صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لقاء موقع الشبكة الإسلامية
مع فضيلة الشيخ مُحَمَّد بن الأَمِين بُوخُبْزَة

 
الشيخ محمد بن الأمين بوخبزة عالم من مشاهير علماء المملكة المغربية ، ورجل له باع طويل في إحياء ما اندثر من العلوم خاصة الشرعية، وأهمها علم الحديث، كان للشبكة الإسلامية هذا الحوار الممتع مع الشيخ حفظه الله ، والذي أجراه مراسل الشبكة رضا صمدي .

محمد الأمين فضيل


1- فضيلة الشيخ ؛ لكم بفضل الله تعالى، تاريخ طويل في نشر العلم عبر محاضراتكم ودروسكم العلمية وإشرافكم الأدبي والعلمي على كثير من الباحثين في كثير من الأقطار الإسلامية ، فضلا عن دوركم في خدمة المخطوطات في القطر المغربي ، فهل لكم أن تعطونا رؤيتكم الشاملة للحالة العلمية التي تحياها مجتمعاتنا الإسلامية ، وهل هي في المستوى المطلوب ؟ وماذا اكتشفتم في خلال رحلتكم العلمية من سلبيات في الحياة الثقافية في العالم الإسلامي ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما:
أقول بعد السلام على الأخ الفاضل: إن هذه الأسئلة عظيمة لا تُوَجَّه لطالب علم في مستوايَ، ولكني سأجيب بما عندي تلبية لرغبة الأخ، شاكراً له حسن ظنه بأخيه، قائلا له: لقد استسْمَنتَ ذا وَرَم، ونفختَ في غير ضَرَم، كما قيل، ومن الله أستمد التوفيق .

الحالة العلمية التي تحياها مجتمعاتُنا الإسلامية، ليست في المستوى المطلوب، وعواملُ ذلك كثيرة ، يرجعُ معظمُها إلى الخلل في برامج الدراسة، وأحيانا فساد أنظمتِها، ومع توالي الأيام وعَدم التفكير في الإصلاح الجِدّي، أفرز الوضعُ أجيالا من أصحاب الشهادات هُم في حاجة ماسّةٍ إلى تعلم مبادئ العلوم الضرورية، والأمثلة على هذا كثيرة ، ومن المعتاد أن تسمع اللحن الفاحش، والجهلَ الفاضح بالقواعد الأولية من جمهور كبير من خريجي الجامعات الكبرى في العالَم الإسلامي، و إذا عُثر على أحدٍ صحيح المعرفة، جَيد الثقافة، فإنه غالبا ما يكون ذا تكوين جيّد قبل ولوجه الجامعة، أما إذا كان خرّيجَ النظام المعتاد، فإنه سينتهي به المطافُ إلى أن يَسأل المدرسَ في الدراسات الإسلامية العُليا في آخر السنة عن معنى شهادة الزٌّور، فيكون الجوابُ كما أجاب الشيخ الشنقيطي عن نفس السؤال:"هي هذه الشهادة التي ستنالُها بعد اليوم ".

وتلك بعض السلبيات الصارخة التي يلقاها الباحثُ في الحياة الثقافية في العالَم الإسلامي، وليست المسألة قاصرةً على العلوم الشرعية، بل هذا الزَّيفُ نالَ مختلفَ العلوم كما أكّد لنا العارفون بمناهج التعليم وأنظمته عندنا، وما لَم يتَّق المسؤولون ربَّهم ويتداركوا الوضعَ بجِدّ وإخلاص، ويُقلعوا عن تقليد الأعداء، فيما رسَموا لتذْوِيبِنا والقضاء على مقَوِّماتنا، فإننا نُنشَدُ مع القائل المشفق :
إن دامَ هذا ولم يُحدَثْ له غيرٌ * لم يُبكَ ميْتٌ ولم يُفرحْ لمولودِ


2- تعيش الصحوة الإسلامية حالة احتقان من جراء انسياق بعض طلبة العلم وراء المهاترات وانشغالهم بالخلافات بين العلماء والتعصب لواحد منهم على حساب الآخر ، فهل ترون من مخرج لهذه الفتن ؟
الجواب :
ما يعتري الصحوةَ الإسلامية –وهي في طفولتها- من اهتزاز وعَوارضِ مرض ناشئ – في نظري - عن سلوك العلماء والدعاة ، والمخرجُ من الفتنة يكمُنُ في حسن سلوكهم وتأدبهم بآداب الإسلام في الحوار والردود والمناقشات، ولكنّ الواقعَ أن الكثير من هؤلاء – وفيهم من ليس أهلاً للدعوة – متَّصفون بالغُرور والتعالُم والتعالي، فإذا خُطِّئ أو نُبّه، فَقَد صوابَه، وسارع إلى التجهيل، وربما بالتفسيق والتكفير، والتلاميذُ والأتباع ينساقون - بسبب فَرط الثقة وغَلَبة التقليد – وراءَ أئمتهم ، فيتّسعُ الخرق على الراقع، ويستفحل الداءُ ويعز الدواء.


3- من خلال أبوتكم الروحية لكثير من طلبة العلم في المغرب والعالم الإسلامي ؛ هل لكم أن تنصحوا طلبة العلم حول أهم ما يجب أن يلتزموه مع مشايخهم وعلمائهم ومربيهم ؟
الجواب :
أهم ما يجب أن يلتزمه الطلبةُ مع مَشايخهم وعلمائهم عموماً: هو الاعتدال وعدمَ الغلُو، فإذا عَلم الطالب أن شيخَه وغيره من العلماء ، غيرُ معصومين، وأنه يُتوقع منهم الخطأُ والجهلُ والنسيان ، وربما تَبدُر منهم بوادرُ لا يجوز السكوتُ عنها ، ففي هذه الحالة يَجب الجهرُ بالحق والتنبيهُ على الخطأ، مع مراعاة الحمد والأدب، أما إذا كان الطالبُ ينظر إلى شيخه نظرةَ تقديس، وأنه فوق النقد اللاّزم، فهذا قد اختار الضلال ونالتْه لوثةُ صوفية.


4- لقد مني العالم الإسلامي بقبض الكثير من العلماء في الآونة الأخيرة؛ فهل ترى هناك من شخصيات تخلف تلك تلك الرموز التي غابت مثل الشيخ ابن باز والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله ؟
الجواب :
العلماء الرموز الذين استأثر الله بهم كانت الخسارةُ بهم فادحةً ـ ولا شك ـ لما لهم من بالغ الأثر في الدعوة والتقويم، والجهادِ الدائبِ المتواصل، رغم الأعاصير والعراقيل في الداخل والخارج، خصوصاً من كان منهم مُجدداً في ميدانه دون مُدافع، كأبي عبدالرحمن ناصر الدين الألباني ، وقد عشنا عقوداً من السنين لا نَسمع في العالَم الإسلامي من يَفْري فَريَه، ويَنفع نفعَه، وإنما هو التقليدُ رانَ على العقول، والجمودُ غال الفكر وحدَّ من حركته، وما إن ظهر الشيخ – نوّر اللهُ ضريحه- حتى رأينا وسَمعنا ما لا عهد لنا به من تحرير وتحقيق وتدقيق، تَجلّى هذا في مشروع الشيخ الرائد – تقريب السنة بين يدي الأمة – وقد مشَى فيه أشواطا – وهو فرد- تَعجزُ عنها الجماعة، وقد أخرجت مدرسة الشيخ المباركة كوكبةً من كهولِ وشباب المحدثين أعادوا لنا ذكرى جهابذة علوم السنة، والأمل معقودٌ عليهم – بعد الله تعالى - في استكمال ما بدأه الشيخُ من خدمة الحديث وتصفيته من الدخيل، حتى يتحقق ما كان ينادي به من التصفية والتربية اللتين لا يتحقق إصلاحٌ ولا نهضة بدونهما .


5- لكم جهاد كبير ـ شيخناـ في محاربة التصوف الغالي والبدعة بكل أنواعها ؛ فهل تعتقدون أن المحيط الإسلامي يستجيب لدعاة الإصلاح والالتزام بنهج النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل ترون الدعاة قد قاموا بواجبهم تجاه نصرة السنة ؟
الجواب :
 التصوف ، هذا الأخطبُوط والسرطان الفتَّاك، هو المسؤول الأول ـ بعد فشل كلّ محاولة في محاربته والقضاء عليه – عن تأخُّر المسلمين وقعودهم عن اللَّحاق بركب الحضارة السليمة الصالحة، والتقدم العلمي الذي لا حياةَ كريمة بدونه، بما بثَّه ويبثُّه في النفوس والعقول من الخنوع والخضوع والخمولِ والذل، وإلغاءِ وظيفةِ العقل، والغُلو في البشر وتألِيهِهم وما إلى ذلك مما تطفح به مصادرُه القديمة والحديثة من مصائبَ وتعاليمَ وثنية على رأسها: عقيدة الاتحاد والحلول، ووحدة الوجود، التي لا تصوفّ بدونها، والتي يُدَندِنُ حولها جميعُ مشايخ الصوفية المشهورين، وزاد الطينَ بَلَّةً سكوتُ العلماء عن هذا البَلاء الماحق، بل وتأييدُ عدد كبير منهم لهم ـ شفقةً من الإرهاب الفكري الذي يمارسه عليهم الصوفية ويتواصون به ـ ومن الكلمات الشائعة بين العامة في هذا المجال قولُهم:" سلَّم للخَاوي تنْج من العَامِر ".

واستجابةُ الناس ـ ولا سيما الشباب ـ للدُّعاة الصالحين محدودةٌ لأسباب كثيرة على رأسها تأييدُ بعض ذوي الشأن للصوفية لحاجة في نفس يعقوبَ، وفيما يتعلق بالشباب: غِِرَّتُه والبطالةُ واستيلاءُ اليأْس عليه، فهو بين أمرين: إما الثورة على الكُل والإلحادُ والتحررُ من الدين والقيمِ، أو الارتماء في أحضان الزوايا والشيوخ الذين يبشرونَه بنعيم الولاية والعرفان، ولكن بعد الخلوة وفقدان العقل والإيمان، ولله عاقبة الأمور.. وأنا أقول هذا بعد تجربة شخصية، ودراسة ميدانية، ومعرفة كافية بالتصوف، ومخالطة لطرق شتَّى منه ولأهلها، ولا يغرنَّك ما يردده المغفلون من التحلية والتخلية، والأحوال الربانية، فإن الصالح من ذلك هو مقام الإحسان الذي جاء في حديث جبريل، وهو من الدين الإسلامي الخالص، وقد كان هذا مضمن البعثة المحمدية قبل أن يُخلق التصوف اللَّقيط.


6- مجهوداتكم شيخنا " بو خبزة" في مجال الحفاظ على المخطوطات في المغرب العربي ذاع صيتها في العالم الإسلامي ، فهل لكم أن تحدثونا عن مثال أو أمثلة لتلك المخطوطات النادرة التي قيضكم الله تعالى لحفظها من الضياع والاندثار ؟
الجواب :
الحديث عن التراث الإسلامي العربي المتمثل في المخطوطات بدول المغرب العَربي، حديثٌ طويل عَريض لأنهُ حديث عن تاريخ حضارة الغرب الإسلامي، ومعلوم أن كتب الإسلام بعد سقوط آخر مَعقِل إسلامي في إسبانيا الإسلامية – وهو ما يشمل إسبانيا الحالية والبُرتغال – لجأ ما سلم منهاـ من نيران العداء والحقد الصليبي ومحاكم التفتيش - إلى دُول المغرب وخصوصا المغـرب الأقصى لقربه من الأندلس، ورغم قلة هذا المتبقي فقد طالَه الإهمالُ واعترته الآفاتُ، وبعد احتلال الفرنسيين لهذه الدول، ووقوفهم على هذه الذخائر، ومعرفتهم بقيمتها، تناولتْها أيديهم بالترحيل إلى بلادهم بالشراء أوالسلْب والنهب، وبعد الاستقلال لم يهتمَّ المسؤولون بها فأَوْلَوها إعراضا وعقوقاً، وإلى الآن وقد مضى على استقلال لمغرب أكثر من نصف قرن لم تُوضع فهارسُ علمية لمكاتب المغرب، ولم تُنشأ دارٌ وطنية تجمعُ شملَها من الأضرحة والزوايا، وتحميها من العثّ والرطوبة واللُصوص، ولم تسنَّ قوانين تمنع التجارةَ فيها وإخراجها من المغرب، وقد خرجت منها أَحمال، دون الانتباه أنها تاريخُنا وحضارتُنا.

وقد رأيتُ من العقوق لمشروع إتمام فهرسة مخطوطات ووثائق الخزانة العامة بتطوان – وليست من كُبريات الخزائن بالمغرب - بعد أن شرعنا فيه ما يثبط العَزم، ويَقتلُ روحَ النشاط في العامل، والعزم الأكيد، والنشاط المتزايد إنما يُوَجَّه للمسرح والسينما والغِناء والفُولُكْلُور، وكلٌّ ينعق بما عندَه.
والعناية بالمخطوط المغربي كان الشغل الشاغل لثلاثة علماء أفذاذ دَرَجوا إلى رحمة الله، وهم المشايخ: محمد بن أبي بكر التطواني السلَوي، ومحمد المَنُّوني المكناسي، وإبراهيم الكتاني الفاسي، وفيهم يطيب إنشادُ قولهم :
حَلَف الزمانُ ليَأتينَّ بمثلهم * حنِثَتْ يَمينُكَ يا زَمان فَكَفِرِّ

وقد كنتُ أمتلئ بهجةً وحبوراً إذا وقعتُ على مخطوط نادر أو عديم النظير، فأسارع إلى التعريف به وبَذلِه لمن طَلَبه محتسباً الأجر في ذلك من الله تعالى، وكان الشيخ إبراهيم الكتاني يَنزِع في هذا المعنى بآية) ومن أحياها فكأنَّما أحيَى الناسَ جميعا )

وقد أتاني مرةً رجل جَبَلي مغمورُ بكيس فيه أوراق بالية متَّسخة، وبعد مدة تصفحتُها فوجدتُّ فيها " جزءَ أحاديث الحوض " لبَقيّ بن مَخلَد الأندلسي والذيل عليه لابن بشكُوال، وراجعتُ فهرسة ابن خير فوجدتُّ الجزء كتابا مستقلاً من مروياته، فلا تسَل عن فرحي به، ونسختُ الجزء بخطي وصححتُه وحملتُه مع إلى الحرمين وعرضتُه على من كان يَجزم بضياع كل آثار الإمام بقي، وصُوّر عن نسختي، وصدر بعد ذلك مطبوعا عنها بالمدينة، كما كان باحثون يجزمون بفقدان كتاب :"إنشاد الضوال " لابن خاتمة في لحن العامة في اللغة، فأطلعتُهم على نسخة تامة وقعتْ لي وصُورت عنها نسخ لمن طلبها، والأمثلة تطول .


7- يشكو كثير من طلبة العلم جفوة العلماء عن طلبتهم ، وعدم تفرغهم لإفادتهم ، فهل ترون بين شكوى الطلبة وانقباض بعض أهل العلم تفسيرًا يقنع الناظر للحالة العلمية ؟
الجواب :
الشكوى المتبادلة بين العلماء وطلابهم قديمةٌ قِدمَ العلم نفسِه، ومرجعُها في الغالب خُلُقيّ وسلوكيّ من الطرفين، ولو أنهم التزَموا أدبَ الطالب والمعلِّم لما وقعتْ شكوَى ولا جفوةٌ ، على أن لِسوء النية وعَدم الإخلاص دخلا كبيراَ في الضجَر والملَل، وقد أصبح طلبُ العلم لغير الله العُملة الرائجةَ في هذا الوقت إلا مَن رَحم ربك، وقليلٌ ما هم، وإذا كان العالمُ يتعجَّل ثوابهُ ولا يتأجَّلُه، والطالبُ يشقَى في الطلب والبحث الزمنَ الطويلَ للحصول على رتبة معينة، ولا ينالها ، وإذا نالها لم تُفده شيئاً، فكيفَ يُبارك اللهُ هذه الحالَ وهي سبيلٌ معبد إلى النار كما في الحديث :" من تعلّم علماً مما يُبتغى به وجهُ الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرفَ الجنة يوم القيامة " ؟.


8- تمر القضية الفلسطينية بأحلك مراحلها، ولاشك أن لفضيلتكم رؤية خبير عركته التجارب وامتحنته السنون ، فهل لكم فضيلة الشيخ أن تبينوا لقراء الشبكة نظرتكم لهذا الشأن الخطير من شؤون المسلمين ؟
الجواب :
قضية فلسطين والمسجد الأقصى وما أدراكَ ماهيه ، وقعت منذ البَدْء بين أيدي أَثيمة اتَّجرت بها، وتلاعبتْ بمبادئها، ومارَست الخيانةَ الجلية في تناوُلها والخوض فيها، بينما الطرفُ الآخر كان جاداً يقظا، كلُّه إيمان وجدٌّ ونشاط، بنبوآتهم المزَّيفة، وخرافاتهم التليدة والحديثة، وعنصريتهم الفريدة التي فّرضوها على العالَم، وتمكنوا من قلب الموازين، ومَسخ المفاهيم، وتكذيب الحقائق، وبرعوا في التدليس والتلبيس والدس بين سمع العالَم وبصَرهِ، وسلكوا لذلك أقرب الطرق وأضمنَها لتحقيق المآرب والأهدافِ كيفما كانت، إلاَ وهي الطريقُ الاقتصادية، فسَعوا جادّين لاحتجاز المال، والسيطرة على سُبُله، مؤمنين بأن عالَم النفاق والكَذب والأطماع يُعتبر أرخصَ السّلع في دنيا القِيَم، وهكذا انفردوا في هذا العالَم بالتجارة في الذِّمَم، ومسخ الأخلاقِ، والعبث بالمبادئ لصالحهم، وقد عِشنا قبل ظهور إسرائيل زمناَ لا نسمع لليهود نَأمَةً ولا حركةً، والمسلمون غارقون في أوحال الثالوث المدمر: الجهلِ والفقرِ والمرضِ، واليهود يتحركون هنا وهناك لانتهاز الفُرصة، وما هي إلا سنوات حتى كان وعدُ بِلفُور، وقيامُ إسرائيل على أرض ( الميعاد)، وعلى الإسلام والعَرب والفلسطينيين العَفاء، وقد مرّ للآن على قيام دولتهم قرابةُ نصف قرن والحالُ هي الحالَ، هُنا غفلةٌ وخيانة وخِذلانٌ بل وتآمرٌ، وهناك عملٌ وجِدٌّ ونشاط بشكل أكثر خُبثاً وضَراوةً مِن ذي قبل ، لأن القضية أشرفت على النهاية، والمسجدُ الأقصى يحتضِر ولا معتصِمَ لهُ ولا صلاحَ الدين، ونبوآت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تتجلى أكثر من ذي قبل في غُثائية المسلمين وهُم مليار ونصف يجلّلهم الذل والصغار المسلط عليهم بسبب حِرصهم على الدنيا والحكم، وإخلادِهم إلى الراحة، وتَبلُّد شعورِهم، ومُخالفةِ أمر اللهَ ورسوله، والحلُّ بأيديهم، والطريقُ معبَّد مسلوكٌ، والداعي مازال في قلب كل مؤمن، ولكنَّ الداء كلَّ الداء إنما يستشري عند فساد الرأس، والإعراضُ عن الله سببُ كلِّ شَر، وصدق الله عزوجل في قوله: وكذلك نولي بعضَ الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبُون) .


9- تحت ضوء خبرتكم الطويلة وحياتكم المديدة ( أطالها الله في طاعته ) ماذا يمكن أن يقول الشيخ محمد بو خبزة بعد عبارة : علمتني الحياة ؟
الجواب :
علمتني الحياةُ الكثير، وأعظم ما في هذا الكثير: الاعتمادُ على النفس بعدَ الله تعالى، وقديماً قالوا: ما حكَّ جِلْدك مثلُ ظُفرك، وقال الطغرائي الحكيم :
وإنما رَجلُ الدنيا وواحدُها * من لا يُعوّل في الدنيا على رَجل
على أن هذا المبدأ الأساسي للحياة الحرة، مبدأ قرآني خالدٌ، ذكره الله تعالى في كتابه وأكّد عليه، وأشار إلى أنه مبدأ عامٌّ أوحى به إلى أنبيائه ورسله، فقال: ) أولَم يُنبأ بما في صحُف موسَى* وإبراهيمَ الذي وفَّى* أن لا تزر وازرةٌ وزْرَ أُخرى * وأنَّ ليسَ للإنسانِ إلاّ ما سعى* وأن سعيَه سوفَ يُرى* ثم يُجزاهُ الجزاء الأوفَى (، وقال تعالى : ) كل امرئ بما كسَب رهينٌ ( ، وقال: ) .. لها ما كسَبتْ وعليها ما اكتسبَتْ ( ، ومن استشعر هذا المعنى بذَل وُسعَهُ فيما ينفعُه، وتجنَّبَ ما يضرُّه، وبمقدار الحرص على هذا وتحقيقه يكون نجاحُ المرء في دنياه وأُخراه، والتّواني والكَسَلُ والعَجزَ حليف الفشلِ والخُسران، والله المستعان .


10- كلمة أخيرة نرجو من الشيخ بوخبزة أن يصوغها بمشاعره الدافقة تجاه العالم الإسلامي ؛ ماذا تقول للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ؟
الجواب :
 وأخيراً أقول لإخواني المسلمين سواء من وقفَ على هذه الكلمات أو استمع إليها، أو من بَلَغ: الدّين النّصيحة وها أنا أُمحِضُكم النصحَ ، وأنا أولى به منكم، وقد وقفت طويلاً عند عنوان كتاب (ماذا خسر العالمُ بانحطاط المسلمين ) عند صدوره لأبي الحسن الندوي، لأننا معشر المسلمين كنا خير أمّة أُخرجت للناس، اختارنا الله - وهو الفاعل المختار – لحمل أعظمِ أمانةٍ للبشرية،وهي الرسالة الخاتمة، والدينُ المختار، والكتابُ الخالد الذي جمعَ بين دفتيْه خُلاصة ما سبقَه من وحي الله لأنبيائه ورُسُله.

وقَصَر الله الفلاحَ والنّجاةَ والفوزَ عليه، فمن التمَسَ هذا من غيره ضلَّ وغَوَى، وفي عقودٍ معدودة من السنين مسحَ نفوذُه ثلثي العالَم القديم، وأضاءت لنوره المشارقُ والمغارب، وأخرج الله به الناسَ من الظلمات إلى النّور، ومِن جَور الأديان إلى عَدل الإسلام، ومن عبادة العَباد إلى عبادة الله وحده، ولو أن ما أصاب ويصيب الإسلامَ والمسلمين من كوارثَ ومصائب أصاب عُشُُه غيرَه لاضمحلَّ وَهَوَى، ولكنهُ النظام الإلهي تكفل الله بحفظه، ووَعَد بسلامته واستمراره حتى يعُم العالَم نورُه، وينحسِر أمامَ فَجره دّيْجورُهُ، وهذا وعدٌ إلاهي، ولن يُخلِف الله وعدَه، أكَّده رسولُه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث.( هُو الذي أرسلَ رسولَه بالهُدى ودين الحق ليُظهرهُ على الدين كلِّه ولو كرهَ المشركون ) ، ( يريدون لِيطفئوا نور الله بأفواههم ويأبَى الله إلا أن يُتمّ نورَه ولو كره الكافرون ) ، وقال عليه الصلاة والسلام:" ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغُ الليلُ والنهار ".

فيا إخوتاه ، أنتم أمل الإنسانية المتهالكة، وعندكم دواؤها الناجعُ، وبأيديكم مشاعلُ الخير الهاديةُ في مسارب الحياة المكتسحةُ لظلماتها المتراكمة، والمهددة بالبوار، فَكفَى شروداً عن الله، وخروجاً عن هديه، فما أشبه حالَكم بحال من قال فيهم الشاعر :
كالبِيــد في البَيداء يقتُلُها الطّمــا * والماءُ فوق ظُهورها محمولُ
فالوحيَ الوحيَ، العجلَ العجلَ
( ربنا لا تَجعلْنا فتنةً للذين كَفَروا واغفِرْ لنا ربّنَا إنّك على كل شيءٍ قديرٌ ) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من أخيكم أبي أويس
مصيف تامَرْنوت ربيع الثاني 1422 محمد بوخبزة عُفي عنه.
السبت : 7 / 7 / 2001

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

لقاءات الشبكة

  • لقاءات عبر الشبكة
  • لقاءات عبر المجلات
  • الصفحة الرئيسية