صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حوار موقع دعوتها مع أ. عادل الخوفي حول ( الفتور في الدعوة )

ضيف الحوار:  فضيلة الشيخ : أ. عادل الخوفي .

أجرت الحوار المحررة : سامية العمري .


هناك فئة عاشت للدعوة إلى الله ، وقاست معاناة السعي لهداية الناس، وكابدت الأشواق لإقامة شرع الله ، جاهدت في سبيل ذلك ، وبعد مدة من الزمن أصابها الفتور لعلة أو لأخرى .

في ثنايا حوارنا مع الشيخ:
أ.عادل بن سعد الخوفي  سنلقي الضوء على الفتور وأسبابه وعلاجه ووصايا موجهة لمن أصابه الفتور في الدعوة .

------------------------------


1/ كلمة تعريفية بفضيلتكم .

عادل بن سعد بن عبد اللطيف الخوفي ، بكالوريوس أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1408هـ ، مرشد طلابي بالمعهد العلمي بالأحساء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، حاصل على الشارة الخشبية في العمل الكشفي عام 1407هـ ، مدير مركز المزروعية التابع لجمعية البر بالأحساء منذ إنشائه عام 1412هـ ، وحتى نهاية شهر رجب 1426هـ ، عضو مجلس إدارة جمعية البر بالأحساء اعتباراً من شهر رجب 1418هـ ، وحتى نهاية شهررجب1426هـ ، عضو مجلس إدارة لجنة تيسير الزواج بالأحساء منذ إنشائه،وحتى نهاية شهررجب1426هـ مستشار أسري في موقع المستشار، اعتباراً من شهر رمضان 1426هـ ، مستشار أسري وتربوي في موقع الإسلام اليوم اعتبارا من شهر محرم عام 1428 هـ ، مستشار أسري وتربوي في الهاتف الاستشاري التابع لمركز التنمية الأسرية في الأحساء ،المدير العام للمنتدى الأسري الأول التابع لمركز التنمية الأسرية في الأحساء للعام 1428 هـ ، حائز على جائزة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز للمتطوعين في أعمال البر في سنتها الثانية ،أعد دراسات متعددة في ميدان العمل الخيري والأسري والاجتماعي ،ولي مشاركات تربوية وأسرية في الإذاعة والصحف والمجلات .


2/ ما معنى الفتور في الدعوة ؟

الفَتْرَةُ:
الانكسار والضعف "لسان العرب" ، والفتور: سكون بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة"الراغب الأصفهاني"، وَالْمَلَال اِسْتِثْقَال الشَّيْء وَنُفُور النَّفْس عَنْهُ بَعْد مَحَبَّته"الحافظ ابن حجر . فتح الباري"، فمدار معنى الفتور في اللغة على : الضعف، والسكون، واللين، والملال من الشيء، والنفور عنه.
وأما في الاصطلاح، فيراد بالفتور في الدعوة :
الكسل أو التراخي أو التوقف عن القيام بالواجبات الدعوية بعد الجِد والنشاط.

3/ لكل أمر سبب فما أهم أسباب الفتور سواء في الدعوة أو في العبادة ؟

للفتور عن الدعوة أو العبادة أسباب عِدَّة، بعضها يُعد مظهراً من مظاهر الفتور، وهي متفاوتة في أهميتها، يترتب بعضها على بعض، ومن ذلك:

أ. التفاتة القلب إلى ثناء الناس وإطرائهم، أو تعلقه بالدنيا وبهرجها.
ب. عدم استصحاب الأجور العظيمة التي أعدها الله للمؤمنين والدعاة إلى سبيله في الدنيا والآخرة.
ج. فتنة المنصب، أو الزوجة والأولاد، أو المال فإنها إن لم تُسَخَّر للطاعة، كانت سبباً في الإعراض عنها.
د. ضعف العلم الذي يُتَّقى به الشبهات، وضعف الإيمان الذي يُتَّقى به الشهوات.
هـ. غشيان أصحاب ومجالس المعاصي واللهو، والتهاون في سماع أو نظر أو أكل الحرام أو المشتبهات.
و. تكليف النفس فوق طاقتها، أو الغلو والتشدد، أو الفردية والانعزال عن الناس، وعدم ترتيب الأولويات.
ز. عدم التنويع في العبادات، أو الجمود في أساليب الدعوة.
ح. ضعف الالتجاء بالقوي العظيم، والتقصير في التزام وظائف اليوم والليلة من السنن الرواتب، والأذكار، والأوراد اليومية.
ط. استعجال النتائج، والخلط في مهمة الداعية بين هداية التوفيق وهداية الدلالة والإرشاد.
ي. مصاحبة أصحاب الهمم الخائرة، أو عدم القراءة في سير الناجحين من السلف والخلف. 
ك. قلة الطاعات والإكثار من المباحات واستمراء الشبهات.


4/ هل يمكن أن نصنف الفتور الدعوي إلى مراحل أو أقسام ؟

صَنَّف بعض أهل العلم الفتور إلى ثلاثة أقسام، جعلها بحسب نتائجها :

أ‌. أشدها، وهو ما يخرج بصاحبه إلى الكفر، والعياذ بالله.
ب‌. ما دون ذلك ، وهو الفسق.
ج‌. الفتور عن الدعوة أو بعض الأعمال الصالحات، بحيث لا يكون سبباً في ترك واجبٍ أو فعل معصية.


وبعض أهل العلم جعلها أربعة أقسام:

أ‌. كسل وفتور عام في جميع الطاعات، مع كره لها وعدم رغبة فيها، وهذه حال المنافقين.
ب‌. كسل وفتور في بعض الطاعات، يصاحبه عدم رغبة فيها دون كره لها، وهذان القسمان سببهما مرض في القلب.
ج‌. كسل وفتور عام سببه بدني لا قلبي؛ فتجد عنده الرغبة في العبادة، ولكنه مستمر في كسله وفتوره.
د‌. كسل وفتور عارض يشعر به الإنسان بين حين وآخر، ولكنه لا يستمر معه، ولا يوقع في معصية، ولا يخرج عن طاعة .


ومنهم من جعلها مراحل، كل مرحلة تكون نتيجة لعدم علاج ما قبلها:
تقصير في الطاعات، ثم توسع في المباحات، ثم الاستهانة في الذنوب، ثم التخبط والتلون واقتراف الكبائر واستيلاء الشهوات على القلب.

5/ كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لم تترك أمراً من أمور المسلم إلا ودلت عليه بأدلة ؛ فهل جاء ذكر الفتور فيهما ؟

نصوص الكتاب والسنة كثيرة في هذا الشأن، ولكن سأذكر بحول الله شيئاً مما يعيننا على كيفية التعامل مع هذه المرحلة:

قال تعالى في معرض ثنائه على ملائكته : (
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) سورة الأنبياء: 20، أي : لا يضعفون ولا يسأمون.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (
دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: امْرَأَةٌ لَا تَنَامُ تُصَلِّي، قَالَ: عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ) ."رواه مسلم"

وعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ؟  قَالَ قُلْتُ :نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ ، وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ ، وَالْأَوْلَادَ، وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا ،قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا ذَاكَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)."رواه مسلم"

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (
دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإِذَا حَبلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ: مَا هَذَا الْحَبْلُ ؟ قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ). "رواه البخاري"

6/ الفتور الدعوي هل هو أمر معنوي لا يشعر به إلا المصاب به ؟ أم أنه ظاهر يمكن أن تلاحظ على الداعية ؟ إن كان الأخير هل هناك  مظاهر يمكن أن يستدل بها على الفتور الدعوي ؟

الفتور في حياة الداعية له وجه حِسِّي، وآخر معنوي، ولا شك أن له مظاهر يلحظها الداعية في نفسه، كما أنه يمكن للآخرين ملاحظتها، فبعضها يستدعي الآخر، ويهيئ المناخ الأمثل لوجوده، إلا أنه يصعب حصر هذه المظاهر، فهي تختلف من شخص إلى آخر، أو من مجتمع لآخر، كما أنها لا يلزم أن تجتمع في شخص واحد،
ومن ذلك:
1- إهمال الأوراد اليومية، وعدم استشعار حلاوة الإيمان، أو قراءة القرآن، أو الدعاء.
2- عدم الخشوع في الصلاة، أو التأثر بقراءة القرآن، مع التسويف في القيام بالواجبات، وعمل الصالحات.
3- تحول الدعوة إلى عمل يومي لا حياة فيه، ولا مبادرة وابتكار، ولا استشعار لفضله وأهميته وثمراته.
4- استثقال الجهد الدعوي، والتهرب من كل عمل جِدِّي، والصد عن مجالسة الدعاة الصالحين ومصاحبتهم.
5- اعتياد غيبة أهل الفضل والمعروف، والتقليل من جهود الدعاة والمصلحين، وتحميلهم مسؤولية ما يراه من تقصير.
6- استشراف المدح والظهور، وضعف الإخلاص ومراقبة الله تعالى.
7- التساهل في ارتكاب المعاصي، وعدم الغيرة على محارم الله، مع الانشغال بالدنيا وأهلها.


7/  هل يعتبر الفتور حالة مرضية أم أنها حالة طبيعية لابد أن يمر بها كل داعية ؟

يقول صلى الله عليه وسلم: (
إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ )."حديث صحيح . صحيح الجامع للشيخ الألباني ، رقم (2151) "

ويقول الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (
إن النفس لها إقبال وإدبار، فإذا أقبلت فخذها بالعزيمة والعبادة، وإذا أدبرت فأقصرها على الفرائض والواجبات )"الإنسانُ بين علوِّ الهمَّة وهبوطها", وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن للقلوب شهوة وإقبالاً، وفترة وإدبارًا، فخذوها عند شهواتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها). "بهجة المجالس . ابن عبد البر . ص: 15"
والعلامة ابن القيم رحمه الله يقول: (
تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم؛ رجي له أن يعود خيرا مما كان).

المتأمل لهذه النصوص والآثار يرى أنها صَنَّفت الفتور إلى مرحلتين:

الأولى:
حيث يخلق الإيمان في قلب المرء، فلا يكاد يأتي إلا الفرائض والواجبات وحسب، إذ إنه يشعر بخمول وثقل في عبادته، أو في أدائه النوافل والأعمال الصالحة، مع رغبته الراحة والترفيه، والتخفيف من المهام التطوعية أو الدعوية وهذا معنى نقصان الإيمان عند أهل السنة والجماعة،  فعن عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ خَمَاشَةَ أَنَّهُ قَالَ : ( الإِيْمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ، فَقِيلَ : فَمَا زِيَادَتُهُ، وَمَا نُقْصَانُهُ ؟  قَالَ : إِذَا ذَكَرْنَا رَبَّنَا وَخَشَيْنَاهُ فَذَلِكَ زِيَادَتُهُ ، وَإِذَا غَفَلْنَا وَنَسَيْنَا وَضَيَّعْنَا ، فَذَلِكَ نُقْصَانُهُ )."كِتَابُ الإِيْمَانِ . أبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ"
وهذه المرحلة طبيعية؛ لا يكاد يسلم منها أحد، بشرط ألا تكون عادة المرء وديدنه، فهو ( يقف لِيُجّم نفسه ويعدها للسير، فهذا وقفته سير ولا تضره الوقفة فإن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة). "
مدارج السالكين . ابن القيم رحمه الله"

الثانية:
مَرَضِيَّة؛ وهي الطامَّة الكبرى، وقاصمة الظهر، وصاحبها على خَطَرٍ عظيم، ( ويخشى عليه إن لم يتداركه بالرجوع : أن تستمر الإضاعة إلى يوم القيامة فتكون حسرته وندامته أعظم من حسرة غيره وندامته وحجابه عن الله أشد من حجاب من سواه ويكون حاله شبيها بحال قوم يؤمر بهم إلى الجنة حتى إذا عاينوها وشاهدوا ما فيها صرفت وجوههم عنها إلى النار ). "المصدر السابق "  فإن المرء في هذه المرحلة قد تجاوز التثاقل عن النوافل والدعوة، إلى التفريط في الواجبات والفرائض، فقد نَخَرَتْ فيه المرحلة الأولى بطول أمدها، وعدم تداركه لنفسه، فاختلَّت الموازين لديه، ومرض إيمانه، ففسد باطنه كما فسد في السابق ظاهره، واحتوشته شياطين الإنس والجن والعياذ بالله.

8/ ضعف العلم الشرعي للداعية هل يعتبر عاملاً قوياً لطريق الفتور ثم الترك الكلي للدعوة ؟
كلمة توجيهية للداعية في هذا الشأن .
لاشك أن العلم محور أساس لصيانة المرء من الوقوع في شَرَك الفتور، فقد شَبَّه النبي صلى الله عليه وسلم من يدعو إلى الله على بصيرة وعلم؛ كالأرض التي تنفع الناس بإنباتها للكلأ والعشب، فهو حياة القلب، وشفاء الصدر، وهو الميزان الذي توزن به الأقوال والأعمال والشخصيات والأفكار، وهو سفينة النجاة حين المُلِمَّات؛ فمن ضَعُفَ علمه؛ لم يعرف الله حقَّ معرفته، ولم يعبد الله على بصيرة، ولم يُدرك فضائل الصبر على الطاعة والدعوة إلى الله وعظيم أثرها، ولم يعرف كيف يتعامل مع المُثَبِّطات وحبائل الشيطان، ولم يستشعر لذَّة فضائل الأعمال وثوابها، ينبغي للداعية أن يُحَصِّنَ نفسه بعلم يَتَّقي به الشبهات، ويُنير بصيرته عندما تُطلُّ برأسها الفتن والمحبِطات، بل ويُعرِّفه قدر نفسه ، فلا يغتر بها مهما زَكَّاه الناس ومدحوه.

ومن هنا فإني أوصي نفسي وإخوتي وأخواتي الدعاة بمجالسة أهل العلم والأخذ عنهم، ويَغشى حلقات أهل العلم ودروسهم ومحاضراتهم ولقاءاتهم، فهي زاده في الدعوة،وأن يكون له مكتبة صوتية ومقروءة ينهل من معينها بانتظام، يُغَذِّي حصيلته الإيمانية والعلمية والمهارية.

9/ ما الأثر الذي يمكن أن يطبعه الفتور في نفس الداعية أو من هم حوله  ؟
نسأل الله الرحيم أن يعيذنا من الحور بعد الكور، ومن الضلال بعد الهدى، ومن الغي بعد الرشاد؛ فإن للفتور المرضي أثراً كبيراً في حياة الداعية، وبالتالي حياة من حوله، فبعد أن كان فاعلاً متوهجاً مؤمناً صالحاً في نفسه مصلحاً لغيره، ترى أثر الطُهر والعفاف والاستقامة على محياه، يسعى لمصلحة مجتمعه ووطنه وأمته. انتكس على رأسه، فأمسى حربة في جسد أمته، قد أعلن الانهزامية في نفسه، وبدأ يمارسها فيمن حوله تثبيطاً وتشكيكاً وتقريراً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَىُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )."رواه مسلم"

10/ ما الطريقة الفعالة في تعامل الداعية مع الشخص المصاب بالفتور لمساعدته في العودة إلى نشاطه السابق ؟

حالة الفتور المرضية، تحتاج مبضع طبيب مشفق حاذق، يدرس حالته، يتعرف إلى أسباب فتوره، يَتَعَرَّف إلى مداخله ومخارجه، المؤثرات الإيجابية والسلبية لديه، فيأخذ بيده خطوة خطوة، مستعيناً بقيوم السموات والأرضين وما فيهن، مبتعداً عن غمز هذا المريض أو لمزه، كاشفاً بطريق غير مباشر الشبهات التي أثَّرت عليه، مباعداً بينه وبين الشهوات التي غَشِيَتْ بصيرته.
إن علاج من أصيب بالفتور ليس أمراً مستحيلاً، فالشواهد في القديم والحديث تدل على أن العودة ممكنة، فالأرضية مهيأة، والنفس قد أشبعت إيماناً وصلاحاً، وما علاها الآن إنما هو غبار لسبب هنا أو هناك، يحتاج إلى من يميطه لتخرج الصورة الناصعة المؤمنة الموقنة بوعد الله جلَّ جلاله.


11/ ما الخطوات التي يمكن أن يسلكها المصاب بالفتور للتخلص منه وعلاجه ؟


خمس خطوات كفيلة بعون الله لتجاوز من أصيب بالفتور وهذا المنحنى:

الخطوة الأولى
: استشعر أنَّكَ في المكان الخطأ، وأنَّكَ في حاجة كبيرة لتجاوز هذه المرحلة للعودة إلى سابق عهدك، لتتهيأ نفسياً وعملياً للمجاهدة التي تُعيدك إلى سبيل المحسنين ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ."سورة العنكبوت: 69"

الخطوة الثانية:
تذلل بين يدي الله بالدعاء وكثرة الاستغفار، مع التقرُّب إليه سبحانه بالصدقة والعمل الصالح، فإن ( قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا ، بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَانِ ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ )"رواه مسلم ،  8/51 "، ناجه في صلواتك وخلواتك وفي آخر الليل، سله سبحانه بقلب صادق، ونفس خاشعة، وعين دامعة، استحضر قدرته سبحانه وضعفك، وغناه وفقرك، وكرمه وحاجتك، سل الله أن يقوي إيمانك، ويخسأ شيطانك، ويفك رهانك، سله أن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، سله أن يرزقك الصحة والعافية والسلامة والإسلام والعلم والإيمان.

الخطوة الثالثة:
خالط الدعاة العاملين الصالحين، اقرأ في سِيرهم، استعرض النجاحات في حياتهم، وباعد بينك وبين العاطلين والمثبطين، اقرأ في الإيمانيات والرقائق، نعيم الجنة، وعذاب النار، سيرة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والسلف الصالح  .

الخطوة الرابعة:
لتكن لك أهدافٌ مرحلية لزيادة إيمانك، وللرقي بإنجازاتك وأعمالك الصالحة، اجعل لك برنامجاً عملياً يُراعي قدراتك ومهاراتك ومحبوباتك من العمل الصالح، ابدأ بما يتيسر وتطيقه نفسك، ستجد الخطوة التالية ميسَّرة بحول الله، فإن الحسنة تنادي أختها، حتى تصل لمرحلة من لا يقبل بشيء دون الجنة نسأل الله أن يكتبنا وإياك من أهلها. يقول رجاء بن حيوة رحمه الله: ( وأمرني عمر بن عبد العزيز أن أشتري له ثوباً بستة دراهم، فأتيته به فجسه وقال: هو على ما أحب لولا أن فيه ليناً، قال: فبكيت، قال: فما يبكيك؟ قال: أتيتك وأنت أمير بثوب بستمائة درهم، فجسسته وقلت: هو على ما أحب لولا أن فيه خشونة، وأتيتك وأنت أمير المؤمنين بثوب بستة دراهم، فجسسته وقلت: هو على ما أحب لولا أن فيه ليناً، فقال: يا رجاء إن لي نفساً تواقة تاقت إلى فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، وتاقت إلى الإمارة فوليتها، وتاقت إلى الخلافة فأدركتها، وقد تاقت إلى الجنة فأرجو أن أدركها إن شاء الله عز وجل ). "وفيات الأعيان . ترجمة رجاء بن حيوة"
يقول يحي بن معاذ رحمه الله: (
عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب، هيهات! أنت سكران بغير شراب ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك )."وفيات الأعيان . ترجمة يحي بن معاذ"

الخطوة الخامسة:
تعاهد الإيمان وتجديده؛ فقد روى الحاكم والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم )"أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 4) وقال الهيثمي في المجمع (1/57) رواه الطبراني وإسناده حسن"،  وقال صلى الله عليه وسلم: ( ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء )."صحَّحه الشيخ الألباني . سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (2268)"

13/ وصايا لمن أصابه الفتور وحاد عن طريق الدعوة إلى الله .

 إني وزنت الذي يبقى ليعدله     ----     ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا

أوصيكَ أخي الحبيب الغالي، أختي الكريمة، يامن خالط شِغاف قلبه يوماً ما حلاوة الإيمان، وبركة الدعوة إلى الله، عُدْ فإن العود أحمد، إن مُصلاك ينتظرك، وكلمة الخير تشتاقك، والتواصي على البر والتقوى يرقبك، أعلنها مدوية، وداعاً يا قيود الأرض، (إن في الماضي للمقيم عبرة، وليس المرء من غده على ثقة، ولا العمر إذا مر يعود، وغواري الليالي في ضمان الإرتجاع، والدهر يسير بالمقيم، فاشتر نفسك والسوق قائمة والثمن موجود، ولا تسمعن حديث التسويف)."اللطائف . ابن الجوزي"

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى  ----    وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
 
ندمت على أن لا تكون كمــثله    ----     وأنــك لم ترصـد كما كان أرصدا


12/ هل يمكن أن تذكر بعض المراجع التي يمكن أن يعود إليها المصاب بهذا الداء تعينه في العودة إلى الطريق السليم ؟
مدارج السالكين:
شيخ الإسلام ابن القيم .
روحانية الداعية:
الشيخ عبد الله ناصح علوان.
الفتور:
الشيخ جاسم بن مهلهل الياسين.
الفتور
: د. ناصر العمر
المتساقطون
: د. فتحي يكن
آفات على الطريق
: محمد نوح
الثبات
: د. محمد موسى الشريف

14/ كلمة أخيرة نختم بها هذا الحوار .

 ما دام عرقي نابضاً   --- لن تعرف النفس ارتياح


-------
تحرير دعوتها :

شكر وثناء يعقبه دعاء لفضيلة الشيخ : أ.عادل الخوفي على ما أمتعنا به في هذا الحوار الممتع فله من الله خير الجزاء .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

لقاءات الشبكة

  • لقاءات عبر الشبكة
  • لقاءات عبر المجلات
  • الصفحة الرئيسية