اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/female/m64.htm?print_it=1

أنت .. والتربية .. والمناهج وراء دنو الهمة.............إعداد : أمل الذييب

حتى لا تعيش أبد الدهر بين الحفر !

تحقيق أسماء بنت صالح

 
لكل منا همة تسكن قلبه.. وتيسر دربه.. ويخطط على منوالها مستقبله، والهمم تتفاوت بين البشر، فشتان بين همة في الثرى وأخرى في الثريا، وعلو الهمة مبتغى كل إنسان ناجح يتطلع إلى حياة أفضل، بيد أن شروطها هنا يراد بها وجه الله تعالى، وأن تكون عونا على البذل والعطاء لهذا الدين إذن نحن لا نقصد علو الهمة لذاته.. فذلك يتساوى فيه الكافر والمسلم لا فرق بينهما.. بل نحن نبحث عن التميز الذي ميزنا به ديننا لذا أين نصرف همتنا وكيف؟!! وحتى لا نطيل فلندخل إلى الموضوع مباشرة:

لماذا نريد أن تعلو الهمم ؟

أول سؤال نسأله في هذا الموضوع هو لماذا نريد أن تعلو الهمم ؟! وهذا هو السؤال الذي بادرتنا به الأخت الداعية الدكتورة رقية المحارب مديرة عام الإدارة العامة لتوجيه وإرشاد الطالبات والوكيلة المساعدة لشؤون الطالبات، حيث أردفت قائلة: هل هو مجرد انسياق وراء رغبة الوالدين أو المجتمع أو المدرسة ؟ أم هو مطلب النفس والشخصية المتميزة؟ إن الإجابة على هذا السؤال هو مفتاح النجاح وطريق الإبداع .
وإذا علمتْ أختي الكريمة أن دنو همتها فيه ضياع لكنوز كثيرة داخلها، وطاقات عظيمة تتمتع بها، فإنها سوف تبدأ في التأمل والمحاسبة لكيفية قضاء وقتها، وإن الذين يفكرون في كيف سيكون مستوى تفكيرهم بعد عشرين سنة، وكيف ستكون ثقافتهم، وكيف علاقاتهم ونجاحاتهم سوف يعملون على التخطيط للنجاح منذ اليوم الأول وإذا كان هذا التفكر ولد حرصاً عند كثيرين وكثيرات وهو لا يتعدى هموم ونجاحات فترة زمنية مؤقتة وهي هذه الحياة الدنيا القصيرة، فكيف بمن يفكر في حياته الخالدة في الآخرة؟!
إن فترة الشباب هي زمن الأحلام ووقت تشكل العقلية المبدعة المعطاءة فتلك التي لا تتعدى اهتماماتها ملابس تتأنق فيها، أو أخبار التافهين تتابعها، أو أمور ترفيه صرفت وقتها الثمين فيه، كيف يمكن أن تضيف لحضارة أمتها؟!

أسباب علو الهمة

وقد ذكرت الأخت الدكتورة الفاضلة الأسباب التي تؤدي إلى دنو الهمة حيث قالت (وأكثر الأشياء التي تؤدي إلى دنو الهمم في نظري هو الجهل الجهل بالنفس وبدورها في هذه الدنيا، وكذلك الجهل بهذا الدين وعظمته، والجهل بالأحكام الشرعية، والبعد عن الأجواء العلمية التي تعطرها آيات الكتاب المبين وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إن التي تجهل أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة حيث الخيرات الحسان، والنعيم المقيم، وحيث الراحة والسعادة الأبدية سوف تخسر كثيرا، وهذه الخسارة فادحة؛ لأن مجرد كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ولأن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ولأن السيئة بمثلها، ولذلك يا لخيبة من غلبت سيئاته حسناته رغم هذا الفضل والإكرام !!
وثاني الأسباب العجز والكسل ولذلك أكثر النبي صلى الله عليه وسلم التعوذ منهما .. الكسل في أمور الدراسة شيء سيئ، والكسل في الدعوة وعدم ابتكار طرق ووسائل جديدة أمر مزعج، والكسل في تكوين علاقات طيبة تكون بداية لأخوة في الله تكسب حلاوة في هذه الدنيا والكسل في طلب العلم ينـتج شخصية معتمدة على الآخرين في كل شيء، والكسل في القيام بحقوق الناس من خوارم المروءة كل هذا يصِمُ صاحبه بدنو الهمة .
وثالث هذه الأسباب سماع الباطل من الغناء وقراءة الروايات الهابطة من مثل روايات نجيب محفوظ أم غيره
وكذلك مشاهدة المسلسلات والبرامج التي تقضي على الحياء وتشجع على الرذيلة وتهون من شأن القيم والمبادئ الإسلامية، وتحرض على التمرد على الآداب.. وهذا كله باسم الحرية الشخصية. فهذا السماع يقضي على الخير في الشخصية السوية، ويجعل منها شخصية تجري وراء ملذاتها من غير اعتبار لأي فضيلة فأي خسارة في الدنيا والآخرة يكتسبها صاحب هذا المسلك؟!
ورابع الأسباب ترك صحبة الأخيار، وصحبة من لا ترعى واجبات ربها.. فالأخلاق تنتقل بالمجالسة والمزاملة!!
وحين نقرأ آيات الله تعالى نرى من النصوص ما يُرغّب في معالي الأمور ويحفّز عليها ومنها أنه تعالى أثنى على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والرسل وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل، وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى :{فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} [الأحقاف 35] وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالهمة العالية والتنافس في الخيرات فقال عز وجل {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} [الحديد: 21] وقال تعالى:{ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } [آل عمران: 133] وقال تعالى: {لمثل هذا فليعمل العاملون}[الصافات61] وقال تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتافسون} [المطففين: 26] وختمت الدكتورة الفاضلة حديثها بنصيحة أخوية جاء فيها: "فلتحرص أختي على أن تكون في أسرتها ومدرستها وجامعتها منبراً للخير، مدافعة عن قيمه ولتكن قدوتها أمهات المؤمنين والصالحات. آسية، ومريم، والصالحات من سلفنا.. وأتمنى لكل من تقرأ هذه العبارات أن تتأملها وتفكر فيها وتجعل لنفسها مشروعاً ينفعها الله به وينفع بها أمتها".

سفاسف الأمور ودنو الهمة

ثم شاركتنا الأخت الداعية الأستاذة نادية الكليبي، حيث ذكرت أن هناك أسباباً كثيرة لظاهرة دنو الهمة وفي الوقت ذاته تعد مانعاً لعلو الهمة ولا بد للفتاة المسلمة من معرفة تلك الموانع التي تقف في طريق سيرها إلى الهمة العالية والمطالب السامية وقد حصرت تلك الأسباب بإيجاز وهي كما يلي:
أولاً: الانشغال بسفاسف الأمور وغيبة الاهتمامات الجادة وهذا السبب في الواقع يعد نتيجة وأثرا لغياب علو الهمة، وهو في الوقت نفسه يعد مانعاً يمنع المسلمة عن معالي الأمور، فالمرأة المسلمة المعاصرة لديها قائمة طويلة من الاهتمامات غير الجادة، ولنضرب لذلك مثالاً: الاهتمام بالجمال والزينة واللباس، وهذه ظاهرة أصبحت متفشية نوعاً ما بين طبقات مختلفة ولا يستعجل القارئ الكريم فيفهم من حديثنا أننا ضد الجمال المباح والزينة المعتدلة ! فلا يمكن هذا والله تعالى يقول {قل من حرم زينة الله التي أخرج بعباده والطيبات من الرزق.. } [الأعراف: 32] فالمطلوب هو الاعتدال وألا يكون هماً في ذاته.. فليس الخطأ في الممارسة ذاتها ولا يعيب المرأة المسلمة أن تهتم بجمالها وزينتها وأن تختار ما يتناسب مع شكلها وإنما الخطأ أن يكون ذلك الجمال هدفاً أسمى، وهماً كبيراً. يصرف من أجله المال والوقت والجهد وكذلك الفكر!!
ثانياً: ومن الأسباب أيضاً هشاشة البِنية التربوية التي قامت عليها المرأة المسلمة، ولا شك أن التربية منذ الصغر على معالي الأمور من أهم الأشياء التي تعين المرء على اكتساب المطالب العالية مهما صعبت.
ثالثاً: ومن أسباب دنو الهمة الحرب الموجهة للمرأة المسلمة المتمثلة في الغزو الفكري الذي شمل جوانب المرأة، ولا شك أن للمرأة دوراً كبيراً في بناء المجتمعات وصناعة الأجيال ولذا كان للمرأة المسلمة حظ وافر من ذلك الغزو الذي يراد به ذوبان شخصية المرأة المسلمة وفقدان هويتها الإسلامية.. ولا يمكن للهمة العالية أن تنشأ في من انسلخ عن أصالته وتتبع كل ناعق يدعو للمحاكاة والتقليد والسير وراء ما هو غربي بدعوى التحضر والعصرية والتطور!!
والحديث عن موانع تحقيق الهمة العالية يطول ولعل ما ذُكر فيه الكفاية ومما ينبغي على المسلمة أن تكون إيجابية في مواجهة تلك الموانع التي تمنع المرأة المسلمة من علو الهمة.. ونجد ولله الحمد الكثير من بنات الإسلام ممن تجاوزن تلك العقبات بالعزيمة الصادقة والتوكل على الله .
ومن أجمل ما كتب حول هذا الموضوع ما سطرته يراع الأستاذ الفاضل محمد أحمد إسماعيل المقدم في كتابه الموسوم بـ "علو الهمة" يقول في موضع من الكتاب "الهمم العالية لا تعطي الدنية، ولا تقنع بالسفاسف، ولا ترضى إلا بمعالي الأمور:
إذا ما كنت في أمر مرومِ *** فلا تقنع بما دون النجومِ
فطعم الموت في أمر حقيرٍ *** كطعم الموت في أمر عظيمِ
إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئاً في الدنيا فسوف يكون زائداً عليها، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة، بل لا بد أن يكون في صلبها ومتنها عضواً مؤثرا:
وما للمرء خير في حياة *** إذا ما عد من سقط المتاع
إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته- بحول الله وقوته- ما يراه غيره مستحيل، وينجز- بتوفيق الله- ما ينوء به العصبة أولو القوة ويقتحم- بتوكله على الله- الصعاب والأهوال، لا يلوي على شيء
له همم لا منتهى لكبارها *** وهمته الصغرى أجل من الدهرِ
فمن ثم قيل: "ليس في علو الهمة إفراط في الحقيقة، لأن الهمم العالية طموحة وثابة، دائمة الترقي والصعود، لا تعرف الدعة والسكون.. ".

النفوس الضعيفة

وقبيل الانتقال من أسباب دنو الهمة أتحفتنا الأستاذة حصة الفواز مديرة مدارس حنين بقولها "لدنو الهمة أسباب عدة، وهي تختلف من إنسان إلى إنسان آخر ولعلها تنحصر في أسباب ثلات وهي
1- دونية الاهتمامات الشخصية لكل فرد، فأي إنسان لا بد أن يكون لديه مبتغى في هذه الحياة وطبيعي أن النفوس الضعيفة اهتماماتها بسيطة جداً لا ترتقي إلى المستوى العالي.
2- مخالطة أصحاب الأهواء والشهوات والذين وصلوا إلى درجة من دونية الأهداف عظيمة فحسبهم لهو يقضون به وقت فراغهم، أو مطلب دنيوي زائل !! فهؤلاء إنما يعيشون عيشة هامشية .
3- الخواء الروحي الذي يعيش في داخلهم.. فحينما تركوا لتلك السخافات أن تحتل مساحة كبيرة من اهتماماتهم غابت الأهداف العالية، والآمال السامية".

الإحساس بالفشل

كما تشاركنا الأخت وفاء إحدى طالبات كلية التربية/الأقسام العلمية بقولها "من أسباب دنو الهمة عند بعض الأشخاص. إحساس الفرد بالفشل في محاولة قام بها، ونتيجة لذلك يبتعد عن المحاولة نهائياً، وهذا خطأ لأن النتيجة الإيجابية لا تأتي إلا بالمحاولة والصبر. ومنها ضعف الوازع الديني في البيئة المحيطة به كوجود المغريات والملهيات التي تحيط به وربما يكون لها دور كبير في دنو همته تدريجياً.. كذلك عدم وجود المعين له. كأن يكون بين أبوين لا يهتمان به ولا يوفران له الجو المناسب. فيعيش مقعداً لا همة عالية لديه!!.. وأخيرا من الأسباب عدم الصبر على ظروف الحياة المختلفة فأول ما يخوض غمار ظرف من الظروف نجد أوراقه تتمزق، وينفك شمله.
وعودا مرة أخرى إلى الإدارة العامة لتوجيه وإرشاد الطالبات حيث التقينا بالدكتورة الجوهرة المبارك مديرة عام الإدارة العامة لنشاط الطالبات والتي أدلت برأيها حول هذا الموضوع قائلة:((إذا جلست في المجالس العامة استمعت للعديد من الآراء والاهتمامات والمعاناة.. تسمعين العجب.. آراء مختلفة، واهتمامات شتى، وهمم متفاوتة.. منهن من همتها تعلو لإصلاح من حولها وإصلاح بيتها ومجتمعها لا تكل ولا تمل ولا تفتر ولا تيأس.. ومنهن من همتها لا تتجاوز شهواتها وملذاتها. لم تستطع أن تصلح نفسها فكيف بأبنائها ومجتمعها!
ومنهن من تتمنى ولكنها كلها أماني تذهب أدراج الرياح ليس لديها من الهمة وقوة الإرادة ما تسلك به طرق الإصلاح لنفسها ولمن ترعاهم !
إن الهمم متفاوتة كالثرى عن الثريا، وسينال المرء أجره على قدر همته، وقد تحدث في هذا الموضوع الأستاذ محمد المقدم في كتابه، وأنقل لكن بعض ما قال حيث يقول: "إن من الناس من ينشط للسهر في سماع سمر ،ولا يسهل عليه السهر في قراءة القرآن الكريم، ومنهم من يحفظ بعض القرآن ولا يتوق إلى التمام، ومنهم من يطلب معالي الأمور دون أن تكون له إرادة وسعي في تحقيها فهذا مغتر بالأماني الكاذبة:
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال *** إذا الإقدام كان لهم ركابا
ويقول المتنبي:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسامُ
وقد قيل للإمام أحمد- رحمه الله- متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال عند أول قدم في الجنة !!

عوامل وظاهر دنو الهمة

"إن في دراسة عوامل ومظاهر دنو الهمة ما يضع أمام الدعاة والمصلحين الضوابط والقواعد التي ترتفع بالأمة من مستنقع الدونية والاستسلامية" كان هذا ما بدأت به حديثها لنا الدكتورة الفاضلة أفراح الحميضي أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر في كلية التربية ولنرع سمعنا لحديثها حيث واصلت قائلة "وفي اعتقادي أن من عوامل دنو الهمة الغفلة عن حقيقة الاستخلاف، والتعلق بالمكتسبات الأرضية، وعدم الثقة بوعود النصرة الإلهية {إن تنصروا الله ينصركم..} [محمد: 7] والاستسلام للهزائم النفسية الفردية والجماعية، وعدم استشعار حقيقة التميز، وقد تتمحور هذه العوامل في نفسية الفرد أو الأفراد فينـتج عن ذلك أن تنجذب نفسه نحو الدونية، وتضعف عن السمو والعلو ويظهر دنو همته في المظاهر التالية على سبيل المثال لا الحصر:
الانحراف العقدي والتعصب الأعمى للجماعات والمذاهب، وضعف الإيمان، وتبلد الحس تجاه المعاصي، وقلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألفة المعاصي السمعية والبصرية، التبعية للغرب أو الشرق والانجراف في مظاهر التقليد دون اعتبار لاستقلالية الشخصية الإسلامية، اتباع الأماني والهوى والتسويف والعجز والكسل وحب الراحة، الترفل في النعيم والاستغراق في الترف، الهزيمة النفسية والشعور بالإحباط على المستوى الفردي والجماعي الشعور بغلبة العدو وفوقيته، التعلق بقشور الدنيا مثل المال، والأكل، والملبس، والغفلة عن الطاعات ".

لقد خارت العزائم

أما الأستاذة لطيفة العتل- معلمة- فقد حصرت مظاهر دنو الهمة في أمور، ولكن قبل الحديث عنها قدمت لها بمقدمة جاء فيها "نحن وعلو الهمة على قسمين منهم سابق بالخيرات ومنهم مسرف وظالم لنفسه، وثالث بينهما مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ولما كانت الهمة العالية تتطلب جهدا ، مضاعفاً وتعباً ومشقة كان سالكوها قلة قليلة قال تعالى {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13]
والآن فقد خارت العزيمة وفترت الهمم أنا لا أقول هلك الناس وإلا كنت أهلكهم ولكن أين أصحاب الهمم العالية؟!! إنهم والله ندرة وإن وجدوا فهم على تفاوت في الهمم لا يصل بعضهم أعلى الدرجات .
إن دينا فيه قول الله تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } [آل عمران: 133] وقوله: {فإذا فرغت فانصب} [الشرح: 7] وقوله {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} [مريم: 12] لا يقبل من أتباعه الخمول والكسل وضعف الهمة، بل يريدهم مثل المسلمين الأوائل من الصحابة والتابعين سباقين للخيرات في جميع الأحوال والأوقات وكانت همتهم العظمى هي الدار الآخرة ودخول جنة عرضها السموات والأرض، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة. هي المستحقة للهمة المثالية وما دونها فهو الدون.
ثم ذكرت الأستاذة لطيفة تلك المظاهر على سبيل المثال حين قالت "ولعل من مظاهر دنو الهمة: التكالب على الدنيا والاهتمام بسفاسفها، ويرجع سبب ذلك إلى ضعف الإيمان بالله عز وجل إذ يتبع ضعف الإيمان ضعف الهمة. وهذا هو حال الكثير منا!! تجده في أمور الدنيا يجهد نفسه ويهلكها للوصول إلى ما يريد وأما أمور الآخرة فعندها يتوقف يراجع نفسه : لن أطيق .. قد لا أطيق .. عجباً له والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "إذا سألتم الله فأسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة".
ومن مظاهر دنو الهمة أيضا أن يقصر الإنسان الصلاح على نفسه فقط ولا تتعالى همته لإصلاح غيره هو ليس وحده، بل الجميع في سفينة واحدة إذا ثقبها أحدهم غرقوا جميعا نحن لا نثبط العزائم هو فعل خيرا إذا أصلح نفسه وكبح جماحها لكن المطلوب المزيد"

عدم الثقة بالنفس

كما حصرت لنا الأخت فتاة الإسلام من كلية التربية تلك المظاهر بقولها :
أولا إحساس الشخص بالفشل في جميع الحالات فتراه دائما هيابا يخشى اقتحام أي عمل ما خوفا من الفشل فلا يلبث أن يزدري نفسه.
وثانيا: إحساسه بأن كل ما يواجهه صعب ومستحيل، ولا يتسنى لأمثاله اقتحام هذه الأعمال، فتراه دائما يحجم عن العمل قبل الدخول فيه. ويمكن أن نعبر عن هاتين النقطتين بقولنا "عدم الثقة بالنفس ".
ثالثا: عدم المبادرة، فهو دائما ينـتظر التكليف والإسناد حتى في الواجبات التي لا ينبغي التأخر فيها فمثلا في واجب الدعوة إلى الله تراه ينتظر من يسند إليه مهمة توزيع نشرة ما أو شريط.. رغم أن التكليف قد أسند إليه أكثر من ألف وأربعمائة سنة حين قال تعالى في محكم التنزيل {يا بنيّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} [لقمان: 17] وقوله:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئكم هم المفلحون } [آل عمران: 104].
رابعا: كثرة الانتقاد وتعليق الأخطاء على الآخرين فهو يرى القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه!! مع أنه في أعماق قلبه يدرك أنه مقصر ولكنه يعمد إلى هذا الأسلوب كنوع من التهرب من المسؤولية الذي أصبح فنا من الفنون.
خامساً: الاهتمام بسفاسف الأمور فلا ترى له إسهاماً جاداً ولا فكراً، وإن كانت فتاة اهتمت بالموضة وآخر صيحاتها والفنانين وآخر أخبارهم، وإن كان فتى اهتم بالمركبات الفارهة والمظاهر الفارغة، والله المستعان.
 

ين نحن من دروس الماضي؟

وقبيل لملمة أوراقنا هنا سؤال يطرح نفسه وهو : كيف السبيل إلى همة عالية؟
هذا السؤال توجهنا به إلى الدكتورة نائلة الديحان وكيلة كلية التربية/ الأقسام العلمية حيث أجابتنا بقولها "إن دروس الماضي وعبره وذكراه المجيدة خير دافع للنفوس المرتفعة والهمم الأبية في ميادين العلم والدين، كما أن للموجه والمعلم الموهوب دوراً أساسياً في إلهاب المشاعر والعمل كفريق متكامل يقدم أعمالاً قيمة.. وإن للقائد أو المعلم دوراً مهماً في شعور الإنسان أو الطالب بأهميته مما يعلي همته ثم إن تشجيع الطلاب وتدريبهم وسؤالهم رأيهم وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في اتخاذ القرار وتشجيعهم على تحمل المخاطر والإعلان عن الإيمان بقدرات الطلبة والثقة والاحترام كلها من العوامل التي تساعد على رفع الهمم، لذا فإن رفع الهمم في رأيي يكمن في ثلاثة اتجاهات:
1- تشجيع العمل كفريق ولا بد أن يشارك الطلاب في جهود جماعية، ففي هذا لا يمكن السماح لهم بالشعور بالتدني إذا لم يحققوا جميع الإجابات كما أنه في عالم الواقع العمل الناجح هو عمل جماعي.
2- الاعتراف دائما بأهمية الفرد واحترامه.
3- التشجيع على القيام بمهام أعلى والاعتراف بذلك والمكافأة عليه، فكلما عاملت الناس على أنهم أذكياء سوف يتصرفون على هذا الأساس.
إن توسيع المناهج التدريـبية لتشمل بعض مهارات العلاقات الإنسانية أمر مهم للحث على الإبداع والإنجاز واكتشاف المواهب داخل كل شخص، ومهما كانت الخصائص فإن المثابرة والإصرار والعقل الراجح والخيال الواسع والمواقف الإيجابية والشعور القوي بالقيمة لا بد أن يزهر ويتحول إلى نجاح.

الهمة المعطلة

كما أدلت الأستاذة شذا المصطفى وكلية المدارس برأيها قائلة "إن تطلع الإنسان إلى معالي الأمور، والتفكير المتواصل في كيفية الحصول عليها كفيل بإيجإد همة عالية تسكن قلب ذلك الشخص.. أما أن يعيش الإنسان حياة هامشية دون أن يحاول تطوير نفسه، أو نفع مجتمعه فها هنا تكون الهمة معطلة - ومكانك سر- وصدق الشاعر حين قال:
ومن يتهيبْ صعودَ الجبال *** يعش أبدَ الدهر بين الحفرْ
أما الطالبة بثينة عبد العزيز فقد حصرت أسباب الارتقاء بالهمة بالآتي: العلم والبصيرة، حيث قالت: "فالعلم يرفع طالبه عن حضيض التقليد ويصفي نيته. إلى جانب الدعاء لأنه سنة الأنبياء، كذلك لا بد من حصر الذهن وتركيز الفكر في معالي الأمور والتحول عن البيئة المثبطة إلى صحبة الأخيار وأولي الهمم العالية ومطالعة أخبارهم.. فكل قرين بالمقارن يقتدي.. فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس :62] قال هم الذين يُذكر الله لرؤيتهم ".
أنت في الناس تقاسُ *** بالذي اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلو *** وتنل ذكراً جميلا
إضافة إلى المبادرة والمداومة والمثابرة في كل الظروف {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200]

نماذج نيرة من أصحاب الهمم العالية

ما أجمل الحديث عن سيرة سلفنا الصالح، وما أجمل ذكراهم والنهم في قراءة سيرتهم، وتتبع منهجهم.. ذلك لأنهم منابر عصرنا، ونور دربنا، نهتدي بهم ونحن نمضي في طريقنا.. ولعلنا في ختام استطلاعنا نقف على بعض أخبار أولئك الأفاضل علنا نصل إلى ما وصلوا إليه، وإلا فإن التشبه بالكرام فلاح.. فلنر كيف كان حال السلف مع طلب العلم، وكيف كان الواحد منهم يسهر ليله، ويضني جسده، ويبقى وحده مستأنساً بكتبه، مستعيضاً بها عن الأهل والأصحاب.. فلله درهم.
قيل لبعض السلف "بم أدركت العلم؟ قال بالمصباح والجلوس إلى الصباح " وقيل لآخر فقال ((بالسفر والسهر والبكور في السحر)).. وحكى شيخ الإسلام النووي عن شيخه الإمام الجليل أبي إسحاق المرادي قال "سمعت الشيخ عبد العظيم- رحمه الله- يقول: "كتبت بيدي تسعين مجلدة وكتبت سبعمائة جزءا" قال النووي "قال شيخنا" "ولم أر ولم أسمع أحداً أكثر اجتهاداً منه في الاشتغال، كان دائم الاشتغال في الليل والنهار".
ولم يكن العلم في ذلك الوقت ميسراً وسهلاً، بل لا بد من السفر وشد الرحال.. وهذا بطبيعة الحال يتبعه ترك الأهل والأولاد وتحفل التعب والمشاق روي عن الرازي ما يدهش اللب من علو همته في الرحلة لتحصيل العلم إذ قال:
"أول ما رحلت أقمت سبع سنين، ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى طرسوس، ولي عشرون سنة".
سأضرب في طول البلاد وعرضها *** لأطلب علماً أو أموت غريبا
فإن تلفت نفسي فلله درها *** وإن سلمت كان الرجوع قريبا
والحقيقة أن انتشار العلم كان بفضل الله تعالى ثم بجهد وتعب هؤلاء الرجال الأفذاذ ولعل ذكر الجزء يغني عن ذكر الكل ولو ذكرناه لطال بنا المقام.
ويمتد الخير إلى زمننا، ولا نعدم فيه أصحاب الهمم العالية، رجالاً كانوا أو نساء.. ولنأخذ على ذلك مثالاً من زمننا حيث امتدت زيارتنا إلى إحدى دور القرآن "دار الصالحات " وفيها التقينا بأم الوليد (40 سنة) التي تبقى لها على ختم القرآن بأكمله جزءا واحد فقط،.. وكان لنا معها هذا الحوار:
ما هي الأسباب التي أعانتك على حفظ القرآن وفقك الله ونحن نعلم أن لديك عدداً من الأولاد الصغار المتقاربين في السن كما أنك ربة منزل، ولاتوجد لديك خادمة؟
أولاً لا بد من وجود الرغبة الصادقة مع الاستعانة بالله تعالى وطلب توفيقه، ثم إن المواظبة على الحضور عامل مهم ومساعد في الحفظ مع تنظيم الوقت والمدارسة وأسأل المولى أن يعيننا على العمل به إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تتفاوت الهمم يا أم الوليد بين البشر فما هي نصيحتك لمن همته لا تتعدى مصلحة نفسه فقط؟
- النصيحة له هي أن هذه الدنيا زائلة لا محالة ، وأنها لا تساوي شيئاً فلماذا التكالب عليها والغرق في ملذاتها ؟ ولو فكر الإنسان بعقله سوف يعلم أن هناك أمورا يجب عليه أن يفيد منها ويحفل بها ما دام يعيش فسحة العمر والذي يرى في نفسه ذلك لا بد أن يرفع من مستواه وذلك ليس عيباً ، بل العيب أن نبقى كما نحن .

مجلة الدعوة - العدد 1734 - 17 ذو الحجة هـ - 23 مارس 2000 م
 

للنساء فقط

  • المرأة الداعية
  • رسائل دعوية
  • حجاب المسلمة
  • حكم الاختلاط
  • المرأة العاملة
  • مكانة المرأة
  • قيادة السيارة
  • أهذا هو الحب ؟!
  • الفتاة والإنترنت
  • منوعات
  • من الموقع
  • شبهات وردود
  • فتاوى نسائية
  • مسائل فقهية
  • كتب نسائية
  • قصـائــد
  • مواقع نسائية
  • ملتقى الداعيات
  • الصفحة الرئيسية