صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أجود البضاعة
لمبتغـي الشفاعة
{أي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين في الآخرة}
(وفيها بيان خطأ من توجه بالدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم لنيل الشفاعة من عشرة وجوه)

ماجد بن سليمان الرسي

 
مقدمة

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد،
فإن الغاية التي من أجلها خلق الله الجن والإنس هي أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، قال تعالى ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ ، والعبادة تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .
فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين ، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكـين وابن السبيل والمملوك ، والإحسان إلى البهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة .
وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ، والصبر لحكمه ، والشكر لنعمته ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف من عذابه ، وأمثال ذلك ؛ هي من العبادة لله .
وضد العبادة الشرك في عبادة الله ، بأن يجعل الإنسان لله شريكا يعبده كما يعبد الله ، ويخافه كما يخاف الله ، ويتقـرب إليه بشيء من العبادات كما يتقرب لله ، من دعاء وصلاة أو ذبح أو نذر أو غير ذلك .
والكلام في هذا البحث المختصر منصب على مسألة صرف عبادة الدعاء لغير الله ، وقبل البدء في مناقشة هذه المسألة أقول إن الدعاء عبادة جليلة ، قد خصها الله بالذكر في كثير من الآيات ، وبـين النبـي صلى الله عليه وسلم شرفها في كثير من الأحاديث الصحيحة ، إلا أنه من أكثر العبادات التي شرّك الناس فيها بين الله وبين خلقه ، فإنك تجد - مع الأسف الشديد - كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام قد وقعوا في دعاء غير الله والاستغاثة بهم ، سواءً كانوا من الأنبـياء أو الصالحين ، كمن يقول يا نبـي الله ، أو يا عبد القادر الجيلاني ، أو يا بدوي ، أشكو إليك ذنوبـي ، أو اشفع لي عند الله ، ونحو ذلك ، ما علموا أن الدعاء عبادة ، فمن دعا غير الله فقد عبد غير الله ، والواجب هو سلوك الطرق الشرعية لنيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا ، وهي مذكورة في ثنايا البحث .
وفي هذه الوريقات ؛ نقلت ما يسر الله نقله من أدلة شرعية على عظم شأن الدعاء من بين سائر العبادات ،  ثم ذكرت الأدلة الدالة على وجوب دعاء الله وحده وترك دعاء من سواه ، ثم عطفت بذكر الجواب عن الشبهة التي يتناقلها الناس قرنا بعد قرن ، ومفادها أن النبي صلى الله عليه وسلم يمتلك الشفاعة ، والتي بنوا عليها جواز دعائه مباشرة ، وطلب الشفاعة منه .
وقد أجبت على هذه الشبهة وبينت بطلانها من عشرة وجوه ، من الكتاب والسنة ، وأن فاعل ذلك مشرك بالله العظيم ، وأنه التوجه لغير الله بالدعاء من موانع الشفاعة ، وإن صلى فاعل ذلك وصام وزعم أنه مسلم ، كما  نقلت ما يسر الله نقله عن علماء المذاهب الفقهية المشهورة في تحريم دعاء غير الله ، تحت أي ذريعة كانت ، لنيل الشفاعة أو غيرها ، ثم نقلت ما يسر الله نقله من الأسباب الشرعية لنيل الشفاعة ، فالحمد لله على منته .
والله أسأل أن يوفق المسلمين جميعا لإخلاص العمل لله وحده ، وأن يجنبهم طرق الشرك والضلال ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .


وكتبه ، ماجد بن سليمان الرسي
Readquran1000@hotmail.com
هاتف : 00966505906761
المملكة العربية السعودية
www.saaid.net/book
 



تأصيلات علمية بين يدي البحث
الدعاء عبادة


الدعاء عبادة جليلة ، قد خصها الله بالذكر في كثير من الآيات ، وبـين النبـي صلى الله عليه وسلم شرفها في كثير من الأحاديث الصحيحة .
وقد جاءت الأدلة في بيان عِظم شأن الدعاء فمنها :
حديث سلمان الفارسي عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله حيـي كريم يستحيـي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين .[1]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يرد القضاء إلا الدعاء .[2]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء .[3]
وقد جاء تصريح النبـي صلى الله عليه وسلم في أن الدعاء عبادة في قوله : الدعاء هو العبادة ، وقرأ }وقال ربكم ادعوني استجب لكم( إلى قوله )داخرين{ .[4]
وحصْر العبادة في الدعاء - وإن كان حصْراً ادعائيا - فإنه يدل على عظـم الدعاء وشرف مكانته ، وأنه لب العبادة وخالصها ، وركنها الأعظم ، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم : الحج عرفة .[5]
كما سمى الله الدعاء عبادة في قوله }قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البـينات من ربـي{ ، وقال تعالى }وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين{ ، فعبر الله عن الدعاء بالعبـادة في الآيتين ، فدل ذلك على عِظم شأنه .
وقد سمى الله الدعاء ديناً كما في قوله تعالى }وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون{.
فجعل الله سبحانه الدين بدلا من الدعاء ، وعرفه بالألف واللام التي تفيد  العهد ، فدل ذلك على أن الدعاء دينا ، وما كان دينا فهو عبادة .
وقد أمر الله بدعائه ، وكل ما أمر الله بفعله فهو عبادة واجبة أو مستحبة ، قال تعالى }وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين{ ، وقال تعالى ]ادعوا ربكم تضرعا وخفية[ .
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدعاء كما في قوله : فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى ، وأما السجود فأكثروا من الدعاء ، فقمـِِنٌ[6] أن يستجاب لكم .[7]
قال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله[8] :
وكل ما أمر الله به أمر إيجاب أو استحباب فهو عبادة عند جميع العلماء ، فمن قال إن دعاء العبد ربه ليس بعبادة له فهو ضال ، بل كافر .[9]
فصل في الأمر بدعاء الله وحده والنهي عن دعاء غيره
القرآن والسنة يأمران بإفراد الله بالدعاء ، وينهيان عن دعاء غيره ، ومن ذلك قوله تعالى }ادعوا ربكم تضرعا وخفية{[10] ، وقوله تعالى }أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض{[11] ، وقوله تعالى }وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان{[12] ، وقوله تعالى }واسألوا الله من فضله{[13].
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله :
وأما إفراد الله بالدعاء فجاء ذكره في نحو ثلاثمائة موضع منوعاً ، تارة على صيغة الأمر به ، كقوله }أدعوني استجب لكم{[14] ، }وادعوه مخلصين له الدين{ [15].
وتارة يذكره الله بصيغة النهي كقوله }فلا تدعوا مع الله أحداً{ [16].
وتارة يقرنه بالوعيد كقوله }فلا تدع مع الله إلـٰهاً آخر فتكون من المعذبين{[17].
وتارة بتقرير أنه هو المستحق للألوهية والتعبد كقوله }ولا تدع مع الله إلـٰهاً آخر لا إلـٰه إلا هو{[18].
وتارة في الخطاب بمعنى الإنكار على الداعي كقوله }ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك{[19].
وتارة بمعنى الإخبار والاستخبار }قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات{[20].
وتارة بالأمر الذي هو بصيغة النهي والإنكار }قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض{[21].
وتارة أن الدعاء هو العبادة ، وأن صرفَه لغير الله شرك }ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة{ إلى قوله }وكانوا بعبادتهم كافرين{[22] ، }وأعتزلكم وما تدعون من دون الله{ إلى قوله }فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله{[23].
وفي الحديث : (الدعاء هو العبادة)[24] ، صححه الترمذي وغيره ، وقد أتى فيه بضمير الفصل ، والخبر المعرَّف باللام ليدل على الحصر ، وأن العبادة ليست غير الدعاء ، وأنه مُعظم كل عبادة[25] ، ونهى ألا يشرك معه أحد فيه ، حتى قال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم }قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحداً{ [26] ، وأخبر أنه لا يَغفر أن يشرك به .[27] انتهى .
ومن أدلة وجوب إفراد الله بالدعاء ؛ حديث ابن عباس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .[28]
فلو جاز سؤال غير الله لقال : واسألني واستعن بـي ، بل أتى صلى الله عليه وسلم بمقام الإرشاد والإبلاغ والنصح لابن عمه بتجريد إخلاص السؤال والاستعانة على الله تعالى .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ .[29]
وقال رسول الله : إذا تمنى أحدكم فليستكثر ، فإنما يسأل ربه عز وجل .[30]
وقال تعالى ]يسأله من في السماوات والأرض[ ،  قال ابن سعدي رحمه الله: أي هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته وهو واسع الجود والكرم فكل الخلق مفتقرون إليه يسألونه جميع حوائجهم ومجالهم ومقالهم ولا يستغنون عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك وهو تعالى (كل يوم هو في شأن) يغني فقيرا ويجبر كسيرا ويعطي قوما ويمنع آخرين ويميت ويحيي ويخفض ويرفع لا يشغله شأن عن شأن ولا تغلطه المسائل ولا يبرمه إلحاح الملحين ولا طول مسألة السائلين فسبحان الكريم الوهاب الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات وعم لطفه جميع الخلق في كل الآنات واللحظات وتعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين ، ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه .
 

تأصيل في مسألة الشفاعة

الشفاعة حق ثابت ، بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، والشفاعة في اللغة هي انضمام الفرد مع الفرد ليكون زوجا أي شفعا ، وفي الشرع يأتي تطبيق مصطلح الشفاعة على عدة أمور ، كشفاعة الرجل لأخيه عند ثالث أن يسامحه عن خطأ ارتكبه أو لتأجيل سداد دين حل عليه ونحو ذلك ، أو السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم ، وتسمى في زماننا بالوساطة .
والشفاعة يوم القيامة صورتها أن يشفع بعض من يأذن الله لهم بالشفاعة لأصناف من المؤمنين في رفعة الدرجات وتكفير السيئات ، وهذا النوع من الشفاعة هو الذي نعنى به في هذا البحث .
وسر الشفاعة إظهار فضل الشفعاء يوم القيامة .
والشفعاء عدة ، فالأنبياء يشفعون ، والمؤمنون يشفعون ، والملائكة يشفعون ، والقرآن يشفع لقراءه ، والصوم يشفع ، وهناك غيرهم من الشفعاء .
وأعظم الشفعاء يوم القيامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن له يوم القيامة خمس شفاعات ، أربع منها خاصة به ، وواحدة يشترك فيها مع سائر الشفعاء ، والشفاعات الخمس كالتالي:
الأولى: شفاعته لبدء الحساب ، وهي أول الشفاعات ، حيث أن الناس ، مؤمنهم وكافرهم ، يطول بهم الموقف يوم القيامة ، فيذهبون إلى الأنبياء ليشفعوا لهم عند الله لبدء الحساب ، ليرى كل سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار ، فيعتذر عنها الأنبياء من لدن نوح إلى عيسى عليهم السلام ، ويحيلهم عيسى على محمد صلى الله عليهم وسلم ، فيذهبون إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول (أنا لها) ، فيسجد تحت العرش ما شاء الله أن يسجد ، ثم يقال له : (يا محمد ، ارفع رأسك ، وقل يسمع لك ، وسل تعط ، واشفع تشفع) ، فيشفع لأهل الموقف عند الله في بدء الحساب فيقبل الله شفاعته ، فيبدأ الحساب وفصل القضاء بين العباد كلهم .
والنبي صلى الله عليه وسلم مختص بهذه الشفاعة ، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ؛ نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة .[31]
ولعظم شأن هذه الشفاعة ؛ سماها أهل العلم بالشفاعة العظمى .[32]
الشفاعة الثانية هي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعصاة المؤمنين من أهل الكبائر ممن استحقوا دخول النار ألا يدخلوها ، وهي التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها ، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة.[33]
وفي رواية لمسلم: لكل نبي دعوة مستجابة ، فتَعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة ، إن شاء الله ، من مات من أمتي لم يشرك بالله شيئا .[34]
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .[35]
الثالثة: شفاعته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين في دخول الجنة ، فإن المؤمنين إذا أتوا الجنة وجدوا أبوابها مغلقة ، فعندئذ يطرق النبي صلى الله عليه وسلم باب الجنة ، فيقول خازن الجنة[36] : من أنت ؟
فيقول : محمد .
فيقول : بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك .[37]
الشفاعة الرابعة : شفاعته صلى الله عليه وسلم لتخفيف العذاب عن عمه أبي طالب ، لأنه كان يدافع عنه ويرد عنه أذى المشركين ، فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أغنيت عن عمك ؟ فوالله كان يحوطك[38] ويغضب لك .
قال : هو في ضحضاح[39] من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار .[40]
الشفاعة الخامسة شفاعته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين ممن دخلوا النار أن يخرجوا منها بعدما عذبوا فيها بقدر ذنوبهم ، ودليلها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الطويل ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يستأذن ربه في الشفاعة للمؤمنين من أهل الكبائر الذين في النار في الخروج منها ودخول الجنة ، فيقبل الله شفاعته ، ويحد له حدا ، أي يُقدِّر له قدرا من الناس يُخرجهم من النار ويدخلهم الجنة ، ثم يعود عليه الصلاة والسلام إلى ربه فيقع ساجدا ، فيدعه الله ما شاء الله أن يدعه ثم يقول له : (ارفع محمد ، وقل يسمع ، واشفع تشفع ، وسل تعط) ، قال : فأرفع رأسي ، فأثني على ربي بثناءٍ وتحميدٍ يعلمنيه ، قال : (ثم أشفع فيحُد لي حدا) ، فيخرجهم فيدخلهم الجنة ، ثم يعود الثالثة والرابعة فيفعل مثل ما فعل في الثانية ، وهكذا أربع شفاعات من الرسول صلى الله عليه وسلم لعصاة المؤمنين في الخروج من النار ودخول الجنة ، ثم قال : (حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن)[41] ، أي وجب عليه الخلود في النار أبد الآباد لأنه مات كافرا ، قال تعالى ]إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أبدا[.
وهذه الشفاعة الخامسة مشتركة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الشفعاء ، فقد ثبت أن الأنبياء والمؤمنين والملائكة يشفعون لمن في النار بالخروج منها ، فيقبل الله شفاعتهم فيُخرجون من شاء الله خروجهم .
هذه هي الشفاعات الخمس التي ستحصل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، الأربع الأولى خاصة به ، والأخيرة مشتركة مع غيره ، وبعد شفاعة الشفعاء يخرج الله أناسا من النار ويدخـلهم الجنة بلا شفاعة من أحد ، ثم تنطبق النار على من فيها وتؤصد على من فيها من الكفار ، ويبقون فيها أبد الآباد .
 

شبهة في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته والجواب عنها

قال بعضهم أنه يتوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء ليكون ممن تناله شفاعته صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، لاسيما الشفاعة الثانية ، وهي شفاعته لأهل الكبائر من المؤمنين ممن استحقوا النار ألا يدخلوها ، والشفاعة الخامسة ، وهي شفاعته لمن دخلها أن يخرج منها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيشفع للناس يوم القيامة كما تقدم في الأحاديث.
والجواب على هذه الشبهة من عشرة وجوه :  
الأول : أن كون النبي صلى الله عليه وسلم شفيع الناس في الآخرة لا يعني جواز دعاءه للحصول على تلك الشفاعة ، فإن الدعاء عبادة ، وجميع أنواع العبادة لا يصح صرفها إلا لله عز وجل ، ومن صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك ، مهما كانت ذريعته ، قال تعالى }قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا{ .
بل إن كون النبي صلى الله عليه وسلم شفيع الناس في الآخرة يقتضي سلوك الطرق الشرعية للدخول في شفاعته ، وسيأتي بيانها إن شاء الله.
الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك الشفاعة أصلا حتى يجوز طلبها منه ، وإنما المالك لها هو الله فحسب ، فاطلبها من الله ولا تطلبها من غيره ، قال تعالى }ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة{ ، وقال تعالى }أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * بل لله الشفاعة جميعا{ ، ففي الآية الأولى نفى الله ملكية المدعوين للشفاعة ، أيا كان أولئك المدعوون ، وفي الآية الثانية أكد الرب سبحانه اختصاصه بملكية الشفاعة بثلاثة مؤكدات ؛ الأول : بل ، والثاني : لام الاستحقاق ، والثالث قوله : جميعا .
وقد دلت السنة أيضا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك شيئا يوم القيامة ، لا الشفاعة ولا غيرها ، فعن أبـي هريرة رضي الله عنه قال : لما أنـزلت هذه الآية ]وأنذر عشيرتك الأقربـين[ ؛ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا ، فعمَّ وخص[42] ، فقال : يا بَني كعب بن لؤي ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني مرة بن كعب ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني عبد شمس ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني عبد مناف ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني هاشم ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني عبد المطلب ، أنقذوا أنفسكم من النار .
يا فاطمة ، أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئا .[43]
وفي لفظ : يا عباس بن عبد المطلب ، لا أغني عنك من الله شيئا .
يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا أغني عنك من الله شيئا .
يا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سليني من مالي ما شئت ، لا أغني عنك من الله شيئا .[44]
قال ابن تيمية رحمه الله : فلا يملك مخلوق الشفاعة بحال ، ولا يـُتصَور أن يكون نبي فمن دونه مالِكاً لها ، بل هذا ممتنع ، كما يمتنع أن يكون خالقاً ورباً ، وهذا كما قال )قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير( ، فنفى الملك مطلقا ، ثم قال )ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له{ ، فنفى نفع الشفاعة إلا لمن استثناه ، ولم يـُثبت أن مخلوقاً يملك الشفاعة ، بل هو سبحانه له الملك وله الحمد ، لا شريك له في الملك ، قال تعالى )تبارك الذي نـزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا * الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا( .[45]
الوجه الثالث[46] : أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الشفعاء لا يشفعون لمن شاءوا يوم القيامة ، بل فيمن تحققت فيه شروط الشفاعة ، فمن تحققت فيه شروط الشفاعة قَبِل الله شفاعته فيه ، وهذه التي تسمى بالشفاعة المثبتة ، أي التي أثبت الله حصولها يوم القيامة ، ومن لم تنطبق عليه شروط الشفاعة فلن ينالها ، وهذه التي تسمى بالشفاعة المنفية ، أي المنتفي حصولها يوم القيامة ، وشروط الشفاعة المثبتة اثنان وهما :
1 – إذن الله للشافع ، ودليل هذا الشرط قوله تعالى )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه([47] ، وقال )ما من شفيع إلا من بعد إذنه([48] ، وقال )يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا([49] ، وقال )ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له([50] ، وقال )وكم من ملك في السماوات والأرض لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى([51].
هكذا ، خمسة أدلة صريحة في القرآن على شرط إذن الرحمن للشافع أن يشفع .
قال ابن كثير رحمه الله : وهذا من عظمته وجلاله وكبرياءه عز وجل ، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه في الشفاعة . انتهى .[52]
كما دلت الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع حتى يأذن الله له بذلك ، ومن تلك الأحاديث حديث أنس بن مالك رضي الله عنه المتقدم ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن في الشفاعة للمؤمنين من أهل الكبائر الذين في النار في الخروج منها ودخول الجنة ، فيقبل الله شفاعته ، ويحد له حدا من الناس ، أي يُقدِّر له قدرا من الناس، يُخرجهم من النار ويدخلهم الجنة ، ثم يعود عليه الصلاة والسلام إلى ربه ، مرة بعد مرة ، أربع مرات .[53]
والشاهد من الحديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الشفاعة ، فيبدأ أولا بالسجود بين يدي الله عز وجل ، والثناء عليه ، ثم إذا أُذن له في الشفاعة ؛ حُدّ له حدا يُدخلهم الجنة ، فليست الشفاعة مطلقة في حقه صلى الله عليه وسلم ، فدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك الشفاعة ، إذ لو كان يملكها كما تُمتلك سائر الأعطيات لشَفع مباشرة وبدون حد ، وأخرج أولئك المؤمنين من النار بدون إذن الرحمن .[54]
2 – الشرط الثاني من شروط الشفاعة لتكون مقبولة عند الله : رِضا الله عن المشفوع له ، ودليل هذا الشرط قوله تعالى ]ولا يشفعون إلا لمن ارتضى[[55] ، وقوله تعالى ]يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا[[56].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة المدثر عند تفسير قوله تعالى )فما تنفعهم شفاعة الشافعين(: الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلا ، فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإنه له النار لا محالة خالدا فيها . انتهى .
وقد جمع الله الشرطين الأول والثاني في قوله تعالى ]وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى[.
 

فصل في بيان الوسائل الشرعية للحصول على الشفاعة

ورضا الله عن العبد لا يكون إلا بتحقيق التوحيد الذي هو إخلاص العبادات له سبحانه ، من صلاة ودعاء وذبح ونذر وغير ذلك ، فمن حقق التوحيد دخل في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه لما سأله : من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟
فقال :  أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة ؛ من قال «لا إله إلا الله» خالصا من قلبه ، أو نفسه.[57]
وفي حديث أبـي هريرة المتقدم : وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة ، إن شاء الله ، من مات من أمتي لم يشرك بالله شيئا .[58]
وعن أبـي ذر رضي الله عنه عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : وأعطيت الشفاعة ، وهي نائلة من أمتي من لا يشرك بالله شيئا .[59]
فهذه الأحاديث ونحوها تفيد اشتراط إخلاص العبادات كلها لله ، من دعاء وغيره لمن أراد أن يكون ممن سُعِد بشفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، وبهذا يكون تحقيق التوحيد ، أما من وقع في الشرك كدعاء المخلوقين وطلب الشفاعة منهم أو الذبح لهم والنذر ونحو ذلك فإنه لن يشفع له أحد ولو فعل ما فعل ، وحتى لو شفع له أحد فإن شفاعته لن تقبل ، ولو كان الشافع له هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن الشرك من موانع قبول الشفاعة ، والدليل على ذلك أن إبراهيم عليه السلام سيشفع لأبـيه آزر يوم القيامة ولكن لن يقبل الله شفاعته لأنه من المشركين ، مع أن إبراهيم من أولي العزم من الرسل وخليل الرحمن ، فعن أبـي هريرة رضي الله عنه عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة[60] وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ؟
فيقول أبوه : اليوم لا أعصيك .
 فيقول إبراهيم[61] : إنك وعدتني أن لا تخزيَني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبـي الأبعد[62] ؟
فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين .
ثم يقال : يا إبراهيم ، ما تحت رجليك ؟
فينظر فإذا هو بذِبحٍ[63] متلطخ[64] ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار .[65]
وهذه هي التي تسمى بالشفاعة المنفية ، وهي التي عناها الله في قوله ]فما تنفعهم شفاعة الشافعين[ .
قال ابن القيم رحمه الله:
والذي في قلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله ، وهذا عين الشرك ، وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله ، وأخبر أن الشفاعة كلها له ، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا لمن أذن له أن يشفع فيه ، ورضي قوله وعمله ، وهم أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون الله شفعاء ، فإنه سبحانه يأذن لمن شاء في الشفاعة لهم حيث لم يتخذوهم شفعاء من دونه ، فيكون أسعد الناس بشفاعة من يأذن الله له صاحب التوحيد الذي لم يتخذ شفيعا من دون الله ، ربه ومولاه .
والشفاعة التي أثبتها الله ورسوله هي الشفاعة الصادرة عن إذنه لمن وحّده ، والتي نفاها الله هي الشفاعة الشركية التي في قلوب المشركين المتخذين من دون الله شفعاء ، فيُـعامَلون بنقيض قصدهم من شفعائهم ، ويفوز بها الموحدون .
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه لما سأله : من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ِلما رأيت من حرصك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال « لا إله إلا الله » خالصا من قلبه - أو نفسه - .[66]
كيف جعل أعظم الأسباب التي تُنال بها شفاعته تجريد التوحيد ، عكس ما عند المشركين ؛ أن الشفاعة تُنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء ، وعبادتهم وموالاتهم من دون الله ، فقلَب النبي صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب ، وأخبر أن سبب الشفاعة هو تجريد التوحيد ، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع .
ومِن جهل المشرك اعتقاده أن من اتخذ وليا أو شفيعا أنه يشفع له ، وينفعه عند الله ، كما يكون خواص الملوك والولاة ، تنفع شفاعتهم من والاهم ، ولم يعلموا أن الله لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، ولا يأذن بالشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله ، كما قال تعالى في الفصل الأول ]من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه[ ، وفي الفصل الثاني ]ولا يشفعون إلا لمن ارتضى[ ، وبقي فصل ثالث وهو أنه لا يرضى من القول والعمل إلا التوحيد واتباع الرسول .
فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشرك من قلب من وعاها وعقلها :
لا شفاعة إلا بإذنه ،
ولا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله ،
ولا يرضى من القول والعمل إلا توحيده واتباع رسوله .[67]
قال ابن تيمية رحمه الله: سبب الشفاعة ؛ توحيد الله ، وإخلاص الدين والعبادة بجميع أنواعها له ، فكل من كان أعظم إخلاصا كان أحق بالشفاعة ، كما أنه أحق بسائر أنواع الرحمة ، فإن الشفاعة مبدؤها من الله ، وعلى الله تمامها ، فلا يشفع أحد إلا بإذنه ، وهو الذي يأذن للشافع ، وهو الذي يقبل شفاعته في المشفوع له .
وإنما الشفاعة سبب من الأسباب التي بها يرحم الله من يرحم من عباده ، وأحق الناس برحمته هم أهل التوحيد والإخلاص له ، فكل من كان أكمل في تحقيق إخلاص «لا إله إلا الله» علما وعقيدة وعملا ، وبراءة وموالاة ومعاداة ؛ كان أحق بالرحمة .
والمذنبون الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم فخفت موازينهم فاستحقوا النار ؛ من كان منهم من أهل «لا إله إلا الله» فإن النار تصيبه بذنوبه ، ويميته الله في النار إماتة ، فتحرقه النار إلا موضع السجود ، ثم يخرجه الله من النار بالشفاعة ، ويدخله الجنة كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة .
فبين أن مدار الأمر كله على تحقيق كلمة الإخلاص ، وهي «لا إله إلا الله» لا على الشرك بالتعلق بالموتى وعبادتهم ، كما ظنه الجاهليون .[68]
فإذا تقرر لنا أن الشفاعة كلها لله ، ولا تكون إلا من بعد إذن الله ، وأن النبـي صلى الله عليه وسلم وغيره من الشفعاء لا يشفعون حتى يأذن الله بذلك ، وأن الله لا يأذن بالشفاعة إلا لمن رضي عنهم وهم أهل التوحيد الخالص ؛ فعندئذ لا تطلب الشفاعة إلا من الله وحده لا شريك له ، فقل : اللهم لا تحرمني شفاعة نبـيك يوم القيامة ، أو اللهم شفِّع نبـيك فيَّ ، أو اللهم شفِّع فيَّ عبادك الصالحين وغيرهم من الشفعاء ، ونحو ذلك من الدعوات الطيبة ، التي ليس فيها تعلق بالمخلوقين .
وأما طلب الشفاعة من النبـي صلى الله عليه وسلم أو غيره فإنه دعاء له ، والدعاء عبادة ، لا يجوز صرفه لغير الله ، ومن دعا غير الله فقد أشرك ، والمشرك لن يشفع له أحد ، ولن ينفعه أحد ، ولو فعل ما فعل ، لأن الشرك من موانع قبول الشفاعة ، ومن موانع دخول الجنة .

فصل

ومن الأسباب الشرعية للحصول على شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم الإكثار من الأعمال الصالحة ، لاسيما التي ورد في فضلها نوال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، ومنها سؤال الله عز وجل أن يرزق نبـيه صلى الله عليه وسلم الوسيلة بعد سماع الأذان ، والوسيلة درجة عالية في الجنة ، كان النبـي صلى الله عليه وسلم يدعو الله دائما أن يبلغه إياها ، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منـزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة .[69]
ومن الأعمال الصالحة التي تُنال بها شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم سُكنى المدينة والموت بها ، فعن أبـي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرَّة[70] فاستشاره في الجلاء[71] من المدينة ، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله ، وأخبره أن لا صبر له على جَهد[72] المدينة ولأوائها[73] فقال له : ويحك ، لا آمرك بذلك ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ، إذا كان مسلما .[74]
والوسائل الشرعية للحصول على شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم كثيرة ، وهي تدور على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والاستقامة على دينه ، وامتثال أمره واجتناب نهيه ، أما الاعتماد على وسائل غير شرعية فهذه من موانع الشفاعة .
الوجه الرابع: أن دعاء غير الله شرك أكبر مهما كانت ذريعته ، لنيل الشفاعة أو غيره ، والشرك محرم في جميع الشرائع ، وناقض لدين الإسلام بالكلية ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم )ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين(.
وهذه المسألة مجمع عليها عند علماء الإسلام قاطبة ، بما فيهم علماء المذاهب الأربعة وغيرهم – فقد أجمعوا على أن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وإجماع المسلمين حجة شرعية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة .[75]
وفيما يلي ذكر طرف من أقوالهم رحمهم الله.
أما كلام الحنفية ؛ فقال الشيخ محمد عابد السندي الحنفي في كتابه « طوالع الأنوار شرح تـنوير الأبصار مع الدر المختار »:
ولا يقول : يا صاحب القبر ، يا فلان ، إقض حاجتي ، أو سلها من الله ، أو كن لي شفيعا عند الله ، بل يقول : يا من لا يشرك في حكمه أحدا ؛ اقض لي حاجتي هذه .
وبهذا قال من أئمة الحنفية المتأخرين الإمام أحمد السرهندي ، والإمام أحمد الرومي ، والشيخ سجان بخش الهندي ، ومحمد بن علي التهانوي ، ومحمد إسماعيل الدهلوي ، والشيخ أبو الحسن الندوي ، وشدد في ذلك .[76]
وللشيخ الدكتور شمس الدين الأفغاني رسالة عظيمة جمع فيها أقوال علماء الأحناف في إبطال عقائد القبورية ، وأسماها «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية» ، تقع في ثلاث مجلدات ، نال فيها رسالة الدكتوراة العالمية .
وأما كلام المالكية ؛ فقال أبو بكر الطرطوشي في كـتاب « الحوادث والبدع » لما ذكر حديث الشجرة المسماة بذات أنواط : فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ، ويُعظمون من شأنها ، ويرجون البُـرء والشفاء لمرضاهم من قِـبَلِها ؛ وينوطون بها المسامير والخرق ؛ فهي ذات أنواط ، فاقطعوها .[77]
وأما كلام الشافعية ؛ فقال ابن حجر الشافعي في « شرح الأربعين النووية » : من دعا غير الله فهو كافر .[78]
وقال الإمام العلامة أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي رحمه الله :
وشرك الأمم كله نوعان : شرك في الإلـٰهية وشرك في الربوبية ، فالشرك في الإلـٰهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك ، وهو شرك عُباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعُباد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات ، الذين قالوا )إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى( ، ويشفعوا لنا عنده ، وينالونا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة ، كما هو المعهوم في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه خاصته .
والكتب الإلـٰهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله ، وتنص على أنهم أعداء الله تعالى .
وجميع الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم ، وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله .[79]
وأما كلام الحنابلة ؛  فقال الشيـخ تقي الدين رحمه الله لما ذكر حديث الخوارج :
فإذا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ممن قد انتسب إلى الإسلام ؛ من مَرق[80] منه مع عبادته العظيمة ، فيُعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة قد يمرق أيضاً ، وذلك بأمور ، منها الغلو الذي ذمه الله تعالى ، كالغلو في بعض المشائخ ، كالشيخ عدي ، بل الغلو في علي بن أبي طالب ، بل الغلو في المسيح ، ونحوه .
فكل من غلا في نبي أو رجل صالح ، وجعل فيه نوعاً من الإلـٰهية ، مثل أن يدعوه من دون الله ، بأن يـقول : (يا سيدي فلان أغثني ، أو أجرني ، أو أنت حسبي ، أو أنا في حسْبك) ؛ فكل هذا شرك وضلال ، يستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا قتل ، فإن الله أرسل الرسل ليُعبد وحده ، لا يُـجعل معه إلـٰه آخر ، والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى ، مثل الملائكة أو المسيح أو العزير أو الصـالحين أو غيرهم ؛ لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق ، وإنما كانوا يدعونهم ، يقولون ]هؤلاء شفعاؤنا عند الله[ ، فبعث الله الرسل تنهى أن يُدعى أحد من دون الله ، لا دعاء عبادة ، ولا دعاء استغاثة .[81] انتهى .
وقال أيضا : سؤال الميت والغائب - نبياً كان أو غيره - من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ، لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين .[82]
وقال أيضا رحمه الله :
والمرتد من أشرك بالله تعالى ، أو كان مبغضا للرسول صلى الله عليه وسلم ولما جاء به ، أو ترك إنكار منكر بقلبه ، أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك ، أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا ، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ، ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد ، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد ، ولهذا لم يُكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة .[83]
وقال أيضا : فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط ، يدعوهم ، ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات ؛ فهو كافر بإجماع المسلمين .[84]
ونقله عنه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب[85] من علماء الحنابلة في كتابه «تيسير العزيز الحميد» ثم قال :
نقله عنه غير واحد مقررين له ، منهم ابن مفلح في «الفروع»[86] ، وصاحب «الإنصاف»[87] ، وصاحب «الغاية»[88] ، وصاحب «الإقناع»[89] ، وشارحه[90] ، وغيرهم ، ونقله صاحب «القواطع»[91] في كتابه عن صاحب «الفروع» .
قلت[92]: وهو إجماع صحيح معلوم بالضرورة من الدين ، وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم في باب حكم المرتد على أن من أشرك بالله فهو كافر ، أي عبد مع الله غيره بنوع من أنواع العبادات ، وقد ثبت بالكتاب والسنة والاجماع أن دعاء الله عبادة له ، فيكون صرفه لغير الله شركا .
الوجه الخامس : يقال لمن طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره : ليس هناك دليل واحد من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة أو من إجماع الأمة على جواز طلب الشفاعة من المخلوقين ، ولم يرد عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه طلب من النبـي صلى الله عليه وسلم أو غيره أن يشفع له يوم القيامة ، ولو حصل ذلك لنُقل إلينا قطعا ، لأن هذا من الأمور التي تتوافر الهمم على نقلها ، بل الذي نجده أن الأمر على خلاف ذلك ، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون الله عز وجل أن يرزقهم شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم ، وكان أحدهم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الله لهم أن يجعله ممن تدركه شفاعته صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، ولم يرد عنهم البتة أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة شيئا من المنافع الأخروية ، لا الشفاعة ولا غيرها ، لعلمهم أنه لا يملك يوم القيامة شيئا ، كما ثبت ذلك في حديث أبـي هريرة رضي الله عنه لما أنـزلت ]وأنذر عشيرتك الأقربـين[ ، ولفهمهم الكامل والصحيح لمعنى قوله تعالى )مالك يوم الدين(.
وغاية ما كان يفعله أحدهم أنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه أن يدعو له بأن يكون من أهل شفاعته ، فعن أبـي موسى رضي الله عنه أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال له ولمعاذ بن جبل رضي الله عنهما : أتاني آت من ربـي عز وجل ، قال : فخيرني أن يُدخل شطر أمتي الجنة وبـين شفاعتي لهم ، فاخترت شفاعتي لهم ، وعلِمت أنها أوسع لهم .
فخيرني بأن يدخل ثلث أمتي الجنة وبـين الشفاعة لهم ، فاخترت لهم شفاعتي ، وعلمت أنها أوسع لهم .
فقالا : يا رسول الله ، أدع الله تعالى أن يجعلنا من أهل شفاعتك .
قال : فدعا لهما .
ثم لما علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعائه لمعاذ وأبي موسى جعلوا يأتونه ويقولون : يا رسول الله : (أدع الله تعالى أن يجعلنا من أهل شفاعتك) ، فيدعو لهم .
فلما أضب[93] عليه القوم وكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها لمن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله .[94]
فالحاصل أن الصحابة رضوان الله عليهم - الذين هم أعلم الأمة بأمر الدين ، وأحرص الناس على الخير - ما كانوا يطلبون الشفاعة من أحد مباشرة ، لا النبـي صلى الله عليه وسلم ولا غيره ، بل يطلبون من الله أن تدركهم شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم ، ويطلبون من النبـي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بأن تدركهم شفاعته .
الوجه السادس : يقال أيضا لمن طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الذين يشفعون يوم القيامة للمؤمنين في دخول الجنة والنجاة من النار كثير وليس النبـي صلى الله عليه وسلم وحده ، فالملائكة يشفعون ، وكذلك الأنبـياء السابقين ، والشهداء ، والمؤمنون الذين دخلوا الجنة ، والأطفال[95] يشفعون ، والقرآن يشفع[96] ، والصوم يشفع[97] ، فلماذا لا تدعوهم أيضا وتطلب الشفاعة منهم ؟
فإن قال أنا أطلبها منهم فقد صرح بعبادته للصالحين ، مع أنه ينكر هذا ، وإن قال إنهم لا يستحقون أن تطلب منهم الشفاعة ؛ بطل بذلك طلبه للشفاعة من النبـي صلى الله عليه وسلم ، لأنه فرَّق بـين متماثلين بدون ضابط ، وهما طلب الشفاعة من النبـي صلى الله عليه وسلم وبـين طلبها من الصالحين وغيرهم ، مع إقراره بأنهم كلهم يشفعون يوم القيامة .
الوجه السابع : يقال للذين يطلبون الشفاعة من الأموات – سواء النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره - : إن الأموات قد انقطعوا عن الحياة الدنيا تماما ، وما عادت تنطبق عليهم قوانين الحياة الدنيا البتة ، من سمع وبصر وكلام وحركة وتصرف وغير ذلك ، فلا يشعرون بمن حولهم ، ولا يسمعون نداء من ناداهم ، فكيف يصح دعاؤهم وطلب الشفاعة منهم ؟
قال تعالى }إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبـير{ ، فسمى الله دعاءهم وطلب الحاجات منهم شركا ، وقال تعالى أيضا }وما أنت بمسمع من في القبور{ ، فهل بعد هذا الخطاب القرآني من خطاب؟
الوجه الثامن : ومن وجوه بطلان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منا أن نصلي عليه وندعو له ، حيا وميتا ، فمن كان هذا حاله فكيف يصح أن تطلب منه الحاجات وهو في قبره ؟!
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منـزلة في الجنة لا تـنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة .[98]
وكذلك علمنا النبـي صلى الله عليه وسلم بأن ندعو له ولكل عبد صالح في السماء والأرض ، كما في دعاء التشهد في التحيات : السلام عليك أيها النبـي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين … الحديث.
الوجه التاسع : ومن أدلة بطلان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن جميع من كانوا يُعبدون من دون الله سيخذلون من كانوا يعبدونهم يوم القيامة ويتبرؤون منهم ، سواء الراضون منهم بعبادتهم أم الغير راضين ، فهذا عيسى عليه السلام سيتبرأ من النصارى الذين كانوا يعبدونه كما قال تعالى }وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلـٰهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق{ . . . إلى قوله } ما قلت لهم إلا ما أمرتـني به أن اعبدوا الله ربـي وربكم{ .
وقال تعالى }واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا([99].
وقال تعالى }ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين{ .
وقال تعالى ]إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار ومالكم من ناصرين[ .
وقال تعالى )ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءأنتم أضلتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا * فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا( [100].
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يحشر الكفار يوم القيامة وما كانوا يعبدون من دونه ، أي يجمعهم جميعاً فيقول للمعبودين : ءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء ، فزينتم لهم أن يعبدوكم من دوني ، أم هم ضلوا السبيل ؟
أي كفروا وأشركوا بعبادتهم إياكم من دوني من تلقاء أنفسهم من غير أن تأمروهم بذلك ولا أن تزينوه لهم ، وأن المعبودين يقولون : سبحانك ، أي تنـزيهاً لك عن الشركاء وكل ما لا يليق بجلالك وعظمتك .
]ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء[ ، أي ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحداً سواك ، لا نحن ولا هم ، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك ، بل فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ، ونحن براء منهم ومن عبادتهم .
ثم قال ]ولكن متعتهم وآباءهم[ ، أي طال عليهم العمر حتى نسوا الذكرى ، أي نسوا ما أنـزلته عليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك .
]وكانوا قوماً بوراً[ ، قال ابن عباس : أي هلكى .
وقال الحسن البصري ومالك عن الزهري : أي لا خير فيهم . انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله :
اعتماد العبد على المخلوق وتوكله عليه يوجب له الضرر من جهته هو ولابد ، عكس ما أمَّـله منه ، فلابد أن يُخذل من الجهة التي قَـدّر أن يُـنصر منها ، ويُـذم من حيث قَـدّر أن يُحمد ، وهذا أيضا كما أنه ثابت بالقرآن والسنة فهو معلوم بالاستقراء والتجارب ، قال تعالى )واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا( ، وقال تعالى )واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون * لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون([101] ، أي يغضَبون لهم ويُحارِبون كما يغضب الجند ويحارِب عن أصحابه[102] ، وهم لا يستطيعون نصرهم ، بل هم كلٌّ[103] عليهم ، وقال تعالى )وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب([104] ، أي : غير تخسير ، وقال تعالى )فلا تدع مع الله إلـٰها آخر فتكون من المعذبين([105] ، وقال تعالى )لا تجعل مع الله إلـٰها آخر فتقعد مذموما مخذولا([106] ، فإن المشرك يرجو بشركِه النصر تارة ، والحمد والثناء تارة ، فأخبـر سبحانه أن مقصوده ينعكس عليه ، ويحصل له الخذلان والذم ، فصلاح القلب وسعادته وفلاحه في عبادة الله سبحانه والاستعانة به ، وهلاكه وشقاؤه وضرره العاجل والآجل في عبادة المخلوق والاستعانة به .[107]
قلت: وصدق الله القائل )ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق(.
الوجه العاشر: "أن أهل السنة مجمعون أن للنبي صلى الله عليه وسلم أنواعا من الشفاعة يشفع بها ، ولم يذكروا منها طلبها منه في قبره ، بل كلها يوم القيامة .
فينبغي تأمل هذا ، ومن خالف إجماع أهل السنة فليس منهم ."[108]

خلاصة

وخلاصة القول في مسألة الشفاعة ثمانية أمور :
الأول : أن المالك للشفاعة هو الله تعالى وحده لا شريك له ، فالواجب طلبها منه وحده ، كقول : اللهم اجعلني ممن تدركهم شفاعة الشفعاء يوم القيامة ، سواء النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره .
الثاني : أن دعوى أن النبـي صلى الله عليه وسلم يملك الشفاعة باطل ، لأنه تشريك بين الله وبين خلقه فيما هو من خصائص الله وحده .
الثالث : أن طلب الشفاعة من غير الله – سواء كان نبيا أو وليا أو صالحا أو غير ذلك - شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وهو كطلب الرزق والنصر والعافية وغير ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل .
الرابع : أن الشفاعة نوعين : شفاعة مثبتة وشفاعة منفية ، فأما الشفاعة المثبتة فهي التي أثبت الله تحققها ، وتكون لأهل الإيمان بعد استيفاء شروطها ، وهي إذن الرحمن ورضاه ، وأما الشفاعة المنفية فهي التي نفى الله حصولها ، وهي الشفاعة لأهل الشرك ، فهذه نفى الله وقوعها .
الخامس : أن سر هذه الشفاعة صرف القلوب إلى الله وحده من قِبل الشافع ومن قبل المشفوع له ، فانظر إلى الشفعاء لـمّا قَبِل الله شفاعتهم بسبب توحيدهم ، وانظر إلى المشفوع له لما اخلص عباداته كلها لله فقبل الله شفاعة الشفعاء فيه .
السادس : أن الحكمة من الشفاعة يوم القيامة إظهار فضل الله على المشفوع له ، وأيضا إظهار فضل الشافع لما وحَد الله بالعبادات ، وإلا فإن الله قادر على أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يخرج من شاء منها بدون شفاعة.
السابع : ينبغي لمن أراد أن تدركه الشفاعة - أي شفاعة النبـي صلى الله عليه وسلم وشفاعة غيره من الشفعاء - أن يطلبها من مالكها وهو الله وحده لا شريك له ، ثم يقبل على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويكثر من الأعمال الصالحة ، ويتجنب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعتمد على مجرد الدعاء أو الأمنية ، فالشفاعة وغيرها من المنافع الأخروية لا تدرك إلا بالعمل الصالح الدؤوب ، كما قال تعالى ]ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا[ .
وعن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته بوضوءه وحاجته ، فقال لي : سل.
فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة .
قال: أو غير ذلك ؟
قلت: هو ذاك.
قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود .[109]
الثامن: أن التوجه بالدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من المخلوقين شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام ، وقد جاء التصريح القرآني بأن دعاء غير الله باطل ، وفي هذا كفاية وشفاء لمن أراد الحق ، وذلك في قولـه تعالى في سورة الحج ]ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل[[110]، وقوله تعالى في سورة لقمان ]ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل[[111].
أما دعاء الله فقد وصفه الله بأنه حق كما في قوله تعالى )له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال(.

تنبيه
وممن أجاز طلب الشفاعة الأخروية من النبي صلى الله عليه وسلم في قبره شاعر هالك ، يقال له محمد البوصيري ، وقد ألف في هذا قصيدة أسماها بـ « البردة » ، التجأ فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والتاذ به فيها من كربات يوم القيامة ، وطلب منه الشفاعة في الآخرة ، وادعى بأن الدنيا والآخرة ملك للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر فيها طوام عديدة ، وأقوال كفرية تقشعر لسماعها جلود الموحدين ، وكثيرا ما يرددها أهل الموالد النبوية  ، يظنونها تقربهم إلى الله ، وهي لا تزيدهم إلا بعدا ، بل هي  الكفر بعينه ، فينبغي الحذر من أسباب الهلاك ، والله أعلم ، وصلى الله على نبيه محمد ، وآله وصحبه وسلم .

ثبت لبعض المراجع

1.    مسند أبي داود الطيالسي ، تحقيق د. محمد بن عبد المحسن التركي ، الناشر دار هجر
2.    إغاثة اللهفان ، ابن القيم ، الناشر دار ابن الجوزي
3.    الاستغاثة في الرد على البكري ، ابن تيمية ، تحقيق عبد الله السهلي ، ط 1 ، مدار الوطن
4.    مدارج السالكين ، ابن القيم ، الناشر دار طيبة
5.    المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد ، د. محمد الخميس ، الناشر
6.    تجريد التوحيد المفيد ، أحمد بن علي المقريزي المصري الشافعي تحقيق علي بن محمد العمران ، الناشر  دار عالم الفوائد
7.    الحوادث والبدع ، أبو بكر الطرطوشي ، الناشر دار ابن الجوزي
 


-------------------------------------------

[1] رواه الترمذي (3556) ، وصححه الألباني .
[2] رواه الترمذي (2139) ، عن سلمان الفارسي ، وحسنه الألباني ، انظر «الصحيحة» (154) .
[3]  رواه الترمذي (3370) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وحسنه الألباني .
[4] رواه أبو داود (1479) ، والترمذي (2969) ، وغيرهما عن النعمان بن بشير ، وصححه الشيخ الألباني .
[5] رواه النسائي (3016) ، عن عبد الرحمن بن يعمر ، وصححه الألباني .
[6] أي حريٌّ .
[7] رواه مسلم (479) .
[8] الشيخ عبد الله من فحول علماء نجد ، عاش في الفترة ما بين (1194 – 1282 هـ)
[9] « تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس » ، ص 127 .
[10] سورة الأعراف : 55 .
[11] سورة النمل : 62 .
[12] سورة البقرة : 186 .
[13] سورة النساء : 32 .
[14] سورة غافر : 60 .
[15] سورة الأعراف : 29 .
[16] سورة الجن : 18 .
[17] سورة الشعراء : 213 .
[18] سورة القصص : 88 .
[19] سورة يونس : 106 .
[20] سورة الأحقاف : 4 .
[21] سورة سبأ : 22 .
[22] سورة الأحقاف : 5- 6 .
[23] سورة مريم 48 ـ 49 .
[24] تقدم تخريجه .
[25] صدق رحمه الله ، فلا تكاد تخلو عبادة من دعاء ، فالصلاة والحج والأذكار الخاصة والعامة والجهاد كله يشرع فيه دعاء الله عز وجل ، فضلا عن كون الدعاء عبادة مستقلة .
[26] سورة الجن : 20 .
[27] « السيف المسلول على عابد الرسول » ، ص 131 – 132 ، باختصار وتصرف يسير .
[28] رواه الترمذي (2516) ، وأحمد (1/303) ، وهو في « صحيح الترمذي » للألباني (2516) .
[29] رواه البخاري (1145) ، ومسلم (1772) ، وغيرهما .
[30] رواه عبد بن حميد في « المنتخب » (1494) ، وابن أبي شيبة (29360) ، وصححه الألباني في « السلسلة الصحيحة» (1266) .
[31] رواه البخاري (335) ومسلم (521) .
[32] انظر حديث الشفاعة في صحيح البخاري (4712 ، 7410 ، 7439  ، 7440 ، 7510) ، وصحيح مسلم (193 ، 195) .
[33] رواه البخاري (6304) ومسلم (198) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، واللفظ للبخاري .
[34] رقم (199) .
[35] رواه الترمذي (2435) ، وأبو داود (4739) ، وأحمد (3/213) ، وصححه الألباني في «المشكاة» (5598- 5599) عن أنس رضي الله عنه .
[36] الخازن هو الحافظ للشيء ، وقد اشتهر عند الناس تسميته بـ «رضوان» ، وهذا لا دليل صحيح عليه ، والصواب تسميته بخازن الجنة كما جاء في الحديث ، أفادني بها الشيخ محمد بن علي آدم الأثيوبي حفظه الله .
[37] رواه مسلم (197) عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
[38] يحوطك أي يصونك ويذب عنك .
[39] الضحضاح في الأصل ما رقق من الماء على وجه الأرض مما لم يبلغ الكعبين ، واستعير هنا للنار . «النهاية» .
[40] رواه البخاري (3883) ومسلم (209) .
[41] رواه البخاري (6565) ومسلم (193) عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
[42] أي عم عشيرته ، ثم خص بعض بطون قريش ، ثم خص بعض الأشخاص كعمه وعمته وابنته .
[43] رواه مسلم (204) .
[44] رواه البخاري (2753) ومسلم (204) واللفظ له .
[45] « مجموع الفتاوى » (14/406) .
[46] هذا الوجه مهم جدا ، وكاشف أساس للمسألة .
[47] سورة مريم ، الآية 87 .
[48] سورة يونس ، الآية 3 .
[49] سورة طه ، الآية 109 .
[50] سورة سبأ ، الآية 23 .
[51] سورة النجم ، الآية 26 .
[52] تفسير آية الكرسي من سورة البقرة .
[53] ومن الأدلة كذلك على شرط الإذن حديث أبي سعيد الخدري ، وقد تركت ذكره اختصارا ، وقد رواه أحمد (3/25) ، وصححه محققو « المسند » (17/296) .
[54] وانظر « الاستغاثة في الرد على البكري » ، ص 354 – 355 .
[55]  سورة الأنبياء ، الآية 28 .
[56]  سورة طه ، الآية 109 .
[57] رواه البخاري (99) وأحمد (2/373) عن أبي هريرة رضي الله عنه
[58] تقدم تخريجه قريبا .
[59] رواه أحمد (5/162) والطيالسي (474) ، وصححه محققو «المسند» .
[60] القترة هي سواد الوجه من شدة الكرب . انظر «فتح الباري» .
[61] أي لربه .
[62] قيل في الأبعد قولان : الأول أنه أبعد إذا لم تقبل شفاعته فيه ، وقيل أبعد أي أن صفته أنه بعيد عن رحمة الله لأنه كان كافرا ومات على ذلك .
[63] الذبح – بكسر الذال – هو ذكر الضباع .
[64] متلطخ أي في نتنه ، وقد نقل ابن حجر عن بعض الشراح أن الحكمة في مسخه ضبعا لتنفر نفس إبراهيم منه ، ولئلا يبقى في النار على صورته ، فيكون فيه غضاضة على إبراهيم ، خليل الرحمن ، وذكروا أن الحكمة في مسخه ضبعا أن الضبع من أحمق الحيوان ، وآزر كان من أحمق البشر ، فقد أصر على الكفر بعدما ظهر له من الآيات على يد ولده ، فأصر على عبادة الأصنام .
[65] رواه البخاري (3350) .
[66] رواه البخاري (99) وأحمد (2/373) .
[67] « مدارج السالكين » (1/696 – 598) ، باختصار .
[68] «مجموع الفتاوى» (14/414 – 415) .
[69] رواه مسلم (384) وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
[70] أي ليالي وقعة الحرة التي وقعت زمن يـزيد بن معاوية .
[71] الجلاء من المدينة أي الخروج منها مفارقا لها . «النهاية» .
[72] الجهد بفتح الجيم هو المشقة . «النهاية» .
[73] اللأواء هي الشدة وضيق المعيشة . «النهاية» .
[74] رواه مسلم (1374) وأحمد (3/58) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
[75] رواه الترمذي (2167) ، عن ابن عمر ، وصححه الألباني ، وكذا الحاكم في « مستدركه »  (392 ، 397) ، وحكى بعد ذكره لهذا الحديث إجماع أهل السنة على هذه القاعدة ، وأنها من قواعد الإسلام .
[76] انظر المراجع المذكور فيها إنكارهم على من دعا غير الله في «المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد» ، جمع د. محمد الخميس ، ص 412 – 418 .
[77] ص 39 ، الناشر دار ابن الجوزي .
[78] نقله الشوكاني عنه في « الدر النضيد » .
[79] « تجريد التوحيد المفيد » ، ص 52 – 53 ، تحقيق علي بن محمد العمران ، الناشر  دار عالم الفوائد .
[80] المروق الخروج من شيء من غير مدخله ، والمارقة الذين مرقوا من الدين لغلوهم فيه ، والمروق سرعة الخروج من الشيء . « لسان العرب » .
[81] مختصرا من « الرسالة السنية » ، وتقع كاملة في « مجموع الفتاوى » (3/363-430) ، والمنقول مختصر من الصفحات (383- 400) .
[82] « الاستغاثة في الرد على البكري » ص 331 ، تحقيق عبد الله السهلي ، ط 1 ، الناشر مدار الوطن .
[83] « الفتاوى الكبرى » (4/506) ، (اختيارات شيخ الإسلام) ، باب حكم المرتد .
[84] « مجموع الفتاوى » (1/124) .
[85] الشيخ سليمان من فحول علماء نجد ، ولد سنة 1200 هـ ، درس على عدة مشائخ ، وعنده إجازة في رواية الكتب الستة ، درّس وولي القضاء ، وتوفي شابا شهيدا بإذن الله سنة 1234 هـ ، له عدة مؤلفات من أشهرها كتابه «تيسير العزيز الحميد» ، والكتاب على مدى ثلاث قرون ينهل منه العلماء وطلبة العلم إلى وقتنا هذا ، وهو عمدة في علم توحيد العبادة ، ومن بعده عيال عليه ، رحمة الله رحمة واسعة .
[86] (6/165) .
[87] (10/327) .
[88] أي « غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى » لمرعي الكرمي (3/355) .
[89] (4/297) .
[90] يعني الشيخ منصور بن يونس البهوتي في كتابه « كشاف القناع في شرح الإقناع » (6/168) .
[91] أي ابن حجر رحمه الله ، واسم كتابه « الإعلام بقواطع الإسلام » .
[92] لا زال الكلام للشيخ سليمان .
[93] يقال : أضـبـوا إذا تكلموا في الأمر متتابعا . «النهاية في غريب الحديث» .
[94] رواه أحمد (4/415) ، وحسنه محققو «المسند» (32/394) .
[95] دليله الحديث الذي رواه مسلم (2635) عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة : إنه قد مات لي ابنان ، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تُطيب به أنفسنا عن موتانا؟
قال: قال : نعم ، صغارهم دعاميص الجنة ، يتلقى أحدهم أباه – أو قال : أبويه – فيأخذ بثوبه – أو قال : بيده – كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا (أي طرفه) ، فلا يتناهى – أو قال : فلا ينتهي – حتى يدخله الله وأباه الجنة .
الدعاميص جمع دعموص ، قيل صغار أهلها ، وقال السيوطي رحمه الله : الدعموص هو الدخّال في الأمور ، ومعناه أنهم سياحون في الجنة  ، دخالون في منازلها ، لا يمنعون من موضع منها .
[96] الزهراوين أي المنيرتين ، واحدتها زهراء .
[97] دليله حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، ... الحديث .
رواه أحمد (2/174) ، وصححه الألباني كما في «صحيح الجامع» (3882) .
[98] رواه مسلم (384) وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
[99] سورة مريم : 81 – 82 .
[100] سورة الفرقان : 17 – 19 .
[101] يس : 74 – 75 .
[102] أي في الدنيا كانوا يدافعون عن آلهتهم ويغضبون لها سواء كانت أصناما أو قبورا أو غيرها ، وفي الآخرة تتبرأ منهم .
[103] الكلٌّ هو من كان عبأً على غيره . « المعجم الوسيط » ، والمعنى أنهم في الآخرة سيكونون نقمة عليهم وبلاء إذ لم ينصرونهم كما كانوا يظنون ويحسبون .
[104] هود : 101 .
[105] الشعراء : 213 .
[106] الإسراء : 22 .
[107] « إغاثة اللهفان » ، ص 93 ، باختصار يسير .
[108] « هذه مفاهيمنا » ، ص 149 .
[109] رواه مسلم (489) .
[110] الآية 62 .
[111] الآية 30 .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ماجـد الرسي
  • كتب عربية
  • رسائل العقيدة
  • "English"انجليزي
  • "Philippino"الفلبينية
  • كتب بلغات أخرى
  • بريد الكاتب e-mail
  • الصفحة الرئيسية