صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عند الصوفية

بقلم - شوقي عبد الصادق عبد الحميد


الحمد لله الموصوف بكل كمال، والمنزّه عن كل نقص، مستوٍ على عرشه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله عَبَدَهُ حق العبادة، وخافه حق الخوف، ورجاه حق الرجاء، وبعد:
فقد تكلمنا عن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، كبشر اصطفاه ربه وأكرمه بالوحي والرسالة، وكان فضل الله عليه عظيمًا، وعند المؤمنين؛ اتبعوه وبلَّغوا عنه وأحسنوا صحبته وعظموه دون أن يعبدوه، ثم تعرضنا لتفريط المنافقين، وإخوانهم الكافرين في حقه بعدما بان لهم أنه الحق من ربهم، حيث همَّوا بقتله وسمّه والانتقاص من دعوته وأتباعه، وها نحن نعرض إفراط المتصوفين في حقه، وإنزاله في غير ما أنزله ربه، متشبهين في ذلك بالنصارى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله".
فنجد طائفة من الصوفية تعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون، وأنه المستوي على العرش، وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره، وأنه أول موجود، وهذه عقيدة ابن عربي- الذي يعتقد عقيدة وحدة الوجود وأنه ليس في الكون شيء إلا الله- ومن جاء بعده، فيقول القاشاني شارح "فصوص الحكم" لابن عربي: "إن محمدًا أول التعينات التي تعينت به الذات الأحدية قبل كل تعين فظهر به ما لا نهاية من التعينات، فهو واحد فرد في الوجود لا نظير له، وليس فوقه إلا الذات الأحدية المطلقة المنزهة عن كل تعين وصفة واسم ورسم وحد ونعت فله الفردية المطلقة، ومن هذا يعلم أن الاسم الأعظم لا يكون إلا له دون غيره من الأنبياء..". {شرح الفصوص للقاشاني (ص266)}. إلى آخر ما قال.
ويقول ابن عربي أيضًا في الفتوحات المكية (2-97): "الحقيقة المحمدية أو الروح المحمدي هو المظهر الكامل للذات الإلهية والأسماء والصفات".
ويقول أيضًا: "الحقيقة المحمدية أو الإنسان الكامل، فالإنسان على صورة الحق من التنزيه والتقديس عن الشوب في حقيقته، فهو المألوه المطلق، والحق سبحانه هو الإله المطلق، وأعني بهذا كله الإنسان الكامل". {الفتوحات (2-603)}.
ويقول الجيلي في كتابه "الكهف والرقيم" وسبقه في ذلك الحلاج يقول- مستدلاً بحديث موضوع ومكذوب لا أصل له، ولا يصح عقلاً ولا نقلاً- ونص كلامه: "وكل ما في القرآن فهو في الفاتحة، وكل ما في الفاتحة فهو في بسم الله الرحمن الرحيم، وكل ما في بسم الله الرحمن الرحيم فهو في الباء، وكل ما في الباء فهو في النقطة التي تحت الباء". وفي كتاب آخر له سماه "حقيقة الحقائق" يقول عن حقيقة النقطة: "ولقد درجت في بعض معارج الغيب فأشهَدني الحق تعالى صورة النقطة في عالم القدس عنه، فإذا هي على صورة الحقيقة المحمدية".
فانظر أيها القارئ الموحِّد كيف بُنيت مثلُ هذه العقيدة على الباطل من الأحاديث؛ لأنه من المعلوم أن القرآن لما كتب في عهد الرسول وأصحابه لم يكن مُنقطًا ولا مشكلا ولا محزبًا ولا مجزءًا، وأن واضع النقط على الحروف العربية هو أبو الأسود الدؤلي في نهاية القرن الأول الهجري، وكيف غاب ذلك عن الرسول وفحول الصحابة كابن عباس ترجمان القرآن، فإذا بان لك أيها الموحد بطلان الحديث، فما بُني على باطل فهو باطل.
ويقول الجيلي أيضًا في كتابه "الإنسان الكامل" (2-38): "اعلم أن الله تعالى لما خلق النفس المحمدية من ذاته- وذات الحق جامعة للضدين- خلق الملائكة العالمين من حيث صفات الجمال والنور والهدى من نفس محمد صلى الله عليه وسلم ، وخلق إبليس وأعوانه من حيث صفات الجلال والظلمة والضلال من نفس محمد صلى الله عليه وسلم ..
ويقول فيه أيضًا (2-26): "ولما خلق الله تعالى العالم من نور محمد صلى الله عليه وسلم كان المحل المخلوق منه إسرافيل قلب محمد صلى الله عليه وسلم كما سيجيء بيان خلق جميع الملائكة وغيرهم كل من محل منه".
فانظر هداك الله لا يجد الجيلي أي غضاضة في أن يثبت أن إبليس خلق أيضًا من محمد صلى الله عليه وسلم ، وهناك ما يسمى بالطريقة المحمدية، ولها كتاب أوراد يسمى "نفحات في الصلاة على الرسول الأعظم"، وفي وردها يقول شيخ الطريقة: "اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي خلقت نوره من نور ذاتك بلا واسطة، وخلقت من نوره جميع مكوناتك فكل به قائم، الذي فتقت به رتق الوجود، وأحييت به الكائنات، وعين عنايتك الأزلية الأبدية ومبدأ الأشياء ظاهرًا وباطنًا، ونهايتها سرًا وعلانية الذي لاح جماله في القدم وأشرق نوره في الوجود بلا عدم، نور الله الذي لا يطفأ". {انظر عقائد الصوفية للشيخ المراكبي (ص99)}.
وبهذه العقيدة يضرب الصوفية بنصوص القرآن والسنة عرض الحائط ولا يقيمون وزنًا لما صح وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالله تعالى يقول: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا {الكهف: 51}.
وروى البخاري وغيره عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء". وفي رواية أخرى: "كان الله ولم يكن قبله شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض".
فالعرش والماء خلقا قبل السماوات والأرض.
وعند مسلم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء". فترتيب الخلق هو خلق الماء والعرش ثم القلم، ثم اللوح، وكل هؤلاء خلقن قبل السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وإذا كانت نظرية قِدَم نور النبي صلى الله عليه وسلم تفترض خلق كل شيء من نور محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو من نور الله فحديث أبي هريرة يقول: قلت: يا رسول الله، إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني، فأنبئي عن كل شيء، فقال: "كل شيء خلق من ماء". ولو كان كلام الصوفية صحيحًا لقال الرسول صلى الله عليه وسلم : كل شيء خُلق من نوري. {انظر عقائد الصوفية للمراكبي}.
وهذا صريح القرآن: أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون {الأنبياء: 30}. وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: "أنا دعوة إبراهيم، وبشر بي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام". فقد دعا الخليل بقوله: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم {البقرة: 129}، وبشر عيسى ببعثه فقال: ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد... {الصف: 6}، فكيف يكون خلق الأنبياء من نوره وهو دعوة إبراهيم المستجابة!!
ويقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: "المعتدلون منهم يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب كله ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماوات، ففي كتاب "دلائل الخيرات" (ص49) وهو مصحف الصوفية: "محمد بحر أنوارك، ومعدن أسرارك، ولسان حجتك، وعروس مملكتك، وإمام حضرتك".
وفيه أيضًا (ص147) وصف للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه "شجرة الأصل النورانية، ولمعة القبضة الرحمانية، صاحب القبضة الأصلية، ومعدن الأسرار الربانية، وخزائن العلوم الاصطفائية".
وإليك تصريحًا آخر للبوصيري يقول فيه:
وإن من جودك الدنيا وضُرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم
ويقول أيضًا:
وكل آي أتى الرسْلُ الكرامُ بها *** فإنما اتصلت من نوره بهم

فالبيت الأول يجعل الدنيا والآخرة منّة ونفحة، ومن نفحات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن ما سُطِرَ وكتب في اللوح المحفوظ هو بعض من علم الرسول وليس كل علمه، والبيت الثاني يجعل الصوفية علم الرسل الكرام كلهم مأخوذًا من ذات الرسول النورانية قبل أن توجد ذاته الترابية- كما تزعم الصوفية- يعارضون بهذا المعتقد صريح القرآن وصحيح السنة، ففي القرآن: قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون {النمل: 65}، وقوله: ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون {ص: 69}، وقوله: قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون {يونس: 16}، وقوله: قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون {الأعراف: 188}، فالقرآن يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري شيئًا عن القرآن قبل الوحي، والبوصيري يقول إنه يعلم أكثر مما في اللوح المحفوظ، فأي القولين نصدّق؟! وبأي القولين نؤمن؟!
وإذا كان الرسول يعلم الغيب كله- كزعم الصوفية- ويعلم ما في اللوح، فلماذا لم ينطق ببراءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي الذي مكث شهرًا؟ ولماذا لم يعرف الحكم في أسرى بدر إلا بعد نزول القرآن؟ ولماذا لم يقبل توبة الثلاثة الذين خُلِّفوا إلا بعد نزول القرآن والذي مكث خمسين يومًا؟
وهذا أيها القارئ إفراط في منزلة الرسول #؛ بناه الصوفية على أن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره كحياته في الدنيا، وليست حياة برزخية لها أحكامها، وعلمها عند الله تعالى، فها هو ابن عربي القطب الأكبر في هذا الضلال يقول في مطلع كتابه "فصوص الحكم" {ص47}: "أما بعد، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من المحرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به". فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا.
والكتاب مكتظٌّ بالضلالات، ونقدم لك أيها الأخ الموحد تقرير ابن عربي عن النار بأنها دار السعادة والهناء، فيقول:
وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم  *** على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنات الخلد فالأمر واحد  *** وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابًا من عذوبة طعمه  *** وذاك له كالقشر والقشر صاين
{انظر الفصوص: ص99}.
فانظر حفظك الله بالتوحيد- يُسوّي ابن عربي بين نعيم الجنة فيجعله كعذاب النار؛ لأن الأمر واحد في زعمه، وأن العذاب من العذوبة، والنار قشرة تخفي وراءها النعيم المقيم لأهل النار، فهل مثل هذا يعطيه الرسول له ويترك للأمة القرآن والسنة بما فيها من وصف للنار وأهلها؟
ويقول الشعراني عن محمد معصوم أحد أئمة الطريقة النقشبندية أنه يقول عن نفسه: غلب عليَّ وقت الوداع والسفر من المدينة المنورة الحزنُ والبكاءُ، فرأيت سيد المرسلين، قد خرج من حجرته المطهرة وخلع عليَّ خلعة فاخرة وتاجًا مثل تاج الملوك مكلّلا بأحسن الجواهر وظهر لي أن هذه خلعه خاصة من خلع ذاته.
فانظر أيها الموحد إلى هذا الغلو الفاضح، فدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم يُرى يقظة ليست صحيحة لعدم قيام الدليل عليها، بل الدليل على غير ذلك، يقول تعالى: إنك ميت وإنهم ميتون {الزمر: 3}، ويقول أيضًا: ثم إنكم بعد ذلك لميتون (15) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون {المؤمنون: 15، 16}، فدل ذلك على أنه ليس هناك خروج من القبور قبل يوم القيامة: يوم يقوم الناس لرب العالمين {المطففين: 6}، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولنا وأول الناس؛ لما رواه مسلم في صحيحه في كتاب الفضائل "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع وأول مُشفع".
وإليك أخي الموحد طائفة من الأحاديث الموضوعة والباطلة حول هذا الغلو والإفراط في الرسول صلى الله عليه وسلم ، منها:
"لولاك ما خلقت الأفلاك".
"أنا من الله، والمؤمنون مني، والخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة".
"أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله".
"كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث".
حديث "إحياء أبويه عليه السلام وإيمانهما به".
"أنا مدينة العلم وعلي بابها".
"إن الورد خلق من عرق النبي صلى الله عليه وسلم أو عرق البُراق".
"سمعت الله من فوق العرش يقول للشيء كن فلا تبلغ الكافُ النون إلا يكون الذي يكون".
"لما أسري بي إلى السماء سقط من عرقي فنبت منه الورد".
"لما عُرج بي رأيت مكتوبًا على ساق العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي، نصرته بعلي".
"أنا عرب بلا عين- أي ربّ- أنا أحمد بلا ميم أي أحد". لا أساس له من الصحة. {انظر فتاوى اللجنة الدائمة (1-311)}.
فظهر لك أيها القارئ الموحد أن أعدل المناهج هو منهج سلفنا الصالح المحبين للرسول غير مُفَرِّطين ولا مُفْرِطين، أحبوه من غير أن يعبدوه، ونصروه دون أن يخذلوه، ورووا عنه دون أن يَكْذِبوه، فرضي الله عنهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

مجلة التوحيد [متابعات]
1/8/2003
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أرباب الطريقة
  • منوعات
  • من كلام الأئمة
  • كتب عن الصوفية
  • جولات مع الصوفية
  • شبهات وردود
  • صوتيات عن الصوفية
  • فرق الصوفية
  • شخصيات تحت المجهر
  • العائدون إلى العقيدة
  • الملل والنحل
  • الصفحة الرئيسية