صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التزكية عند الصوفية

نقلها: أبو عمر الدوسري


نشر في مجلة الفرقان دراسة شرعية، تحصلت على (14) حلقة خصت التزكية عند الصوفية ..
هذه الدراسة الفريدة، تستحق منا أن نسعى لنشرها، وخاصة أن الدكتور وليد الربيع قد بذل فيها جهداً واضحاً .. ولن أطيل الكلام فمع الدكتور وليد:

مقال سابق لهُ صلة:
من أصول المخالفين لمنهج السلف في الفهم والاستدلال
http://alsoufia.org/vb/showthread.php?t=1604
 



الحلقة الأولى:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

قال عز وجل:- هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين- وقال تعالى: -لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين-.

يمتن الله عز وجل على عباده في هاتين الآيتين وغيرهما ببعثة النبي الكريم الذي أنقذهم به من الضلالة وعصمهم به من الهلاك وأخرجهم به من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور الإسلام والإيمان والإحسان، وبين أن من مهمات الرسول تعليم الناس آيات الله عز وجل ببيان ألفاظها ومعانيها وأحكامها، ومن أعظم وظائفه تزكية الناس من الشرك والمعاصي والرذائل وسائر مساوئ الأخلاق.

فتزكية النفوس وتطهيرها من سوء الاعتقادات وسوء الأخلاق من أعظم غايات البعثة كما قال صلى الله عليه وسلم : -إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق-.

وتزكية النفوس هي تطهيرها وتنقيتها من القبائح والرذائل العقدية كالشرك والشك والشقاق والنفاق، أو الأخلاقية كالجبن والبخل والحقد والحسد والظلم والكذب، وتجميلها بالفضائل ومحاسن الصفات التي وردت بها نصوص الكتاب والسنة.

فالنفس الزكية هي النفس الطيبة الطاهرة البعيدة عن كل دنس، المتعالية عن كل خبث، ولهذا أقسم الله عز وجل بمخلوقات عديدة في قوله تعالى: -والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها- على قضية واحدة وهي قوله عز وجل: -قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها- أي فاز من طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب وجملها بالعلم النافع والعمل الصالح، وقد خسر من ترك تكميلها بالفضائل ودنسها بالرذائل.

وتزكية النفوس منة من الله عز وجل على من يشاء من عباده كما قال تعالى: -ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا- وقال عز وجل: -بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً- لأن الشيطان وأتباعه، والنفس والهوى والدنيا والفتن متكالبة على العبد من كل مكان، فلو خلي وهذه الدواعي ما زكى أحد أبداً، ولكن الله تعالى بفضله يجتبي من يشاء من عباده فيطهره من الرذائل وينميه بالفضائل.

ولتزكية النفس ثمرات عظيمة منها أن التزكية سبب للفلاح في الدنيا والآخرة كما قال عز وجل: -قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى-، ومنها دخول الجنة كما قال تعالى: -ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى-، ومنها النجاة من النار كما قال تعالى: -فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى- وغيرها من الثمرات الطيبة للتزكية الشرعية.

والعبادات البدنية والمالية سبيل لطهارة النفس وزكاتها، فالصلاة كما وصفها الله عز وجل: -إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر- وقال صلى الله عليه وسلم : -أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا-، والصيام سبب للتقوى التي هي من غايات التزكية الشرعية كما قال عز وجل: -يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون-، والزكاة تطهير للمال ولنفس المزكي من الشح والبخل كما قال تعالى: -خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها-، وإقامة حدود الله تعالى في العقوبات طهارة للمجتمع من الجرائم وإشاعة للأمن والاستقرار كما قال تعالى:-ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون-.

- والخلاصة أن التزام أحكام الدين في الظاهر والباطن، في العلم والعمل، في العبادات والمعاملات وسائر مجالات الحياة سبب لتزكية الأفراد والمجتمعات.

وقد ظهرت مناهج مخالفة لهذا المنهج الأصيل، تهدف إلى تقديم سبل أخرى لتزكية النفوس، وقد وضعت لها غايات ووسائل بعيدة عن المنهج الشرعي للتزكية، ذلك المنهج المستمد من النصوص الشرعية والآثار السلفية عن الصحابة والتابعين وأئمة الدين المعتبرين.

العدد رقم: 303 التاريخ: 7/26/2004
 



الحلقة الثانية:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع --

أولاً: الشيخ المرشد

من أهم ركائز التزكية عند الصوفية التلقي عن الشيخ المرشد، فلابد لكل من أراد سلوك الطريق من شيخ يدله عليه ويرشده إليه ويضع له العلامات الهادية ويحذره من المزالق والمهالك التي قد تعترض طريقه، وعندهم لا يستطيع المكلف أن يزكي نفسه بمجرد قراءة القرآن والاطلاع على السنة ما لم يكن له شيخ يداوي علل نفسه!! كما قال عبدالقادر عيسى في -حقائق عن التصوف ص 54-: فالطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صحبة الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيماناً وتقوى وأخلاقاً، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته التي هي صورة الشخصية المثالية شخصية رسول اللهصلى الله عليه وسلم.

ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية، وأن يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم، والإطلاع على أحاديث الرسولصلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الكتاب والسنة قد جمعا أنواع الأدوية لمختلف العلل النفسية والقلبية، فلابد معهما من طبيب يصف لكل داء دواءه، ولكل علة علاجها.

قارن - أخي القارئ - بين هذا الكلام الأدلة الشرعية التي تدل على أن القرآن الكريم والسنة المطهرة علاج لأمراض القلوب والأبدان، كما قال عز وجل: -يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين-.

قال الشيخ ابن سعدي: هذا القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني، فإن فيه من المواعظ والترغيب والترهيب والوعد والوعيد ما يوجب للعبد الرغبة والرهبة، وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير والرهبة عن الشر، ونمت عندك هذه الرغبة والرهبة أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه.

وأيضاً فإن العلم بالسنة المطهرة شفاء لأمراض الجهل والشبهات، كما جاء في حديث صاحب الشجة الذي أفتاه أصحابه بالغسل فاغتسل فمات، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: -قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال-.

قال ابن القيم: فلا يخرج مرضه - أي القلب - عن شهوة أو شبهة أو مركب منهما، وهذه الأمراض كلها متولدة عن الجهل ودواؤها العلم.. ولاشك أن رأس العلم وأساسه العلم بكتاب الله وسنة نبيهصلى الله عليه وسلم.

- حكم اتخاذ الشيخ المرشد:

اتخاذ الشيخ المرشد واجب عيني عند الصوفية، كما قال الطيبي: فقد أجمع أهل الطريق على وجوب اتخاذ الإنسان شيخاً له، يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله بقلبه! ليصح حضوره وخشوعه في سائر العبادات، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولاشك أن علاج أمراض الباطن واجب. فيجب على كل من غلبت عليه الأمراض أن يطلب شيخاً يخرجه من كل ورطة! وإن لم يجده في بلده أو إقليمه، وجب السفر إليه -حقائق عن التصوف ص 95-.

العدد رقم: 304 التاريخ: 2/8/2004
 



الحلقة الثالثة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

أهمية اتخاذ الشيخ المرشد

ويرى الصوفية اتخاذ الشيخ ضرورة حتمية، لأن سبل الدين عندهم غامضة يحتاج فيها السالك إلى قائد ودليل يأخذ بيديه، في حين أن الله تعالى يقول: -ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر-، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في بيان وضوح الدين وظهور سبله: -وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها سواء<.

- وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً.

- قال الغزالي: يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض! وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير، فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها، فإنها تجف على القرب وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر، فمعتصم المريد شيخه فليتمسك به -الإحياء 3/56-.

ولهذا قال القشيري مبينا ضرورة اتخاذ الشيخ: ثم يجب على المريد أن يتأدب بشيخ، فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبداً، هذا أبو زيد يقول: من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان.

- ويقول محمد ماضي أبو العزائم في مذكرة المرشدين والمسترشدين ص 511: يلزم لمن أراد أن يسلك طريق الله تعالى - لتحصل له النجاة والفوز والسعادة والوصول - أن يبدأ أولا بالبحث عن الرجل الحي، العالم بكتاب الله تعالى، والعالم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعالم بتزكية النفوس وتخليصها من أمراضها ورعوناتها، والعالم بالأخلاق المحمدية، المتجمل بها، الممنوح الحال الذي يجرد النفوس من أوحال التوحيد!! العالم بعلوم اليقين ومشارب الأبرار ومشاهد المقربين، العالم بحقيقة التوحيد الخالص من الشرك الخفي.

وهنا يرد تساؤل وهو ما حكم من لم يحصل له الشيخ المرشد الصوفي؟ أو أنه أهمل ذلك مقتصراً على شيخ التعليم الذي بينه له دينه في عقيدته وعبادته وأخلاقه، فهل يكون بذلك قد حرم من تزكية نفسه وفات عليه الفلاح والنجاة أبداً؟

لاشك أن هذا مخالف لمنهج سلف الأمة الذي ينص على أن النجاة في التمسك بالوحي - الكتاب والسنة - كما قال عز وجل: -اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء-.

- قال الشيخ ابن سعدي: أي الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم من ربكم الذي يريد أن يتم تربيته لكم، فأنزل لكم هذا الكتاب الذي إن اتبعتموه كملت تربيتكم وتمت عليكم النعمة وهديتم لأحسن الأعمال والأخلاق ومعاليها.

وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته الجامعة: -أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة< فبين أن سبيل النجاة إنما هو بالتمسك بالسنة المطهرة وسنة الخلفاء الراشدين ولم يذكر شيوخ التربية كما يزعم الصوفية.

من هو الشيخ المرشد؟

يبنغي العلم بأن الشيخ عند الصوفية ليس شيخ التعليم كما يقول عبدالقادر عيسى: ينبغي الملاحظة أن المقصود بالشيخ هنا هو شيخ التربية لا شيخ التعليم، إذ يمكن لطالب العلم أن يكون له أساتذة عدة، ويمكن للمريد أن يكون له أساتذة في العلم لأن ارتباطه بهم ارتباط علمي بينما صلة المريد بشيخ التربية صلة قلبية وتربوية! -حقائق عن التصوف ص 99<.

- يقول القاشاني: الشيخ هو طبيب الأرواح وهو الإنسان البالغ في معرفة علوم الشريعة والطريقة والحقيقة إلى الحد الذي يتمكن معه من معالجة الأمراض الحاصلة في نفوس الطالبين للوصول إلى الله تعالى.

فالشيخ عند السالكين هو الذي سلك طريق الحق، وعرف المخاوف والمهالك، فيرشد المريد ويشير عليه بما ينفعه ويضره -السير والسلوك إلى ملك الملوك ص 122<.

فالصوفية يفرقون بين شيخ العلم وشيخ التربية كما يفرقون بين الشريعة والحقيقة، وبين الفقه والتصوف، والعلم الشرعي والعلم اللدني، وذلك أن لهم طريقاً خاصاً إلى الله تعالى، يقول عمر بن سعيد الفوتي: لا يصل السالك الناسك إلى حضرة الله وحضرات صفاته وأسمائه ولو جمع علوم الأولين وصحب طوائف الناس وعبد عبادة الثقلين إلا على يدي أصحاب الإذن الخاص.

العدد رقم: 305 التاريخ: 9/8/2004
 



الحلقة الرابعة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

يقول الشعراني: -فعلم من جميع ما قررناه وجوب اتخاذ الشيخ لكل عالم طلب الوصول إلى شهود عين الشريعة الكبرى، ولو أجمع جميع أقرانه على علمه وعمله وزهده وورعه ولقبوه بالقطبية الكبرى، فإن لطريق القوم شروطاً لا يعرفها إلا المحققون منهم دون الدخيل فيهم بالدعاوى والأوهام-.

ولهذا فإنهم يشترطون شروطاً خاصة في شيخ التربية ويوجبون له حقوقاً على أتباعه تضمن له الطاعة المطلقة والتحكم المحض فيهم وتعلقهم به وحده وعدم الانصراف إلى غيره ولا الخروج عن طاعته ولو بالنية والهم القلبي ونحو ذلك بما يخالف أصول المنهج الشرعي في التزكية والطاعة وأدب الطالب مع شيوخه ومعلميه.

- شروط الشيخ المرشد

أولاً: أن يكون عالماً بالفرائض العينية: كالعقائد والعبادات والمعاملات ونحوها.

ثانياً: أن يكون عارفاً بالله:

والعارف بالله مصطلح صوفي بينه المناوي بقوله: -العارف من أشهده الرب نفسه!! فظهرت عليه الأحوال-.-التوقيت على مهمات التعريف ص 496-.

وعلى عادة الصوفية في الغموض واستعمال الأساليب الرمزية الإشارية في بيان الحقائق الصوفية يقول محمد فاضل أبو ماضي في مذكرة المرشدين والمسترشدين ص 35: -والعارف هو المقبل بفكره وقواه النفسية على قدس الجبروت، مستديما لشروق نور الحق لسره بعد تركه للملك، وإشراقه على الملكوت ومواجهة نفسه للعزة-.

ويقول عبدالقادر عيسى في بيان هذا الشرط: -فينبغي أن يتحقق المرشد بعقيدة أهل السنة عملاً وذوقاً بعد أن عرفها علما ودراية، فيشهد قلبه وروحه صحتها، ويشهد أن الله واحد في ذاته، واحد في صفاته واحد في أفعاله، ويتعرف على حضرات أسماء الله تعالى ذوقاً وشهوداً، ويرجعها إلى الحضرة الجامعة، ولا يشتبه عليه تعدد الحضرات، إذ تعدد الحضرات لا يدل على تعدد الذات-.

ثالثاً: أن يكون خبيراً بطرائق تزكية النفوس ووسائل تربيتها:

فلابد أن يكون قد زكى نفسه على يد مرب ومرشد، فخبر مراتب النفس وأمراضها ووساوسها، وعرف أساليب الشيطان ومداخله، وآفات كل مرحلة من مراحل السير، وطرائق معالجة كل ذلك بما يلائم حالة كل شخص وأوضاعه -حقائق عن التصوف ص 79-.

رابعاً: أن يكون مأذوناً بالإرشاد من شيخه:

فلابد أن يكون المرشد قد أجيز من شيخه بهذه التربية وهذا السير، فمن لم يشهد الاختصاصيون بعلم يدعيه لا يحق أن يتصدر فيه، فالإجازة هي شهادة أهلية الإرشاد وحيازة صفاته -حقائق عن التصوف ص 79-.

العدد رقم: 306 التاريخ: 8/16/2004
 



الحلقة الخامسة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

ولا تعجب أخي القارئ من هذه الجرأة والمجازفة في القول لأنهم يرون أن الشيوخ حجاب الله تعالى وهم الأدلاء إليه فمن أوصلوه وصل وإلا فهو المحروم، انظر إلى ما قاله الشعراني: -فمن تلطخ بالذنوب وادعى محبة شيخه فهو كاذب، وكما أنه لا يحب شيخه فكذلك شيخه لا يحبه، وإذا لم يحبه فالحق تعالى كذلك لا يحبه!-.

وتأمل كلام ابن عربي في الفتوحات المكية باب في معرفة مقام احترام الشيوخ: -إن حرمة الحق في حرمة الشيخ، وعقوقه في عقوقه! هم حجاب الحق، الحافظون أحوال القلوب على المريدين، فمن صحب شيخا ممن يقتدى به ولم يحترمه فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه! والغفلة عن الله وسوء الأدب عليه يدخل في كلامه ويزاحمه في رتبته، فإن وجود الحق إنما يكون للأدباء، والباب دون غير الأدباء مغلق، ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيوخ- أهـ.

ولهذا أوجبوا للشيوخ آداباً كثيرة ظاهرة وباطنة لا يصل المريد إلى غايته من التزكية إلا بمراعاتها.

أولاً: الآداب الباطنة:

- قال ابن عجيبة في شرح الحكم العطائية:

1- اعتقاد كماله وأنه أهل للشيخوخة والتربية، لجمعه بين شريعة وحقيقة، وبين جذب وسلوك.

2- تعظيمه وحفظ حرمته غائباً وحاضراً، وتربية محبته في قلبه، وهو دليل صدقه، وعلى قدر التصديق يكون التحقيق، فمن لا صدق له لا سير له ولو بقي مع الشيخ ألف سنة.

3- انعزاله عن عقله ورياسته وعلمه وعمله إلا ما يرد عليه من قبل شيخه، كما فعل شيخ طريقتنا الشاذلي عند ملاقاته شيخه، فهي سنة في طريقه، فكل من أتى شيخه في هذه الطريقة فلابد أن يغتسل من علمه وعمله قبل أن يصل إلى شيخه، لينال الشراب الصافي من بحر مدده الوافي.

4- عدم الانتقال عنه إلى غيره، وهذا عندهم من أقبح كل قبيح وأشنع كل شنيع، وهو سبب تسويس بذرة الإرادة، فتفسد شجرة الإرادة لفساد أصلها، وهذا كله مع شيوخ التربية كما تقدم، وأما شيوخ أهل الظاهر فلا بأس أن ينتقل عنهم إلى أهل الباطن إن وجدهم ولا يحتاج إلى إذن.. والله أعلم- -إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص771-.

- وقال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف:

- الاستسلام لشيخه وطاعته في جميع أوامره ونصائحه، من باب التسليم لذي الاختصاص والخبرة بعد الإيمان الجازم بمقدمات فكرية أساسية، منها التصديق الراسخ بإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته وأنه جمع بين الشريعة والحقيقة.

- عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربية مريديه، لأنه مجتهد في هذا الباب عن علم واختصاص وخبرة، كما لا ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل تصرف من تصرفات شيخه، فهذا من شأنه أن يضعف ثقته به ويحجب عنه خيراً كثيراً ويقطع الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه. قال العلامة ابن حجر الهيثمي: -ومن فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في أحوالهم وأفعالهم والبحث عنها، فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته وإنه لا ينتج قط، ومن ثم قالوا: -من قال لشيخه لم؟ لم يفلح أبداً، أي لشيخه في السلوك والتربية.

- قال محمد بن حامد الترمذي: -من لم ترضه أوامر المشايخ وتأديبهم فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة- وقال أبوالعباس المرسي: -تتبعنا أحوال القوم فما رأينا أحداً أنكر عليهم ومات بخير-. -حقائق عن التصوف ص59-89-.

- أن يبالغ في حب شيخه: قال الشعراني: عمدة الأدب مع الشيخ هو المحبة له، فمن لم يبالغ في محبة شيخه بحيث يؤثره على جميع شهواته لا يفلح في الطريق لأن محبة الشيخ إنما هي مرتبة إدمان يترقى المريد منها إلى مرتبة الحق عز وجل، ومن لم يحب الواسطة بينه وبين ربه التي من جملتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منافق، والمنافق في الدرك الأسفل من النار.

وأجمعوا على أن من شرط المحب لشيخه أن يصم أذنه عن سماع كلام أحد في الطريق غير شيخه، فلا يقبل عذل عاذل حتى لو قام أهل مصر كلهم في صعيد واحد، لم يقدروا على أن ينفروه من شيخه، ولو غاب عنهما الطعام والشراب أياماً لاستغنى عنا بالنظر إلى شيخه في باله!!

وسمعت سيدي عليا المرصفي يقول: -المريد يترقى في محبة شيخه إلى حد يتلذذ بكلام شيخه له كما يتلذذ بالجماع! فمن لم يعمل إلى هذه الحالة فما أعطى الشيخ حقه من المحبة!!-.

العدد رقم: 307 التاريخ: 8/23/2004
 



الحلقة السادسة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

- قال الشعراني: -ومن شأنه ألا يشرك مع شيخه أحدا في المحبة، وكان سيدي علي بن وفا يقول كثيراً: إياكم أن تشركوا في المحبة مع شيخكم أحدا من المشايخ، فإن الرجال أمثال الجبال وهم على الأخلاق الإلهية المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم : -تخلقوا بأخلاق الله-، فكما أن الله تعالى -لا يغفر أن يشرك به- فكذلك محبة الأشياخ لا تسامح أن يشرك بها!! وكما أن الجبال لا يزحزحها عن مكانها إلا الشرك بالله تعالى ما دام العالم باقياً، فكذلك الولي لا يزيل همته عن حفظ مريده!! من الافات إلا شرك موضع خالص المحبة من قلبه-!!
- وقال أبوعلي الدقاق: -من دخل في صحبة شيخ ثم اعترض عليه بعد ذلك فقد نقض عقد الصحبة ووجب عليه تجديد العهد، على أن الأشياخ قد قالوا: إن عقوق الأستاذ قد يترتب عليه استحكام المقت فلا يكاد يصح من ذلك العاق توبة!! وكان أبوجعفر الخلدي يقول: من لم يحفظ الأدب مع المشايخ سلط الله عليه الكلاب التي تؤذيه-!!
- وكان أحمد الأبيوردي يقول: -إياكم والعمل على تغيير قلب شيخكم عليكم، فإن من غير قلب شيخه عليه لحقته العقوبة ولو بعد موت الشيخ-!!

وزار أبوتراب النخشبي وشقيق البلخي أبا يزيد البسطامي، فلما قدم خادمه السفرة قالا له: كل معنا يا فتى، فقال: لا إني صائم، فقال له أبوتراب: كل ولك أجر صوم شهر!! فقال: لا، فقال له شقيق: كل ولك أجر صوم سنة!! فقال: لا، فقال أبويزيد: دعوا من سقط من عين رعاية الله عز وجل، فسرق ذلك الشاب بعد سنة فقطعت يده عقوبة له على سوء أدبه مع الأشياخ!!
وسمعت شيخ الإسلام برهان الدين بن أبي شريف يقول: -من لم ير خطأ شيخه أحسن من صوابه هو لم ينتفع به-!!
- وكان سيدي علي بن وفا يقول: -من تقرب إلى أستاذه بالخدم تقرب الحق تعالى إلى قلبه بأنواع الكرم!!-، وكان يقول: -من آثر أستاذه على نفسه كشف الله له عن حضرة قدسه!! ومن نزه حضرة أستاذه عن النقائض منحه الله بالخصائص!! ومن احتجب عنه طرفة عين فلا يلومن إلا نفسه إذا أوبق بوائق البين، ولا يصل المريد إلى هذا المقام إلا إن جعل مراد شيخه مراده-.

- قال الشعراني: -ومن شأنه أن لا يقيم ميزان عقله على كلام شيخه، حتى لو قال له لا تحضر مجلس فلان العالم أو الواعظ فلا ينبغي له حضوره!! وذلك لأن شيخه أمين عليه في كل شيء يرقيه أو يوقفه أو يؤخره، وغير شيخه لم يلتزم ذلك معه فربما علمه ما يضره!! ويورثه الإعجاب بنفسه مثلا فيهلكه!!-.
للشيخ أن يخرج المريد من ورد إلى ورد آخر فإذا نهاه عن ورد بادر إلى امتثال أمره وليس له الاعتراض عليه بباطنه ويقول إن الورد خير فكيف ينهاني عن فعله؟ فربما رأى الشيخ في ذلك الورد ضرراً على المريد!! بدخول علة قادحة في الإخلاص مثلاً- -الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية للشعراني ص114-155-.
 
ولا يخفى على أحد في تلك النقولات المذكورة عن أرباب التصوف وأئمته من مخالفة واضحة لمنهج أهل السنة والجماعة في أدب طالب العلم مع شيوخه، إذ إنها علاقة احترام وتوقير وليست علاقة تقديس وتقليد وانسلاخ من العقل والإرادة كما يصورها الصوفية ليحصل لهم كمال انقياد الاتباع وعدم اعتراضهم عليهم ولا يتركونهم مدة حياتهم، فقد سأل الشعراني شيخه الخواص: -هل أصحب أحداً من مشايخ العصر لآخذ عنه الأدب؟ فقال: -لا تفعل ذلك في حياتي أبداً- -درر الغواص ص53-، وجاء في قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر ص278 فيما يلزم المريد الرفاعي أن يتحلى به أن لا يلتجئ إلى غير شيخه حتى ولو كان ذلك الشيخ من الصالحين-، فهي مسألة احتكار للمريدين وتكثر بهم، وتطورت هذه العلاقة لتأخذ صورة المدارس المستقلة المتمثلة بالطرق الصوفية الكثيرة كما عرفتها الموسوعة الميسرة: -طريقة: السيرة المختصة بالمتصوفة السالكين إلى الله من التمكن في المقامات والترقي في الأحوال، كانت تدل في القرنين الثالث والرابع على أحوال الصوفية وسلوكهم ثم أصبحت تدل على نظام من الرياضات الصوفية تمتاز به كل طريقة، انتشرت هذه الطرق في القرن الثاني عشر فتعددت وتنوعت وتنافست وكان للعراق وشمال أفريقيا منها نصيب كبير-.

ولكل طريقة طقوسها وأذكارها ورجالها، ونظرة موجزة على مواقع الطرق الصوفية في شبكة الإنترنت كافية للوقوف على انحرافها عن منهج أهل السنة والجماعة في أمور كثيرة.

العدد رقم: 308 التاريخ: 8/30/2004
 



الحلقة السابعة:
التزكية عند الصوفية
د. وليد خالد الربيع

- الآداب الظاهرة

يبالغ الصوفية في أهمية لزوم المريد الأدب مع شيخ التربية والإرشاد، وقد ذكروا في ذلك آداباً كثيرة منها ما هو موافق للمنهج الصحيح للتزكية ويخرج بالعلاقة بين المريد والشيخ عن دائرة التربية إلى هوة التقديس والطاعة المطلقة المخالفة لأصول الشرع المطهر التي تقرر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن الطاعة المطلقة إنما هي لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل: -يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم-، وفي هذه الآية أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من المسلمين، وهم الأمراء والعلماء كما قرر ذلك طائفة من العلماء منهم الجصاص، وابن العربي وابن كثير وابن تيمية وابن القيم وابن سعدي.

ومع ذلك فإن طاعة ولاة الأمر ليست مطلقة كطاعة الله ورسوله، بل إنها مقيدة بقيود وضوابط تحقق المقصود منها وتمنع من مجاوزة الحد الشرعي فيها، وقد دل على هذا التقييد أدلة منها:
1- قوله تعالى: -يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم- فالله سبحانه أعاد فعل -أطيعوا- في قوله: -وأطيعوا الرسول- إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته.
2- عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: -على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة-.
3- وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلا، فأوقد نارا وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوا وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوا: -لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة-، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: -لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف-.

قال النووي: تجب طاعة ولاة الأمر فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت المعصية فلا سمع ولا طاعة كما صرح به - أي في هذا الحديث ونظائره -.

وقال ابن تيمية: إنهم - أي أهل السنة والجماعة - لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة...-.
-
قارن - أخي القارئ - بين هذا الأصل العظيم من أصول منهج أهل السنة والجماعة وبين ما سيأتي ذكره من بعض الآداب التي ذكرها الصوفية لمن أراد سلوك سبيل التصوف، كما قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 120 : -فهذه جملة من الآداب التي يجب على السالك مراعاتها والمحافظة عليها، فإن الطريق كلها آداب- وقد فرق بين المريد الحقيقي والمريد المجازي!! وبيّن أن هذه الآداب ليست للعامة وإنما هي لطائفة مخصوصة من الناس فقال: -وهذه الآداب كلها إنما تطلب من المريد الحقيقي الذي يريد الوصول إلى الحضرة الإلهية!!، وأما المريد المجازي فهو الذي ليس قصده من الدخول مع الصوفية إلا التزيي بزيهم والانتظام في سلك عقدهم، وهذا لا يلزم بشروط الصحبة ولا بآدابها، ومثل هذا له أن ينتقل إلى طريق أخرى ولا حرج عليه-.

العدد رقم: 309 التاريخ: 6/9/2004
 



الحلقة الثامنة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

- ذكر السهروردي في عوارف المعارف ص286 أن بعض أصحاب الجنيد سألوه مسألة فأجابه، فعارضه فقال الجنيد: فإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون!!
قال السهروردي: وينبغي للمريد كلما أشكل عليه شيء من حال الشيخ أن يذكر قصة موسى مع الخضر عليهما السلام... فما ينكره المريد لقلة علمه بحقيقة ما يوجد من الشيخ، فللشيخ في كل شيء عذر بلسان العلم والحكمة!! أهـ

بل بالغ بعضهم فقدم طاعة الشيخ على طاعة الوالد كما قال الشيخ داود الكبير: خدمة أستاذك مقدمة على خدمة أبيك، لأن أباك كدرك وأستاذك صفاك، وأستاذك علاك، وأباك مزجك بالماء والطين وأستاذك رقاك إلى أعلى عليين- -الطبقات الكبرى للشعراني 1/169-.
وتأمل ما جاء في تذكرة الأولياء 1/171 عن ذي النون المصري أنه قال: -طاعة المريد لشيخه فوق طاعته لربه-!!؟

- السكينة والوقار في الجلوس بين يديه: فلا يضحك ولا يرفع صوته عليه ولا يتكلم في مجلس الشيخ ولو كلمة واحدة حتى يستدعيه للكلام أو يفهم عنه بقرائن الأحوال كحال المذاكرة بخفض الصوت ورفق ولين، ولا يأكل معه ولا بين يديه ولا ينام معه أو قريباً معه، وكل ذلك كما يقول عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص99: -لأن ذلك من عدم المبالاة بالشيخ وعدم الاحترام له، ومن صحب المشايخ بغير أدب واحترام حرم مددهم!! وثمرات ألحاظهم وبركاتهم!!- ونحو ذلك من التذلل المهين للمشايخ الذي يسميه الصوفية -أدبا- والواقع أنه ذل وصغار وتحقير للمريد حتى يخرج من كرامته الإنسانية وشخصيته المستقلة، ليذوب في إرادة الشيخ وتوجيهاته ولو كانت مخالفة للشـرع المطهر، فكمال المريد في كمال ذله لمشــايخه

- وقارن هذه الآداب الصوفية - أخي القارئ - مع حال سادات المؤمنين وهم الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - مع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، وكيف أنهم - مع كمال الاتباع والأدب والتوقير - كانوا يأكلون معه وبين يديه ويكلمونه استفساراً واقتراحاً ويمزحون معه وبين يديه صلى الله عليه وسلم كما تزخر بذلك كتب السنة المطهرة والسيرة العطرة لمن تأملها، بخلاف ما يريده الصوفية من أتباعهم من الاستسلام الذليل والانقياد المهين.

- المبادرة إلى خدمة الشيخ بقدر الإمكان بنفسه أو بماله أو بقوله، قال ابن عجيبة: -فخدمة الرجال سبب الوصال لمولى الموالي- -شرح الحكم ص175 -، ونقل الشعراني عن الشيخ علي وفا أنه قال: -من تقرب إلى أستاذه بالخدم تقرب الحق تعالى إلى قلبه بأنواع الكرم!!- -الأنوار القدسية ص 150.

وقد تصل الخدمة بالمريد إلى أن ينظف مرحاض الشيخ! فعليه أن لا يعترض على ذلك لأن الخدمة سبب للترقي والوصول، قال الشعراني: -فيجب عليه أن لا يعترض على شيخه بقلبه إذا استعمله في نزح السراب مثلاً أو قال له: اعمل سراباتي - والسراب هو المرحاض - وقد كان الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر بسبب نزحه سراب بيت الشيخ عبدالله المنوفي، فسمع الشيخ يطلب القنواتية فأتى بالفأس والزنبيل من الليل وصار ينزح إلى الظهر، فما رجع الشيخ عبدالله من الدرس حتى نزح السراب كله، فدعا له الشيخ فصار علماء المالكية كلهم يرجعون إلى قوله وترجيحه إلى وقتنا هذا!! -الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ص 123-.
فأصبح طريق الإمامة في الدين ليس للصبر واليقين كما قال تعالى -وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون- وليس طريق الإمامة في تحصيل العلم النافع والعمل الصالح وإنما - عند الصوفية - يحصل ذلك ببركة دعاء الشيخ وخدمته في تنظيف النجاسات ولو كان المدعو له بعيداً عن مجالس العلم والتحصيل، وتأمل هذه القصة التي حكاها الشعراني فقال: -ومن شأنه - أي المريد - إذا أقامه الشيخ في خدمة سفرا وحضرا دون أن يحضر مجالس الذكر أن لا يتكدر، فإن الشيخ إنما يستعمله فيما يراه خيرا له من سائر الوجوه، ومتى تكدر أو رأى أن اشتغاله بغير ذلك أفضل فقد نقض عهد شيخه!! فإن الشيخ أمين عليه من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته!! ومطالب أن يفعل معهم ما يرقيهم وينهاهم عما يؤخرهم في المقامات... وقد بلغنا أن سيدي إبراهيم المواهبي لما جاء إلى سيدي الشيخ أبي المواهب يطلب الطريق إلى مقدمة الأدب مع الله تعالى أمره أن يجلس في الاصطبل يخدم البغلة ويقضي حوائج البيت!! وقال له: احذر أن تحضر مع الفقراء - يعني الصوفية - قراءة حزب أو علم!! فأجابه إلى ذلك فمكث سنين!! حتى دنت وفاة الشيخ فتطاول أكابر أصحابه للإذن لهم في الخلافة بعده - انظر إلى الزهد في الدنيا والرغبة في الخمول وعدم الصدارة والرئاسة كما يزعم الصوفية عن التصوف! - فقال: ائتوني بإبراهيم، فأتوه به ففرش له سجادة وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق، فأبدى لهم العجائب والغرائب نظماً ونثراً حتى انبهرت عقول الحاضرين، فكان سيدي إبراهيم الخليفة بعد الشيخ ولم يظهر من أولئك شيء من أحوال الطريق، فعلم أن معرفة الأمور التي يقع بها الفتح راجعة إلى الشيخ لا إلى المريد!!! -الأنوار القدسية ص 127-.

العدد رقم: 310 التاريخ: 9/13/2004
 



الحلقة التاسعة:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

عرضنا في الحلقة الماضية بعضاً من أقوال الصوفية عن المبالغة في تقديس الشيخ وكان منها قولهم -طاعة المريد لشيخه فوق طاعته لربه- وغيرها من الكلمات التي تدل على غلوهم، حيث إن طريق الإمامة عند الصوفية لا يحصل للمرء إلا ببركة دعاء الشيخ وخدمته حتى ولو كان المدعو له بعيداً عن مجالس العلم.

ولعلك أدركت أخي القارئ السر في تعظيم الصوفية للشيخ وذلك لأنه - عندهم - مدد الخير والعلم والإمامة وليس للمريد في ذلك سبب ولا تحصيل فلو اشتغل بتحصيل العلم سنين عديدة ولم يحصل له من الشيخ مدد لا تحصل له الإمامة، ولو حصل له من الشيخ بركة ورضا فإنه يصبح المقدم في الدين ولو كان من أجهل الناس كما تقدم، وربما لأن تحصيل العلم عندهم قد يحصل بالفتح والفيض دون طلب ولا مجالسة للعلماء وقراءة الكتب.

- ومن آداب المريد مع شيخه:
ألا يكتم عن شيخه شيئاً من الخير أو الشر، قال الشعراني في أدب المريد: -ومن شأنه أن لا يكتم عن شيخه شيئاً من أحواله الظاهرة والباطنة، حتى الخواطر التي استقرت عنده، ومتى كتم عنه شيئاً فقد خانه في الصحبة!! وكان عليه تجديد الصحبة إن أرادها،... وأجمعوا على أنه إذا حصل من المريد مخالفة لإشارة شيخه أو جناية على أحد بغير حق كان عليه أن يقر بين يديه بالجناية على الفور ثم يستسلم لما يحكم به عليه شيخه من العقوبات للنفس على تلك الجناية من سفر بكلفة! أو خدمة شديدة! أو جوع شديد ونحو ذلك!-.

- ولك أن تتساءل أخي القارئ عن الدليل الشرعي على مثل هذا الأدب وما الذي يلزم المريد أن يقر بذنوبه عند شيخه؟ وما الموجب الشرعي لتلك العقوبات التي تنال بدن المريد أو ماله التي من حق الشيخ أن يلزم بها المريد بل هو واجب شرعي عندهم كما يكمل الشعراني بقوله: -وأجمعوا على أنه لا يجوز للأشياخ التجاوز عن زلات المريد لأن ذلك تضييع لحقوق الله عز وجل!!- -الأنوار القدسية ص124-، والسؤال هنا هو من الذي فوض الأشياخ في هذا الواجب وهم ليسوا بأمراء ولا علماء لأن شيخ التربية غير شيخ التعليم كما تقدم.

ومن أدب المريد استئذان الشيخ في كل أموره ولو كان ذلك في الحج قال الشعراني: -ومن شأنه ألا يحج إلا بإذن شيخه، فإن معرفة الأدب مع رب البيت مقدمة على معرفة أدب البيت، فمن سافر إلى البيت قبل معرفته بصاحب البيت المعرفة التي يعرفها القوم فقد أخطأ طريقهم ولم يحصل له إمدادها وبعيد أن يسقط عنه بها حج الإسلام!! كما أنه فرق عظيم بين حج شيخ الإسلام وبين حج آحاد العوام!!- أهـ .

وبناء على هذا التقرير الصوفي فملايين المسلمين الذين حجوا البيت الحرام بغير إذن من مشايخ الصوفية لم تسقط عنهم حجة الإسلام ولا تزال ذممهم مشغولة بهذه الفريضة!!
- وتأمل تقديس الصوفية لمشايخهم بهذا التعليل العجيب الذي ذكره الشعراني بعد أن ذكر الحكم السابق فقال: -وقد قال علماؤنا: وللزوج تحليل امرأته من حج تطوع لم يأذن فيه - يعني له إجبارها على التحلل من إحرامها - وكذا من الفرض على المذهب، وأقل مقام طاعة الشيخ أن يكون كالزوج للمرأة!! ويكون يتصرف في المريد كما يتصرف الرجل في زوجته من حيث التحجير عليها والتربية لها!!- -الأنوار القدسية ص 126-.

العدد رقم: 311 التاريخ: 9/20/2004
 



الحلقة العاشرة
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

- ثانياً: الخلوة والعزلة
من معالم منهج التزكية عند الصوفية -الخلوة والعزلة-، وذلك أن المريد الصوفي يسلك السبيل إلى الله عز وجل، والطريق لا يخلو عادة من معوقات ومكدرات، فانتهج الصوفية سبيل الخلوة والعزلة لتخليص المريد من الآفات القلبية والسلوكية ليرتقي في درجات الوصول إلى الله تعالى - بزعمهم، ولندعهم يوضحون لنا ما هي الخلوة وما حكمها وما أهميتها للمريد وما هي الآثار المترتبة عليها؟
1- تعريف الخلوة:
جاء في تهذيب خالصة الحقائق 1/387: >في الخلوة: الحد: قال حكيم: الخلوة ترك اختلاط الناس وإن كان بينهم، وقال عالم: الخلوة الخلو عن جميع الأذكار إلا عن ذكر الله تعالى، وقيل: الخلوة محافظة الحواس وترك الاستئناس بالناس، وقيل: الخلوة المفارقة عن النظر والأقران قلباً وقالباً، وقال حكيم: الخلوة الأنس بالذكر والاشتغال بالفكر<.

وحيث إن هذه التعريفات لا توضح المراد بالخلوة بشكل دقيق، فلندع أحد معاصري الصوفية يوضح لنا حقيقتها، قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص242: >فالخلوة إذن انقطاع عن البشر لفترة محدودة، وترك للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التي لا تنقطع، ثم ذكر لله تعالى بقلب حاضر خاشع وتفكر في آلائه تعالى آناء الليل وأطراف النهار، وذلك بإرشاد شيخ عارف بالله، يعلمه إذا جهل ويذكره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع الوساوس وهواجس النفس<.

فالخلوة بناء على هذا التعريف تتناول ثلاثة أمور:

الأول: انقطاع عن الناس.
الثاني: ملازمة الذكر، وخاصة الذكر باللفظ المفرد وهو: : >الله، الله<.
الثالث: إرشاد شيخ عارف بالله تعالى، كما قال زروق في قواعده ص77 >ولكنها بلا شيخ مخطرة<!!

فهي طريق للتزكية والتربية مهم عند الصوفية له شروط وضوابط، وليس كما يتبادر إلى الذهن أنها مجرد اجتناب الرذائل والخواطر السيئة وإنما الأمر أبعد من ذلك.

وقد فرق البعض بين العزلة والخلوة كما جاء في دائرة المعارف 7/457 : >الخلوة عند بعض الصوفية هي العزلة، وعند بعضهم غير العزلة، فالخلوة من الأغيار والعزلة من النفس وما تدعو إليه ويشغل عن الله، فالخلوة كثيرة الوجود، والعزلة قليلة الوجود، فعلى هذا العزلة أعلى من الخلوة<.

وقال أحمد زروق في قواعد التصوف ص77 القاعدة -114-: >الخلوة أخص من العزلة، وهي بوجودها وصورتها نوع الاعتكاف ولكن لا في المسجد وربما كانت فيه، وأكثرها عند القوم لا حد لها، ولكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى عليه السلام؟!! والقصد في الحقيقة الثلاثون، إذ هي أصل المواعدة وجاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهرا<.

والخلوة عند الصوفية نوعان:
خلوة عامة: ينفرد بها المريد ليتفرغ لذكر الله تعالى بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن الكريم أو محاسبة نفسه أو ليتفكر في خلق السموات والأرض.
وخلوة خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشد مأذون يلقن المريد ذكراً معيناً ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المكون!! -حقائق عن التصوف 268-.

2- أهمية الخلوة:
يقول القشيري في رسالته المشهورة في علم التصوف 101: >إن الخلوة صفة أهل الصفوة، والعزلة من أمارات الوصلة، ولابد للمريد في ابتداء حاله من العزلة عن أبناء جنسه، ثم في نهايته من الخلوة لتحقق بأنسه<.

ويقول ابن أبي جمرة: >الأولى بأهل البادية الخلوة والاعتزال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره يخلو بنفسه<.

والخلوة عند الصوفية طريق للتلقي عن الله تعالى وحصول الفتوحات الربانية والفيوض الإلهية، إذ إن الإلهام والكشف عن مصادر التلقي المعتبرة عند الصوفية التي خالفوا فيها منهج أهل السنة والجماعة وأصول الفقه الإسلامي التي تستمد منها الأحكام العقدية والعملية.

جاء في حقائق عن التصوف ص 261 وفي إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص85: >قال أبوالحسن الشاذلي: ثمار العزلة الظفر بمواهب المنهج، وهي أربعة: كشف الغطاء!! وتنزل الرحمة، وتحقيق المحبة، ولسان صدق في الكلمة<.

وقال زروق في قواعده عن الخلوة ص77: >والقصد بها تطهير القلب من أدناس الملابسة، وإفراد القلب لذكر واحد وحقيقة واحدة ولكنها بلا شيخ مخطرة وله فتوح عظيمة!! وقد لا تصلح لأقوام فليعتبر كل أحد بها حاله<.

العدد رقم: 312 التاريخ: 9/27/2004
 



الحلقة الحادية عشر:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

ونقل في حقائق عن التصوف ص257 عن الشيخ الأكبر ابن عربي قوله: -فإن المتأهب للمزيد، المتعرض لنفحات الجود بأسرار الوجود إذا لزم الخلوة والذكر، وفرّغ المحل من الفكر، وقعد فقيراً لا لشيء له عند باب ربه، حينئذ يمنحه الله تعالى!! ويعطيه من العلم به والأسرار الإلهية والمعارف الربانية التي أثنى الله سبحانه بها على عبده خضر فقال: -عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً-... وقيل للجنيد: بم نلت ما نلت؟ فقال بجلوسي تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة، وقال أبويزيد: أخذتم علمكم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. فيحصل لصاحب الهمة في الخلوة مع الله وبه جلت هبته وعظمت منته من العلوم ما يغيب عندها كل متكلم على البسيطة، بل كل صاحب نظر وبرهان ليست له هذه الحالة- أ هـ.

تأمل هذا الكلام مرة بعد أخرى لتقف على منهج الصوفية في التلقي، وازدرائهم العلم الشرعي - مهما قالوا إن طريقنا محكوم بالكتاب والسنة - لأنهم يقدمون الإلهام والكشف والفتح على كل علم وبرهان.

وهذا ليس من شطحات ابن عربي - كما قد يتوهم البعض - ولكنها طريقة القوم، يقول الغزالي في الإحياء 3/19مبيناً طريقة الخلوة ومقصدها: -إن الطريق في ذلك أولاً بانقطاع علائق الدنيا بالكلية، وتفريغ القلب منها ويقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن وعن العلم!! والولاية والجاه، بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه، ثم يخلو بنفسه في زاوية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب، ويجلس فارغ القلب مجموع الهمة، ولا يفرق - تأمل - فكره بقراءة قرآن!! ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديث ولا غيره -ويمضي الغزالي في شرح الطريقة فيحظر على السالم أن يخطر بباله شيء سوى الله، ويبدأ قائلاً بلسانه: -الله، الله- على الدوام مع حضور القلب حتى ينتهي إلى حالة يترك فيها تحريك اللسان ويرى أن صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة ويبقى معني الكلمة مجرداً في قلبه حاضراً فيه كأنه لازم له، ويظل هكذا متعرضاً لنفحة من نفحات رحمة الله وينتظر ما يفتح عليه كما فتح على الأنبياء والأولياء أ.هـ.

وقال أيضاً: -وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها- -المنقذ من الضلال ص131-.

قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 288: -وقد قال أبوحامد الغزالي في كتابه الإحياء: مقصود الرياضة تفريغ القلب، وليس ذلك إلا بالخلوة في مكان مظلم، وقال: فإن لم يكن مكان مظلم، فيلف رأسه في جبته أو يتدثر بكساء أو إزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق!! ويشاهد جلال حضرة الربوبية!! -الإحياء 3/76-.
قال ابن الجوزي: انظر إلى هذه الترتيبات، والعجب كيف تصدر من فقيه عالم، ومن أين له أن الذي يراه نداء الحق؟ وأن الذي يشاهده جلال الربوبية؟ وما يؤمنه أن يكون ما يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة؟ وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل من الطعام فإنه يغلب عليه الماليخوليا- أهـ.

ويقول القسطلاني في إرشاد الساري 1/62: -والخلوة أن يخلو عن غيره بل وعن نفسه بربه وعند ذلك يصير خليقاً بأن يكون قالبه ممرا لواردات علوم الغيب!! وقلبه ممراً لها-.
ويقول الفيروز آبادي: -خلوة طلاب طريق الحق على أنواع:
الأول: أن تكون خلوتهم لطلب مزيد على الحق من الحق!! لا بطريق النظر والفكر، وهذا غاية مقاصد أهل الحق- -حقائق عن التصوف ص 253-.

- فتبين لك - أخي القارئ - أن الخلوة خطوة مهمة على طريق تزكية النفس عند الصوفية، وأنها سبيل لتلقي العلم اللدني من الله عز وجل وانظر إلى الاستدلال العجيب الذي احتج به أبوالحسن الشاذلي ونقله عنه ابن عجيبة بقوله تعالى: -فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له- الآية -إيقاظ الهمم ص 58- فجعل الخلوة والعزلة - في اصطلاحهم الخاص كما تقدم - سبباً لنيل هبة الله من العلم اللدني ومقامات الولاية.

العدد رقم: 313 التاريخ: 4/10/2004
 



الحلقة الثانية عشر:
التزكية عند الصوفية
ذكرنا في الحلقة السابقة أهمية الخلوة على طريقة تزكية النفس عند الصوفية
وأشرنا إلى أنهم يعتقدون أنها سبيل لتلقي العلم اللدني من الله عز وجل
وسنستكمل في حلقتنا هذه حكم الخلوة عندهم.
- د. وليد خالد الربيع

3- حكم الخلوة:

قال شمس الدين الرازي في -حدائق الحقائق ص 39-: -العزلة والخلوة معروفتان، وهما مطلوبتان شرعاً!!

وتأمل هذا الاستدلال العجيب في لزوم الخلوة والعزلة حيث قال في ص 41: -واعلم بأن التوفيق للعزلة دليل السعادة الأبدية، لأن من خالط الناس داراهم، ومن داراهم رآهم، ومن رآهم نافقهم، ومن نافقهم استحق الدرك الأسفل من النار بنص الكتاب العزيز وهو قوله تعالى: -إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار-!!.

وقال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 244: -ليست الخلوة ابتداعا من الصوفية، وإنما هي امتثال لأمر الله تعالى في كتابه العزيز وتأس واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يخلو بغار حراء يتعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، وبهذا تكون قد ثبتت مشروعيتها<.

- وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الاستدلال بقوله: -وأما الخلوات فبعضهم يحتج فيها بتحنثه صلى الله عليه وسلم في غار حراء قبل الوحي وهذا خطأ، فإن ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة إن كان قد شرعه بعد النبوة فنحن مأمورون باتباعه فيه وإلا فلا، وهو صلى الله عليه وسلم من حين نبأه الله تعالى لم يصعد بعد ذلك إلى غار حراء ولا خلفاؤه الراشدون، وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بضعة عشرة سنة ودخل مكة في عمرة القضاء، وعام الفتح أقام بها قريباً من عشرين ليلة وأتاها في حجة الوداع وأقام بها أربع ليال، وغار حراء قريب منه ولم يقصده، وذلك أن هذا كانوا يأتونه في الجاهلية، ويقال أن عبدالمطلب هو من سن لهم إتيانه، لأنه لم تكن لهم هذه العبادات الشرعية التي جاء بها بعد النبوة صلى الله عليه وسلم كالصلاة والاعتكاف في المساجد، فهذه تغني عن إتيان حراء بخلاف ما كانوا عليه قبل نزول الوحي.

- وقال أيضاً: -وطائفة يجعلون الخلوة أربعين يوماً ويعظمون أمر الأربعينية، ويحتجون فيها بأن الله تعالى واعد موسى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، وقد روي أن موسى عليه السلام صامها وصام المسيح أيضاً أربعين لله تعالى وخوطب بعدها، فيقولون: يحصل بعدها الخطاب والتنزل، كما يقولون في غار حراء حصل بعده نزول الوحي.

وهذا أيضاً غلط، فإن هذه ليست من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل شرعت لموسى عليه السلام كما شرع له السبت والمسلمون لا يسبتون، وكما حرم في شرعه أشياء لم تحرم في شرع محمد صلى الله عليه وسلم فهذا تمسك بشرع منسوخ، وذلك تمسك بما كان قبل النبوة.

وقد جرب أن من سلك هذه العبادات البدعية أتته الشياطين وحصل له تنزل شيطاني، وخطاب شيطاني، وبعضهم يطير به شيطانه، وأعرف من هؤلاء عددا طلبوا أن يحصل لهم من جنس ما حصل للأنبياء من التنزل فنزلت عليهم الشياطين لأنهم خرجوا عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم التي أمروا بها قال تعالى: -ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون- وكثير منهم لا يجد للخلوة مكاناً ولا زماناً بل يأمر الإنسان أن يخلو في الجملة.

ثم صار أصحاب الخلوات فيهم من يتمسك بجنس العبادات الشرعية: الصلاة والصيام والقراءة والذكر، وأكثرهم يخرجون إلى أجناس غير مشروعة، فمن ذلك طريقة أبي حامد ومن تبعه، وهؤلاء يأمرون صاحب الخلوة أن لا يزيد على الفرض، لا قراءة ولا نظراً في حديث نبوي ولا غير ذلك، بل قد يأمرونه بالذكر ثم قد يقولون ما يقوله أبوحامد: ذكر العامة: لا إله إلا الله، وذكر الخاصة: الله الله، وذكر خاصة الخاصة: هو هو.

والذكر بالاسم المفرد مظهراً ومضمرا بدعة في الشرع وخطأ في القول واللغة، فإن الاسم المجرد ليس هو كلاماً لا إيماناً ولا كفراً..< -مجموعة الرسائل والمسائل 2/247-249-.

- وبهذا يتبين لك أخي القارئ مجانبة الصوفية للمنهج الصحيح في التزكية في مسألة الخلوة التي جعلوها من لوازم الطريق إلى الله كما قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 268: -ولا يظنن أحد أن الخلوة خاتمة السير، بل هي أول خطوة في طريق الوصول إلى الله تعالى، فلا بد أن تتلوها خلوات ومجاهدات طويلة ومذاكرة متواصلة للمرشد بهمة وصدق واستقامة، وملازمة على ذكر الاسم المفرد!! في الصباح والمساء وعند كل فراغ حتى يكون على اتصال دائم بالله تعالى....

العدد رقم: 314 التاريخ: 11/10/2004
 



الحلقة الثالثة عشر:
التزكية عند الصوفية
- د. وليد خالد الربيع -

تكلمنا في الحلقة الماضية عن حقيقة الذكر، وذكرنا أنه يعد من أهم أبواب التزكية في المنهج الإسلامي الصحيح، وذكرنا أيضا أنه سبب للوقاية من الشيطان وسبب لمحبة الله وذكره لعبده، وأوضحنا في الحلقة الماضية أن الذكر عبادة مشروعة كسائر العبادات وينبغي أن تراعى فيه شروط العبادة التي هي : الإخلاص والمتابعة.

وينبغي كذلك الحذر من اعتقاد فضيلة هذا التقييد بهذا الوقت أو المكان أو العدد، كما قال أبو شامة: -ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة، فإن كان كذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان-، وقال شيخ الإسلام مبينا المفسدة المترتبة على مثل هذا التخصيص: -من أحدث عملا في يوم كإحداث صوم أول خميس من رجب...فلابد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب، وذلك لأنه لابد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابا زائدا على الخميس الذي قبله وبعده مثلا..إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه أو في قلب متبوعه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة-.

- وبالنظر والتأمل في الذكر عند الصوفية نجد أنهم يولون هذا الباب عناية كبيرة، إلا أنهم انحرفوا فيه عن جادة السنة إلى طرق البدع والمحدثات والغلو، وإليك شيئا من انحرافاتهم في الصور التالية:

أولاً: ضرورة تلقي الذكر عن الشيخ المرشد:
يعد الصوفية ذكر الله عز وجل بجميع صيغه دواء لأمراض القلوب وعلل النفوس، وكل هذه الأدوية مستخرجة من صيدلية القرآن والسنة!! ـ كما يعبر عبد القادر عيسى في حقائق عن التصوف ص179ـ وبما أن صيغ الأذكار كثيرة ومتنوعة، ولكل صيغة تأثير قلبي خاص ومفعول نفسي معين ـ ولا أدري ما هو الدليل الشرعي على هذا التقسيم المحدث ـ فإن مرشدي السادة الصوفية أطباء القلوب ووارثي الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في الدعوة والتوجيه يأذنون لمريديهم بأذكار معينة تتناسب مع أحوالهم وحاجاتهم، وترقيهم في السير إلى رضوان الله تعالى، وذلك كما يعطي الطبيب الجسماني للمريض أنواعا من الأدوية والعلاجات تتلاءم مع علله وأسقامه، ثم يبدل له الدواء حسب تقدمه نحو الشفاء، ولهذا لابد للمريد السالك أن يكون على صلة بالمرشد، يستشيره ويذاكره ويعرض عليه ما يجده في الذكر من فوائد روحية وأقوال قلبية وحظوظ نفسية، وبذلك يترقى في السير، ويتدرج في السمو الأخلاقي والمعارف الإلهية!!
- تأمل هذا القياس الفاسد الذي استند إليه الصوفية حيث جعلوا الأذكار الشرعية التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتقوم على توحيد الله عز وجل والثناء عليه والتوجه إليه في قضاء الحاجات وتفريج الكربات بمنزلة الأدوية الطبية التي لا يعرف مكوناتها إلا حذاق الأطباء والصيادلة، ويترتب على الخطأ في تناولها الضرر البليغ وربما الهلاك المتحتم، وهل الأمران سيان؟ ولو باشر المريد ذكرا قبل آخر أو جمع بين ذكرين أو أكثر مما صح وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم هل يتضرر بذلك أو يلحقه الهلاك المحقق كالأدوية؟
فالصوفية جعلوا الدين أسراراً وطلاسم لا يعرفها إلا خاصة الشيوخ كالديانات الباطلة التي اختص بمعرفة أسرارها كهانها وسدنتها، وألزموا المريد بملازمة الشيخ يقول الجيلاني في الغنية 2/166: -فلا ينبغي له أن ينقطع عن الشيخ حتى يستغني عنه بالوصول إلى ربه عز وجل فيتولى تبارك وتعالى تربيته وتهذيبه ويوقفه على معاني أشياء خفيت على الشيخ ويستعمله فيما يشاء من الأعمال- -تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي 2/ 257- .

- وهل كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم يخص بعض الصحابة بذكر دون غيرهم؟ أم كان يقول لأحدهم إلزم هذا الذكر مدة كذا وبعدد كذا ثم راجعني لأرى مدى تقدمك في العلاج فإن تحسن صرف له ذكرا آخر أقوى منه وإلا قال له استمر على الذكر الأول حتى تشفى من عللك وأسقامك؟!
بل إن الصوفية يرون أن أسماء الله تعالى الحسنى لا يناسب ذكرها كل مريد، يقول ابن عطاء الله السكندري في مفتاح الفلاح ص23: -اسمه تعالى-العفو- يليق بأذكار العوام لأنه يصلحهم!! وليس من شأن السالكين إلى الله ذكره!!! اسمه تعالى -الباعث- يذكره أهل الغفلة ولا يذكره أهل طلب الفناء!!! اسمه تعالى -الغافر- يلّقن لعوام التلاميذ وهم الخائفون من عقوبة الذنب!! وأما من يصلح للحضرة فذكره مغفرة الذنب عندهم يورث الوحشة!!! اسمه تعالى -المتين- يضر أرباب الخلوة وينفع أهل الاستهزاء بالدين -ـ سبحانك هذا بهتان عظيم ـ -هذه هي الصوفية لعبد الرحمن الوكيل ص145-
- وتأكيدا على ضرورة ملازمة شيوخ الصوفية والارتباط بهم في كل شيء ديني ودنيوي كما تقدم، يصر الصوفية على ضرورة تلقي المريد الذكر من شيخه من خلال طقوس معينة واحتفالات مطولة حتى يتشرف بتلقي الذكر عن الشيخ المبجل، جاء في كتاب مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي تحقيق د. علي أحمد إسماعيل ص434 ما نصه: -اعلم أن الذكر التقليدي!! أمر، والذكر التحقيقي أمر آخر، فالذكر التقليدي هو ما يخرج عن طريق الفم إلى باب السمع ولو أنه لا يؤثر كثيرا ـ تأمل هذا الاحتقار والتهوين من شأن الأذكار الشرعية ـ مثلما تلقى بذرة غير ناضجة في الأرض فلا تنبت، والذكر التحقيقي هو ما يقع لقلب المريد بتصرف ـ وهذا الشاهد ـ وتلقين صاحب الولاية على أرض الاستعداد.

العدد رقم: 316 التاريخ: 10/25/2004
 



الحلقة الرابعة عشر وهي آخر حلقة تحصلنا عليها:
التزكية عند الصوفية
د. وليد خالد الربيع

تكلمنا في الحلقة السابقة عن الذكر عند الصوفية وانحرافه عن جادة السنة إلى طرق البدع والغلو، وذكرنا اعتقادهم ضرورة تلقي المريد الذكر من شيخه من خلال طقوس معينة واحتفالات مطولة حتى يتشرف بتلقي الذكر عن شيخه.

والذكر الذي يلقنه صاحب الولاية هو ثمرة شجرة ولايته لأنه تلقى الذكر أيضا بتلقين صاحب ولاية أخرى وتربت في أرض القلب بماء مدد الولاية وشمس همة الشيخ!! وتأمل اعتقادهم حصول النفع وتحقيق المطلوب الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى من غير الله عز وجل، لأن حصول النفع القلبي والتأثير الروحي كما هو معلوم لا يقدر عليه إلا الله كما قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : -إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء- والمقصود بالنفي هنا إدخال الهداية إلى قلوب العباد.

- ويستمر الرازي في بيان طقوس تلقي الذكر من الشيخ فيقول: -وشرط التلقين هو أن يصوم المريد ثلاثة أيام بوصية الشيخ ويجتهد في هذه الأيام الثلاثة بمداومته على الوضوء، ويكون ذاكرا على الدوام حتى إذا كان الذكر في نفسه في ذهابه وإيابه ويقلل من الاختلاط بالناس ويتحدث بقدر الضرورة ولا يأكل كثيرا وقت الإفطار ويقوم الليالي للذكر، وبعد اليوم الثالث يغتسل بأمر الشيخ، وينوي بنية غسل الإسلام ـ ولا أدري قبل ذلك على أي دين كان؟!ـ مثلما كان يفعل كل شخص في البداية يريد أن يدخل في الدين، إذ كان يغتسل أولا اغتسال الإسلام ثم يتلقن الكلمة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ... وبعد أن يقوم بالاغتسال الكامل يذهب إلى خدمة الشيخ بعد صلاة العشاء، فيجلسه الشيخ تجاه القبلة ويجلس الشيخ أمام المريد موليا ظهره القبلة ـ ولا تمل أخي القارئ حتى تعرف ما هو الذكر العجيب الذي يلي كل هذه المقدمات والطقوس ـ ويجلس المريد على ركبتيه في خدمة الشيخ ويضع يديه فوق بعضها ويستحضر قلبه، ويوصيه الشيخ بالوصية وهي الشرط ويلقن المريد بضع كلمات من أسرار التلقين وخواص الذكر ـ تأمل ـ بحيث تكون موافقة لفهم المريد ونظره حتى يستجمع المريد قواه ويخلي المريد القلب من جميع الأشياء، ويجعله تجاه قلب الشيخ ويراقب في ضراعة تامة عندما يقول الشيخ: -لا إله إلا الله- بصوت عال وقوة تامة، وبعد قول الشيخ يعيد المريد قول الشيخ بنفس الصوت ويقول في قوة: -لا إله إلا الله- ويردد الشيخ مرة أخرى ويكرر الشيخ مثله، ثم يقول الشيخ مرة ثالثة ويكرر المريد، وفي النهاية يدعو الشيخ ويردد المريد: آمين، وبعد أن ينتهي ينهض ويذهب إلى خلوة المنزل ويتجه إلى القبلة ويتربع ويشغل نفسه بتربية بذرة الذكر- أهـ .

- تأمل هذه الطقوس الطويلة لأجل كلمة التوحيد، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعلون مثل هذه الطقوس لتعليم المسلم كلمة التوحيد أو أي ذكر آخر؟ ولكنها الصوفية ببدعها وإحداثها في الدين لتأثرها بالديانات الهندية والفارسية واليونانية وغيرها.

- ومن إحداثهم في هذا الباب إلزامهم المريد بعدم تجاوز ما لقنه الشيخ إلى غيره، قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل: -ومن آداب المريد مع شيخه أن يذكر ما لقنه له أستاذه، فلا يتجاوزه إلى غيره، ولهذا تعددت صيغ الذكر الصوفي تبعا لتعدد الطرائق وتباين الشيوخ، فمنهم من يذكر بالاسم المفرد ومنهم من يذكر بـ-هو هو- ومنهم من يذكر بـ -أه أه-.
وذكر أن كل شيخ صوفي يحرم على مريديه أن يذكروا بغير ما أذن لهم فيه أو أن يذكروا بما ترقص به الطرق الأخرى، لاعتقادهم أن بعض الأسماء قد يضر ذكرها هذا وينفع ذاك، أو تضر في حال وتنفع في حال أخرى والخبير بما ينفع الذاكر أو يضره إنما هو الشيخ، ولهذا لا يستطيع الدرويش أن يذكر -لا إله إلا الله- إلا إذا أمره بها شيخه، ولا ينادي ربه بيا لطيف وإلا أصابه مس أو خبال أو كما يسمونه -لطف- -هذه هي الصوفية ص145

العدد رقم: 317 التاريخ: 1/11/2004

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أرباب الطريقة
  • منوعات
  • من كلام الأئمة
  • كتب عن الصوفية
  • جولات مع الصوفية
  • شبهات وردود
  • صوتيات عن الصوفية
  • فرق الصوفية
  • شخصيات تحت المجهر
  • العائدون إلى العقيدة
  • الملل والنحل
  • الصفحة الرئيسية