [ص١٤٦]

[١٥١]- القدم الصحيحة عند الوضوء تكون على أحوال ثلاثة:
١- أن تكون مكشوفة؛ فيجب فيها الغسل
٢- أن يكون عليها خُفٌّ أو جوربٌ أو حذاءٌ كبيرٌ ساترٌ إلى ما فوق الكعبين، أو جورب ساتر وفوقه حذاء ولكن كان قصيرًا، فيمسح عليها بشروط المسح الثابتة في السنة، بالمدَّة.
والجوارب التي من القماش، ولو رقيقة، تأخذ حكم الخُفِّ الذي من الجلد على الأرجح.
٣- أن يكون على القدم نعل، فإنها تُنزع وتُغسل القدم؛ لأن المسح يكون على الخف والجورب، ولا يثبت عن النبي ﷺ أنه مسح على قدمه، وعليها نعل مجرَّدة، والأحاديث الواردة في ذلك معلولة. [ص١٤٨، ١٤٩]
[١٥٢]- يجب استيعاب القدمين غسلًا عند الوضوء ما لم يكن هنا خُفٌّ أو جوربٌ، ولا يجوز ترك شيء من القدمين، ولو كحجم الظُفْر، ويجب تفقُّد العَقِب التي يسهو عنها كثير من الناس؛ وذلك لقوله ﷺ :"ويل للأعقاب من النار"، وخصَّ الأعقاب؛ لأنها يُغفَل عنها، وربما تساهل كثير من الناس بترك استيعابها عمدًا. [ص١٥٢ ،١٥٣]

[١٥٣]- لا بأس بالكلام والسكوت عند الوضوء، فلم يثبت في ذلك شيء عن النبي ﷺ.
والثابت عن النبي ﷺ الكلام في أثناء الغُسْل، وهو أشد من الوضوء؛ لما فيه من التَّعري وورود احتمال الحَدَث الأكبر. [ص١٥٤]

[١٥٤]- ثبت عن النبي ﷺ بعد الوضوء قول: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) وفي بيان ثوابه قال: (فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ) . [ص١٥٥]

[١٥٥]- صحَّ موقوفًا على أبي سعيد الخدريِّ؛ أنه كان يقول: "من توضأ فقال:سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك، كُتِبَ في رَقٍّ، ثم طُبِع بطابَعٍ؛، فلم يُكسَر إلى يوم القيامة". ومثلُه له حكم الرفع؛ لأنه حديث عن أجر معيَّن غيبي، ولا يقول مثلَه الصحابة برأي. [ص١٥٥، ١٥٦]

[١٥٦]- النَّظر إلى السماء بعد الوضوء وقبل الذِّكر والدعاء، لم يثبت فيه حديث، ولكنه فِعل حسن يفعله النبي ﷺ كثيرًا.
وكان ﷺ ربما قرأ القرآن ورفع بصره إلى السماء.
وثبت أنه يرفعه عند الدعاء.
ولو رفع المتوضئ رأسه إلى السماء عند ذِكْره ودعائه، وعند وضوئه على هذا الأصل فهو حسن وسُنَّة. [ص١٥٦]

[١٥٧]- يسن أداء ركعتين بعد كل وضوء، ويجوز إدخالُهما بالنية في غيرهما؛ كتحية المسجد، والسُّنَّة الراتبة، والركعتين بين الأذانين، وصلاة الضحى، وغير ذلك. [ص١٥٧]

[١٥٨]- الأجر[تكفير الذنوب] المترتب على ركعتي الوضوء مشروط بشرطين:
١ - مطابقة الوضوء لوضوء النبي ﷺ
٢ - ألا يُحدِّث المصلي نفسه في الركعتين، والمراد بذلك الخشوع فيهما، ولو غُلِب في لحظة منها، فليصرف قلبه إلى صلاته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. [ص١٥٧]

[١٥٩]- الخشوع هو جوهر الصلاة ومقصودها.
وقدم الله الخشوع في الصلاة على المحافظة عليها؛ لبيان أن الصلاة بلا خشوع حرمان؛ تُسقِط عنه الوزرَ وتحرمه الأجر. [ص١٥٨]

[١٦٠]- الخشوع في الصلاة مستحب، وفضيلته عظيمة، ولكنه لا يجب، بحيث يأثم تاركه لأن النبي ﷺ ذكَره في مساق الفضل، وعظيم الأجر، ومن ذلك أن ذهاب الخشوع يُذهِب أجرها بمقدار ذهاب الخشوع منها، فإن ذهب ربع الخشوع ذهب ربع الأجر، وإن ذهب ثلثه ذهب ثلث الأجر، وهكذا. [ص١٥٨]

[١٦١]- لم يثبت عن النبي ﷺ في التنشُّف شيء بعد وضوئه.
وعامة السلف على جواز التنشُّف، ومنهم من يجعله خلاف الأَوْلَى، والتنشُّف عادةٌ غالبةٌ لمن تبلَّل بماء كثير، ولو بردائه وإزاره وعمامته، وعدم ثبوت الكراهة صريحة دليل على جواز التنشُّف.
وجاء عن بعض الصحابة أنهم يتنشَّفون [ص١٦٠، ١٦١]

[١٦٢]- تكفير الطاعات للسيئات ليس متساويًا في الطاعة الواحدة، فليس كل توحيد يكفِّر الذنوب، كما أنه ليس كل صلاة تكفِّر ما بين الصلاتَيْن، وكذلك الجمعة ورمضان والحج، ومثل ذلك في الوضوء وركعتي الوضوء، وكلما كانت العبادة أكمل كان أثرها في تكفير الذنوب أعظم وأقوى. [ص١٦٤]

[١٦٣]- الكمال في الوضوء: إحسانه، وفي الصلاة خشوعها، إن كملا كمل المقصود من تكفير الذنوب، بشرط اجتناب الكبيرة. [ص١٦٤، ١٦٥]
[١٦٤]- بيَّن عثمان أن دون وضوئه الذي علمَّه الناس وضوءًا مُجزئًا، يكفي في إسقاط الواجب، وأداء الفرض، وتحقيق أصل الأجر لا كماله، ولكن كماله لا يكون إلا بإحسانه على الوجه الذي رواه عثمان عنه ﷺ. [ص١٦٥]

[١٦٥]- لمَّا ذكر النبي ﷺ تكفير الوضوء والصلاة للذنوب حذَّر من الاغترار بذلك، والاغترار بالصالحات يساوي الأمن من المعاصي؛ فالصالحات تسُرُّ المؤمن ولا تغُرُّه.
والمراد بالغرور بالصالحات أن يركن إليها حتى تُنسيه سيئاته، فيُفرِّط في جنب الله، يُحصي حسناته، وينسى سيئاته، حتى تحيط به فتُهلكَه.
والمؤمن يتوسَّط؛ فلا ينسى الطاعات ويتَذَكَّر المعاصي حتى يقنط من رحمة الله، ولا ينسى المعاصي ويتذكَّر الطاعات؛ فتغُرُّه؛ فيهلك. [ص١٦٦]

[١٦٦]- إبلاغ الدين من فروض الكفايات، وهو فضل عظيم يختص الله به أهل التوفيق ومن يحبهم من عباده. [ص١٦٧]

[١٦٧]- تبليغ الدين أوجب الواجبات، وأهم المهمَّات، ولا يترفع عنه إلا محروم، والواجب أداؤُه كلٌّ بما يعلم، ولو لم يعلم إلا الفضائل والسُّنن والآداب، وكل واحد من الناس لديه فضلةٌ من العِلم على من دونَه؛ فلا يستصغر في باب البلاغ سُنَّة. [ص١٦٨]

[١٦٨]- لكل عِلم زكاة، وليس في العِلم بلوغ نصاب، وكلما كان العِلم يتصل بعظيم من الدِّين كانت الزكاة فيه أوجب. [ص١٦٨]

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه ومن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

فوائد وفرائد
  • فوائد وفرائد من كتب العقيدة
  • فوائد وفرائد من كتب الفقه
  • فوائد وفرائد من كتب التفسير
  • فوائد وفرائد من كتب الحديث
  • فوائد وفرائد منوعة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فوائد وفرائد قيدها: المسلم
  • فوائد وفرائد قيدها: عِلْمِيَّاتُ
  • الرئيسية