صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مؤتمر بكين .. خطوة باتجاه مجتمع التحلّل العالمي

ماجد بن جعفر الغامدي

 
نبذة تاريخية:
تشهد سراديب الأمم المتحدة استعدادات مكثفة لعقد مؤتمرها الدولي في شهر آذار (مارس) المقبل احتفالاً بمرور عشر سنوات على وثيقة بكين الخاصة بالمرأة، وهي الوثيقة التي تدعو إلى فتح الطريق على مصراعيه للإباحيّة الجنسيّة، وإطلاق الحرية التامة للحمل خارج إطار الزواج والإجهاض وزواج المثليين، وهدم الأسرة بأركانها الفطرية.

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم إرساؤه عام 1948م يمثل البذرة الأولى لمرجعية "أيدلوجية المرأة الجديدة" التي طرحت موضوع "الأسرة والمرأة قضية عالمية" منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن ضجيج القضايا السياسية والاقتصادية على دول العالم الثالث في هذا الوقت غطّى على الجانب الاجتماعي والثقافي المتصل بالأسرة والمرأة والأحوال الشخصية؛ فمنذ عام 1950م حاولت الأمم المتحدة عقد الدورة الأولى لمؤتمراتها الدولية حول المرأة والأسرة بعنوان " تنظيم الأسرة"، لكن الحكومة المصرية في العهد الملكي قاومته بقوة، وأخفق المؤتمر الذي كان يترأسه ماركسيٌّ صهيوني، ثم عاودت الأمم المتحدة مرة ثانية تطلعها في بناء المرجعية النسوية الجديدة، فعقدت مؤتمراً في المكسيك عام 1975م، ودعت فيه إلى حرية الإجهاض للمرأة، والحرية الجنسية للمراهقين والأطفال، وتنظيم الأسرة لضبط عدد السكان في العالم الثالث، وأخفق هذا المؤتمر أيضاً، ثم عُقد مؤتمر في "نيروبي" عام 1985م بعنوان: "استراتيجيات التطلع إلى الأمام من أجل تقدم المرأة" ثم كان مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية الذي عُقد في سبتمبر 1994م، وأخيراً كان مؤتمر المرأة في بكين الذي عُقد عام 1995م تحت عنوان: "المساواة والتنمية والسلم"، وهو المؤتمر الذي ختمت به الأمم المتحدة القرن الماضي، وانتهت إلى الشكل النهائي للمرجعية الجديدة والبديلة التي يُراد فرضها على العالم والتي تهدف بكلمة واحدة إلى "عولمة المرأة". وتعتبر جميع المؤتمرات السابقة إرهاصات حقيقية لما يصبون إليه من رسم أيدلوجية موحّدة للمرأة في جميع أنحاء العالم .. ثم كانت الولادة لطفلهم الأشقر الجميل(مؤتمر بكين) الذي طالما قد حلموا به وهاهم في طور الاعتناء البالغ فيه حتى يكبر ويترعرع ويفرضوا سيادته على العالم .

أبرز دعوات مؤتمر بكين :
وبعد هذه اللمحة التاريخية الخاطفة فما أبرز أفكار "مؤتمر بكين"؟ بعد العودة إلى نص الوثيقة الختامية لمؤتمر بكين، والوثيقة المعدّة لمؤتمر بكين والتي تقع في (177) صفحة و (362) مادة تجد الوثيقة تدعو إلى نزعات متعددة وتتضمن هذه النزعة فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية ( من ذكر إلى أنثى ومن أنثى إلى ذكر أو أن يختار أن يكون بينهما؛ لأن الوثيقة تقرّ الاعتراف بالشواذ) ولك أن تتخيل ما يتبع ذلك من تغيير في الأدوار المترتبة على الفرد، ومن ثَمَّ الاعتراف رسمياً بالشواذ والمخنثين، والمطالبة بإدراج حقوقهم الانحرافية ضمن حقوق الإنسان، ومنها حقهم في الزواج وتكوين أسر، والحصول على أطفال بالتبني أو تأجير البطون .

وتطالب الوثيقة بحق المرأة والفتاة في التمتع بحرية جنسية آمنة مع من تشاء وفي أي سن تشاء، وليس بالضرورة في إطار الزواج الشرعي، مع تقرير الإباحية الجنسية، وإلزام جميع الدول بالموافقة على ذلك، مع المطالبة بسن القوانين التي يُعاقب بها كل من يعترض على هذه الحرية، حتى ولو كان المعترض أحد الوالدين، وهذا استدعى كذلك الدعوة لتقليص ولاية الوالدين وسلطتهما على أبنائهما، حتى ولو كانت تلك الممارسات في داخل البيت الذي تعيش به الأسرة، فللفتاة والفتى أن يرفع الأمر إلى السلطات التي ستلزم بسن قوانين تعالج أمثال هذه الشكاوى؛ فالمهم هو تقديم المشورة والنصيحة لتكون هذه العلاقات (الآثمة) مأمونة العواقب سواء من ناحية الإنجاب أو من ناحية الإصابة بمرض الإيدز .
وتطالب الوثيقة الحكومات بالاهتمام بتلبية الحاجات التثقيفية والخدمية للمراهقين ليتمكنوا من معالجة الجانب الجنسي في حياتهم معالجة إيجابية ومسؤولة، وتطالب بحق المراهقات الحوامل في مواصلة التعليم دون إدانة لهذا الحمل السِّفَاح، فالوثيقة تدعو إلى سن قوانين للتعامل مع حمل السّفاح، لتكون وثيقة دخول الحامل للمستشفى هو كونها حاملاً دون أدنى مساءلة حول حملها بغير زوج، ثم تخيير الفتاة بين رغبتها في الإجهاض، أو إن شاءت أن تبقيه فتلزم سلطات الرعاية الاجتماعية برعايتها، وإن لم ترد تربيته فتدفع به لدور الرعاية .

تحليل لعبارات الوثيقة :
ولا تتحدث "وثيقة بكين" عن الزواج من حيث إنه رباط شرعي يجمع الرجل والمرأة في إطار اجتماعي هو الأسرة؛ وإنما ترى أن الزواج المبكر يعوق المرأة، ومن ثَمَّ فهي تطالب برفع سن الزواج وتحريم الزواج المبكر.
وبالتأمل والتحليل لبعض ألفاظ الوثيقة نجدها تخاطب المرأة الفرد، وليست المرأة التي هي نواة الأسرة؛ فالمرأة العاملة هي المرأة المعتبرة. أمَّا المرأة العاملة داخل البيت ـ ربة الأسرة ـ فيُنظر إليها باعتبارها متخلفة وخارج السياق الدولي الجديد؛ لأنها لا تمارس عملاً بمقابل، ولأنها ربطت نفسها بالزوج والأولاد والأسرة، ولذا فعبارة: "الأمومة" لم ترد سوى ست مرات؛ بينما كلمة "جندر" والتي تعني نوع جاءت ستين مرة، وجاءت كلمة "جنس" في مواضع كثيرة جداً.

وأما كلمة "الزَّوج" لم تذكر ولا مرة، لأن الوثيقة لا تعترف بالزواج وتعتبره جناية على المرأة، وتسمي العملية الجنسية بين الزوجين بـِ (الاغتصاب الزوجي).
وذُكر بدلاً من "الزوج" كلمة أوسع وأعم Partner ، أي الزَّميل أو الشَّريك؛ فالعلاقة الجنسية علاقة بين طرفين تدين لكل منهما استقلاليته الجنسية، والحقوق الإنجابية حقوق ممنوحة للأفراد والمتزوجين على السواء .
ولم ترد كلمة "الوالدين" إلا مصحوبة بعبارة "أو كل من تقع عليه "مسؤولية الأطفال مسؤولية قانونية" في إشارة إلى مختلف أنواع الأسر المثلية ( ذكر وذكر أو أنثى وأنثى أو حتى الشواذ)؛ لأن الوثيقة تعترف بهذه الأسر المثلية وتدعو إليها.
والمثير أن تستخدم الوثيقة كلمة (المساواة) للتعبير عن إزالة الاختلافات بين الرجل والمرأة حتى ولو كانت اختلافات بيولوجية، وتستخدم (التنمية) للتعبير عن الحرية الجنسية والانفلات الأخلاقي، وتستخدم كلمة (السلم) لمطالبة الحكومات بخفض نفقاتها العسكرية، وتحويل الإنفاق إلى خطط التخريب والتدمير للأيديولوجية النسوية الجديدة؛ إذ تلزم مقررات بكين الحكومات المحلية بتنفيذ الأهداف الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد فيما يتصل بإقرار الأيديولوجية النسوية الجديدة، وذلك بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي .
هذه هي المفردات الجديدة والمقررات التي يسعى النظام العالمي الجديد لفرضها أيديولوجية كونية على العالم. وبالطبع فإنه يستهدف من وراء ذلك ضرب مواطن القوة في الحضارات المختلفة معه .

كيف تعامل العالم مع الوثيقة ؟
وإن من يتأمل في تلك المقررات بعين العقل والبصيرة فإنه لا يكاد يصدق أنه يوجد ثلاثة أشخاص من البشر قد يتفقون عليها ويقرونها لشناعتها وخطرها، بل لو حُدثنا عن أنها في أمة سابقة لاعتبرناها أمراً عجباً، والمرء يعجب أعظم العجب
عندما يتيقن أن تلك المقررات والدعوات تتداعى دول عدة لإقرارها ... دولٌ نالت حظاً كبيراً من فهم السنن الكونية في هذه الحياة ... وهاهم يشاهدون أعظم العبر وأبلغ النذر في خطئهم، و خطر دعواتهم الإباحية بما رأوه من الأرقام المتصاعدة لصرعى الأمراض الجنسية التي أُعيوا أن يجدوا لها طباً أو شفاءً ...
فكيف تعمى بصائرهم عن وهاد السفاح و مزالق مخالفة الفطرة ؟!
ولكن ذلك العجب يتلاشى حين نتأمل قول أصدق القائلين وأحكم الحاكمين والخبير بما في صدور العالمين؛ إذ قال سبحانه: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) [سورة الفرقان:44] وإنه لعارٌ على الإنسانية إلى قيام الساعة أن يكون فيهم من تُبجل إنجازاتهم وتُعدد مخترعاتهم مما فتح الله به عليهم ثم ينتكسون تلك الانتكاسة الكبرى في هـدم الأخلاق وإلغاء الكرامة الإنسانية وإهدار معالمها .
والطامة الكبرى أن وثيقة بكين التي أصبحت "مقررات بكين" وقّعت عليها (183) دولة لتصبح أساس المرجعية الكونية البديلة، والتوصيات والوثائق التي توقع عليها الـدول والحكومات الأعضاء في الأمم المتحدة تعتبر ملزمة لها، كما أن الأمم
المتحدة تقوم بكل هيئاتها ومؤسساتها بتنفيذ ما جاء في توصيات هذه المؤتمرات الدولية ووثائقها، بما في ذلك المراقبة والمتابعة لمدى التزام الدول والحكومات بها، كما أن المنظمات غير الحكومية الممثلة في الأمم المتحدة تمثل قوة ضغط في
دولها لمراقبة التزام هذه الدول بقرارات الأمم المتحدة وتوصياتها ومتابعة ذلك، وهي فـي هذا تشبه "جواسيس للأمم المتحدة" في دولها .
ولا تكتفي الأمم المتحدة بذلك وإنما تعقد مؤتمرات مع الأطراف الحكومية والمنظمات غير الحكومية كل سنة أو سنتين باسم مؤتمر السكان أو التنمية أو غيرها من الشعارات البرّاقة، وذلك للتأكد من الالتزام الحكومي بالمرجعية الكونية البديلة والخضوع للنظام العالمي الجديد، وهكذا حتى يأتي موعد المؤتمر الدولي القادم للمرأة في آذار (مارس) من عامنا الجديد 2005م، أي بعد عشر سنوات من مؤتمر بكين، أي أن هناك آلية دولية لها طابع الفرض والإلزام والمتابعة تتدخل في الشؤون الداخلية للدول لتطلب منها الالتزام بما وقّعت عليه، وهذه الآلية يمكن أن تمارس الإرهاب بفرض العقوبات الدولية على الدول التي ترى الأمم المتحدة أنها غير ملتزمة، كما أن هذه الآلية تمارس الإغراء بمنح معونات أو قروض أو ما شابه، إذا التزمت بمقررات الشرعية الجديدة .

وفي الدول العربية :
وفي الأحوال الشخصية للمرأة في سوريا فقد تم إصلاح عدة قوانين مدنية في الثلاثين سنة الماضية بهدف تحقيق المساواة بين الذكور والإناث، ولكن العديد من هذه الإصلاحات لم تُطبّق؛ لأن التقاليد الاجتماعية تمنع تطبيق القوانين التشريعية أو الوضعية، وفي أعقاب مؤتمر بكين شكلت الحكومة "اللجنة الوطنية لمتابعة شؤون المرأة ما بعد بكين"، وتتولى هذه اللجنة إعداد تقارير للأمم المتحدة حول تقدم سوريا نحو المساواة بين الجنسين، وترفع التوصيات إلى الحكومة السورية حول هذه المسألة .
ومن ثَمَّ فإن ما يجري في مصر أو المغرب أو الأردن بشأن تغيير قوانين الأحوال الشخصية أو العقوبات هو جزء من الالتزام بالأجندة الدولية التي وافقت هذه الدول عليها في المؤتمرات الدولية، وليس تعبيراً عن حاجة داخلية لشعوب هذه الدول؛ فحق المرأة في فسخ عقد الزواج، وحقها في السفر هي وأولادها بلا قيود، وحقها فـي المواطنة الذي يستخدم ستاراً لمساواتها مع الرجل في الإرث والطلاق وعدم الخضوع لسلطة ـ أي رفض القِوامة ـ وإقامة علاقات ود وصداقة خارج نطاق البيت والعائلة، كل هذه القضايا كانت مطروحة باعتبارها جزءاً من أجندة دولية للتسليم بالدخول في طاعة النظام العالمي الجديد، والإقرار بالالتزام بالأيديولوجية النسوية البديلة.

الإسلام عائق في تنفيذ الوثيقة :
كما أن خطر هذه الأيديولوجية البديلة يتمثل أيضاً في اقتحام مناطق كان يُنظر إليها باعتبارها خاصة أو شخصيـة، ويُنظّم أوضاعها بشكل أساسٍ الدين والتقاليد والأعراف المحلية والثقافات الخاصة، أي أن الاقتحام والهدم لهذه الأيديولوجية ينال مناطق متصلة بالهوية والثقافة والوجود، وهي محور الكيان الإنساني والوجود البشري، ويقف وراء هذه الأيديولوجية فكر شيطاني يريد أن يجعل من الأخلاق فوضى ومن الفاحشة شيوعاً وذيوعاً .

وبالنسبة للحضارة الإسلامية فلا يزال الدين الإسلامي يمثل مرجعية للناس ونظاماً لحياتهم خاصة في مسائل الأسرة والأحوال الشخصية وفي مسائل الفكر والثقافة والاعتقاد، وهو ما يزعج الأمم المتحدة والغرب؛ إذ إن المسلمين يمثلون ملياراً ونصف مليار نسمة تقريباً، والعالم الإسلامي بإمكاناته وثرواته وأهله يهدد النظام العالمي الجديد بفقدان سيطرته عليه ما بقي الإسلام حاكماً للجوانب الاجتماعية والثقافية وللهويّة؛ ولذا لا بد من تسديد الضرب إلى الصميم للقضاء على الهوية الإسلامية، وعلى النظم الاجتماعية التي أثبتت أنها القلعة التي حمت العالم الإسلامي من السقوط والانهيار، وهكذا فإن الصراع مع الغرب انتقل من السياسي والاقتصادي إلى الديني والثقافي والاجتماعي المتصل بالهوية والوجود؛ وهو ما يتطلب وعياً جديداً وأدوات جديدة؛ كما يتطلب يقظة ومقاومة في صميم الأيديولوجية وتستمد الأيديولوجية الجديدة جذورها الفكرية من الماركسية الحديثة حيث تعتبر أن خطأ الماركسية القديمة هو اللجوء إلى الأساليب الاقتصادية لبناء مجتمع "لا طبقي"؛ بينما ترى الأيديولوجية الحديثة أن اللجوء إلى الأسالـيـب الاجـتماعية هو السبيل الوحيد لمجتمع خالٍ من الطبقات والميول الطبقية، وتمثل "الأسرة" والأمومة في نظر "الماركسية الحديثة" تمثل السبب وراء نظام طبقي جنسي يقهر المرأة لا يرجع إلا لدورها في الحمل والأمومة .
وتمثل توصيات المؤتمرات الدولية والمعاهدات والاتفاقيات العالمية المرجعية العالمية الجـديـدة التي يمكن وصفها بأنها "أيديـولوجية نسوية" لها قوة الأيديولوجيات السياسية التي عرفها القرن الماضي ثم انهارت وخبت وماتت .
وكما كان يحدث بالنسبة للأيديولوجيات السياسية والفكرية فإن الأيديولوجية النسوية الجديدة يُراد لها أن يكون معتنقوها في كل العالم وفي كل الدول والشعوب وفي كل الأعمال؛ فإنها الوسيلة الجديدة لغزو العالم وشعوبه، وهي الدين الجديد الذي يُراد للعالم أن يتوحّد خلفه ويدين به، ويريد أن يفرض هذا الدين والأيديولوجية بالقوة على العالم كله بحيث تكون هناك قوة عالمية واحدة ومرجعية كونية واحدة وإنسان عالمي واحد، وتنهار كل الحدود والقيود والحصون أمام هذه القوة العالمية الجديدة والمنفردة بحيث تصبح إرادتها ورغباتها ومصالحها مُسلَّماً بها ومُرحَّباً بقدومها بلا أي عوائق من الدين أو اللغة أو اللون أو الجنس أو القومية أو الثقافة. أي أن المرجعية الكونية الجديدة هي بديل لكل ما عرفته الأمم والأجناس البشرية مـن ثقافات وتاريخ وصراعات وأفكار؛ بحيث يغدو كل هذا ذكرى بلا قيمة ولا معنى، وتصبح القيمة والمعنى في المرجعية الكونية البديلة والجديدة التي يتحوَّل فيها البشر جميعاً عبيداً للإله الذي قررها، وهو النظام العالمي الجديد.

الشرائع السماوية ترفض الانحلال :
ومع تقديم الوثيقة وإلزام الدول بتنفيذها فهم على علم تام بما سيحدث لها من معارضات؛ فقد ربطوا هذه الانحرافات التي يُروّجون لها بالديمقراطية والازدهار، وذكروا أنهم سيُجابهون أياً من "رجال الدين" ممن تسوِّل له نفسه الاعتراض على هذه المطالب، أو رفض تعديل التَّعاليم الدِّينية كي تتماشى مع مخططهم؛ ولذلك فقد أشارت الوثيقة بوضوح إلى أن الدين يقف عائقاً أمام تحقيق هذه المقررات، فناشدت الوثيقة المؤسسات الدينية لكي تساعد على تحويل مقررات مؤتمر بكين إلى واقع بمعنى أن تصبح المؤسسات الدينية إحدى أدوات المرجعية الكونية الجديدة التي يتبناها النظام العالمي ويسعى لفرضها على العالم .
وأما عن ردات الفعل الدينية فقد حدث ما تنبأت به الوثيقة؛ لأن كثيراً مما أتت به وثيقة بكين لا يقرّ به العاقل وجميع الشرائع السماوية ترفضه تماماً. فالأزهر الشريف أبدى رفضه لمقررات المؤتمر، بل وحتى الكنيسة الشرقية والفاتيكان انزعجوا من المؤتمر واعترضوا على بنوده، وقد صدر بشأنه قرار من هيئة كبار العلماء بالسعودية، وقرار من المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وكلاهما برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ومما ذكر ابن باز في بيانه بعد أن تحدّث أنه اطلع عليه كاملاً وعلى مقرراته فقال:" والآن يأتي مؤتمر بكين، وقد تبنّت مسودة الوثيقة المقدمة للمؤتمر من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة على مبادئ كفرية، وأحكام ضالّة في سبيل تحقيق ذلك، منها: الدعوة إلى إلغاء أي قوانين تميز بين الرجل والمرأة على أساس الدين، والدعوة إلى الإباحية باسم: الممارسة الجنسية المأمونة، وتكوين الأسرة عن طريق الأفراد، وتثقيف الشباب والشابات بالأمور الجنسية، ومكافحة التمييز بين الرجل والمرأة، ودعوة الشباب والشابات إلى تحطيم هذه الفوارق القائمة على أساس الدين، وأن الدين عائق دون المساواة... إلى آخر ما تضمنته الوثيقة من الكفر، والضلال المبين، والكيد للإسلام وللمسلمين، بل للبشرية جمعاء، وسلخها من العفة، والحياء، والكرامة؛ لهذا فإنه يجب على ولاة أمر المسلمين، ومن بسط الله يده على أي من أمورهم- أن يقاطعوا هذا المؤتمر، وأن يتخذوا التدابير اللازمة لمنع هذه الشرور عن المسلمين، وأن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذا الغزو الفاجر، وعلى المسلمين أخذ الحيطة والحذر من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين" ا.هـ
وقد قامت اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بإصدار تقرير يوضح التصور الإسلامي لما ورد في "وثيقة بكين" وسُمي بـ "التقرير البديل"، وهو يرفض إجمالاً: كل ما يدعو إلى الحرية الجنسية والإباحية، وكل أنواع العلاقات الجنسية خارج إطار الأسرة، وكان لهذا التقرير أصداء واسعة خاصة بعد أن تمّ توزيعه في بعض المؤتمرات التي عُقدت وطرحت الرؤية الإسلامية للمرأة بشكل جلي واضح، وكيف أن الإسلام حفظ لها كامل حقوقها ورفعها عن الدنس والرجس .

تود الزانية لو أن النساء كلهن زواني:
وأما هذه المجتمعات الغربية والتي قد شرعت مسبقاً في تنفيذ هذه القوانين الشاذة فقد عاد ذلك بالنكبات المتتابعة عليهم، وزادتهم تمزقاً وفرقة، وهنا لغة الأرقام تتحدث؛ فالإحصاءات والبيانات التي تصدر تباعاً من داخل المجتمعات الغربية تؤكد ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر. تقول بعض المصادر الأمريكية: إن هناك حوالي مليون فتاة أمريكية من المراهقات يحملن كل عام ( خارج الزواج )، وأن حوالي300))ألف منهن دون سن الخامسة عشرة، وأن (400) ألف منهن يقدمن على الإجهاض .

كما تؤكد الدراسات العديدة الصادرة عن أشهر ثلاثة باحثين أمريكيين في السلوك الجنسي وهم ( كنزي و جونسون و ماستر ) أن 50% من الذكور الذين تمت دراسة حالتهم قد مارسوا الجنسية المثلية – والعياذ بالله - كما تؤكد دراسات أخرى أن مليون ونصف امرأة وفتاة يمارسن السحاق، وإلى غيرها من الأرقام المخيفة والمفجعة، والمنبئة بخطر داهم على هذه المجتمعات ذات الشهوات الحيوانية إن هم استمروا على فحشهم .

وها هو العالم الغربي في أوروبا يواجه حالة من العقم، إذ أدّى الانحلال الأخلاقي والشذوذ إلى عدم تعويض الأجيال العجوز بأجيال جديدة من المواليد، كما أن مؤسسة الأسرة تواجه الانقراض هناك، حيث ترتفع نسب الطلاق والامتناع عن الزواج، كما ترتفع نسبة الأولاد غير الشرعيين، وترتفع نسب الإلحاد، والمثير أن ذلك كله يتناسب تناسباً طردياً في حالة الدول ذات الوضع الرفاهي الأعلى، وفي أمريكا حيث يتمرد المهاجرون من آسيا والشرق الأوسط ودول أمريكا اللاتينية على برامج تنظيم الأسرة، وهو ما يحافظ على إبطاء شيخوخة المجتمع الأمريكي، وأظن أن الدمار الذي أصاب الغرب يريد أن يشاركه فيه العالم كله خاصة المسلمين ـ كالزانية التي تودّ أن لو صار الجميع مثلها .

إذن:
إن الإنسان: الرجل، والمرأة، والأطفال، والأسرة هم المقصودون بالهجمة العالمية الجديدة وهم المقصودون بالمرجعية الكونية البديلة للنظام العالمي الجديد، وعلى عالمنا الإسلامي أن ينتفض ويستيقظ؛ فإن وجودنا مرتـبــط بمدى ارتباطنا بكلمة: "مسلمين" اسماً وفعلاً؛ وإلاَّ فالاستبدال كما قال ـ تعالى ـ: (وإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ). [سورة محمد: 83].
وما ينبغي علينا أن نفعله لمواجهة هذا الخطر الذي يهدّد كياننا الأسري يتلخّص في: إعطاء المرأة كامل حقوقها التي منحها إياها الإسلام، والنظر إليها نظرة الإسلام الصحيحة؛ فالقصور الموجود حالياً في مجتمعاتنا الإسلامية هو الذي أوجد فيها ثغرات نفذوا إلينا من خلالها، وإنها مسؤولية دينية علينا نحن المسلمين، وهي المبادرة تجاه الإنسانية لإنقاذها من هذا التيه والانفلات والفوضى الجنسية التي تفرضها عليها الصهيونية العالمية؛ فنحن لو أنصفنا المرأة، وأعطيناها كامل حقوقها في الإسلام نكون قد أعطينا للإنسانية النموذج الأمثل الذي يُحتذى به .
وفي هذا السياق فإن الجدير بأمة الإسلام أن تفيق من غفوتها، وتقوم من كبوتها، وألاّ تغتر بتلك الدعوات الآثمة، وأن تحذر من أن يُمّرر عليها ذلك من خلال الوسائل الإعلامية التي تخدم توجهات تلك المؤتمرات عبر زمرة الفن الرخيص وتجار الغرائز، وليحذر أولئك المهرولون في ركابهم من أن يكونوا شؤماً على أمة الإسلام بما قد تتلقفه قلوبهم من تلك الأباطيل؛ فيوحي إليهم الشيطان بإحلاله في بلاد الإسلام، وخاصة وسائل الإعلام في بلاد الإسلام والإعلاميين والمثقفين الذين يرومون التحديث والتجديد؛ فإن كثيراً منهم قد طالت معاناة الأمة من إفكهم و تلبيسهم وهرطقاتهم التي يتلقفونها من الشرق والغرب، ويودّون إحلالها بين المسلمين بدلاً من شريعة رب العالمين بدعواتهم التي راموا من ورائها تغريب الأمة وتغريرها، وعمدوا من خلالها لتحريض المرأة ودعوها لنبذ العفة والفضيلة، وتباكوا على المتمسكين بالوحيين ورموهم بالتهم والأباطيل، والتي بدت في كتاباتهم، وفي لحن القول مما تنطق به أفواههم، فالعودة العودة إلى حياض النجاة، والتمسك بشرع خالقنا فبه فلاحنا ونجاحنا بإذن ربنا .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

للنساء فقط

  • المرأة الداعية
  • رسائل دعوية
  • حجاب المسلمة
  • حكم الاختلاط
  • المرأة العاملة
  • مكانة المرأة
  • قيادة السيارة
  • أهذا هو الحب ؟!
  • الفتاة والإنترنت
  • منوعات
  • من الموقع
  • شبهات وردود
  • فتاوى نسائية
  • مسائل فقهية
  • كتب نسائية
  • قصـائــد
  • مواقع نسائية
  • ملتقى الداعيات
  • الصفحة الرئيسية