صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لقاء ملتقى أهل الحديث
مع الشريف حاتم بن عارف العوني

 
ففي محاولة من القائمين على المنتدى لربط طلاب العلم الشرعي بكوكبة من العلماء المتخصّصين في شتى مجالات العلوم الشرعيّة، يسرّ منتدى العلوم الشرعية في منتدى بلجرشي استضافة فضيلة الشيخ المحدّث الشريف حاتم بن عارف العوني (حفظه الله).
والشيخ حاتم (وفقه الله) من المتخصّصين في علم الحديث الشريف، ومن الحاثّين على اقتداء منهج المتقدّمين فيه.
وقد طلبنا من فضيلته أن يكون ضيفاً للمنتدى فيجيب على أسئلة الإخوة الرواد. فتكرّم بالموافقة مشكوراً.
فنرجوا من الإخوة الروّاد أن يكتبوا أسئلتهم تحت هذه المشاركة، ثمّ نقوم بطرحها على فضيلة الشيخ.
ونحن بدورنا نشكر الشيخ المحدّث حاتم العوني مقدماً، وندعوا له بالتوفيق والسداد.
كما نشكر الإخوة الرواد الكرام على مشاركاتهم وتفاعلهم.
والله الموفّق.


ترجمة الشيخ الشريف حاتم العوني

أسمه ونسبه: حاتم ين عارف بن ناصر الشريف، من آل عون، العبادلة الأشراف الحَسَنِيين.
مولده: وُلِدَ في مدينة الطائف سنة 1385 هـ.
حالته الاجتماعية: والشيخ حاتم متزوّج وله من الأبناء خمسة، أربعة من البنات وذَكَر واحد واسمه محمد.
نشأته وطلبه للعلم: ونشأ في الطائف، فكانت المراحل التعليمة الأولى في مدينة الطائف من الابتدائي إلى الثانوي.
أما التوجه إلى علم الحديث؛ فكان من فترة مُبكّرة، من قبل أن يبلغ الثالثة عشر من عمره، وهو في المرحلة المتوسطة أو قبل ذلك، وكان بجهد فردي، ولم يجد من يوجهه ويعينه في تلك الفترة، وإنما وُفّـقَ إلى حُبِّ السنة النبوية وإلى العناية بها.
ولفت نظره بعد ذلك؛ كتب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، فازداد إقبالاً على السنة، ومحبة لها، وقراءة فيها، ومحاولة أن يقتدي بالشيخ في طريقة دراسته الأسانيد، وعنايته بها، وجمعه للكتب المتعلقة بها.
فاستمرت هذه العناية إلى أن تخرّج من الثانوي، وهي جهد فردي.
في آخر الثانوي وأول الجامعة دُلَّ على أشرطة الشيخ مقبل الوادعي (رحمه الله) في شرح (الباعث الحثيث)، فحرص على سماعها، وكانت أول دروس علمية يسمعها من خلال الأشرطة.
ثم في أول 1404 هـ أو 1405 هـ أقام الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان (عضو هيئة كبار العلماء) درساً في مدينة الطائف يومياً في أشهر الصيف قرابة ثلاثة أشهر من بعد الفجر إلى وقت الضحى، وأيضاً من بعد العصر إلى العشاء، فالتحق الشيخ حاتم بهذا الدرس السنة الأول من إقامة، والسنة الثانية بانتظام بالغ، وقد كان درساً شاملاً في أبواب كثيرة من أبواب العلم في الحديث والفقه والأصول واللغة .. ، ثم السنيين الثالثة والرابعة كان يحضر بعض الدروس التي كان يشعر أنه أكثر حاجه إليها وأكثر رغبة.
وفي عام 1404 هـ التحق بجامعة أم القرى في مكة المكرمة واختار قسم الكتاب والسنة بكلية الدعوة وأصول الدين، وتخرّج من الجامعة في عام 1408 هـ، ثم التحق بالماجستير بتخصص علوم السنة وتخرج في شهادة الماجستير في عام 1415 هـ، ثم ألتحق بالدكتوراه وتخرج في عام 1421 هـ.
وأهم فترة في خلال طلبه للعلم هي فترة من عام 1404 هـ إلى 1414 هـ، وهي فترة تميزت بعزلة شديدة في طلب العلم، ولم يكن يكن يخرج من البيت تماماً، فيقضي الساعات الطوال من بعد الفجر، ولم يكن يشغله شي عن القراءة والبحث والجمع والدراسة وما شابه ذلك، إلا ما يحتاجه الإنسان من نومٍ وصلاة وما شابهه ذلك.
وقد ابتدأ هذه الفترة من عام 1403 هـ إلى عام 1414 هـ تقريباً أي قرابة عشر سنوات وهو في غاية العزلة، لا يعرفه من الأصدقاء والأصحاب إلا فرد أو فردين أو ثلاثة، وكان لا يشغل نفسة بشي آخر، لا مع أهله ولا مع غيرهم إلا بطلب العلم.
من عام 1414 هـ تقريباً ابتدأ بالاشتغال مع بعض طلبة العلم بالدروس، ولكن كان شحيحاً على وقته إلى حدٍّ كبير، إلى عام 1418 هـ.
من عام 1418 هـ انْفَلَتَ الزمام لصالح طلبة العلم، لكنه لا يزال يحاول الإمساك بهذا الزمام عسى أن يتيسر له (أيضاً) التزود من العلم في خلال ما تبقى من العمر.
وقد انتفعَ بأشرطة الشيخ الألباني خلال هذه المسيرة العلمية القليلة الجهد، فقد سمع مآت الأشرطة للشيخ الألباني، وغيرها من الدروس، كذلك مرّ عليه في الجامعة عددٌ من الدكاترة والأساتذة، وإن كان التحصيل الجامعي (كما يُقال) يعطي مفاتيح لطلبة العلم، أما الجهد الحقيقي فهو يبقى جهدٌ ذاتي مع بعض الأشرطة التي كان يسمعها، كما ذكرتُ.
شيوخه:
الشيخ عبد الله بن غديان.
أما من طريق الأشرطة الشيخ الألباني والشيخ مقبل الوادعي.

وأما الإجازات التي أستجازها من المشايخ وهم عددٌ طيب، ولعلهم قرابة الثلاثين شيخاً، منهم:
الشيخ عبد الفتاح راوه.
والشيخ عبد القادر سلامة الله البخاري.
والشيخ صالح الأركاني.
وفي بلاد المغرب قد التقى بعدد منهم، وقد زار المغرب وزار عدد من مشايخها هناك، لكن أهمهم: الشيخ محمد بن عبدالهادي المنـّوني، الذي تُوفي عام 1420 هـ، وله مؤلفات معروفة.
ومنهم في زامبيا بأفريقيا: الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن عمر دُكَلِي، وهو عضو مؤسس في رابطة العالم الإسلامي، وله قدره ومكانته في العلم الإسلامي من ناحية جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين، وقد تُوفي عليه رحمة الله تعالى.
ومن بلاد اليمن: مفتي اليمن السابق محمد بن أحمد زبارة والشيخ العمراني من شيوخ الشافعية الكبار، بل هو أكبر مشايخ الشافعية في اليمن.
وغيرهم كثير من الهند وغيرها من البلاد الإسلامية.
مؤلفاته:
أولاً: التحقيقات:
1 ( جزء وفيات جماعة من المحدثين ) لأبي إسحاق الحاجي الأصفهاني.
2 ( جزء فيه خبر شعر وفادة النابغة الجعدي على النبي صلى الله عليه وسلم) المنسوب لأبي اليُمْن الكندي.
3 ( مشيخة أبي عبدالله الرازي ) الشهير بابن الحطاب.
4 ( مشيخة أبي طاهر ابن أبي السقط ).
5 ( معجم مشايخ محمد بن عبدالواحد الدقاق).
6 ( مجلس إملاء ) لمحمد بن عبدالواحد الدقاق.
7 ( أحاديث الشيوخ الثقات ) لأبي بكر محمد العبدالباقي الأنصاري، وهو رسالة دكتوراه.
ثانياً: المؤلفات:
8 ( المنهج المقترح لفهم المصطلح ).
9 ( المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس، دراسة نظرية وتطبيقية على مرويات الحسن المصري) وهو رسالة ماجستير.
10 ( نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية ).
11 ( العنوان الصحيح للكتاب ).
12 ( ذيل لسان الميزان ).
13 ( خلاصة التأصيل لعلم الجرح والتعديل )
14 ( إجماع المحدثين ).
وهناك كتابان طُبعا ولم يُنشرا، لأن الشيخ أرسلهم لِيُحَكّما في جامعة الأزهر، وقد حُكّما، وهم في طور النشر:
15 ( تسمية مشايخ أبي عبد الرحمن النسائي )، فالإمام النسائي له مشيخات كان يُعتقد أنها مفقودة، وقد اطلع الشيخ على نسختها وحققها، وأرسلها للأزهر وحُكّمت (بحمد الله) وسَتُنْشَر (بإذن الله) في هذه الأيام القريبة.
16 ( بيان الزمن الذي ينتهي عنده التصحيح عند ابن الصلاح ).
دروسه ومنهجه فيها:
أول مشاركة للشيخ خارج الجامعة كانت في عام 1411 هـ. ثم أول مشاركة في الدورات الصيفية عام 1414 هـ في جدة، وكانت في شرح (نزهة النظر) في مكة. ومن أهم الدروس التي أُقِيمت درس في كتاب (الموقظة) في جدة.
ودرس في شرح (كتاب ابن الصلاح) وله الآن ثلاث سنوات. وهناك دورات علمية مختلفة داخل المملكة وخارجها.
ومنهجه فيها على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: للمبتدئين؛ ويحرص الشيخ فيها على حَلِّ ألفاظ الكتاب المشروح، لأنهم ليسوا في مقدرة أنهم يعرفوا الراجح والمرجوح فتشوّش أذهانهم في هذا الأمر، فالشيخ يرى أنه لا بُدَّ من السير معهم في البداية على طريق ليس فيها كثير من العقبات، فيكتفي بشرح ألفاظ الكتاب كـ (النزهة) وما شابهه ذلك، فالشيخ يعتبر أن هذه المرحلة لا بد من المرور بها قبل أن يصل الطالب إلى درجة المناقش في قضايا العلم والمسائل المختلفة فيه، فلا بد أن يُأصل في البداية تأصيلاً علمياً.
الدرجة الثانية: وهي درجة إبداء الراجح باختصار نوعاً ما، كأن يشرح الكتاب ويفكّ رموزه مع بيان الراجح في المسائل باختصار، وهذا يكون في الدرجة الوسطى في التدريس.
الدرجة الثالثة: أن يتخذ من الدرس مجالاً للمناقشة ولإبداء الآراء المختلفة ولبيان أدلة الترجيح بصورة واضحة، وهذه هي التي يسير عليها الشيخ في درس ابن الصلاح، وفي بعض الدروس التي يلقيها بصورة خاصة لبعض طلبة العلم في المنزل أو في مكان آخر، والشيخ يرى أن هذه الطريقة أحسن الطرق في التعامل الطلاب.
والله أعلى وأعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الأسئلة والأجوبة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فجواباً على أسئلة الإخوان الذين راسلوا منتدى بلجرشي حول بعض مسائل علم الحديث، أقول وبالله التوفيق:

س1: ماذا ترون في رواية سعيد عن عمر؟
صحّ عن سعيد بن المسيب أنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، أي أنه ولد سنة(15 هـ)، وعمر (رضي الله عنه) توفي سنة (23 هـ) أي وسنّ سعيد حينها (8) أعوام.
وقد نفى عامة أهل العلم أن يكون قد سمع كل ما رواه عن عمر (رضي الله عنه)، مع إثبات عدد منهم له رؤيةً وسماعاً مجملاً من عمر في بعض الحوادث: كنعيه النعمان بن مقرن، وغير ذلك.
لكن يبقى أنّ مرويات سعيد بن المسيب عن عمر، وخاصة لفتاواه وأقضيته = كثيرة جداً، لايتصور أن يكون ابن ثمان سنين قد سمع ووعى ذلك كله عن خليفة المسلمين (عمر رضي الله عنه).

لذلك كان لابد من الإقرار بأن سعيداً سمع القليل من عمر (رضي الله عنه)، وأنّ أكثر مروياته عنه لم يسمعها منه.

ومع ذلك يقول الإمام أحمد وقد سئل: سعيد عن عمر حجة؟ فقال: "هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟!!". وقال أبو حاتم الرازي: "حديثه عن عمر مرسل، ويدخل في المسند على المجاز"، يعني على التجوز والتساهل.

وعبارة أبي حاتم تفسر عبارة الإمام أحمد، وأنه لم يكن يقصد تصحيح سماع سعيد من عمر (رضي الله عنه) في كل ما رواه عنه، وإنما قصد قبول حديثه عنه لقرائن وأسباب احتفت بروايته عنه.

ومن هذه القرائن:
- أن سعيد بن المسيب من كبار التابعين.
- وأنه أعلم التابعين (كما أطلق ذلك غير واحد من الأئمة)، أو من أعلمهم.
- أنه مدني، وحديث أهل المدينة ( وخاصة في تلك الطبقة) أنقى حديث أهل الأمصار، وأبعده عن العلل والتزيد: المقصود وغير المقصود.
- وأنه لايحدث إلا عن الثقات.
- وأن مراسيله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحّ المراسيل، فكيف عن أصحابه؟! وكيف عمّن أدركه وسمع منه شيئاً؟
- أنّ مراسيله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) سبرت فما وجد فيه ما لايقبل، إلا الشيء القليل الذي لايخفى على أهل العلم.
- ويضاف إلى ذلك كله أنه كان أعظم الناس عناية بجمع علم عمر (رضي الله عنه)، من المرويات والفتاوى. يقول يحيى بن سعيد الأنصارى: "إنّ ابن المسيب كان يسمى راوية عمر بن الخطاب، لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته". وقال مالك، وسئل عن سعيد: هل أدرك عمر؟ فقال: "لا، ولكنه ولد في زمان عمر، فلما كبر أكب على المسألة عن شأنه وأمره، حتى كأنه رآه. وبلغني أن عبدالله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره".

فلهذه القرائن ولغيرها خصت مراسيل سعيد عن عمر بالقبول، وهذا حق، فإن لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟!

لكن يبقى أن كون أكثر مروياته عن عمر (رضي الله عنه) مرسلة داعياً لعدم الإعتداد بها والإعتماد عليها كاعتدادنا واعتمادنا على المتصل الصحيح، ولا بد من مراعاة كل رواية، وما يحتف بها من قرائن الرد: كالمخالفة أو النكارة والشذوذ.
وهذا أمر عسير جداً، لايدخل غماره إلا من له قدم صدق راسخة في علم الحديث.


س2: عامر الشعبي عن علي؟
وأمّا رواية الشعبي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فهي وإن كان فيها شبه برواية سعيد عن عمر (رضي الله عنه)، من جهة ثبوت رؤية الشعبي وسماعه لحديث واحد عن علي (رضي الله عنه)، إلا أن أهل العلم لم يحكموا بقبولها كما فعلوا في حديث سعيد عن عمر (رضي الله عنه)، كما سبق بيانه.

وما هذا التفريق بين الصورتين إلا لاختلاف الحالين، ولفقدان بعض أهم القرائن التي سبقت في كلامنا عن حديث سعيد عن عمر (رضي الله عنه) في حديث الشعبي عن علي (رضي الله عنه).

حتى أن أبا حاتم الرازي لإنكاره ثبوت ما أكثر روايته الشعبي عن علي (رضي الله عنه) من مسائل الفرائض ليقول: "هذا عندي ما قاسه الشعبي على قول علي، وما أرى علياً كان يتفرغ لهذا".

وهناك احتمال آخر لسبب رد حديث الشعبي عن علي (رضي الله عنه) عند بعض الأئمة وهو أنّ الشعبي أخذ الفرائض عن الحارث الأعور عن علي (رضي الله عنه) عند بعض الأئمة، وفي الحارث كلام شهير لأهل العلم.


س3: ما الضابط الدقيق في تقوية الاحاديث بالشواهد؟
تقوية الأحاديث بالشواهد (أي بمجيء الحديث من رواية صحابي آخر، على حسب المشهور عندنا من معنى الشاهد) من المسائل التي توسع فيها أكثر المتأخرين والمعاصرين توسعاً غير مرضي، فلا ما هم عليه بصحيح، ولا إغلاق باب هذا النوع من القرائن بالصحيح أيضاً، والتوسط هو الصواب.

أما وضع ضابط للحالة التي تقوى فيها الشواهد والحالة التي لا تقوي فيها، فهذا أمر يعرفه ذووا الخبرة والعلم، ولكل مسألة جزئية حكمها الخاص.

لكني أقول: إنّ الشاهد إذا كان مختلف المخرج، ولا يعود الحديث الضعيف الذي أريد أن أعضده به اليه، أو يعود هو إليه، وأطمأن قلب الناقد إلى أنه شاهد حقيقي ليس وهمياً = يمكن أن ينفع في تقوية الحديث الضعيف. وكلّما اتحد اللفظ في الشواهد أو تقارب تقاربا كبيراً، كلما كان ذلك أدعى للانتفاع بشهادته. وكلما كان الضعف خفيفاً كلما كان التقوي بالشاهد مقبولاً، وكلما ازداد الضعف قوة كلما بعد إحنمال التقوي بالشاهد، حتى إذا بلغ الضعف درجة شدة الضعف العائدة إلى الإتهام بالكذب سقط احتمال تقويه مطلقا".

الخلاصة: أنّ الشواهد قرائن تقويه وترجيح. فقد تقوى هذه القرائن على التقوية أو الترجيح في مسألة، لعدم وجود قرائن في جانب الرد والتضعيف، أو لضعفها في مقابل قرائن التقوية. أو لاتقوى على ذلك؛ لنزولها وضعفها في مقابل قرائن الرد.


س4: ما رأيكم بحديث قراءة آية الكرسي بعد الصلاة؟
وأمّا حديث "من قرا آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يكن بينه وبين الجنة إلا الموت"، فهو حديث مقبول، لاينزل عن درجة الحسن. لو لم يكن له إلا حديث أبي أمامة (رضي الله عنه) لكفاه، فهو حديث أخرجه النسائي في الكبرى ولم يعله، وصححه ابن حبان. ولا أعرف أحداً من المتقدمين أعلّه، إلا ما كان من حكمهم بتفرد أحدرواته به. لكن الحكم بالتفرد وحده مع عدم وجود نكارة في اللفظ، ومع عدم الإعلال من قبل أئمة النقد به، بل مع تصحيحهم له = لايصح أن يكون متعلقاً للتضعيف.


س5: فضيلة الشيخ سؤالي يتعلق بقضية التفريق بين منهج المتقديمين والمتأخرين في التصحيح والتضعيف. أرجو منكم البيان الشافي عن هذه القضيه، وهل هذا التفريق سائغ؟
أمّا البيان الشافي فهو حري بمصنف كامل، وهو ما قمت به بفضل الله ومنته، من نحو ثلاث سنوات. وإنّما أخرت طباعته ونشره استكمالاً لبعض الجوانب غير الأساسية المتعلقة بالموضوع، فعسى أن ييسر الله (تعالى) نشره قريباً (بإذنه عز وجل).

لكني سوف أذكر بعض الأمور التي تجلى وجه الحق في هذه المسألة:
أولاً: لايتردد أحد ممن له علاقة بعلم الحديث أن أئمة النقد في القرن الثالث والرابع، من أمثال ابن معين وابن المديني وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة وابن خزيمة والعقيلي وابن أبي حاتم وابن عدي وابن حبان والدارقطني وأمثالهم = أنهم أعلم (بمراتب كثيرة) من المتأخرين من أمثال الذهبي وابن حجر والسخاوي والسيوطي فمن جاء بعدهم إلى المعاصرين.

ثانياً: لايشك أحد ممن له علاقة بعلم الحديث وبعلمائه وتراجمهم وأخبارهم أن أئمة الحديث ممن سبق ذكر أعيانهم أسلم الناس قلبا (وفكراً) من العلوم الدخيلة على العلوم الإسلامية التي أثرت فيها تأثيراً سيئاً، كعلم المنطق ووليده علم الكلام، وأنهم في هذا الأمر ليسوا كعامة المتأخرين ممن تأثروا بتلك العلوم: بطريق مباشر أو غير مباشر (كما بينت ذلك في المنهج المقترح).

ثالثاً: لايخفى على أحد أن علم الحديث كان خلال القرون الأولى حياً بين أهله؛ لأنهم هم الذين سايروا مراحل نموه وتطوره، وواجهوا الأخطار التي أحدقت به بما يدفعها، وهم الذين وضعوا قواعده وأتموا بناءه، حتى اكتمل. وأنه بعد ذلك ابتدأ في التناقص، حتى وصل الى درجة الغربة ( كما صرح بذلك ابن الصلاح ت 643هـ). ولذلك غمضت على المتأخرين كثير من معالمه، وخفيت عليهم معاني بعض مصطلحاته، وصاروا يصرحون في مواطن كثيرة (بلسان الحال والمقال) أنهم مفتقرون الى الإستقراء والدراسة لأقوال المتقدمين ومناهجهم لاستيضاح معالم علم الحديث ومعاني مصطلحاته التي كانت حية واضحة المعالم عند المتقدمين (كما سبق).

ولذلك كنت قد وصفت المتقدمين في كتابي (المنهج المقترح) بـ ( أهل الإصطلاح )، ووصفت المتأخرين بأنهم (ليسوا من أهل الإصطلاح)؛ لأنهم (أعني المتأخرين) مترجمون لمعاني مصطلحات المتقدمين، ومستنبطون لمعالم علمهم: أصولاً وفروعاً، وليس لهم دور آخر سوى ذلك، إلا أن يحفظوا لنا الأوعية التي تركها المتقدمون (وهي الكتب).

وبذلك يظهر لنا الفرق الكبير بين الفريقين، إنه كالفرق بين: من كان من أهل الإحتجاج بلغته من العرب (فهم أهل اللغة)، ومن جاء بعد انقراض هؤلاء ممن صنف كتب اللغة. بل من جاء بعدهم بزمن، بعد أن أفسد علم المنطق من علوم اللغة ما أفسده في العلوم الأخرى، وبعد أن ضعف العلم باللغة كما ضعفت العلوم الأخرى!!!

وإذا كان الأمر بالنسبة للمتقدمين والمتأخرين على ما سبق شرحه، فهل يشك أحد أن هناك فرقا بين المتقدمين والمتأخرين ؟!!!

وإني لأسأل: إذا تكلم في علم من العلوم رجلان، أحدهما: أعلم به، بل هو من مبدعيه وواضعيه. وثانيهما: أقل علما به بمراتب، بل قصارى شأنه أن يفهم كلام الأول ويستوضح منهجه = أيهما سيكون أولى بمعرفة الحق في مسائله؟ ومن منهما سيكون قوله أصوب وأسد.

وبصراحة أكثر: إذا صحّح أحد المتأخرين حديثاً، ألن يؤثر على تسديد حكمه أنه : 1) أقل علماً من المتقدمين، 2) وأنه قد تأثر فكره وعقله بمناهج غريبة عن علم الحديث، 3) وأنه ما زال مفتقراً لفهم واستيضاح بعض معالم علم الحديث .. ؟!!

وإذا قرر أحد المتأخرين قاعدة من قواعد نقد الحديث في القبول والرد، أو أصل أصلاً في إنزال الرواة منازلهم جرحاً أو تعديلاً، ثم وجدنا أن تلك القاعدة أو ذلك الأصل يخالف ولا يطابق التقعيد الواضح أو المنهج اللائح من أقوال أو تصرفات الأئمة المتقدمين = فمن سيتردد أن المرجع هم أهل الاصطلاح وبناة العلم (وهم المتقدمون) ؟!!! إني – بحق – لا أعرف أحداً يخالف في ذلك؛ لأني لا أتصور طالب علم يخفى عليه مأخذه!

أما قول من يقول: إن المتأخرين من علماء الحديث (كالذهبي والعراقي وابن حجر والسخاوي والسيوطي) أعرف الناس بمنهج المتقدمين في قواعد الحديث، وأنهم نصروا مذهبهم = فإني أقول له:
أولاً: فإذا اختلف المتأخرون (وما أكثر ما اختلفوا فيه: من تعريف الحديث الصحيح ... إلى المدبج ومعناه) = فمن هو الحكم؟ وإلى ماذا المرجع؟ أو ليس هو تطبيقات المتقدمين وأحكامهم وأقوالهم؟
أم أن هذا القائل لتلك المقالة يريد منا أن نقفل باب الاستقراء والدراسة لأقول الأئمة المتقدمين؟!!!
ما أشبه الليلة بالبارحة! كنا – معشر أتباع الدليل – نذكر الأدلة لمقلدة المذاهب، ونعجب بل نستنكر قول المقلدين المتعصبين: إن إمامنا أعرف بهذه الأدلة منكم، وكل من خالف قول إمامنا إما مؤول أو منسوخ!! ثم أرى بعض أتباع الدليل يرجعون إلى مثل هذا القول!!!

فإن كان ذلك القائل لايريد منا إقفال باب الاستقراء والدراسة لأقوال الأئمة المتقدمين، بل هو مؤيد لهذا المنهج = فما الذي يستنكره على دعاة هذا المنهج؟! وأخشى ما أخشاه أنه بذلك يؤصل (من حيث يشعر أو لم يشعر) منهج التقليد الأعمى، وينسف أصل السلفية العظيم، وهو الرجوع الى الدليل الصحيح، وهذا ما نراه في بحوث ودراسات كثير من المعاصرين من المخالفين لنا في منهج دراسة علوم الحديث. فأصبحنا ضحكة لأهل البدع: نجتهد في الفروع الفقهية، ونقلد في علوم الحديث!! ونرضى أن نعد أخطاء العلماء العقدية، ونستشنع أن يخطأ أحد منهم في تفسير مصطلح من المصطلحات!!!
فإنا لله وإنا اليه راجعون.

ثانياً: أضف إلى ذلك كله في الرد على تلك المقالة: أن المتأخرين الذين تصدوا إلى علم الحديث تأليفاً وبياناً لقواعده وشرحاً لمصطلحاته قد أخطئوا في بعض ما قرروه، وهذا يعترف به المخالف قبل المؤالف.
وبجمع بعض تلك الأخطاء بعضها إلى بعض، وبعد دراستها لمعرفة سبب وقوع ذلك العالم فيها. ولمعرفة ما إذا كانت مجرد خطأ جزئي أم أنها خطأ منهجي = تبين أن بعض تلك الأخطاء سببها خطأ منهجي، أي في طريقة دراسة ذلك العالم لتلك المسائل ومنهجه في تناولها. وهذا ما أثبته بوضوح كامل في كتابي (المنهج المقترح)، وبيّنت دواعيه التاريخية والعلمية والعقدية والفكرية، واستدللت له بأدلة واقعية من أخطاء بعض العلماء.
وذلك الخطأ المنهجي في دراسة المصطلح لدى المتأخرين لم يتناول كل دراستهم، ولذلك أصابوا في كثير من مباحث علم الحديث، لما طبقوا المنهج الصواب، الذي لاندعوا – اليوم – إلا إليه.
لكن ظهور ذلك المنهج الخطأ لدى بعض العلماء المتأخرين كان أثره واتساع دائرة تطبيقه تدريجياً، إلى العصر الحديث. فكان (المنهج المقترح) أول كتاب يبين بجلاء أن خطا المتأخرين في علوم الحديث ليس دائماً خطأ جزئياً كغيره من الأخطاء التي يمكن استدراكها بسهولة، ولا يكون له خطورة على العلم ذاته. بل إنّ بعض تلك الأخطاء نتجت عن خطأ منهجي خطير، قائم (في وجهه السافر) على مشاحة أهل الاصطلاح اصطلاحهم، وعلى مناقضة أصحاب التقعيد تقعيدهم!! وكان (المنهج المقترح) بعد ذلك أول كتاب أيضاً يبين معالم المنهج الصحيح لفهم المصطلح، بوضع خطوات واضحة له.

وفي الختام: فإني أنصح كل من فاته أجر وشرف السبق إلى إحياء منهج المتقدمين، أن يبادر إلى مسايرة ركب هذا المنهج، الذي يزداد أتباعه يوما بعد يوم (بحمد الله تعالى). ولا تقعدن بك (أخي) حظوظ النفس (من الحسد والكبر) عن فضيلة الرجوع الى الحق، فهذا لن يزيدك إلا كمداً وغماً وإثماً بزيادة ظهور الحق وأهله؛ فإن الحق يغلب ولا يغلب، وإن بدت للباطل دولة، فغلبة البرهان لاتكون إلا للحق في كل زمان.


س6: وهل الشيخ الإمام الألباني (عليه رحمة الله) كان على منهج المتقدمين أم المتأخرين؟
الجواب باختصار: كل ما أصاب فيه الشيخ (عليه رحمة الله) فهو فيه على منهج المتقدمين، وأما ما أخطأ فيه: فمنه خطأ جزئي لا علاقة له بالمنهج، ومنه خطأ منهجي تأثر فيه الشيخ (عليه رحمة الله) بمن سبقه من العلماء المتأخرين ، كما تقدم آنفاً بيانه.


س7: ما هو الضابط في مخالفة المتقدمين في التصحيح والتضعيف، وهل يسوغ تصحيح أو تضعيف حديث مخالفة للمتقديمن. أقصد إذا ورد حد يث ضعيف لم يصححه أحد فهل يسوغ تصحيحه للمتأخرين بناء على ما تبين لهم من حيث خبرتهم وعلمهم في التصحيح والتضعيف لا اتباعاً للهوى بل عن طريق الدراسة والبحث.
الجواب: هذه المسألة من أهم المسائل التي بينتها في كتابي الذي نوهت بذكره في بداية الأسئلة، حول مسألة التصحيح والتحسين والتضعيف لأهل الأعصار المتأخرة. وهي مسألة طويلة، ولذلك لايمكن تفصيلها هنا. لكني أذكر هنا ضابطاً كلياً، قد يكون في حاجة إلى أمثلة، أرجئها إلى صدور الكتاب؛ فأقول:

إن أحكام الأئمة المتقدمين: منها ما نفهم مأخذه ودليله وعندنا أهلية الاجتهاد فيه، ومنها ما لانفهم دليله ومأخذه أو ليس لدينا أهلية الاجتهاد فيه. فالقسم الأول: يحق لنا أن نخالف فيه الإمام المتقدم، والقسم الثاني : لايحق لنا فيه أن نخالفه.

أضف الى ذلك: أن المتقدمين إذا اتفقوا على حكم، أو تلقت الأمة حكم أحدهم بالقبول (مثل أحاديث الصحيحين)، فلا يحق للمتأخرين نقدها، إلا بدعوى صادقة أنها مستثناة مما تلقي بالقبول، كأن يكون خالف في ذلك أحد المتقدمين تصريحاً بالقول أو بالتصرف أو تلميحاً، وكلما كان القول أو التصرف أقوى في دلالته ودليله كلما قوي الاعتماد عليه، وكلما كان التلميح أخفى كلما احتاج إلى بينة أقوى تسند اجتهاد المتأخر.

والخلاصة أيها الإخوان من أهل الحديث وطلبته: إن طريقكم لطويل، وسهركم في سيركم غير قليل. لكن العاقبة فيه حميدة والأجر عند الله جزيل.


س8: ما رأيكم في ععنعة أبي الزبير المكي عن جابر بن عبدالله؟
عنعنة أبي الزبير عن جابر مقبولة، الا إذا جاء ما يقتضي الشك في الاتصال. وهذا ما بينته في (أحايث الشيوخ الثقات لأبي بكر الأنصاري رقم 33).


س9: هل كل من وُصف بالتدليس وعنعن ترد روايته؟
أمّا من وصف بالتدليس فلا يقتضي هذا الوصف دائماً رد العنعنة مطلقاً؛ لأن التدليس أنواع، ولأنواعه مراتب. بينتها في كتابي المرسل الخفي (1/ 463-550)، وفي أشرطة مسجلة من نحو أربع سنوات أو خمس سنوات، بعنوان (دروس متقدمة في علوم الحديث).


س10: ما معنى القرائن التي في علوم الحديث، ومتى نُعملها؟
أمّا القرائن وإعمالها، فجوابه الصحيح لايكون إلا من خلال الممارسة الطويلة. وهي باختصار: علامات القبول أو الرد التي تلوح للناقد في كل رواية، مما يتعلق بالرواية أو الراوي أو الظروف المحيطة بواحد منهما.


س11: أريد أن أتمكن في علم العلل فما العمل؟
أمّا علم العلل والتمكن منه: فهو مرتق صعب، وطريق وعر، ومسلك ضيق؛ لكنه غير مستحيل لأصحاب الهمم العلية والعقول الذكية والنفوس الزكية، بعد توفيق رب البرية.
على أن للمتأخرين حداً لايتجاوزونه من علم العلل، لايقتربون فيه أبداً من الغاية التي بلغها المتقدمون. ولقد كررت العزو الى كتبي، طلباً للإختصار، وحفاظاً على وقتي ووقت السائلين وكرهاً لتكرير الكلام، فلنقل الصخر أهون من تكرير الحديث.

ذلك أن هذا السؤال هو ما أجبت عنه بمؤلف لطيف الحجم، مطبوع من سنوات، هو ( نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية).


س12: من سيكمل تحقيق كتاب (علل الدارقطني)؟
أمّا عن إكمال تحقيق علل الدارقطني، فليس لي بذلك من علم.


س13: ماصحة زيادة البيهقي: "إنك لاتخلف الميعاد" بعدالدعاء ... عقب الأذان؟
زيادة: "إنك لاتخلف الميعاد" محفوظة في الرواية، فهي ثابتة في رواية الكشميهني لصحيح البخاري، مع ورودها في السنن الكبرى للبيهقي بإسناد صحيح كذلك. غير أن الحديث كله مما اختلف فيه، فقد رده أبو حاتم الرازي، وأقره ابن رجب الحنبلي في شرح العلل، مع تصحيح البخاري وابن خزيمة وابن حبان له!


س14: ما صحة حديث: "رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار"، وهو حديث متكلم فيه من العلماء المعاصرين خصوصاً. نرجو تبيين ذلك مأجورين؟

وحديث: "رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار" حديث شديد الضعف كما بينته في تحقيقي لمشيخة ابن أبي الصقر (رقم 16، 43).


س15: هل كل مايقوله الألباني (رحمه الله) من تصحيح وتضعيف وغيره صحيح قطعاً، حتى لو حسنه الترمذي أو ابن ماجه مثلاً. فبعض العلماء يأخذ عليه بعض المآخذ في تخريج الأحاديث. أنا أعلم مكانة الألباني تماماً ومن مستمعي أشرطته كرحلة النور وغيرها.

س16: وهل مقبل الوادعي (رحمه الله) يعد من علماء الحديث المعتبرين في التخريج وغيره؟

أمّا السؤال عما لو كانت أحكام الشيخ الألباني (رحمه الله) مقبولة مطلقاً، فهذا لايقوله عاقل، كما لايقول عاقل أنه مردود القول مطلقاً. فالألباني (رحمه الله) عالم كغيره من أهل العلم، يؤخذ من قوله ويرد، حسب الدليل القائم بواحد من القبول أو الرد.
وكذا القول في الشيخ مقبل (رحمه الله). وفي هذا المجال أنصح الإخوان بأن لا يعوّدوا ألسنتهم الكلام في الأشخاص عموماً بمثل هاتيك الأحكام المطلقة، التي لاتكاد تكون حقاً. خاصة إذا كان الحديث عن أهل العلم، الذين لهم قدم صدق في خدمة علوم الشريعة وفي الدفاع عن أمتهم.


س17: قال ابن عبدالبر في (التمهيد 10/278) عن أحاديث سقوط الجمعة والظهر: "ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثاً واحداً وحسبك بذلك ضعفاً لها". اهـ. فهل إذا لم يكن لحديث ما أصلٌ في الصحيحين يُعتبر ضعيفاً؟ وهل يقتصر ذلك على المسائل الفقهيّة أم يتعدّاه لغيرها؟ وماذا لو وجدنا أحاديث في غير الصحيحين وفيها ترجيحٌ للمختلف فيه من أقوال أهل المذاهب ولكن ليس لها أصل في الصحيحين، هل نعمل بها؟

الجواب: أن الحديث الذي يكون أصلا في بابه، ولم يخرج الشيخان أو أحدهما ما يدل على معناه، لايلزم أن يكون ضعيفاً، بل قد يكون صحيحاً، وربما كان على شرطهما أو شرط أحدهما (غير أن هذا: وهو ما كان صحيحاً على شرطهما، وهو أصل في بابه، ولم يخرجا ما يدل على مثل معناه = قليل جداً).
غير أن اعتبار عدم وجود الحديث الأصل في بابه في الصحيحين أو أحدهما قرينة على عدم الصحة، أو بعبارة أدق: اعتبار ذلك داعياً لزيادة التثبت من صحة الحديث ومن خلوه من علة باطنة = هذا صحيح لاغبار عليه. فهو وحده ليس دليلاً ولا سبباً كافياً للتضعيف، لكنه سبب لزيادة الخشية من أن يكون ضعيفاً.


س18: هل هناك طريقة سهلة لمعرفة زوائد عبدالله بن الإمام أحمد على مسند أبيه بمجرّد التأمّل في السند ؟

أمّا زوائد عبدالله بن الإمام أحمد، فتعرف بسهولة، إذا كان عبدالله يروى الحديث عن غير أبيه.


س19: قال ابن عدي في أحمد بن محمد اليمامي: "مقارب الحديث وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق"، وقال البخاري في أبي حمزة الثمالي: "هو عندي مقارب الحديث ليس له كبير حديث"، وقال في عمر بن هارون: "مقارب الحديث، لا أعرف له حديثاً ليس إسناده أصلاً أو قال ينفرد به إلا هذا الحديث"، فمن هذه العبارات يظهر أنّ "مقارب الحديث" ليست تقوية لحال الراوي، وإنّما نفي للضعف الشديد عنه فقط، فما قولكم (وفقكم الله)؟

أمّا مقارب الحديث فهي من ألفاظ التعديل ولاشك، لكنها من آخر مراتب التعديل. ويدل على ذلك أمور وأقوال كثيرة، وهو المقرر في كتب المصطلح.

أمّا العبارات التي ساقها السائل فلا تخالف ذلك، إلا عبارة ابن عدي، فلا يمكن حملها على إرادة التعديل. لكن يبقى أن الأصل في هذه العباره إرادة التعديل، إلا إذا جاءت قرينة تصرفها عن ذلك. وهذا التعامل ليس مختصا بلفظ (مقارب الحديث)، بل هو شامل لعامة ألفاظ الجرح والتعديل، وهو أنه قد تأتي قرائن تبعدها عن أصل معناها المصطلح عليه.


س20: قد أراد الإمام أحمد من تصنيفه لمسنده جمع كل الأحاديث التي لها أصل. فإذا وقعنا على حديث ليس في مسنده عرفنا أنه ليس له أصل. ولكن في الصحيحين بعض الأحاديث مما لم يخرجها أحمد في مسنده. ولا أعلم أحداً من العلماء ضعف حديثا بمجرد أنه ليس في المسند. فما هو السبب يا ترى؟ هل يمكن أن يقال أن هذا بسبب عدم اطلاع الإمام أحمد على تلك الروايات؟ لكن كيف نقول ذلك وقد علمنا أنه كان يحفظ ألف ألف حديث (أي مليون حديث)؟
وهل من الممكن أن يقال أنه قصد الأحاديث المشهورة ولم يقصد الأحاديث الغريبة الصحيحة؟! أم أنه لم يُنهِ كتابة مسنده؟!

الإجابة: إنّ جود أحاديث في الصحيحين غير موجودة في مسند أحمد لاينفع أن يكون وحده دليلاً على أن شرط المسند قد اختل؛ لاحتمال أن لا تكون أصولاً في بابها، أو أن الإمام أحمد قد أخرج حديثاً آخر يدل على ما دلت عليه، ولو كان بلفظ آخر مختلف تماماً.

وعليه تعلم أن الجزم بأن شرط المسند قد اختل في حديث ما، من أعسر الأمور؛ لأن هذا يستلزم استعراض المسند كاملاً، وتدبر أحاديثه كلها، إذ لعل الإمام أحمد أخرج حديثا آخر يدل على معنى الحديث الذي هو أصل في بابه ولم يخرجه، ثم المعنى لا يلزم أن يكون ظاهراً، بل قد يكون فيه خفاء، وإنما يدركه الفقيه كالإمام أحمد وابنه عبدالله وابن عمه حنبل! فأنى لي أن أجزم بأن الإمام أحمد أخل بأصل من الأصول في مسنده ؟!!


س21: فضيلة الشيخ : هل لي أن أقترح عليك - و قد أنقذك الله من البحوث الأكاديمية- أن تفرغ لاستقراء الصحيحين، لتزيد (إجماع المحدّثين) بياناً و قوةً. و لا يخفى على شريف علم الشيخ ما لدعوته الطيبة من ثقل في الواقع، و مخالفة للمألوف، فبالاستقراء الدقيق تُقطع الحجة المُقلّ الفقير، و يُذعن المتشكك الذي عنده من الإنصاف شروى نقير.
فهل للشيخ أن يعدنا بأن تكتحل العيون برؤية (حُجة إجماع المحدثين) ...

أما اقتراح الأخ محمد الناصر: فإن (إجماع المحدثين) مستغن عنه، لأنّ حجة إجماع المحدثين في (إجماع المحدثين)، وإنما الذي يطالب بالحجة من خالف إجماع المحدثين، (ولن يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلا). كما قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه.

وهذا إجماع المحدثين، فإني أنتظر رداً يأخذ أدلته دليلاً دليلاً بالنقض، لأن بقاء دليل واحد كاف لإثبات الدعوى. أمّا أن يكون الرد على جزئيات الأدلة وبعض أمثلتها، مع الإتكاء على التقليد الأعمى، فهذا لايرضاه ذووا العقول لأنفسهم، ولا ينخدع به إلا الأغرار.


س22: هل في شيء من الطرق التي أسندها أو أشار إليها الإمام مسلم (رحمه الله تعالى) في صحيحه عِلة قَصًد إخراجها بعد أن بدأ بما يُرجحه، أم أنه لم يذكر من الوجوه إلا ما صحّ عنده؟

أما سؤاله عن إخراج الإمام مسلم للأحاديث المعلة في صحيحه، فهذا أمر لاأشك في وقوعه، وأنى لي أن أشك فيه وقد صرح به مسلم، وهناك أمثلة قاطعة به. لكن يبقى: هل كان مسلم يفعل ذلك في صحيحه كثيراً أم قليلاً؟ هذا ما لايحكم به إلا الاستقراء التام.


س23: لي فترة وأنا أريد تحرير مسألة أحاديث الأصول والشواهد في الصحيحين فالبعض يقول أنهم يأتون بالأصل في أول الباب والبعض يقول لا لابد من النظر في السند فمتى كان هناك ضعيف أو صدوق عرفنا أن ذلك من الشواهد وغيرها كثير فما هو الضابط في معرفة الأصل من الشاهد في الصحيحين؟

أمّا عن أحاديث الأصول والشواهد في الصحيحين، فإنه إن كان السؤال عن الأحاديث لا عن الرواة، فإن ثمرة البحث في ذلك قليلة، ما دام الحديث في النهاية صحيحاً، سواء أكان أصلاً، أم شاهداً، يدل على صحة الأصل.

والعلماء إنما يذكرون هذا التقسيم في أحوال: مثل أن يكون في إسناد الحديث نقد، فيدافعون عن الصحيحين بأنه من الشواهد لامن الأصول. أو أن يكون في المتن ما انتقده بعض أهل العلم، فيدفعون ذلك بأنصاحب الصحيح أخرج شواهد تدل على متنه ... ونحوذلك من الأحوال.

ولذلك لا يمكن أن يكون هناك ضابط لأحاديث الأصول والشواهد، بمعنى أن هناك ضابطاً للأحاديث التي أخرجها صاحب الصحيح وهي على شرطه، والأحاديث التي أخرجها شهادة وهي ليست على شرطه .. إن سلمنا بوجود هذا القسم، في غير المعلقات (عند البخاري) والمتابعات التي يذكرها البخاري معلقة عقب بعض الروايات، وفي غير الأحاديث الخارجة عن شرطهما مما أخرجاه لبيان علته.
بل الصحيح عندي: أن كل ما أخرجاه مسنداً فهو صحيح على شرطهما، الا حديثا أخرجاه لبيان علته.
وأنّ كل رواة الصحيحين لاينزلون عن رتبة القبول عند من أخرج له منهما، وإن خالفهما غيرهما، وإن كان الراجح في اجتهادنا ضعفه؛ فإنه يبقى أنه عندهما في درجة القبول. إلا من دل الدليل على ضعفه عندهما، وقت كتابتهما للصحيح (لاحتمال اختلاف الإجتهاد). وما أقل حصول ذلك!

هذا هو الأصل الأصيل، ولا نخرج عنه إلا بدليل. وإنما جعلنا ذلك هو الأصل لأسباب، منها أنه هو الغالب، ويبقى النادر في (مقابله) لاحكم له، ولا يخلو إخراج الصحيح له من أن نجد له توجيهاً أو عذراً لا يعود بالنقض على ذلك الأصل الأصيل.

وأنا أعتذر للأخ السائل ولغيره شرح هذا التقرير، وأرجوا الاعتناء بقراءته والتدقيق فيه، حيث إن فيه قيوداً قد تخفى على غير المدققين.


س24: ما هو صحة حديث لا تأخذ النواصي إلا في الحج أو العمرة؟ ومن رواه؟

أما حديث: "لاتوضع النواصي إلا في حج أو عمرة" فهو حديث شديد الضعف، كما بينته في أحاديث الشيوخ الثقات لأبي بكر الأنصارى (رقم 238)، وله شاهد من حديث ابن عباس شديد الضعف أيضاً، أخرجه الدارقطني في الأفراد، وأبو نعيم في الحلية.


س25: كثر في الآونة الأخيرة رد كلام الأئمة النقاد بحجة "كم ترك الأول للآخر"، من ذلك قول الإمام أحمد أو أبي زرعة أو غيره: "لا يثبت في الباب شي" فيأتي البعض ويقول: " بل ثبت"، مثل حديث التسمية في الوضوء.

رد كلام الأئمة على الأحاديث مزلة قدم، ولايقبل الا بالدليل الناصع. وقد تقدم الحديث عن محالفة المتقدمين، وضابط المقبول منه وغير المقبول.


س26: يقال أن المقترحات التي ذكرتموها في كتابكم (المنهج المقترح) لا يمكن أو يصعب لأحد تطبيقها.

أمّا أنه صعب، فنعم. وهل نريد تحرير مشكلات العلم بغير تعب؟ ومن خلال الجهد الآلي الخالي من التفكير العميق والفهم المؤصل الدقيق؟!!!

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبراً

وأما أنه مستحيل، فلا أدري من أين جاءت استحالته؟! هل فيه جمع بين المتناقضات؟ أم فيه تكليف بما يخرج عن قدرة البشر؟!!
هذا كلام ملقى على عواهنه، يمكن أن أقول مثله على أي منهج يطرح، ما دام أنه سيكون قولاً لايستدل على دعواه بدليل!!
ثم ما هو عذر هذا القول بعد خروج (المرسل الخفي)، وهو بحث قائم على خطوات (المنهج المقترح). فهذا مثال قائم على ذلك المنهج، فكيف يدعى أنه مستحيل.
وقد طبقته في أكثر من مسألة، وطبقه غيري كذلك. منها رسالة للماجستير لأخي الفاضل الشيح عبدالرحمن السلمي. وقد نوقشت من نحو عام، ونال صاحبها الدرجة بتقدير امتياز. وهناك بحث آخر لغيره.
المقصود أنّ هذه البحوث تكذب دعوى الاستحالة، التي يكفيها تكذيباً أنها دعوى بغير دليل. وفي هذا المجال أنصح طلبة العلم بأن يربوا أنفسهم على عدم قبول قول بغير دليل وأن لايغتروا بأي كلام أو رد إلا بالنظر في دليله، مع التأكد من تلك الأدلة: هل هي قائمة على إثبات ما يستدل بها عليه. وإلا فقد رضينا لأنفسنا أن نكون تبعا لغيرنا، وأن نعير عقولنا لمن سوانا. وهذه منزلة يأباها العقلاء، ويأنف من السقوط إلى مستواها من وهبه الله الفهم من جميع البشر.

وعليه: فأرجوا أن لا يتعبنا إخواننا بالسؤال عن ردود وأقوال لايصححها دليل، وأن لايعيروها اهتمامهم ما دامت على ما وصفناه من حالها.


س27: قرأتُ في بعض الكتب أنّ البخاري (رحمه الله) أورد في صحيحه أحاديث لا لشيء سوى لإثبات سماع راوٍ من شيخه، وأحياناً لا يكون لهذه الأحاديث علاقة بالباب التي أوردها تحته. فهل هذه الأحاديث على شرطه؟
أمّا ما أورده البخاري في صحيحه بإسناده ومتنه تاما كاملاً، فهذا على شرطه يقيناً، إلا أن يكون أخرجه لبيان علته، وذلك يتضح في موطنه.
أما ما يخرجه لإثبات السماع فقط فهو إما معلق، أو إسناد بغير متن. وهو لا يفعل ذلك إلا لداع صحيح، كأن يكون الحديث من رواية مدلس، أو من أختلف في سماعه ممن روى عنه، أو هناك قرينة قد يحتج بها أحد على عدم السماع فيذكر السماع لبيان ثبوته، أو أن الحديث روي بزيادة راو خطأ فيذكر رواية السماع لإثبات أن تلك الزيادة من باب المزيد في متصل الأسانيد، وربما فعل البخاري ذلك لغير ذلك كله، وإنما يفعله لقوة دلالة التصريح بالسماع على العنعنة ... وحسب.


س28: هل أسانيد الخطيب البغدادي إلى علماء الجرح والتعديل كلّها تصل إلى كتب هؤلاء العلماء أو من دوّن أقوالهم؟

أما أسانيد الخطيب إلى علماء الجرح والتعديل فهي غالبا تتصل بأئمة الجرح والتعديل، وقد يوجد فيها ما يكون متصلا بمؤلف أو ردها عن الإمام معلقة، وهذا لايخفى على من عرف مصادر الخطيب ووقف على طبقاتهم ووفياتهم وموالديهم.


س29: ما فائدة الخلاف في سماع الحسن من سمرة إذا علمنا أن الحسن مدلس، فإذا قال: "عن سمرة" ضعّفنا الحديث لأجل عنعنة الحسن؟ فما الذي يتغير في هذا الحكم لو ثبت أن الحسن قد سمع من سمرة؟

لقد بينت في كتابي (الموسل الخفي) أن نوع تدليس الحسن لا يقتضي رد عنعنته مطلقاً، وأنه إذا ثبت سماعه من أحد، حملت عنعنته عنه على الاتصال، إلا اذا جاء ما يدل على خلاف ذلك.


س30: هل الإمام العجلي عنده تساهل في التوثيق؟
وأما العجلي واتهامه بالتساهل، فقد كنت نشرت مقالاً من أعوام بينت فيه عدم صحة هذه الدعوى؛ لعدم قيام أدلتها بإثبات ذلك، مع كون هذه الدعوى محدثة، لا أعرف أحدا قبل العلامة المعلمي ( رحمه الله ) أطلقها عليه.


س31: هل للقَطِيعي زيادات على مسند الإمام أحمد؟
ليس للقطيعي زيادات على مسند الإمام أحمد، إلا أربعة أحاديث فقط، ذكرها محقق إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، وهو الدكتور زهير الناصر، في مقدمة تحقيقه له (1/61-62).


س32: ما صحة حديث أسماء في الحجاب؟

وحديث أسماء في الحجاب حديث منكر، وقد أعله أجلّ من أخرجه وهو أبو داود في سننه. وأما محاولة تقويته بأحد أدلة إعلاله، وهو مرسل قتادة الذي أخرجه أبو داود في المراسيل = فهذا منهج غريب، وخلاف ما يقتضيه العلم الصحيح.


س33: ما صحة حديث صلاة التسابيح؟
وأمّا حديث صلاة التسابيح فهو حديث منكر، وإن صححه بعض أهل العلم، فقد ضعفه جماعة هم أعلم منهم وأجل، والدليل قائم بتضعيفه، وأنه حديث منكر.


س34: ما القول الصحيح في رواية ابن لَهيعة؟

وأمّا ابن لهيعة فهو حسن الحديث فيمن روى عنه قبل احتراق كتبه، أو بعدها لكن مما تبقى من أصوله، أو ممن عرض عليه ما كان قد كتبه عمن أخذ عنه قبل الاحتراق. وهذا الحكم بحسن حديثه بالتقييد المذكور، يدلّ على أنه لايقبل منه الانفراد بأصل، وأنه يستنكر عليه ذلك، وما كان بسبيله من أنواع الإغراب الشديد والمخالفة.


س35: كيف يضبط لقب (المناوي) هل بضم الميم أم بفتحها؟ وما معنى هذه النسبة؟

المناوي بضم الميم، نسبته إلى منية بني خصيب بصعيد مصر.


س36: هل (حميد) والد (عبد بن حميد) صاحب المسند مكبر أم مصغر؟

وعبد بن حميد بضم الحاء، إذ لم يعرف من الرواة والعلماء بحميد بفتح الحاء إلا القليل منهم، لعلهم لم يبلغوا الخمسة!


س37: ما رأيكم فيمن يُذهب جل وقته! في تعلم العلل الحديثية ودراسة الأسانيد ويترك التفقة في الدين. وتعلم مسائل العبادات والمعاملات. فتجد بعض طلبة العلم يتكلم في ذلك الحديث ويأتي بأقوال الائمة (رحمهم الله) فيه ويزيد ما شاء الله أن يزيد! ولكن لو تسأله عن مسائلة فقيه عصرية مهمة قال الله ورسوله أعلم .. وهو بقوله اصاب من حيث المبدأ، وأخطأ من حيث أهمل فلم يتعلم. أفتونا مأجورين وشكر الله سعيكم وبارك لكم في عمرك ووقتكم.

من العلوم الشرعية ما هو فرض عين لايجوز للمسلم (فضلا عن طالب العلم) الإخلال بهما: كتصحيح المعتقد، وعلم ما يجب عليه من عباداته، ومعاملاته التي يمارسها.
ثم ما فضل عن هذه العلوم العينية وزاد: فهو فرض كفاية، إذا قام بكفايته بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين.
وبذلك تعلم أن من تعلم العلم الشرعي الواجب عينا عليه فإنه لاتثريب عليه إن التفت إلى علم من العلوم الشرعية، كالفقه والحديث والتفسير ونحوها، ولو أدى ذلك إلى جهله بكثير من العلوم الشرعية التي لم يتخصص بها، ما دامت ليست من فروض الأعيان عليه.
فكما لايثرب على المتفقه إذا لم يتعلم علم العلل، فكذلك لايثرب على المحدث إذا لم يتعلم: ماهو حكم طفل الأنابيب؟ أو الاستنساخ؟ أو الإيجار المنتهي بالتمليك؟ مادام غير محتاج إلى فعل شيء من ذلك، ولافكر فعله.
والأمة محتاجة إلى متخصصين في علم الفقه وفي علم الحديث وفي غيرهما من العلوم الشرعية، ومحتاجة إلى متفننين فيها، وإلى وعاظ صادقين، وإلى مجاهدين .. فكل على ثغرة، وكل على خير عظيم، وكل ميسر لما خلق له.


س38: ما قولكم في حديث دعاء كفّارة المجلس؟ فقد تكلّم البخاري في أحد أسانيده، وأبوحاتم في إسناد آخر.

حديث كفارة المجلس حديث صحيح، له طرق أسانيدها صحيحة وحسنة، ولا نعلم لها علة، منها حديث السائب بن يزيد مرفوعاً، وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص موقوفاً، وغيرها، وهي مع المراسيل المتعددة، وتصحيح عدد من الأئمة لبعض وجوهه، وعدم استنكار جمع آخر = تدل على ثبوت الحديث وصحته.
وللحافظ ابن حجر كلام مطول مفيد عن هذا الحديث في كتابه: النكت على كتاب ابن الصلاح (2 /715-743).


س39: ما درجة حديث التوسعة على العيال في عاشوراء؟
حديث التوسعة على العيال في عاشوراء، ولفظه: "من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته" حديث شديد الضعف، مع كثرة طرقه.

وقد كنت خرجته تخريجاً واسعاً قديماً، في أوراق جمعت فيها شيوخ ابن حبان من طبعته الأولى القديمة. حيث إن أحد أشهر طرق الحديث من رواية شيخ ثقة من شيوخ ابن حبان، هو أبو خليفة الفضل ابن الحباب.
وقد كان أخي الفاضل د. يحيى الشهري قد طلب مني الاستفادة من تلك الأوراق، عندما بدأ بكتابة (زوائد ابن حبان)، فكان ما طلب. وقد ذكر أخي الفاضل خلاصة اجتهادي في هذا الحديث في كتابه المذكور (4/1909-1912)، معزواً إلى صاحبه، فجزاه الله خيراً على أمانته، وحسن وفائه، وتمام شكره.


س40: ما هو الحد الأدنى من ساعات الاشتغال بطلب العلم (من مطالعة وحفظ..) في اليوم ليكون طالب العلم في مستوى جيد؟

أما السؤال عن عدد ساعات الطلب، فالجواب: الحق يقال: العلم إن لم تعطه كلك لم يعطك بعضه، وعلى قدر إقبالك عليه يكون نصيبك منه. وصاحب الهمة يضر طلبه للعلم بدنياه، ولاتضر دنياه طلبه للعلم، فتجده يسأل: ماهو الحد الأدنى من ساعات الانشغال بما سوى العلم؟ فهو يخشى أن يأثم من ينشغل بالعلم عن واجبات أخرى!!
ثق (يا أخي) أن من ذاق لذة العلم نسي كل لذة، فلا تخش عليه التفريط في طلبه للعلم، ولكن اخش عليه التفريط فيما سوى ذلك!


س41: ما رأيكم بكتابات محمود سعيد ممدوح الحديثية مثل كتاب التعريف، ورفع المنارة، ... الخ.

فالجواب: لقد اطلعت على كثير من كتبه، ولا يخفى على أحد ما فيها من التحامل على منهج السلف ومعتقدهم، ومخالفته لهم، ومحاولته التشكيك فيه بكل وسيلة يستطيعها.
فكلامه ككلام أهل الأهواء: يذكر ما له، ولا يذكر ماعليه. ويتأول المتشابه بما يوافق هواه، ويترك المحكم لمخالفته له.
ومع ذلك كله: فلا يعني أن كل ما يقوله باطل، ففيه حق مشوب بباطل، بل ربما كان باطلاً مشوباً ببعض الحق، من حين وحين، وباختلاف كتبه.
وأسأل الله أن يهدي قلبه إلى سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) ومعتقده، فيسخر قلمه في الدفاع عنها، فهو (بذلك) أول وآخر من سيربح. أمّا إن لم يشأ الله له ذلك، فهو أول الخاسرين (إن لم يتداركه ربه بعفوه وهدايته)، ولن يضر الله شيئاً، ولا يضر منهج الطائفة المنصورة شيئاً.


س42: ما هو الضابط في معرفة سماع الحسن من ابي هريرة (رضي الله عنه)، فالبعض يقول هذا الحديث سمعه الحسن من أبي هريرة رضي الله عنه و هذا لم يسمعه؟

أما مسألة سماع الحسن من أبي هريرة: فسؤال الأخ فيها غير متصور، ولكني أقول: الراجح أنّ الحسن لم يسمع من أبي هريرة، وعلى هذا جماهير أهل العلم.


س43: أريد مثالاً للحديث المعلول و بيان علته.

أما مثال الحديث المعلّ: فيمكنك الرجوع إلى ما ذكرناه آنفاً في حديث كفارة المجلس، وما ذكرناه من العزو إلى كتاب ابن حجر حوله. أو إلى ما ذكرناه من حديث التوسعة يوم عاشوراء، وعزوه إلى زوائد رجال ابن حبان.


س44: وهل أئمة هذا الشأن انتهوا فليس هناك وريث لهم يستطيع الخوض في هذا العلم؟

فالجواب: إن كان السؤال عن أقران أو أشباه بعلي بن المديني والبخاري وأبي زرعة والنسائي والدارقطني، فإن وجد مثل هؤلاء أو قريب منهم منذ قرون متطاولة = فإني لاأعلمه!! ولم أعلم أن أحدا يعلمه!! وإن كان السؤال عمن له علم بعلم العلل إلى حد يفهم به تعليل الأئمة، ويدري بعض مآخذ أحكامهم، ويجتهد في إدراك فقه تعليلهم، ويوفق أحياناً إلى اكتشاف علة = فهذا له وجود ولاشك؛ لكنهم قليل، وأقل من القليل، وإن كانت الدعاوى كثيرة!


س45: هل يصح الاخذ بظواهر الادله من غير النظر لفقه الصحابه لها ؟؟؟ وماهي ضوابط الاخذ بظواهر الادله ؟ بارك الله فيكم

الأخذ بظواهر الأدلة: إن كان المقصود به أهل الظاهر (الذي هو في مقابل النص) حجة ما لم يعلم ما يصرفه عن ظاهره؟ فالجواب: نعم، هو حجة، وعلى ذلك السلف كلهم، ولم يخالف في ذلك إلا بعض أهل الرأي، والمتكلمون.
لكن العمل بالظاهر مضبوط بأن لايأتي دليل صحيح يمنع الأخذ بذلك الظاهر أو ببعض أفرادهن كالناسخ، ومخالفة الإجماع، والمخصص، ونحو ذلك. ولا شك أن من القرائن الصارفة للفظ عن ظاهره أحياناً مخالفة فهم الصحابة وفقههم له. لكن هذا ليس أمراً مطرداً، وإنما هو بحسب قوة القرينة الصارفة عن الظاهر وضعفها، في مقابل قوة القرينة الظاهرة وضعفها، في مقابل قوة ذلك الظاهر أو ضعفه مقارنة بمقاصد الشريعة وأصولها وقواعد الاستنباط الصحيحة فيها.
والكلام في ذلك يطول، أعتذر عن الإفاضة فيه.


س46: جواب إمام من الأئمة لسائل يسأله عن شيخ يريد أن يسمع ويكتب عنه الحديث فيجيبه هذا الامام بقوله: "أكتب عنه"، فهل يعدّ هذا الجواب أعني "أكتب عنه" توثيقاً لهذا الشيخ من قبل ذلك الامام، أو بعبارة أخرى: هل يعتبر قو ل إمام كابن معين أو ابن المديني لأهل الحديث: "أكتبوا عن فلان"، توثيقاً أولا يعتبر، أجيبونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.

فإنّ الأمر بالكتابة عن رجل الأصل دلالته أن هذا الرجل ليس شديد الضعف، وأنه إمّا في مراتب الاحتجاج أوالاعتبار. لكن إذا صدر مثل هذا الأمر من أحد الأئمة الذين عرفوا بعدم الرواية إلا عن الثقات، أو جاء في مساق عبارة الإمام ما يدل على جلالة ذلك الرجل، أو احتف بتلك العبارة قرينة تشهد لذلك = فإن هذا يدل على قوة الرجل الذي يؤمر بالكتابة عنه.
وهنا أؤكد على ضرورة مراعاة المساق الذي وردت فيه جميع عبارات الجرح والتعديل، وإلى القرائن المحتفة بكل راو وما قيل فيه؛ فإن لذلك أثرا بالغا في فهم تلك العبارات.

احصل على نسخة من اللقاء
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

لقاءات الشبكة

  • لقاءات عبر الشبكة
  • لقاءات عبر المجلات
  • الصفحة الرئيسية