صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ومضات من كلام الأئمة الأعلام والدعاة الكرام في الصوفية (9)

 
كلام أبو الريحان البيروني في الصوفية
والآن سأستعرض -إن شاء الله- بعضَ الكتب التي تدل على أصل التصوف ، مثل كتاب البيروني تحقيق ماللهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ، الكتاب ألَّفه أبو الريحان البيروني ، وهو ليس مِن أئمَّة أهل السنة والجماعة ، وإنما هو رجلٌ، مسلمٌ، مؤرِّخٌ، تستطيع أن تقول -بالأحرى- إنه جغرافيٌّ، ومتكلمٌ، ومتفلسفٌ، ذهب إلى الهند يبحث عن أديانها، وعقائدها، ويكتب عن جغرافيتها، وأرضها، وعلومها.
هذا الرجل ألَّف الكتاب، وذكر فيه حقائق لا يمكن أن يُتهم بأنَّه تواطأ فيها مع أهل السنة والجماعة .

فمثلاً: يقول في صفحة (24) من هذا الكتاب '' ومنهم مَن كان يرى الوجودَ الحقيقي للعلة الأولى فقط، لاستغنائها بذاتها فيه، وحاجة غيرها إليه، وأنَّ ما هو مفتقر في الوجود إلى غيره، فوجوده كالخيال غير حقٍّ، والحقُّ هو الواحد الأول فقط، وهذا رأي السوفية - كتبها بالسين - وهم الحكماء، فإنَّ سوف باليونانية: [الحكمة] وبها سمي الفيلسوف: بيلاسوفا، أي: محب الحكمة، ولما ذهب في الإسلام قوم إلى قريبٍ مِن رأيهم -أي: رأي حكماء الهند -سُمُّوا باسمهم- أي: الصوفية - ولم يَعرف اللقبَ بعضُهم فنسبهم للتوكل إلى الصُفَّة وأنَّهم أصحابها في عصر النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ صُحِّفَ بعد ذلك، فصُيِّر مِن صوف التيوس...! إلخ ''.

ويقول بعد ذلك: '' إنَّ المنصرف بكليته إلى العلة الأولى متشبهاً بها على غاية إمكانه: يتحد بها عند ترك الوسائط، وخلع العلائق، والعوائق ''.

ويقول -في هذه الوحدة "وحدة الوجود"-: '' وهذه آراء يذهب إليها الصوفية لتشابه الموضوع ''.

يتكلم عن ديانات الهند ، وعن فلاسفة الهند -هؤلاء الملاحدة- ثم يذكر أنَّ الصوفية يذهبون إليها لتشابه الموضوع.

فالرجل يقول: إن الصوفية هم حكماء الهند ، وأنَّ اسمهم هو "السوفية"، وأنَّ ما يُطلق عليهم مِن الأسماء، أو ما حدث للاسم مِن التصحيف - فقيل: إنَّه مِن الصوف أو غير ذلك - هذا ليس له حقيقة.

والقشيري 1 ذكر في كتابه الرسالة '' أنه ليس لهذا الاسم أصل في اللغة العربية '' 2 -و القشيري مِن أئمَّة الصوفية له كتاب الرسالة - وهو صادقٌ في ذلك.

ويقول صاحب دائرة المعارف الإسلامية -كما سمَّاها المستشرقون- وهي دائرة معارف استشراقية: ذكروا أنَّ كلمة "الثيوصوفيا" -الكلمة اليونانيَّة- يقولون: '' هذه هي الأصل كما ينقل كاتبها ماسنيوم عن عدد المستشرقين؛ بأنَّ أصل التصوف : هو مشتق مِن الثيوصوفية '' وهذه الثيوصوفية كما يذكر -أيضاً- عبد الرحمن بدوي ، وينقل عن مستشرق ألماني فول هومر قوله: '' إن هناك علاقة بين الصوفية ، وبين الحكماء العراة مِن الهنود '' ويكتب باللغة الإنجليزية جانيوسوفستز و"سوفستز" يعني: الصوفيين، هؤلاء إذا ربطنا هذه مع الثيوصوفية -أي: الصوفية - التي نقول "الثيو" معناها في لغتهم: الله عز وجل، فمثلاً الحكم الثيوقراطي يعنى: الحكم الإلهي، والثيوصوفية أي: عشاق الله، أو محبو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الفيلسوفي هذا: عاشق الحكمة "فيلا" معناها: حكمة، أو محب الحكمة.

عاشق الله -كما يدَّعون، وكما يزعمون- يسمَّى: الصوفي.

إذاً الصوفية نستطيع أن نقول: إننا الآن أمام أساس -وسيأتي عرض آخر يبين هذه القضية- هذه الكلمة وأنَّه غير إسلامي أصلاً، وغير عربي أصلاً، وإنَّما هو دينٌ آخر.

ولنرجع إلى كتاب البيروني ؛ يقول في صفحة [51]: '' إذا كانت النَّفس مرتبطةً في هذا العالم... والخلاص -خلاص النفس- مِن العالم... وانقطاعها عنه،... كيف أنَّ الهنود يحاولون أن ينقطعوا عن الدنيا، وأن يتحدوا بالجوهر الأسمى -وهو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- '' يتحدث عن هذا الموضوع بكلام فيه صعوبة.

إنَّما المقصود من ذلك: أنَّه يقول: '' إن هناك كتاباً هندوسياً اسم الكتاب بانتجل '' وأنا قد سألت بعض إخواننا الهنود عن كتاب بانتجل ، فقالوا: إنَّ الكتاب معروف إلى الآن، وأنَّه مِن كتب الأديان عند الهندوس، وفي إمكانكم أنْ تسألوا إذا كان لكم إخوة، أو ناس في أمريكا -حتى من الهندوس- أنْ تسألوهم عن الكتاب.

يقول البيروني -بعد أن تكلم عن قضية الاتحاد هذه-: '' وإلى مثل هذا إشارات الصوفية في العارف إذا وصل إلى مقام المعرفة؛ فإنَّهم يزعمون - أي: الصوفية - أنَّه يحصل له روحان: قديمة لا يجري عليها تغير، أو اختلاف، بِها يعلم الغيب، ويفعل المعجز! وأخرى بشرية للتغير، والتكوين، ما يبعد عن مثله أقاويل النصارى ''.

لاحظ أنَّ البيروني يربط بين كلام الصوفية ، وبين أقاويل النصارى، وأنَّهم يقولون: إنَّ العارف له روحان: روح أزليَّة ثابتة، وروح حادثة، وهي التي تعتريها البشرية، أي: كما قال النصارى في عيسى بن مريم عليه السلام!!

وأنا في إمكاني الآن أنْ أقرأ عليك ما يدل على هذه العقيدة عند الصوفية :

يقول إبراهيم الدسوقي 3 المتوفى سنة (676هـ) وهو مِن أكبر الطواغيت الصوفية المعبودين حالياً في مصر ، وهو وصل عندهم إلى درجة القطبية العظمى -وسنشرح لك إن أمكن ما معنى القطب الأعظم، وما هي خصائصه- كما في ترجمته من طبقات الشعراني 4 : '' قد كنتُ أنا، وأولياء الله تعالى أشياخاً في الأزل، بين يدي قديم الأزل، وبين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن الله عز وجل خلقني مِن نور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أي: في الأزل- وأمرني أن أخلع على جميع الأولياء، فخلعتُ عليهم بيدي -أي: ألبسهم- فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا إبراهيم أنت نقيبٌ عليهم -أي:على الأولياء- ''.

يقول: '' فكنتُ أنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخي عبد القادر -أي: عبد القادر الجيلاني شيخ القادرية - خلفي، وابن الرفاعي -أي: أحمد الرفاعي شيخ الرفاعية - خلف عبد القادر ، ثم التفت إليَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال:يا إبراهيم ! سر إلى مالك -خازن النيران- وقل له يغلق النيران، وسر إلى رضوان -خازن الجنة- وقل له يفتح الجنان، ففعل مالك ما أُمر به، وفعل رضوان ما أُمر به!! ''...إلى آخر ما ذكره من الكلام.

نعود إلى البيروني يقول [ص:16]: وإلى طريق بانتجل -هذا الهندي الذي سبق ذكره- ذهبت الصوفية في الاشتغال بالحق، فقالوا: مادمتَ تشير فلستَ بموحدٍ؛ حتى يستولي الحقُّ على إشارتك بإثنائه عنك، فلا يبقى مشيرٌ، ولا إشارةٌ ''. -أي: وحدة الوجود الكاملة-.

ويقول: '' ويوجد في كلامهم ما يدل على القول بالاتحاد؛ كجواب أحدهم عن الحقِّ، وكيف لا أتحقق مَن هو أنا بالإنيَّة، ولا أنا بالأَيْنِيَّة ''.

هذا كلام أحد أئمَّة التصوف سئل عن الله فأجاب بأنه هو يقصد نفسه!

ومن الأدلة التي ذكرها البيروني على قول الحلولية بالحلول قول أبي بكر الشبلي 5 - وهو مِن أئمَّة التصوف - : '' اخلع الكلَّ تصل إلينا بالكلية فتكون ولا تكون إخبارك عنا وفعلك فعلنا '' .

أي: الكلام الذي تقوله هو عنَّا.

'' وكجواب أبي يزيد البسطامي ، وقد سُئل: بم نلت ما نلت؟

قال: "إنِّي انسلختُ مِن نفسي، كما تنسلخ الحيَّةُ مِن جلدها، ثم نظرتُ إلى ذاتي فإذا أنا هو>

وقالوا في قول الله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا [البقرة:73] : إنَّ الأمر بقتل الميت لإحياء الميت: إخبارٌ أنَّ القلب لا يحيا بأنواع المعرفة إلا بإماتة البدن بالاجتهاد، حتى يبقى رسماً لاحقيقة له، وقلبك حقيقة ليس عليه أثر مِن المرسومات.

وقالوا: إنَّ بين العبد وبين الله ألف مقام مِن النُّور والظلمة، وإنَّما اجتهد القوم في قطع الظلمة إلى النُّور، فلمَّا وصلوا إلى مقامات النُّور: لم يكن لهم رجوعٌ '' 6 البيروني .

وهو يقول: إن هذا الكلام بعينه هو كلام الهنود وهو الذي سار عليه أئمة التصوف .

أول من أسس دين التصوف
أقول: إنَّ الثابتَ مِن الكتب التي كتبها كثيرٌ مِن المعاصرين عن الصوفية ، ومِن القدماء: أنَّ أولَّ مَن أسَّـس التصوف هم: الشيعة ، وأنَّ هناك -بالذات- رجليْن كانا لهما دورٌ في ذلك:
الأول: يسمَّى عبدك ، والثاني: يسمَّى أبو هاشم الصوفي المتوفى سنة (150هـ)، أو أبو هاشم الشيعي ، فـعبدك ، وأبو هاشم هؤلاء هما اللذان أسَّـسا دين التصوف 1 .

عندما نريد أن نتحدث عن عبدك ، وعن أبي هاشم : ننتقل إلى مصدرٍ مهمٍّ جدّاً مِن مصادر الفِرَق الإسلاميَّة وهو كتاب التنبيه والرد لـأبي الحسين الملطي الشافعي رحمه الله.

الإمام الملطي يحكي ما قاله الإمام خشيش بن أصرم في الزنادقة
ومِن المهم جدّاً مِن الناحية الوثائقيَّة أنْ نعرف أنَّ كتاب الملطي هذا منقولٌ من كتاب الإمام خشيش بن أصرم -وهذا رجلٌ، عالِمٌ، إمامٌ، ثقةٌ، وهو شيخ الإمام أبي داود ، والنسائي ، وهو مِن الأئمَّة المعاصرين للإمام أحمد توفى سنة (253هـ)- وهذا يعطي كتابَه أهميَّة كبيرة؛ لأنَّه متقدم في الفترة المبكرة جدّاً التي لم تكن كلمة صوفي فيها قد شاعت وانتشرت، فماذا قال الإمام خشيش بن أصرم رحمه الله عن هذه الفرقة -كما نقل عنه الملطي - وماذا قال عن عبدك ، وعن أبي هاشم ، وعن جابر بن حيان 1 ، الذي يقال له: جابر الكيميائي ، وهو أيضاً ممن نُسب إليه أنَّه أول مَن أسَّس التصوف وقد قرأت له مجموعة رسائل طبعها أحد المستشرفين يظهر فيها بجلاء أنَّ الرجل شيعي تماماً، وقد عاش جابر في القرن الثاني!!

أقسام الزنادقة
قال أبو الحسين الملطي رحمه الله تعالى: '' قال أبو عاصم خشيش بن أصرم -والإسناد عنه في أول الكتاب- في افتراق الزنادقة: فافترقت الزنادقة على خمس فرق، وافترقت منها فرقة على ست فرق... -إلى أن يقول-: ومنهم -أي:من أقسام الزنادقة- العبدكية ، زعموا أنَّ الدنيا كلَّها حرامٌ محرَّم، لا يحل الأخذ منها إلا القوت، من حين ذهب أئمَّة العدل، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام، فحِلٌّ لك أن تأخذ القوت من الحرام، مِن حيث كان!
وإنَّما سمُّو العبدكية ؛ لأنَّ عبدك وضع لهم هذا، ودعاهم إليه، وأمرهم بتصديقه ''.

يقول: '' ومنهم الروحانية ، وهم أصناف، وإنَّما سمُّوا الروحانية ؛ لأنَّهم زعموا أنَّ أرواحهم تنظر إلى ملكوت السموات، وبها يعاينون الجِنان - أي: الجنات - ويجامعون الحور العين، وتسرح أرواحهم في الجنة.

وسمُّوا أيضاً: الفكرية لأنَّهم يتفكرون -زعموا- في هذا حتى يصلون إليه، فجعلوا الفكر بهذا غاية عبادتهم، ومنتهى إرادتهم، ينظرون بأرواحهم في تلك الفكرة إلى هذه الغاية فيتلذذون بمخاطبة الله لهم، ومصافحته إياهم، ونظرهم إليه -زعموا- ويتمتعون بمجامعة الحور العين، ومفاكهة الأبكار، على الأرائك متكئين، ويسعى عليهم الولدان المخلَّدون بأصناف الطعام، وألوان الشراب، وطرائف الثمار... ''إلى آخره.

يقول:'' ومنهم صنف مِن الروحانية زعموا أنَّ حُبَّ الله يغلب على قلوبهم، وأهوائهم، وإرادتهم حتى يكون حبُّه أغلب الأشياء عليهم؛ فإذا كان كذلك عندهم: كانوا عنده بهذه المنـزلة، وقعت عليهم الخُلة مِن الله فجعل لهم السرقة، والزنا، وشرب الخمر، والفواحش كلها على وجه الخُلة التي بينهم وبين الله لا على وجه الحلال -يعني: تحل لهم على وجه أنَّهم أخلاء لله، وسيأتي على هذا نقولٌ كثيرةٌ وشواهد تدل على ذلك عند الصوفية - كما يحل للخليل الأخذ مِن مال خليله بغير إذنه، ومنهم: رباح وكُليب ، كانا يقولان بهذه المقالة ويدْعُوَان إليها '' وهؤلاء أيضاً ممن ذُكر أنَّهم مِن أئمَّة التصوف القدامى.

يقول: '' ومنهم صنفٌ مِن الروحانية زعموا أنَّه ينبغي للعباد أنْ يدخلوا في مضمار الميدان حتى يبلغوا إلى غاية السبقة، من تضمير أنفسهم-يعني: تجميعها- وحملها على المكروه، فإذا بلغت تلك الغاية؛ أعطى نفسَه كلَّ ما تشتهي وتتمنى، وإنَّ أكْلَ الطيبات كأكْل الأراذلة مِن الأطعمة، وكان الصبر والخبيث عنده بمنـزلة، وكان العسل والخل عنده بمنـزلة! فإذا كان كذلك؛ فقد بلغ غاية السبقة، وسقط عنه تضمير الميدان، وأتْبع نفسه ما اشتهت، منهم ابن حيان كان يقول هذه المقالة ''.

ويقول رحمه الله : '' ومنهم صنف يقولون: إنَّ ترك الدنيا إشغال للقلوب، وتعظيم للدنيا، ومحبة لها، ولمـَّا عظُمت الدنيا عندهم: تركوا طيِّب طعامها، ولذيذ شرابها، ولين لباسها، وطيب رائحتها؛ فأشغلوا قلوبهم بالتعلق بتركها، وكان من إهانتها مُواتات الشهوات عند اعتراضها حتى لا يشتغل القلب بذكرها، ويعظم عنده ما ترك منها ''.

قال: '' ورباح وكليب كانا يقولان هذه المقالة ''.

وكلام الإمام خشيش بن أصرم رحمه الله المكتوب قبل منتصف القرن الثالث الهجري - حوالي (240هـ) هو كما لاحظنا عقيدة الصوفية ، حبُّ الله -كما يدَّعون- وتحريم الدنيا، وتحريم الحلال، ودعوى أنَّهم يرون الله، ويخاطبونه في الدنيا، وأنَّه يحدِّثهم... إلى غير ذلك مِن الدعاوى: هي دين الصوفية ، لكن لاحظ أنَّ الإمام خشيش لم يقل: الصوفية ؛ إنما قال: الزنادقة -قال: '' هذه مذاهب قوم مِن الزنادقة ''- وصدق هذا هو مذهب الزنادقة في حقيقته.

أبو الحسن الأشعري وموقفه من الصوفية
ننتقل إلى مصدر بعده، وهو من أوثق المصادر في الخلافات والفرق: وهو كتاب مقالات الإسلاميين للإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله الذي رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة ، وإن كان الأشاعرة ما يزالون يتَّبعون ما كان عليه قبل رجوعه، نسأل الله أن يهديهم إلى الحق.
يقول - في صفحة [288] ط الثالثة- : '' هذه حكاية قومٍ مِن النُّساك، والنساك: اسم عبَّاد الهند ، وهي مأخوذة مِن النسك التعبد.

وهذا هو الذي ترجم به عبد الله بن المقفع صوفية الهند ، وسمَّاهم: "النُّساك" في كتاب كليلة ودمنة '' فيسمَّى العابد: النَّاسك.

يقول: '' وفي الأمَّة قوم ينتحلون النُّسك، يزعمون أنَّه جائزٌ على الله سبحانه الحلول في الأجسام، وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعله ربنا!! ومنهم من يقول: إنَّّه يرى الله سُبْحَانَهُ في الدنيا على قدر الأعمال! فمَن كان عمله أحسن: رأى معبوده أحسن! ومنهم مَن يجوِّز على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المعانقة، والملامسة، والمجالسة في الدنيا، وجوزوا مع ذلك على الله تعالى -عن قولهم- أنْ نلمسه، ومنهم مَن يزعم أنَّ الله سبحانه ذو أعضاء، وجوارح، وأبعاض ولحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان مِن الجوراح تعالى ربُّنا عن ذلك علوّاً كبيراً ''.

وهذا القول الذي ذكره الأشعري هنا هو قول أبي هاشم المشبِّه، الصوفي، الشيعي، مؤسِّس هذا الدين، أو مِن مؤسِّسيه كما قلنا .

يقول الإمام الأشعري : '' وكان في الصوفية رجلٌ يُعرف بـأبي شعيب : يزعم أنَّ الله يُسرُّ ويَفرح بطاعة أوليائه، ويغتمُّ، ويحزن إذا عصَوْه '' يعني: كَفَرح المخلوقين وكغَمِّهم.

يقول: '' وفي النُّساك قومٌ يزعمون أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى منـزلةٍ تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا، وغيره مباحات لهم.

وفيهم من يزعم: أنَّ العبادة تبلغُ بهم إلى أنْ يروا الله سُبْحَانَهُ، ويأكلوا مِن ثمار الجنَّة، ويعانِقوا الحورَ العين في الدنيا، ويحارِبوا الشياطين.

ومنهم مَن يزعم: أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضلَ مِن النَّبيِّين، والملائكة المقرَّبين ''.

وكلام الإمام الأشعري ، هذا يؤكِّد ما قاله الإمام خشيش ، ويذكر عنهم قضية سقوط التكاليف وسقوط التعبدات، وأنَّ الإنسان يترقَّى، كما تقول الصوفية أنَّ الله تعالى يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فإذا جاء اليقين أو إذا وصلت إلى الحقيقة: سقطتْ عنك الشريعة؛ لأنَّ الصوفي عندهم يبدأ مُريداً، ثمَّ سالكاً، ثم واصلاً، والواصل: أي: الذي وصل إلى الحقيقة، وسقطت عنه التكاليف، وسقطت عنه التعبدات.

هذا الكلام يقوله الإمام الأشعري -وهو المتوفى سنة (324 هـ)- وهو ما يزال متقدماً بالنِّسبة لانتشار الصوفية ، ولم يذكر أنَّ هؤلاء صوفية أبداً، إنَّما قال: "هؤلاء نساك"، وهذا القول لاشك أنَّه قول زنادقةٍ، وكفَّارٍ، سيحكيه على أنَّهم قومٌ يدَّعون، أو ينتسبون إلى هذه الأمَّة، وليسوا مِن أمَّة الإسلام، أمَّة محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلنرى كيف أنَّ هذا القول أصبح ديناً عند المتأخرين من المسلمين المنتسبين للإسلام من الصوفية ، ويدَّعون مع ذلك أنَّهم هم أهل السنة والجماعة !!



تقسيم الإمام الرازي الصوفية
ونحن نتابع المسألة بتطور الزمن فلا نقف عند الأشعري ، وإنَّما -أيضاً- ننتقل إلى إمامٍ مِن المؤلِّفين في الفرق، وهو فخر الدين الرازي -وقد توفي سنة (606 هـ)، ونحن نتابع المسألة بتطور الزمن- وهو مِن أكبر أئمَّة الأشاعرة ، يعني: الرجل ليس مِن أئمَّة أهل السنة والجماعة ، بل هو مِن أئمَّة الأشاعرة الذي ألَّف كتاب أساس التقديس ، وردَّ عليه شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية في كتاب بيان تلبيس الجهمية ، فهو مِن أكبر الأشاعرة ، وأقواله عندهم مِن أهمِّ الأقوال، وسنذكر بعض كلامه في هؤلاء الصوفية ، ما كان فيه مدح، وما كان فيه ذم.
يقول: '' اعلم أنَّ أكثر مَن قصَّ فِرَق الأمَّة لم يذكر الصوفية ؛ وذلك خطأ؛ لأنَّ حاصل قول الصوفية : إنَّ الطريق إلى معرفة الله تعالى: هو التصفية، والتجرد مِن العلائق البدنيَّة، وهذا طريقٌ حسنٌ! وهم فِرقٌ.

الأولى: أصحاب العادات، وهم قومٌ منتهى أمرِهم وغايتهم: تزيين الظاهر كلبس الخرقة، وتسوية السجادة.

الثانية: أصحاب العبادات، وهم قومٌ يشتغلون بالزهد، والعبادة، مع ترك سائر الأشغال.

الثالثة: أصحاب الحقيقة، وهم قومٌ إذا فرغوا مِن أداء الفرائض لم يشتغلوا بنوافل العبادات؛ بل بالفكر وتجريد النَّفس عن العلائق الجسمانية -أي: كما قلنا عن جماعة بانتجل في أقوال البيروني - وهم يجتهدون ألا يخلو سرُّهم وبالهُم عن ذكر الله تعالى، وهؤلاء خير فرق الآدميين! '' -وهذا متعاطف معهم-.

'' الرابعة: النُّوريَّة، وهم طائفة يقولون: الحجاب حجابان: نوري، وناري، أمَّا النوري: فالاشتغال باكتساب الصفات المحمودة كالتوكل، والشوق، والتسليم، والمراقبة، والأُنس، والوحدة، والحالة.

أمَّا الناري فالاشتغال بالشهوة، والغضب، والحرص، والأمل؛ لأنَّ هذه الصفات: صفات نارية، كما أنَّ إبليس لما كان ناريّاً فلا جرم وقع في الحسد ''.

هذه النظرية اليونانية التي تُروى عن قدماء اليونان أرسطو وجماعته: أنَّ الكون يتركب مِن أربعة عناصر: الماء، والتراب، والنار، والهواء...إلى آخره!! رتَّبوا هـذه على تلك.

يقول: '' الخامسة -مِن فِرقهم-: الحلوليَّة، وهم طائفةٌ مِن هؤلاء القوم الذين ذكرناهم، يرَوْن في أنفسهم أحوالاً عجيبة، وليس لهم مِن العلوم العقليَّة نصيبٌ وافر، فيتوهَّمون أنَّه قد حصل لهم الحلول أو الاتحاد -أي: بالله تعالى- يقول: فيدَّعون دعاوى عظيمة، وأوَّل مَن أظهر هذه المقالة في الإسلام الروافض؛ فإنَّهم ادَّعوا الحلول في حقِّ أئمَّتهم ''.

هنا فائدة مهمة وهي: أنَّ الرازي يربط الصوفية بـالشيعة ، وهو ربط مؤكد -كما سبق أن قلنا- يقول الرازي :

'' السادسة: المباحية، وهم قوم يحفظون طامَّاتٍ لا أصل لها، وتلبيساتٍ في الحقيقة، وهم يدَّعون محبة الله تعالى وليس لهم نصيبٌ مِن شيءٍ مِن الحقائق؛ بل يخالفون الشريعة، ويقولون: إن الحبيب رُفع عنه التكليف، وهم الأشرُّ مِن الطوائف، وهم في الحقيقة على دين مزدك ، كما سنذكر بعد هذا ''. وهذا الدين هو أصل الشيوعية ، ودين مزدك كما تكلم عنه هو يقول: '' إن المزدكية هم أتباع مزدك بن موبذان ، وكان موبذان في زمن قباز بن فيروز والد أنوشروان العادل، ثمَّ ادَّعى النُّبوة، وأظهر دين الإباحة، وانتهى أمره إلى أن ألزم قبَّاز أن يبعث امرأته ليتمتع بها غيره!! فتأذى أنوشروان مِن ذلك الكلام -أي: تأذى مِن كلامه- وقال لوالد الملك: اترك بيني وبينه لأناظره؛ فإنْ قطعني طاوعته، وإلا قتلته، فلمَّا تناظر مع أنوشروان : انقطع مزدك - يعني: انقطع في المناظرة وأفحم - وظهر عليه أنو شروان ، فقتله وأتباعه، وكلُّ مَن هو على دين الإباحة في زماننا هذا فهم بقية أولئك القوم ''.

هذا كلامه عن المزدكية ، ويقول: الصوفية ، والفرقة المسمَّاة المباحية منهم على دين مزدك ، الذي هو أصل الشيوعية ، وأصل نظريَّة كارل ماركس الذي كما ذكر هؤلاء الخرافيون يقولون: أنتم مشتغلون بالردِّ على المسلمين، وتتركون الشيوعية !!

فهذا الرازي ، وهو إمامٌ مِن أئمَّة الأشاعرة وكتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين مطبوع موجود، يقول: إنَّ الصوفية تلتقي بـالمزدكية بمعنى أن: الشيوعية والصوفية تلتقي عند مزدك ، فهذا هو كلامهم، وليس كلامنا نحن.

الإمام عباس السكسكي وموقفه من الصوفية
ومن الرازي -المتوفى سنة (606 هـ)- ننتقل إلى أحد الأئمَّة مِن علماء اليمن ، يسمَّى عباس بن منصور السكسكي قيل: إنَّه كان حنبليّاً -وهذا غريب في أئمَّة اليمن - وقيل: إنَّه شافعيٌّ، وعلى كل حال يمكن مراجعة ترجمته في كتاب الأعلام [3/268، ط 4]
هذا الإمام السكسكي المتوفى سنة (683هـ)، وهو أيضاً من المتقدمين -كتب كتاباً اسمه: البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ، وهذا الكتاب مطبوع.

يقول في آخر الكتاب: ''قد ذكرتُ هذه الفرقة الهادية، المهديَّة -أي: أهل السنة - وأنَّها على طريقةٍ متَّبعةٍ لهذه الشريعة النبويَّة...وغير ذلك مما هو داخل تحت الشريعة المطهرة، ولم يشذ أحدٌ منهم عن ذلك سوى فرقة واحدةٍ تسمَّت بـالصوفية ، ينتسبون إلى أهل السنة ، وليسوا منهم، قد خالفوهم في الاعتقاد، والأفعال، والأقوال.

أمَّا الاعتقاد: فسلكوا مسلكاً للباطنية الذين قالوا: إن للقرآن ظاهراً، وباطناً، فالظاهر: ما عليه حملة الشريعة النبويَّة، والباطن: ما يعتقدونه، وهو ما قدَّمتُ بعض ذكره.

فكذلك أيضاً فرقة الصوفية ، قالت: إنَّ للقرآن والسنَّة حقائق خفيَّة باطنة غير ما عليه علماء الشريعة مِن الأحكام الظاهرة التي نقلوها خَلَفاً عن سلف، متصلة بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسانيد الصحيحة، والنقلة الأثبات، وتلقته الأمَّة بالقبول، وأجمع عليه السواد الأعظم، ويعتقدون أنَّ الله عز وجل حالٌّ فيهم!! ومازج لهم!! وهو مذهب الحسين بن منصور الحلاج المصلوب في بغداد في أيام المقتدر -الذي قدمتُ ذكره الروافض في فصل فرقة الخطابيَّة - ولهذا قال: أنا الله -تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً- وأنَّ ما هجس في نفوسهم، وتكلموا به في تفسير قرآنٍ، أو حديثٍ نبويٍّ، أو غير ذلك مما شَرَعوه لأنفسهم، واصطلحوا عليه: منسوب إلى الله تعالى، وأنَّه الحق، وإِنْ خالف ما عليه جمهور العلماء، وأئمَّة الشريعة، وفسَّرتْه علماء أصحابه، وثقاتهم، بناءً على الأصل الذي أصَّلوه مِن الحلول، والممازجة، ويدَّعون أنَّهم قد ارتفعت درجتُهم عن التعبدات اللازمة للعامَّة، وانكشفت لهم حجب الملكوت، واطَّلعوا على أسراره، وصارت عبادتهم بالقلب لا بالجوارح.

وقالوا: لأنَّ عمل العامة بالجوارح سُلَّمٌ يؤدِّي إلى علم الحقائق، إذ هو المقصود على الحقيقة، وهي البواطن الخفيَّة عندهم، لا عملٌ بالجوارح، قد وصلنا، واتصلنا، واطَّلعنا على علم الحقائق الذي جهلته العامَّة، وحملة الشرع، وطعنوا حينئذٍ في الفقهاء والأئمَّة والعلماء، وأبطلوا ما هم عليه، وحقَّروهم وصغَّروهم عند العوام والجهَّال، وفي أحكام الشريعة المطهرة، وقالوا: نحن العلماء بعلم الحقيقة، الخواص الذين على الحق، والفقهاء هم العامة؛ لأنَّهم لم يطلعوا على علم الحقيقة، وأعوذ بالله من معرفة الضلالة، فلمَّا أبطلوا علم الشريعة، وأنكروا أحكامها: أباحوا المحظورات، وخرجوا عن إلزام الواجبات، فأباحوا النظر إلى المردان، والخلوة بأجانب النسوان، والتلذذ بأسماع أصوات النساء والصبيان، وسماع المزامير والدفاف والرقص والتصفيق في الشوارع والأسواق بقوة العزيمة، وترك الحشمة، وجعلوا ذلك عبادة يتدينون بها، ويجتمعون لها، ويؤثرونها على الصلوات، ويعتقدونها أفضل العبادات، ويحضرون لذلك المغاني من النساء، والصبيان، وغيرهم مِن أهل الأصوات الحسنة للغناء بالشبابات، والطار، والنقر، والأدفاف المجلجلة، وسائر الآلات المطربة، وأبيات الشعر الغزلية التي توصف فيها محاسن النِّسوان، ويذكر فيها ما تقدم من النساء التي كانت الشعراء تهواها، وتشبب بها في أشعارها، وتصف محاسنها كليلى، ولبنى، وهند، وسعاد، وزينب، وغيرهنَّ، ويقولون: نحن نكنِّي بذلك عن الله عز وجل!! ونَصرف المعنى إليه'' .

أقول: إن كتاب إغاثة اللهفان للإمام ابن القيم -رحمه الله- فصَّل هذه الأمور تفصيلاً مفيداً، لكن آثرت أن لا أنقل عنه حتى لا يقال: إن هؤلاء لا يعرفون إلاَّ ابن تيمية ، أو ابن القيم ، فإن هذا قبل ابن القيم ، وابن تيمية ، وليس ممن له شهرة أنَّه حارب التصوف باسم أنَّه -كما يقولون-: سلفي، أو تيمي، أو وهَّابي؛ بل هو قبل أولئك جميعاً، ويكتب بموضوعيَّة، وينقل مِن مصادر كثيرة، وسوف أواصل كلامه لتنظروا بعض مصادره.

''يقول: فقد ذكر الفقيه موسى بن أحمد ذلك في الرسالة التي ردَّ بها عليهم، وبيَّن فيها فساد مذهبهم، فقال في بيت شعر أنشده فيهم:

يُكنُّون عن ربِّ السماء بزينب وليلي ولبنى والخيال الذي يسري

وتختلط الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ويتنادى الرجال والنساء، ويتصافحون، وإذا حصل فيهم الطرب وقت السماع من الأصوات الشجية، والآلات المطربة: طربوا، وصرخوا، وقاموا، وقفزوا، وداروا في الحلقة؛ فإذا دارت رءوسهم، واختلطت عقولهم من شدة الطرب، وكثرة القفز والدوران: وقعوا على الأرض مغشيّاً عليهم، ويسمُّون ذلك "الوجد"، أي: أنَّ ذلك مِن شدة ما يجدون مِن شدة المحبَّة، والشوق، قالوا: فأمَّا الخوف، والرجاء: فنحن لا نخاف من النَّار، ولا نرجو دخول الجنَّة؛ لأنَّهما ليست عندنا شيئاً؛ فلا نعبده خوفاً مِن النَّار، ولا طمعاً في الجنـة!!''

أقول: احفظـوا هـذه الكلمة التي يقولها هذا الإمام لنجد شواهد عليها فيما بعد، وهي قولهم: "لا نعبده خوفاً مِن النَّار، ولا طمعاً في الجنة".

يقول: ''هذا مخالفٌ للكتاب، والسنَّة، والإجماع، ومجوِّزات العقول، ثمَّ إنَّهم يَحملون الأشياء كلها على الإباحة، فيقولون: كلُّ ما وقع في أيدينا مِن حلالٍ، أو حرامٍ: فهو حلالٌ لنا، ولا يبالون هل أكلوا مِن حلالٍ أو حرامٍ.

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن علي القلعي في كتاب أحكام العصاة : وهذان الصنفان في الكفر، والإضلال أشدُّ وأضرُّ على الإسلام وأهله مِن غيرهما، وجميعهم ممن يساق إلى النَّار مِن غير مسألةٍ ولا محاسبةٍ ولا خُلُوصَ لهم منها أبد الآبدين، يعني: هذه الفرقة التي ذكرتُها مِن الصوفية ، وفرقة مِن الإسماعيلية الباطنية ، وهم قوم منهم يدَّعون أنَّهم قد اطلعوا على أسرار التكليف، وأحاطوا علماً بموجبه، وأنَّه إنَّما شرع ذلك للعامَّة ليرتدعوا عن الأهواء المؤدِّية إلى سفك الدماء، فيُحفظ بذلك نظام الدنيا، وذلك للمصالح العظمى التي لم يطَّلع عليها الأنبياء، ومَن قام مقامهم في السياسة، قالوا: ولهذا اختلفت الشرائع لاختلاف مصالح النَّاس باختلاف الأزمنة بهمَّتنا، وقوَّة رأينا، وفي أحلامنا ما نستغني به عن التزام سياسة غيرنا، والانتظام في سلك المبايعة لغيرنا فلا حظر علينا ولا واجب، فإذا سئلوا لأيِّ شيءٍ تُصلُّون وتصومون، وتأتون بما يأتي به المسلمون مِن الواجبات؟ قالوا: لرياضة الجسد، وعادة البلد، وصيانة المال والولد -أي: مِن القتل- ولأنَّ هذين الصنفين متفقان في أصل الاعتقاد وإن اختلفا في التأويل إلاَّ مَن عصمة الله تعالى منهم أعني: مِن فرق الصوفية ، والتزم أحكام الشريعة، والعمل بها، وحقَّ العلماء والفقهاء - يعني: اعترف لهم بالحق - ولم يَدخل في شيءٍ مِن هذه الخزعبلات والأباطيل التي دخلوا فيها؛ فصحَّ اعتقاده، وصفت سريرته: فإنَّه مُبرَّأ مما هم عليه'' .

وإلى هنا ينتهي كلام الإمام.

ومعنى كلامه باختصار: إنَّ مَن انتسب إلى التصوف اسماً ولم يكن مثلهم على هذه الأشياء فهو لا يأخذ حكمهم، وهذا صحيح، وكما سبق أن قلنا: إن هناك كثير مِن النَّاس مخدوعين بهم.

فالخلاصة أننا: قد سمعنا كلام الإمام خشيش ، وكلام الإمام الأشعري ، وكلام السكسكي ، وكلام الرازي ، وكلام البيروني ؛ من مصادر -والحمد لله- وهذه المصادر موجودة، وموثقة، ومطبوعة.

وأيضاً: هناك مِن المعاصرين أناسٌ كثيرٌ: كتب عنهم عبد الرحمن بدوي 1 وكتب عنهم طلعت غنَّام ، وكتب عنهم آخرون -لا داعي لاستعراضهم-.

الـمـصـدر من محاضرة: الرد على الخرافيين
المحاضر الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
http://www.alhawali.com/index.cfm?f...s&contentID=986

اختارها وجمعها
أبو عمر المنهجي - شبكة الدفاع عن السنة

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أرباب الطريقة
  • منوعات
  • من كلام الأئمة
  • كتب عن الصوفية
  • جولات مع الصوفية
  • شبهات وردود
  • صوتيات عن الصوفية
  • فرق الصوفية
  • شخصيات تحت المجهر
  • العائدون إلى العقيدة
  • الملل والنحل
  • الصفحة الرئيسية