صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لقاء موقع المسلم
مع الشيخ عبدالرحمن المحمود

 
من أعظم ما تحارب فيه الأمم العقيدة ، وأمتنا الإسلامية وهي مقبلة على محن تعقبها _بإذن الله_ المنح، ومع شكل من أشكال الحرب التي لا تنتهي يعمد أعداء الدين على طمس أصول عقيدتها ( الكتاب والسنة ). أعداء من الداخل والخارج قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر .
ونحن نستقبل أول أيام رمضان - هذا الشهر الذي ترتبط فيه الأمة جميعا عبادة وسلوكاً –
يسرنا أن نجري هذا الحوار الممتع النافع – بإذن الله – مع شخصية بارزة في المجتمع .
أيها الأحبة ضيفنا في هذا الحوار عالم برع وبرز في مسائل العقيدة تأصيلاً وتعليماً .
حصل ضيفنا على درجة الماجستير من خلال بحثه المقدم بعنوان: (القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة) ، ونال درجة الدكتوراه من خلال بحثه المقدم بعنوان: (موقف ابن تيمية من الأشاعرة)، وله عدة مؤلفات من أبرزها: (الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه) ، (أخطاء عقدية) ، (وقفات مع أسماء الله الحسنى، اسمه _تعالى_ السميع ) *.
ضيفنا أستاذ في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد ابن سعود بالرياض .

فنرحب جميعاً بفضيلة الشيخ الدكتور / عبدالرحمن بن صالح بن المحمود، والذي خص زوار موقع المسلم بهذا الحوار بمناسبة شهر رمضان الكريم _جعله الله في ميزان حسناته يوم يلقاه_ .

بدأنا فضيلة الشيخ بهذا السؤال :
فضيلة الشيخ : كما تعلمون – حفظكم الله – أن شهر رمضان له خصوصيته لدى الأمة الإسلامية ، فما توجيهكم في ذلك ؟ وكيف للأمة أن تستشعر وحدتها من خلال هذا الشهر ؟
الحمد لله رب العالمين، فهذا الشهر الذي تستقبله الأمة كل عام، ويمتد شهراً كاملاً تعيشه الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها لا شك أن له خصوصيته الكبيرة، ويكفي فيه أنه أحد أركان الإسلام، وأن هذا الشهر أيضاً هو شهر تذكير المؤمن بعبادة ربه _سبحانه وتعالى_ وإخلاصه له وتقواه، كما أنه أيضاً تذكير لكل مسلم بأصول دينه التوحيد مصدره القرآن إلى آخر الأمور التي تعيشها أمة الإسلام في هذا الشهر الكريم، ما بين عبادة وقراءة وصلاة وذكر وصدقات، ويكفي في هذا الشهر الكريم قول الله _تبارك وتعالى_: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: من الآية183)، والتقوى، هي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وذلك بفعل ما أمر الله به وترك ما نهاه، فخصوصية هذا الشهر الكريم بالنسبة للأمة الإسلامية ظاهرة، ولهذا نرى أن الأمة الإسلامية من أولها إلى آخرها تستقبل هذا الضيف الكريم استقبالاً خاصاً، وتغير من نمط حياتها لأجله طاعة لله _سبحانه وتعالى_، ومن ثم فكل مسلم يظهر إسلامه ويبين إذا جاء شهر رمضان المبارك، حتى تلك الأسر التي ضعف فيها العلم والإيمان، نجد أن من أعظم ما بقي فيها احترام هذا الشهر الكريم وصيامه والأمة الإسلامية يمكن أن تستشعر وحدتها في هذا الشهر الكريم من خلال ما يلي:
أولاً : أن الله _سبحانه وتعالى_ ربط دخول هذا الشهر الكريم بعلامة كونية وهي رؤية الهلال التي تتعدى نطاق هذه الأرض، حتى تعلم الأمة الإسلامية أنها إنما تصوم لربها الذي خلق السماوات والأرض والذي بيده مقاليد كل شيء، وحتى تعلم هذه الأمة أنها لا ترتبط لا بشرق ولا بغرب، وأن هذه الأمة هي أمة ربانية إنما تتعبد لربها _سبحانه وتعالى_.
ثانياً : إجماع وإطباق الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها على صيام هذا الشهر الكريم فما من بيت أو أسرة في منطقة نائية أو في جزيرة من الجزر أو في أقصى البلاد إلا وتشعر بأنها تصوم هذا الشهر الكريم مع إخوانها المسلمين، ولا شك أن هذه علامة على الرابطة الإيمانية القوية التي تربط هذه الأمة في كل مكان إنها رابطة التقوى والإيمان والطاعة لله _سبحانه وتعالى_.
ثالثاً : تبرز وحدة هذه الأمة في اجتماعها لقيام الليل الذي سنّه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في هذا الشهر، فتجد الأمة الإسلامية مرتبطة بمساجدها فتُعمر المساجد بالصلاة وقراءة القرآن وبالأمور الخيرية واجتماع المسلمين وتعرّف بعضهم على بعض، حتى إن الكثيرين ربما يمر قرابة عام لا يعرف بعض إخوانه إلا في رمضان نظراً لكثرة من يأتي إلى هذا الشهر الكريم ويجلس فيه حتى إن بعض الناس قد لا يكون ممن يترك صلاة الجماعة إلا أنه لا يكاد يبكّر أو لا يكاد يجلس بعد الصلاة، فيأتي هذا الشهر الكريم لتتوحد جماعات المسلمين في أحيائهم وعند مساجدهم، وهذا واضح _والحمد لله_.
رابعاً : من الأمور التي تبرز فيها وحدة هذا الشهر الكريم أنه شهر القرآن الذي هو كتاب الله وكلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فهذا الشهر هو شهر القرآن وأمة الإسلام هي أمة القرآن، وفي هذا الشهر الكريم تبرز العلاقة القوية بين المؤمن وبين كتاب ربه _سبحانه وتعالى_ يسمعه ويتلوه ويجلس إليه ويقرأ أحياناً تفسيره فهذا تفكير عظيم لأمة الإسلام أنها ترتبط بكتاب ربها الذي هو دستورها ومرجعها مع بيانه من سنة رسول الله _صلى الله عليه وآله وسلم_ ( وحتى تعلم هذه الأمة أنه لن يستطيع أحد النيل منها في جملتها لأنه؛ لن يستطيع أحد النيل من كتابها الذي حفظه الله فتتعلم هذه الحقيقة الكبرى، وأنها إنما تلتقي على ذلك، ولا شك أن القرآن العظيم هو حبل الله المتين ونوره المبين وصراطه المستقيم متى ما اعتصمت به هذه الأمة كان لها عزها ونصرها.
وتبرز أيضاً وحدة الأمة الإسلامية من خلال صلاتها في جميع الصلوات، ومن خلال لهفها وشوقها إلى بيت الله الحرام فمن الملاحظ أن الأمة الإسلامية كلها تتابع من خلال الوسائل الإعلامية الآن الصلوات والقيام في بيت الله الحرام الذي يصلي فيه المسلمون هناك عند الكعبة التي تستقبلها أمة الإسلام في كل مكان ثم إن هذه الأمة أيضاً إنما تتوجه في عباداتها وصلواتها إلى بيت الله الحرام، فإذا ربطنا المكان والزمان وأضفنا إلى ذلك قراءة القرآن تبيّن كيف أن هذه الأمة هي أمة راسخة مهما نال منها أعداؤها ومهما حاولوا، بيت الله الحرام قبلتها تتوجه إليه وتهفو إليه القلوب من كل مكان شهر رمضان ركنها في الصيام تلتقي معه كل عام صلاتها في كل يوم خمس مرات، وهكذا فإن حقيقة مظاهر وحدة الأمة الإسلامية كثيرة جداً، وعلينا في هذا الشهر الكريم أن نستشعره وأن نذكّر إخواننا، سواء كان على المستوى الصغير من أسرنا وجيراننا وقراباتنا أو على مستوى أمة الإسلام بمختلف وتباعد أماكنها أن نذكّرهم بهذا الذي يربطهم بوحدة وأمة هي أمة هي خير أمة أخرجت للناس، أمة يجمعها دينها وكتاب ربها وسنة نبيها بأصولهما وأركان الإيمان وأركان الإسلام وما ينبثق من ذلك من مناهج عظيمة تميزت بها هذه الأمة. الإسلام هو دين الله الخاتم، والله ناصره ولو كره الكافرون.

إذا كانت الأمة لها هذه الروابط القوية ، كيف يمكن للدعاة والمربين استغلال هذا الشهر لتغيير واقع المجتمع ؟ وكيف نجعل منه انطلاقة لمجتمع أفضل ؟
حقيقةً هذا السؤال يحتاج إلى شيئين أحدهما أن يستشعر الدعاة أنفسهم والمربون أنفسهم وطلاب العلم أنفسهم أن يستشعروا هم أهمية هذا الشهر الكريم ليكونوا قدوة قبل أن يتكلموا أو يقولوا، فشهر رمضان لا شك أنه إذا كانت الأمة الإسلامية كلها تستقبله وتأنس به وتستفيد منه، فإن الدعاة إلى الله والمربين وطلاب العلم هم أولى من يكونوا في هذا الشهر الكريم أقرب إلى ربه _سبحانه وتعالى_ عبادة وطاعة.
الأمر الثاني، هو: المحاولات التي يقوم بها الدعاة وطلاب العلم في تنبيه الأمة إلى هذا الشهر الكريم، ويمكن أن يتم ذلك من خلال ما يلي:
أولها: التنبيه قبيل دخول هذا الشهر الكريم حتى تستقبل هذه الأمة الشهر الكريم بعزيمة قوية، فالتهيئة النفسية للمسلمين حتى يستقبلوا هذا الشهر الكريم لا كغيره من الشهور هذه التهيئة فعلها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وكان قبل أن يأتي هذا الشهر بشهور يبشّر أصحابه ويخبرهم ويرغبهم ويدعو لنفسه ولهم، اللهم بارك في رجب وشعبان وبلغنا رمضان، ويقول: أتاكم شهر رمضان ثم يذكر ماذا فيه من الفضائل؛ لأن الغالبية من الناس إذا دخل في هذا الشهر الكريم أنس بما كان عليه سابقاً، وربما لا يتغير.
الأمر الثاني : هو أن يقوم الخطباء _وفقهم الله_ بدور مهم جداً في هذا الباب، والحقيقة أن الخطباء يتحملون مسؤولية كبيرة؛ لأنهم في الجمعة يخاطبون جميع الفئات وما من أحد إلا نادراً _نسأل الله السلامة والعافية_ إلا وهو يحضر صلاة الجمعة، فعليهم أن ينبهوا المصلين إلى أهمية استقبال هذا الشهر الكريم وماذا فيه من مجالات الخير، وما يجب عليهم من تغيير في أنفسهم من الداخل وفي أحوالهم، وتذكيرهم بم يجب لهم من احترام هذا الشهر الكريم، وأن يتقوا الله _سبحانه وتعالى_ فيه، وأن يبيّنوا لهم أن هذا الشهر الكريم كما أنهم في نهاره يتركون ما أحل الله لهم طاعة لله _سبحانه وتعالى_ فأولى بهم ثم أولى بهم ثم أولى بهم أن يتركوا ما حرّم الله عليهم في نهاره وليله.
ثالثاً : أن يركّز الدعاة والمربون إلى هذا التناقض الذي يعيشه كثير من الناس في هذا الشهر الكريم، وفي ظني أن هذا مما ينبغي التركيز عليه كثيراً هذا التناقض العجيب أن المسلمين أو أن بعض المسلمين في نهار رمضان يصوم لله رب العالمين ثم إذا أفطر كأن الأمر تغير تماماً، كأن الأمر تحوّل من تحريم إلى تحليل، ثم إذا بهم إذا أفطروا كأنه يجوز لهم أن يفعلوا المعاصي، وأن ينظروا إلى ما حرم الله، وأن يسهروا على اللهو، وأن يشاهدوا ويسمعوا ما حرّم الله _سبحانه وتعالى_، وأن يجتمعوا على القيل والقال والغيبة والنميمة ونحو ذلك، لا شك أن ذلك تناقضاً ينبغي تنبيه المسلمين إليه.
رابعاً : ترغيب الأمة الإسلامية وترغيب المسلمين بفضائل هذا الشهر الكريم وعلى رأسها تلك الفضائل العظمى، وهي أربعة: أولها: ما ثبت عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه". الثاني: قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "من قام هذا الشهر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه". الثالث: قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه". الرابع: حديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ عند البزار وهو صحيح "أن لله _سبحانه وتعالى_ عتقاء من النار في كل ليلة – أي: في رمضان – ولكل مؤمن دعوة مستجابة في كل يوم وليلة" وغيرها من الفضائل فتنبيه الأمة إلى أن يحققوا هذه الفضائل وأن يجعلوها منطلقاً لتوبة إلى الله _سبحانه وتعالى_ كما في هذا الحديث "غُفر له ما تقدّم من ذنبه" أي: أنه تُغفر له ذنوبه فيوفّق إلى توبة نصوح بحيث يغير من حاله ومن طريقه في فعل ما في الوقوع في المحرمات إلى طاعة الله _سبحانه وتعالى_ ومراقبته.
خامساً : من الوسائل تذكير الأمة بواجبها تجاه إخوانها المسلمين في كل مكان بالدعاء لهم دعاء للمسلمين المتضررين المستضعفين، الدعاء للمجاهدين في سبيل الله، الدعاء في صلاح أحوال المسلمين، هذا لا شك أنه رابط عظيم والقائل للدعاء أو المؤمن عليه أو السامع له يربي في نفسه أن هذه أمة واحدة، وأن هذا الدعاء يقتضي من الإنسان أن يفعل معه الأسباب؛ لأن العبد إذا قال: يا رب اغفر لي، يارب اغفر لي ولإخواني المسلمين، فليبذل هو وغيره الأسباب في ذلك فهذه وسيلة عظيمة؛ لأن هذا الشهر الكريم شهر الدعاء وفي كل يوم وليلة لكل مسلم ومسلمة دعوة مستجابة، فاستغلال أو _إن صح التعبير_ تنبيه المسلمين إلى أهمية الدعاء في هذا الشهر الكريم له شأن وأي شأن _كما هو معلوم_.
سادساً : ربط الأمة الإسلامية جميعاً بأنها أمة واحدة كالجسد الواحد، فتذكير المسلمين بمعاني تفطير الصائم في مساجدهم، تذكير المسلمين بمعاني مساعدة الفقراء والمحتاجين في هذا الشهر الكريم، تذكير الأمة الإسلامية بأهمية الزكاة وأنها ركن من أركان الإسلام وأنهم يجب عليهم أن يؤدّوها وأن يتقوا الله _سبحانه وتعالى_ في ذلك، فهذا كله حقيقة مما يقطع على الأعداء الذين يحاربون الله ورسوله في هذه الأيام ويحاربون دينه حتى في ركن من أركان دينه وهو الزكاة أنه كما تعلمون اليوم هناك هجوم ضخم على الباذلين للخير وعلى الجمعيات الخيرية، وتعلمون أنها في الحقيقة ما هي إلا جزء من قضية كبرى، وهي: أن كل مسلم يجب عليه أن يؤدي هذا الركن العظيم وهو الزكاة، وكثير من المسلمين يؤدون زكاتهم في رمضان، فأعداء الله _سبحانه وتعالى_ إنما يحاربون كل مسلم ومسلمة في زكاته، يتهمونه بالتطرف، ويتهمونه بشتى التهم، ويقولون بلسان حالهم أو مقالهم: لا تدفع هذه الزكاة إلا تحت إشرافنا، وهذا كله يجب أن ينتبه له المسلمون، وأن ينبه إليه المربون والدعاة إلى الله _سبحانه وتعالى_ حتى يكونوا لإخوانهم عوناً؛ لأن هذا واجب عليهم خاصة كما هو معلوم أن هناك تزايداً كبيراً في الفقراء في داخل هذه البلاد وفي غيرها، فتذكير الأمة بأن يكونوا من أهل البذل والخير لعل الله _سبحانه وتعالى_ يثيبهم على ما يبذلونه في أموالهم.

الخلاصة أن الدعاة إلى الله _سبحانه وتعالى_ وطلاب العلم والمربين وغيرهم ينبغي أن يذكّروا الناس أن هذا الشهر الكريم في ليله ونهاره شهر لا كغيره من الشهور، وأن الأمة الإسلامية يمكن أن تغيّر من واقعها لا كما يقول البعض: إن هذه الأمة قد أسِنت ولن تستطيع التغيير ها هي في شهر واحد يتغير نظامها كله، فهذه أمة يمكن أن تتغير فإذا كان التغير إلى الأفضل وإلى الأحسن فلا شك أن منطلقه سيكون مثل هذا الشهر الكريم العظيم، الذي نسأل الله _تبارك وتعالى_ فيه أن يعز دينه وأن يعز أمة الإسلام، وأن يجعلنا من أنصار هذا الدين، وأن يجعلنا في هذا الشهر الكريم من المقبولين.

فضيلة الشيخ : ترون ( أن المنهج الصحيح للتربية يجب أن يكون مبيناً على الأدلة الصريحة الواضحة من الكتاب والسنة ، وأن تربى النفوس على ذلك المنهج دون الدخول في أقوال أهل البدع وشبهاتهم وآرائهم ) ، هل يمكن توضيح هذا المنهج .
حقيقة أن هذا المنهج يكاد يكون هو المنهج الذي تحدث عنهم الأئمة _رحمهم الله تعالى_ قديماً وحديثاً، ويكفي فيه بناؤه على كتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ وهما بيّنان واضحان الكتاب والسنة _والحمد لله_ بيّنان واضحان جداً، وهذا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وهو يذكر ما قد يقع من اختلاف يقول: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عَضّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، فالأمة الإسلامية في أي وقت مطلوب منها أن تعود إلى ما كان عليه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه وهذا لا يتعارض البتة مع أخذها بوسائل العلم النافع والتطور الصحيح، فالداعية إلى منهاج السلف الصالح ليس كما يصوره بعض هؤلاء العلمانيين أو الفجرة والفسقة وغيرهم من أنه عودة إلى تلك العصور بكل ما فيها ،أي أنهم يصورون الأمر كما قد يعبرون أحياناً بأنه رجعية وظلامية وتأخر وانحطاط إلخ، وكأن الإنسان إذا دعا إلى منهج السلف الصالح سيترك هذه الأشياء التي انتفع بها المسلمون واستفادوه هذا لا يدخل تحت أي عقل ولكن هذه طرائق لأهل البدع ينفرّون فيها من أمة الإسلام وممن يدعو إلى منهاج السلف الصالح _رحمهم الله تعالى_ وحقيقة بالنسبة للمنهج الصحيح للتربية يطول الحديث عنه ويحتاج إلى تفصيل كثير والاختصار لا يفي بالمراد، ولكن تكفي في ذلك العناوين التي أشرت إليها قبل قليل، وأحب أن أذكّر بثلاثة أمور في هذا الجانب:
الأمر الأول : أنه لا خيار للمسلمين في هذا الباب، يعني ليسوا مخيّرين بأن يذهبوا إلى أهل البدع أو أهل الضلالات أو أهل السنة، وأن الأمر مفتوح لهم، وأن من شاء فليفعل هذا أو ليذهب إلى هذا ونحو ذلك كلا، فالأدلة صريحة "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" (الأنعام: من الآية153)، "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (يوسف: من الآية108) "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"، "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"، "إياكم ومحدثات الأمور" هذه كلها وغيرها أدلة صريحة في أن هذا أمر واجب أمر واجب يجب أن يسعى إليه المسلم بكل ما أوتي من قوة ووسيلة.
الأمر الثاني : هو أن نعلم علم اليقين أنه لا يكون في البدع سواء كانت بدعاً اعتقادية أو عملية أو غيرها لن يكون فيها تربية صحيحة ولا يمكن أن يكون فيها علم صحيح وهذا مشاهَد؛ لأن البدعة والهوى تظلم القلب حتى لو ظن البعض أن فيها خيراً فإن مخالفة أمر الله وأمر رسوله _صلى الله عليه وسلم_ لا يكون فيها خير للإنسان لا في الدنيا ولا في الآخرة واشتمال بعض البدع أو أحوال بعض أهل البدع على ما قد يُزيّن لبعض النفوس يجب أن يعلم أن في كتاب الله وفي سنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ وفي منهاج السلف الصالح ما يغني عنه وأنا أقول هذا الكلام؛ لأن بعض الناس مثلاً قد يرق قلبه حينما يجلس مع جلسة صوفية أو نحو ذلك، فقول: كلا إن البدع لا يمكن أن يكون فيها الخير كل الخير قد تنخدع النفس قليلاً، وقد يرق القلب قليلاً لكن انظر إلى مجمل هذه البدع فإنك ستجدها في النهاية لا يمكن أن تنتج تربية إيمانية صحيحة متكاملة مقتدىً فيها برسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وبصحبه الكرام.

الأمر الثالث : حول المنهج أقول فيه: ينبغي أن يُعلم أن المنهج الصحيح المتكامل وما يتبع ذلك من قضايا تفصيلية وعملية ونحو ذلك أن هذا المنهج موجود لمن أراده وطلبه، وأنه مهما غلبت البدعة فلن تقضي على المنهج، وسأذكر لكم مثالاً واحداً في زمن الدولة العباسية، وفي بدايات القرن الثالث كانت الدولة العباسية تحكم مشارق الأرض ومغاربها وكانت في أقوى مراحلها ثم إذا بشرذمة من المعتزلة يتسنمون القرب من الدولة ويصلون إلى مواطن اتخاذ القرار فيها فيحملون الدولة العباسية على إحدى البدع المغلظة التي هي عنوان لمذهبهم الفاسد الباطل؛ لأنهم أرادوا أن يُدخلوا الناس من خلال هذه المسألة إلى مذهبهم إذا بهم يحملون الدولة على أن تتبنى مذهب المعتزلة، وعلى رأسه مسألة القول بخلق القرآن، وفعلاً تبنتها الدولة وأُصدرت فيها القرارات التي أُلزم بها المسلمون وامتحنوا في مشارق الأرض ومغاربها حتى ظنّ الظان أن هذه الأمة ستتحول إلى أمة اعتزالية، ولكن الذي وقع هو أنه مع هذا الابتلاء والامتحان الذي امتد على مدار ثلاثة خلفاء من بني العباس وابتلي المسلمون بلاء عظيماً، أما هذه انتهت بثبات الإمام أحمد بن حنبل _رحمه الله تعالى_ ثبت الإمام أحمدابن حنبل وأبى أن يجيب وأوذي وسُجن وضُرب ثم فُرضت عليه الإقامة الجبرية في بيته وأبى أن يستجيب فكانت النتيجة ما هي؟ نصر الله _تبارك وتعالى_ بعد ذلك السنة وأهلها وارتفعت راياتها في العالمين وبقي الاعتزال ومذاهب الاعتزال في الكتب لا يُذكر إلا بذم ولا يمدحهم إلا من كان هو على شاكلتهم، أما أمة الإسلام فقد خطت خطواتها المتكاملة _والحمد لله_ على منهاج ربها _سبحانه وتعالى_، هذه قضية وتجربة مهمة جداً نتبين فيها أن المنهج الصحيح هو الذي يبقى صحيحاً " فأما الزَبَد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " ،أي: ينبغي ألا نُخدع في بعض الأوقات مثل هذه الأوقات التي نعيشها لما يغلب بعض علم البدع أو بعض أهل العلمنة أو تتحول كثير من وسائل الإعلام إلى حرب ضروس على دين الله وعلى أصوله وعلى عقيدته عقيدة التوحيد وعقيدة الولاء والبراء ونحو ذلك، ينبغي ألا يصيب المسلم وهن ولا ضعف في ذلك، بل يثبت على دينه ويثبت على المنهج الصحيح فيتربى عليه ويربي عليه من حوله وليعلم علم اليقين أن الذي يبقى هو ما يأذن الله _سبحانه وتعالى_ ببقائه "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه" (فاطر: من الآية10) وهذا منهج قرآني عرفناه بين الأنبياء وبين أممهم، كم فعل الطغاة وكم فعل الأعداء وكم جرى بينهم وبين الأنبياء ثم كانت النتيجة ما هي؟ نصر من الله _سبحانه وتعالى_ للمؤمنين وعقاب للكافرين وكل ذلك باقٍ؛ لأن سنة الله _سبحانه وتعالى_ لا تتغير ولا تتبدل يجب أن تعي أمة الإسلام أنه لن يبقى في منهاجها الصحيح التربوي إلا ما كان مؤصلاً وصحيحاً، أما ما عدا ذلك فإنما هو زبد وهراء سرعان ما يذهب _نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا على المنهج الصحيح_.

بما أنكم – حفظكم الله - من المتخصصين في العقيدة أقول : هل واقع الناس اليوم يدل على الإيمان بالقضاء والقدر بشكله الصحيح ؟
الحقيقة هذا السؤال الجواب عليه يحتاج إلى تفصيل، فنقول :
أولاً : نعم _والحمد لله_ فإن عموم المسلمين الذين يتلقون ويتعلمون دينهم بدون الخوض في تفصيلات المبتدعة وغيرهم هم يؤمنون بالله _سبحانه وتعالى_ ويتبعون شرعه وهذا مشاهد حتى في العامة، فإن العامي تجده يتبع ما أمر الله به ويفعل الأوامر ويجتنب النواهي، وإذا جرى القضاء والقدر من المصائب يحتج به، وإذا وقع في الذنب فإنه لا يحتج بالقضاء والقدر وهذا هو خلاصة المنهج الصحيح إيمان بالقضاء والقدر واتباع للشرع بدون أن يقع بينهما تعارض، أما الذين يوقعون التعارض فهم الذين انحرفوا أو وقعوا في شبهات أو شهوات أرادوا أن يحتجوا لها بمثل هذه الحجج فالواقع العام _والحمد لله_ في الجملة يدل على أن الأمة تتلقى دينها بشكل مبسط واضح _والحمد لله_.
الأمر الثاني : هو أنه يوجد من يخوض في هذا الباب وخاصة من أهل البدع وغيرهم، بحيث إننا نجد خللاً وهذا الخلل يمكن أن نتبينه في الأمة من خلال بعض الأمثلة منها ما يزعمه البعض من التعارض بين القضاء والقدر وبين الشرع وهذا خطأ عظيم؛ لأن القضاء والقدر من الله فهو الذي خلق وقدّر والشرع أيضاً من الله كما قال_ تعالى_: "أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ" (الأعراف: من الآية54) ولا يمكن أن يكون بينهما تعارض منها أي من الصور الموجودة اليوم الاستدلال بالقضاء والقدر على المعاصي وهذه أيضاً شبهة مردودة؛ لأن الإنسان هو الذي يقع في المعصية وهو الذي يفعلها وجواب هذه الشبهة في مكان آخر منها أيضاً، يعني تعلق الكثيرين بالأسباب ونسيان التوكل على الله _سبحانه وتعالى_ الذي هو مقتضى الإيمان بالقضاء والقدر، فمثلاً في الأرزاق نؤمن بأن الله كتب أرزاق الناس " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا" (هود: من الآية6) وكل نَسمة قد كُتب رزقها عند نفخ الروح فيها وهي في بطن أمها، فبعض الناس ربما ينسى هذا ويعتمد على الأسباب بذاتها وينسى أنه يجب عليه أن يجمع بين الإيمان بالقضاء والقدر وبين فعل الأسباب وبين التوكل على الله _سبحانه وتعالى_.

فضيلة الشيخ : يرى بعض الناس أن حال الأمة اليوم هو قضاء من الله مقدر ، ويجب علينا أن نسلم بذلك حتى يقضي الله بزوال هذا الحال ، فما توجيهكم ؟ وهل يمكن رد هذا القدر وتغيير هذا الواقع الذي تعيش فيه الأمة ، وكيف ؟
الحقيقة هذا من مواطن الخلل في باب القضاء والقدر ويعظم لما يتكلم فيه بعض من ينتسب إلى العلم، والخطأ في هذا الباب يأتي من أن بعض هؤلاء لما يرى الأمة الإسلامية تواجه أعداءها فيرى ضعف الأمة الإسلامية فيبدأ يبحث له عن مبررات، وخاصة إذا وجد مبررات شرعية، ومنها هذه القضية، فبعض الناس مثلاً يرى أن الله _سبحانه وتعالى_ قضى وقدّر بوجود الكفار، وقضى وقدّر بقوة هؤلاء الكفار ومن ثم فهذا قدر الله وباق إلى قيام الساعة، فكيف نواجه قضاء الله وقدره، ولا شك أن هذا مبني على خلل في المنهج ألا وهو إيجاد التعارض والصراع بين القضاء والقدر وبين الشرع، وهذا الأمر نبه إليه شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ تنبيهاً دقيقاً وجميلاً جداً في القسم الثاني، وهو الأصل الثاني من رسالة التدمرية، والحقيقة أن التعارض بين القضاء والقدر وبين الشرع إذا وقع في قلب العبد ذلك فإنه يؤدي إلى خلل كبير؛ لأن بعض الطوائف لما رأت هذا التعارض غلّبت القضاء والقدر على حساب الشرع فنشأت الجبرية الذين يقولون كل شيء مقدّر، ويجب أن نستسلم لهذا الأمر المقدر حتى إن بعضهم إذا رأى غلبة الكفار رضي بذلك وسلّم، وإذا رأى غلبة المسلمين رضي بذلك وسلّم دون أن يفرق بين الحالتين، وهذا النوع الذي ورد فيه السؤال قد يكون ممن وقعت عليه شبهة في هذا الباب وهي نوع من الجبر.
قسم ثان من الناس لما رأى بين القضاء والقدر وبين الشرع رأى أهمية الشرع فغلّب جانب الشرع وطاعة الله على حساب القضاء والقدر فأنكر قدر الله وهذا هو منهج المعتزلة، المنهج الوسط هو منهج أهل السنة والجماعة أنه لا تعارض بين الشرع والقدر، وأن الأمة الإسلامية مأمورة بالإيمان بالقضاء والقدر والتصديق به وكل من الناس لا يعلمه إلا بعد وقوعه، وهي مأمورة في مستقبل أمرها باتباع شرع الله _سبحانه وتعالى_ وهذه هي المسألة المهمة التي ينبغي أن نتدبرها حتى نعلم أنه لا تعارض بين الأمرين أي أنك في هذه اللحظة لا تدري ما الذي في قضاء الله وقدره، وإنما الذي تعلمه أن الله أمرك ونهاك فماذا أنت صانع، لا شك أن هذا أمر مستقبلي فيجب عليك أن تتبع ما أمر الله فتفعله وأن تجتنب ما نهى الله _سبحانه وتعالى_ فتتركه، ثم بعد ذلك قد يتبين أن هذا بقدر أو ليس بقدر مما يجري فيك أو في غيرك أو في أحوال أمة الإسلام.
إذن أنت مأمور الآن وفي هذه اللحظة ( ولما نقول الآن أي أنها تتجدد في كل لحظة في حياة المسلم إلى أن يلقى ربه ) أنت مأمور بأن تصدق بأن الله قدّر وفي نفس اللحظة أنت مأمور بأن تتبع الشرع والامتثال إنما هو للشرع تأتمر بما أمر الله به وتجتنب ما نهى الله _سبحانه وتعالى_ عنه.
إذا نظرنا إلى واقع الأمة الإسلامية فنجد أن الله _سبحانه وتعالى_ أمرنا بالاستمساك بهذا الدين أمرنا بالدعوة إلى الله أمرنا بجهاد الكفار حين يكون عندنا قدرة على ذلك، أمرنا بإزالة الضعف في أحوال الأمة الإسلامية وأخذ القوة "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ" (الأنفال: من الآية60) أمرنا الله _سبحانه وتعالى_ بالاستقامة على منهجه _سبحانه وتعالى_ فهذه كلها يجب أن نمتثلها، وهذا الذي فعله المسلمون، أمرهم الله _سبحانه وتعالى_ بالعبادة فعبدوا الله أمرهم بالدعوة إلى الله فدعوا إلى الله، أمرهم بالجهاد في سبيل الله فجاهدوا في سبيل الله وفتحوا مشارق الأرض ومغاربها، ورحم الله _سبحانه وتعالى_ تلك البلاد بذلك الجهاد والصحابة _رضي الله عنهم وأرضاهم_ ما احتجوا بما احتج به البعض هذه الأيام وجلسوا في المدينة النبوية، وقالوا: الحمد لله على الإسلام نحن لا نقاتل إلا من قاتلنا، أما بلاد فارس فالله قدّر عليهم أنهم يكونون من أهل المجوس والوثنية، وبلاد الروم قدّر الله عليهم أن يكونوا من أهل النصرانية، وبلاد القبط في مصر قدّر الله عليه أن يكونوا أيضاً من أهل النصرانية وما علينا منهم، الأمة الإسلامية في زمن أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ عرفت أن واجبها أن تغيّر من واقع حالها فجاهدت نفسها وجاهدت المشركين فعملت وغيرت وتغير مجرى التاريخ من أوله إلى آخره؛ لأنها لا تجد تعارضاً عندها بين القضاء والقدر، نحن في هذا الوقت يجب أن نعلم علم اليقين أن تغيير هذا الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية ممكن، وأن وسائلة واضحة _والحمد لله_ مثل الشمس ويبقى علينا العمل، وألا نقع في أنواع من الخلل ومنها هذا الخلل الذي يقول به البعض، وهو أن الله كتب على هذه الأمة الإسلامية أن تكون متخلفة أو أن الله كتب على الكفار أن يكونوا كفاراً، فلماذا لا نترك هذا؟ هذا لا شك أنه خطأ عظيم حتى إنه يعني مما ينبغي أن يُنتبه إليه أن الدعاء أن الله يصلح حال المسلمين وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم، هذا لا شك أنه دعاء عظيم ولا يقول قائل: لا تدعو على الكفار الذين يحاربون دين الله _سبحانه وتعالى_؛ لأن الله كتب لهم أن يكونوا كفاراً، هذا لا شك خطأ كبير ونشأة هذا الخطأ إنما جاءت من ظن التعارض بين الشرع والقدر أو من شبهة جبرية تقع لبعض الناس ولو لم يكن من أهل الجبر، لكنها شبهة تعرض له في بعض الأحوال فيظنها حقاً وهي ليست كذلك _نسأل الله _تبارك وتعالى_ أن يرد هذه الأمة إليه رداً جميلاً، كما نسأله _سبحانه وتعالى_ أن يغير من حالها، وأن يعين العلماء والدعاة إلى الله _سبحانه وتعالى_ أن يقوموا بدورهم المطلوب، وهو _سبحانه وتعالى_ السميع المجيب_.

فضيلة الشيخ : من التربويين والدعاة من يغلب جانب الخوف في دعوته ، ويرى أنها الطريقة الأسلم في هذا الزمن ، ومنهم من يغلب جانب الرجاء ، ويرى أن الناس لابد من أخذهم باللين حتى لا ينفروا ، فما الضابط في هذا الجانب ؟
الحقيقة يخال أن هذا الضابط في هذا الجانب، هو: الاستمساك بكتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ من غير إفراط ولا تفريط ، والتغليب المطلق ليس صحيحاً من غلّب جانب الخوف ربما دخل في شبه الخوارج وغيرهم، ومن غلّب جانب الرجاء ربما دخل في شبه أهل الإرجاء ونحوهم.
على الداعية إلى الله _سبحانه وتعالى_ أن يكون وسطاً، وهذه الوسطية هي التي تجعله يطير بجناحي الدعوة على شكل سواء جناحي الدعوة الخوف والرجاء كما ذكر ابن القيم _رحمه الله تعالى_ ذلك فيما يجب أن يكون عليه قلب المؤمن ونحن ننقلها إلى الدعوة إلى الله _سبحانه وتعالى_ نقول لهم: ادعوا الله _سبحانه وتعالى_ بالخوف والرجاء اجمعوا بينهما لا تركزوا على جانب الخوف فقط حتى بدعوى أنها أسلم، وأن هذا الزمن زمن الفتن ونحو ذلك، وكذلك أيضاً لا تغلبوا جانب الرجاء حتى لا تنفروا الناس وحتى تلينوا لهم الجانب ويقبلوا عليكم، هذا وهذا كل منهما متى ما طغى على صاحبه انحرف المنهج اجمع بينهما يا عبد الله، وأقول: إن هذا الباب أو هذا المنهج لا يمنع في بعض الأحوال الخاصة التي يحتاج فيها المدعو أو المُربّى إلى التذكير بأحدهما، لا يمنع من التركيز عليه لا كمنهج وإنما بصفة خاصة لعلاج مثل هذا المرض أو مثل هذا الشخص، فمثلاً لو رأى أحد جاره أو قريبه ممن يسرف على نفسه بألوان من الكبائر فطبعاً ليس من المناسب في مثل هذا أن تذكره بالرجاء وأن المسلم إذا مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة، وأنه مهما عمل من الكبائر فهو من أهل الجنة لا شك أن هذا لا يتناسب، بل يجب عليك أن تخوّفه وأن تبيّن له عقوبة الذنوب والمعاصي إلى أن تحس أنه بدأ يلين ويرتدع فإذا ارتدع وتاب إلى الله _سبحانه وتعالى_ فهنا يأتي الرجاء فالعبد دائماً يجمع بين الخوف والرجاء، ومثله في المقابل إذا رأيت شخصاً قد أيس وأصابه شيء من القنوط في نفسه وأغلق على نفسه وشدّد على نفسه... إلخ، فأنت في هذه الحالة ينبغي أن تخاطبه بالرجاء، وأن رحمة الله واسعة... إلخ، حتى يخرج من ما هو فيه إلى المنهج الوسط.
إذن الخلاصة الأصل في المنهج هو الدعوة إلى الوسط بالجمع بين الخوف والرجاء كما هو منهاج الكتاب والسنة، ثم إن انحرف البعض إلى أحدهما ينبغي أن يُعاد إلى هذا المنهج الوسط من انحرف في باب الخوف يعالج بالرجاء حتى يعود إلى الوسط، ومن انحرف في باب الرجاء فيعالج بالخوف حتى يعود إلى المنهج الوسط، والله أعلم.

من مظاهر ضعف الأمة ( انتشار الفرق وتنوع طرق الدعوة إليها ) ، حتى أصبح لأكثر الفرق صوتها الإعلامي المؤثر ( عبر القنوات الفضائية ) ، والتي لها الأثر الكبير في تغيير كثير من المُسلَّمات والثوابت الصحيحة . كيف يمكن لرب الأسرة أن يحمي أسرته من خطر هذه القنوات ، والتي تشكل خطراً على عقيدة المسلم ؟ وكيف يمكن للدعاة والمربين أن يتصدوا لهذه الدعوات ؟
الحقيقة هذا سؤال كبير جداً وطويل، ويعني في ظني أنه يحتاج إلى ندوة مستقلة يشارك فيها عدد من المشايخ وطلاب العلم والمربين حتى تتلاقح الأفكار فيها والتجارب بحيث يُنتهى فيها إلى حقيقة منهج متكامل يعالج هذه الظاهرة الخطيرة، وأنا أدلي بدلوي في هذا المقام باختصار شديد، وأقول: إن درء هذا الخطر يمكن أن يتم من خلال السعي في الأمور التالية، مع العلم أن كل واحد منها يحتاج إلى تفصيل:
الأمر الأول: التربية والتعليم للعقيدة الصحيحة، وألا نكتفي بالمناهج الموجودة في المدارس مع أن فيها خيراً؛ لأن من المؤسف أن كثيراً من الطلاب والطالبات يتعلمونها تعلم الممتحن وتعلم الممتحن هو الذي يريد أن يحفظ بأسرع وقت ممكن ولديه استعداد أن ينساها بسرعة، فلا بد أن نربي وأن نعلم أنفسنا وأبناءنا على العقيدة الصحيحة هذه واحدة .
الأمر الثاني : أن ننبه أسرنا إلى خطر بعض التيارات والبدع ونحوها ، في زمن مضى كان يكفي للأسرة أن تتعلم العقيدة، أما في هذا الزمن خاصة تلك الأسر التي تستقبل القنوات الفضائية ونحوها فمن المهم أن يكون في أثناء البيان تعليمهم لهذه الفرق وليكن كتاب صغير أو غيره في هذه الفرق تؤخذ واحدة واحدة ويُذكر ماذا فيها حتى يستقر في أذهان شبابنا وحتى الكبار منهم أن هذه الفرق فيها مخالفات كبيرة وأن بدعها مغلظة وأن الفرقة الفلانية تقول كذا وكذا وكذا مما هو يستنكره كل مسلم ومسلمة... إلخ، وفي رأيي أن هذا لا بد منه، أي أن الأسرة لا بد أن يكون عندها مثلاً خلفية عن من هم الرافضة؟ ما العلمانية؟ ما هي الإسماعيلية؟ من هم المعتزلة؟ من هم الخوارج؟... إلخ، مثل هذه المعلومات التي نعلمها لمن يتعرض للمؤثرات الإعلامية.
الأمر الثالث : هو حقيقة أن نذّكر المسلمين جميعاً بأهمية المنهج الصحيح منهج السلف الصالح _رحمهم الله_ وأن هذا المنهج منذ عهد الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وإلى اليوم قائم وباق، وأنه هو هو لم يتغير ولن يتغير، وإنما الذي يتغير هو من يخالف هذا المنهج، والتذكير بهذا له أثر كبير في بيان أن هذه الأمة هي أمة واحدة على مدار تاريخها، وقطع الطريق على هؤلاء الذين يريدون أن ينسبوا مذهب السلف الصالح _رحمهم الله تعالى_ إلى العالم الفلاني أو الفئة الفلانية أو غيرها حتى يبعدوهم عن المنهج، ونحن نقول: لا شك أن العلماء والدعاة إلى الله _سبحانه وتعالى_ أنهم يجددون هذا الأمر، لكن نحن إنما نريد أن نعيد الأمر إلى أصله وهذا باب جيد، وربما يقتنع الكثيرون في الأمة الإسلامية لما تبيّن لهم أن هذا هو المنهج الذي قال الصحابة قال به السلف، قال به أولئك الأئمة الكبار في الزمن الأول، ثم عند الحاجة لا بأس أن تقارنه بأقوال بعض العلماء المتأخرين حتى تبين أن هذا المنهج هو هذا، وأن هذا لا يختلف عن ذاك، وأن هؤلاء العلماء الربانيين السائرين على منهاج السلف الصالح لم يأتوا بشيء من عند أنفسهم، سواء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله تعالى_ والأئمة من بعده أو دعوات الذين ساروا عليها من العلماء المعاصرين في زمننا _وفقهم الله وغفر الله لميتهم_ أن هذا كله _والحمد لله_ ليس مرتبطاً بدعوة معينة كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا بلد معين كهذه البلاد ولا بعالم معين كفلان أو فلان، وإنما هؤلاء ما هم إلا تطبيق عملي وبيان لذلك المنهج المؤصل.
الأمر الرابع : الذي حقيقة يجب أن ينتبه له أن تزاحَم تلك القنوات الفضائية على أهل الخير الذين يعرضون المنهج بشكل صحيح ، يحتم عليهم أن يختاروا من الفضائيات ما هو مناسب لأن يخرج فيه أهل العلم؛ لأن هناك فضائيات مارجة ماجنة فلربما الدخول فيها أو الخروج فيها يؤدي إلى سلبيات أكثر من الإيجابيات وليس هذا موضع تفصيل هذه المسألة المعينة لكن الكلام على أن الحديث الذي يكون في هذه الفضائيات يجب أن يتقي الله _سبحانه وتعالى_ فيه صاحبه وألا يجامل فيه أحداً، يبيّن الحق ويصدع به، ويدل الناس على الخير ويأمرهم به، وليحذر كل الحذر أن يقول الباطل، سواء كان هذا الباطل في مجال العقيدة أو في مجال الفتوى، بحيث يخالف الدليل الصحيح مجاملة لبعض الناس ونحو ذلك.
الأمر الخامس : من الوسائل المهمة وجود الوسائل البديلة، لا شك _والحمد لله_أن مواقع الإنترنت الآن وأيضاً مجالات الكتابة والشريط الإسلامي ونحو ذلك،وكذلك أيضاً في القنوات الفضائية،لا شك أن هذه ستكون بدائل إذا ما انضبطت الانضباط الشرعي،ولم تقع فريسة المؤثرات الأخرى،فلا شك أن الله _سبحانه وتعالى_ ينفع بها.
وأخيراً وعلى كل تقدير أعيد ما أشرت إليه قبل قليل في جوابي على سؤالك حول المنهج الصحيح للتربية، وهو أن الباطل مهما انتصر فهو في الحقيقة وفي النهاية باطل، وأن الحق مهما بدأ ضعيفاً فهو في الحقيقة وفي النهاية يبقى كبيراً، هذا ما يجب أن يستقر عليه المسلم، فالدعاة إلى الله والمربون _ولو أن صوتهم خافت في بعض الأحيان، وفي بعض المجالات_ ينبغي أن يستمروا وينشروا دعوتهم إلى الله _سبحانه وتعالى_ وأن يعلموا أن الذي يبقيها وأن الذي ينشرها هو الله _سبحانه وتعالى_ متى ما كانت على المنهج وأخلصوا فيها لربهم _سبحانه وتعالى_، ويضاف إلى ذلك أمر مهم وهو أن يكون هناك بناء وتربية لطلاب العلم والدعاة إلى الله _سبحانه وتعالى_، وأن ينتشروا في كل مكان حتى ينفع الله _سبحانه وتعالى_ بهم، ويتصدوا لمثل هذه الهجمات الإعلامية الخطيرة على أمة الإسلام، نحن لدينا ثقة بأن الله ناصر هذا الدين، ولكن هل نقوم نحن بما أوجب الله علينا وبما أعطينا من قدرة في نصر هذا الدين، هذا هو السؤال الكبير، نسأل الله أن يعين الجميع على ذلك.

في كتابكم ( الحكم بغير ما أنزل الله ) ذكرتم بعض الشبه والرد عليها، ومنها شبهة تعميم التكفير، بحيث يشمل الحوادث الجزئية ، هل يمكن توضيح هذه الشبهة ، وكيفية ردها ؟

لا شك أن هذه مسألة من المسائل التي ربما يغلط فيها البعض، وأوصي بقراءة الكتاب كله حتى لا نركز على مسألة ونترك المسائل الأخرى، ومن ثم فهذه المسألة التي أشرت إليها في السؤال وهي شبهة تعميم التكفير، حيث يشمل المسائل الجزئية ذكرت في آخر الكتاب أن المسائل الجزئية قد يقع فيها البعض، فهي لون من ألوان المعاصي صحيح أنها قد تكون في بعض الأحيان أخطر من الكبيرة، لكن هي أيضاً لون من ألوان المعاصي، فعلى مدار تاريخ المسلمين بعد الخلفاء الراشدين وإذا استثنينا الصحابة وعمر بن عبد العزيز لم يزل يوجد من الحكام جور أو ظلم وكذا من القضاة قد يوجد منهم من يرتشي، لكن مع التزام الجميع بتحكيم شريعة الله _سبحانه وتعالى_ فهذا الذي يقع من بعضهم هو الذي نسميه نحن الحوادث الجزئية التي هي كفر دون كفر، وهي عظيمة لكنها لا تخرج صاحبها من الملة ؛ لأن هؤلاء يلتزمون دين الله _سبحانه وتعالى_ التزاماً تاماً ويحكمون شريعته، ثم قد يقع القاضي الفلاني أو الحاكم الفلاني أو نحو ذلك بنوع من الظلم أو نحوه، فهل هذا يسمى حكم بغير ما أنزل الله يكفر به صاحبه؟ بيّنا في الكتاب أنه ليس كذلك، وأوصي القارئ بأن يرجع إلى الكتاب كله، وسيجد هذه المسألة في آخر في أواخر الكتاب ليس في آخره في أواخر الشبه والرد عليها.

بينتم في كتابكم أيضاً الفرق بين النظام الشرعي والإداري البحت ، وذكرتم أن هناك من يخلط بينهما . كثير منا تشتبه عليه هذه المسألة ، فهل من توضيح لها ؟
الحقيقة كان هناك إشارة إلى ذلك، والذي سبق نقلت عنه الإشارة الجيدة الممتازة هو الشيخ محمد الأمين الشنقيطي _رحمه الله تعالى_ فهو الذي بيّن ذلك في تفسير (أضواء البيان)، ونقلت جزءاً كبيراً من كلامه والتفريق بينهما ظاهر وواضح، وهو أن الأحكام الشرعية هي أحكام شرعية منصوص عليها، وأما النظم الإدارية هي النظم الإدارية التي وردت وترد على كل أمة ومنها أمة الإسلام، فتدخل عليها من باب المصالح المرسلة التي لا تخالف أصول الشريعة، فالأمة الإسلامية مثلاً لما توسعت صار لها منهج إداري ، صار هناك حكام أقاليم، وصار لكل إمارة ديوان، وصار هناك دواوين للجند، ودواوين للصدقات، ودواوين لأهل الذمة بالنسبة للجزية، فهذا الترتيب الإداري لا يخالف النصوص لا في أصولها ولا في جزئياتها، أي أنه لا يخالف نصاً فلو خالف أصول الشريعة لبطل، ولو خالف واحدٌ من مواد هذه الإدارة نصاً شرعياً لبطل، فيتبين من خلال هذا أن تنظيم أمور المسلمين وفق الشريعة الإسلامية التي هي المهيمنة والحاكمة نافع لهم، بل لا بد منه وهذا طبيعي تماماً لو أنشأ أحد داراً للعلم، وقال: لا يحضرها إلا من حفظ القرآن، هذا شرط إداري ما أحد يقول: أين دليلك من كتاب الله ومن سنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ أن هذه الدار لا يقرأ فيها العلم إلا إذا حفظ القرآن الكريم؟ هذا شرط وضعه من وضع هذه الدار، ولهذا قال العلماء _رحمهم الله تعالى_ إنه يُعمل بشروط الواقف ما لم تخالف الشرع، ففي الوقف الإسلامي تجد أن الإنسان لما يوصي يضع وقفاً أو يوصي بجزء من ماله ونحو ذلك له أن يضع شروطه، فيقول: إن هذا المال يكون على الأسرة الفلانية أو المدرسة الفلانية أو في البلد الفلاني، ولا أحد يقول: كيف تفعل هذا؟ وأين دليلك؟ هذا شيء يخالف الشرع ، ما دام لا يخالف الكتاب والسنة فإن فعله هذا صحيح، ولا شك أن ترتيب أمور المسلمين في جميعها نافع ومفيد جداً، وينبغي أن يستفيد منه المسلمون، لكن يكون ذلك كله تحت الهيمنة الشرعية في نظامها المتكامل، وهذا يختلف تماماً عن القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية والتي يتحدى فيها أصحابها شريعة الله _سبحانه وتعالى_ في أحكام جاء النص فيها، ولعل في الرجوع إلى الكتاب ما يبين شيئاً مما قد أكون غفلت عنه.

من خلال الأحداث التي تمر بها الأمة ، يصاب كثير من الشباب بحيرة مخلوطة بحرقة ، ويتساءلون كيف نستطيع أن ننصر الدين ، ونحن لسنا من أصحاب اتخاذ القرار ولا من العلماء ؟

حقيقة الجواب على ذلك من ثلاثة أوجه :
أولها: أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فأنت أيها الشاب بحسب ما أتاك الله _سبحانه وتعالى_ لا يكلفك الله غير ذلك، وهذه قاعدة شرعية ربنا _سبحانه وتعالى_ هو الذي شرعها لك ولغيرك، فهل أنت قمت بما أوجب الله _سبحانه وتعالى_ عليك مما تستطيعه، اسأل نفسك وانظر في حالك.
الأمر الثاني : ينبغي للمسلمين عموماً أن يعلموا أن من وسائل الشيطان التي تدخل إليهم وهم قد لا يشعرون بها وسيلة التيئيس والقنوط، ويتخذ الشيطان لذلك عدداً من الأسباب والأوهام، ومنها ما ورد في السؤال: أنا لا أستطيع، لست من العلماء، لست من أصحاب اتخاذ القرار، ثم بهذا الشاب يجلس ولا يعمل شيئاً لدينه، فنقول: هذا من الشيطان، هذا التيئيس من أنك لا تستطيع أن تنصر هذا الدين من الشيطان، فعليك ألا تطيع الشيطان في ذلك، وألا تقنط من رحمة الله ومن نصر الله _سبحانه وتعالى_ لهذا الدين وأن توقن يقيناً أن الله _تبارك وتعالى_ ناصر هذا الدين، فيجب أن يكون لديك أمل عظيم في أن كل ابتلاء يصيب هذه الأمة بشكل جزئي أو بشكل كبير فإن لله _سبحانه وتعالى_ من وراء ذلك حكماً عظيمة، وأن مستقبل هذا الدين الإسلامي أخبر عنه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بأن الله ناصر هذا الدين، وأن القسطنطينية ستفتح، وأن روما ستفتح، وأنه لا يبقى بيت وبر ولا مدر في هذا العالم إلا ودخله هذا الدين، فهذه كلها مبشرات بنصر هذا الدين فكن من أنصار هذا الدين.
الأمر الثالث : نقول لهذا الشاب الذي يصاب بحيرة ونحو ذلك: ويقول: كيف أستطيع أن أنصر الدين ؟ نقول : انظر إلى من حولك من الشباب ممن وفقهم الله _سبحانه وتعالى_ للعمل لدينه، لا شك أن المتأمل يجد أنواعاً وألواناً من الشاب وفقهم الله _سبحانه وتعالى_ وسددهم قد نذروا أنفسهم لخدمة هذا الدين ونفع الله _سبحانه وتعالى_ بهم نفعاً عظيماً،وهؤلاء الشباب أنواع منهم إمام المسجد نفع الله به الحي، ومنهم خطيب الجامع نفع الله به الحي، ومنهم المعلم نفع الله به طلابه، ومنهم الموظف نفع الله به زملاءه، ومنهم التاجر نفع الله _سبحانه وتعالى_ به أمة الإسلام بما يبذل، ومنهم ومنهم ومنهم، حتى الشواب من أخواتنا المسلمات كم منهن نفع الله _سبحانه وتعالى_ بها، فأنت تشاهد أن هؤلاء ينصرون هذا الدين فكن معهم انصر هذا الدين، وخذ بنصيبك من نصر هذا الدين ولو قليلاً المهم أن تخطو إلى الأمام وألا يصيبك اليأس وأن تنصر هذا الدين على قدر طاقتك، ولا شك أن من تأمل المجالات المتنوعة العديدة الكثيرة فسيجد أن مجالات نصر هذا الدين كثيرة جداً، ورسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أخبرنا عن شعب الإيمان "الإيمان بضع وسبعون شعبة" فهذه الشعب التي تزيد على السبعين كلها مجالات بعضها لازم وبعضها متعدٍ، بعضها عبادة محضة وبعضها عبادة وطاعة يتعدى نفعها إلى الآخرين، وكل ذلك _والحمد لله_ مجالات واسعة لمن يريد أن يعمل لهذا الدين، وأمة الإسلام _والحمد لله_ أمة ثرية برجالها وشبابها وعلمائها ودعاتها إلى الله _سبحانه وتعالى_ ويكفي في أمة الإسلام أنها إنما تعمل لدينه، وأنها إنما تعبد ربها وتتوكل عليه، وأنها إنما تجاهد في سبيله فيكفيها هذا عزاً ونصراً حتى لو لم يتحقق لها في هذه الدنيا شيء، فإن ما عند الله خير وأبقى.

فضيلة الشيخ ختاماً : هل من كلمة أخيرة ترون الحديث حولها .
حقيقة ليس عندي شيء إلا أن أدعو الله _سبحانه وتعالى_ أن يوفق القائمين على هذا الموقع والعاملين فيه والمتصفحين له إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يثبتنا وإياهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وأن يرزقنا وإياهم الإخلاص، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

نسأل الله _جل وعلا_ أن يجزي الشيخ الدكتور : عبدالرحمن بن صالح المحمود خير الجزاء، وأن ينفع بما قال الإسلام والمسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

----------------------------------------------
* ومن كتبه – حفظه الله -
• تيسير لمعة الاعتقاد.
• عبادة القلب.
• مصادر التلقي عند أهل السنة.
• قضايا منهجية ودعوية – وهو كتاب جديد وجميل –
• عبر ودروس من زيارة بلاد الروس .

لتحميل الموضوع على ملف وورد أضغط هنا
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

لقاءات الشبكة

  • لقاءات عبر الشبكة
  • لقاءات عبر المجلات
  • الصفحة الرئيسية